صدر حديثا كتاب الفن القبطي للدكتور جمال هرمينا، والكتاب عبارة عن موسوعة ضخمة غطت الفترات التاريخية للفن القبطي، ومدارس الفن القبطي المختلفة . كذلك عرض المؤلف في موسوعته لأهم الرموز القبطية سواء كانت أشكال أو أرقام أو ألوان، كما تناولت الموسوعة أشهر الفنانين الأقباط، كما قدمت الموسوعة فصلا عن النسيج والفخار والأخشاب القبطية والمخطوطات القبطية . وقد قدم للموسوعة كل من الأستاذ الدكتور عبد الحليم نور الدين، الدكتور حجاجي إبراهيم، الدكتورة تحفة حندوسة، الدكتور يوحنا نسيم يوسف . ويبدأ المؤلف الفصل الأول بعرض الفترات التاريخية للفن القبطي . علي النحو التالي:- الفترة الأولي من القرن الثالث ق . م إلي القرن الأول :- وفيها امتزج الفن القبطي بالفن المصري القديم والفن اليوناني، والنموذج الشهير لها هي مقبرة بتوزير بمنطقة تونا الجبل، ومقابر المزوقة بالواحات الداخلة (القرن الثالث ق .م )، الكتاكومب (مقابر الشهداء ) في الإسكندرية . الفترة الثانية من القرن الأول حتي القرن الرابع الميلادي :- وهي الفترة التي استمرت فيها التأثيرات المصرية القديمة مثل علامة العنخ بعد وضع الصليب في داخلها، كذلك ظهرت بعض التأثيرات الرومانية من حيث الملابس والمعابد الرومانية، كذلك أيضا ظهور بعض النباتات التي لم تعرف من قبل مثل ورق الغار، الاكانتس، عناقيد العنب... الخ الفترة الثالثة من القرن الرابع الميلادي حتي القرن السابع الميلادي :- وفيه انتشرت الرسومات المستوحاة من الكتاب المقدس مثل قصة داود وجليات، الثلاثة فتية في أتون النار، هروب العائلة المقدسة... الخ كما انتشرت الرسوم الجدارية بكثرة في أديرة باويط وسقارة وكيليا والبجوات وسوهاج و البحر الأحمر . ومن ملامح هذا الفن في تلك الفترة الوجه المستدير، والعين الواسعة، والقامة القصيرة الممتلئة وأحيانا القامة الطويلة النحيلة . الفترة الرابعة من القرن الثامن إلي منتصف القرن العاشر :- حدث شكل من أشكال التدهور النسبي للفن القبطي في تلك الفترة، ولكن مع بدء العصر الفاطمي ازدهر هذا الفن نسبيا، وبرع الأقباط في فن الكتابة، وظهر ذلك واضحا في مخطوطات حامولي، ومخطوطات الدير الأبيض، ووادي النطرون . وألحق بالأديرة مدارس لنساخة المخطوطات وزخرفتها . كما بدأ الفن القبطي في التحرر من بعض القيود، فظهرت مناظر الرقص والطرب ومناظر الصيد . الفترة الخامسة من منتصف القرن الحادي عشر حتي آخر القرن السادس عشر :- انتشرت في هذه الفترة شكل الأطباق النجمية في الحشوات الخشبية كما في باب رشيد وباب الكنيسة المعلقة وحجاب كنيسة سمنود، كما كثرت صناعة المعادن من شمعدانات تحمل زخارف وأشكال هندسية، ولقد تأثرت الزخرفة بالروح الإسلامية . أما الرسوم الجدارية فلقد غلب عليها الطابع البيزنطي والحبشي .وجاءت الرسوم الجدارية بدير الانبا انطونيوس بالبحر الأحمر بأشكال يغلب عليها التأثير البيزنطي . الفترة السادسة من آخر القرن السادس عشر حتي القرن التاسع عشر:- تميز الفن في هذه الفترة بنسخ الكتب، والتي حملت زخارف وعبارات إسلامية مثل كلمة "المصحف" الموجودة علي أحد الأناجيل، وبدء بعض العبارات بسم الله الرؤوف الرحيم، كذلك ظهر الفنانون الأرمن الذين غيروا في بعض الموضوعات وأدخلوا أسماء قديسين جدد لا تخص الكنيسة القبطية. الفصل التالي من الكتاب يعرض لبعض مدارس التصوير القبطي، ويبدأ بمدرسة سقارة التي تمثلها رسوم دير الأنبا ارميا الذي خرب في القرن الثامن الميلادي، ويحتفظ المتحف القبطي بالعديد من آثاره . ومن أبرز ملامحه :- 1- اقتبس من الفن المصري القديم الكثير وطوره، ومزجه بالعقيدة المسيحية، نذكر منها كرسي سقارة ( وهو أنبل حجري مكون من سبعة درجات) حيث اقتبسه من كرسي معبد الحب سد وأضاف إليه القوقعة ذات المعني الديني. 2- اقتبس من الفن المصري القديم طريقة تسجيل الحياة اليومية سواء بالصورة أو الكتابة . 3- أول من قدم في رسومه الجدارية السيدة العذراء وهي ترضع السيد المسيح، وهو هنا ربما يكون متأثرا بصورة إيزيس وهي ترضع الإله حورس . 4- رسم الفنان القبطي السيد المسيح وهو جالس علي العرش منفردا ويحيط به الملائكة، وذلك عكس مدرسة باويط ( دير القديس ابوللو بجنوب أسيوط مركز ديروط، وقد خرب في القرن الحادي عشر حيث غالبية المناظر يصاحبه فيها) . السيدة العذراء وآخرين . 5- كل الرسوم تحمل طابعا دينيا، عكس مدرسة باويط التي وجد فيها رسم للإله إيروس 6- لم تسجل رسومات سقارة تعبير بالكاريكاتير مثل لوحة باويط الشهيرة (رسم القطة والفئران ) 7- تميزت الرسوم بالوجوه المستديرة والأنف الطبيعية، والعيون الواسعة، والشارب الملتحم باللحية، ولا يوجد غطاء الرأس الرهباني . مدرسة باويط ومن أهم ملامح هذه المدرسة :- 1- قدم فنانو باويط قصص متكاملة مثل ميلاد العذراء حتي صعودها جسدها إلي السماء، وقصة داود النبي منذ أن دهنه صموئيل حتي جلوسه علي كرسي المملكة. 2- ظهر التأثر بالفن الهلينستي واضحا، حيث امتزجت الافكار المصرية واليونانية فقدمت نموذج الإله إيروس وهو يمتطي الفهد . 3- ظهرت روح الفكاهة في العديد من رسومها مثل رسم القط والفئران . 4- استخدم الفنان تيجان الأعمدة المركبة ذات الزخارف الحيوانية والطيور إلي جانب الأشكال الهندسية . 5- مناظر المعمودية في هذه المدرسة تميزت بتجسيد الشيطان وهو غارق في الماء، وهو غير موجود في مدارس أخري. 6- تميزت هذه المدرسة بموضوع العذاب الأبدي الذي سيناله الأشرار في العالم الآخر . 7- تميزت هذه المدرسة بكثرة الآثار التي خرجت منها، ربما لعدم قرب اللصوص منها، وربما لطبيعة التربة الجافة في تلك المنطقة ساعدت علي حفظ الآثار. مدرسة كيليا 1- قامت هذه المدرسة بإظهار علامة الصليب المقدس، فقدم الفنانون مجموعات واشكال مختلفة من الصلبان في كل موقع 2- رسمت الشيطان علي شكل أسد مربوط، وهو شكل غير معتاد في الفن القبطي . 3- لم تهتم هذه المدرسة كثيرا بتصوير الاشخاص، ونماذج الأشخاص التي رسمتها اختلفت عن المواقع الأخري في ملامح الوجه والأنف والشعر... ألخ 4- تميزت بكثرة الزخارف التي علي الفخار، كما تفردت بأشكالها الهندسية مدرسة حامولي بالفيوم 1-تميزت هذه المدرسة بتزيين المخطوطات، كما تميزت بالتوثيق الدقيق لتاريخ كل مخطوط . 2- تميزت هذه المدرسة أيضا بكثرة الزخارف النباتية والحيوانية . 3- تميزت الوجوه بالواقعية، ولم تنفذ أسلوب القوالب مثل باويط وسقارة. 5- صورت هذه المدرسة وجه السيد المسيح بدون هالة النور . ويعرض المؤلف لبعض المدارس الأخري في الفن القبطي لا يتسع المجال لعرضها جميعا . الفصل التالي من الكتاب عن الرموز ودلالتها، فرقم واحد في الفن القبطي يرمز لوحدانية الله، كما يرمز للاتحاد الجسدي بين الرجل والمرأة، رقم 2 يرمز للمقارنة بين الخير والشر، كما يرمز للاتحاد والتعاون . رقم 3 يرمز للثالوث القدوس، تكوين الانسان روح ونفس وجسد، الانتصار علي الموت بالقيامة . رقم 4 يرمز لأربع جهات الأرض، الأربع كائنات غير الجسدانية الواقفين حول العرش الإلهي . رقم 5 يرمزللعناية والحواس الخمسة وهكذا . كما استوحي الفنان القبطي بعض الرموز الفرعونية مثل علامة العنخ، أبو منجل، زهرة اللوتس، البيض، بعض الحيوانات مثل التمساح رمز الشر، الثعبان رمز الشيطان، الأسد رمز السيد المسيح ... الخ . بعض الطيور مثل الحمام رمز الروح القدس وأيضا رمز السلام، الطاووس رمز الخلود، ومن النباتات العنب رمز السيد المسيح وأيضا رمز العذراء مريم والكنيسة، الزنبق رمز الطهارة، الزوان رمز الخطية، سعف النخيل رمز النصر... الخ أما عن رموز الألوان، فاللون الأحمر للشخصية الشريرة، والأبيض رمز الطهارة، الأزرق رمز السماء، ويرمز للسيدة العذراء ملكة السمائيين... إلخ . ونوالي قراءة بقية فصول الكتاب الممتع، حيث نجد فصلا عن أسماء بعض الفنانين الأقباط، مثل القس بطرس (القرن 14م) ومنقريوس الحريري، غبريال الراهب (القرن 17 م) والأسقف تيؤدوروس أحد رسامي دير الانبا انطونيوس بالبحر الأحمر(1233م). وبولس البوشي (1235م ) الذي وضع لوحات توضيحية لشروحاته علي سفر الرؤيا . ورغم أهمية الكتاب وتفرده فإنه غير متواجد للبيع للأسف إلا في مكتبة المتحف القبطي بمصر القديمة.