يقول الدكتور عمارة إن الإغريق والرومان والبيزنطيين احتلوا الشرق وقهروه حتي حررت الفتوحات الإسلامية أوطان الشرق، وأقول إذا كان الدكتور عمارة يؤمن أن غزو العرب لأوطان الشرق كان فتحاً وتحريراً فيجب عليه أن يقبل وجهة النظر الغربية التي تري أن احتلال الشرق قديماً وحديثاً كان أيضاً تحريراً له من التخلف ونشراً للواء الحضارة والمدنية في ربوعه. والملاحظ أنه حين يسرد الدكتور عمارة الدول التي استعمرت بلادنا لم يشر إلي الغزو العثماني الذي قمع المصريين وأذلهم وأدخلهم عصوراً مظلمة امتدت لما يقرب من أربعة قرون. ولم يدرك المصريون الهوة السحيقة التي قبعوا فيها حتي استيقظوا يوماً ليجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام الجنود الفرنسيين الذي اعتبر حملتهم علي مصر فتحاً لها كما كان دخول العرب إلي الأندلس فتحاً لها . ورغم هذا أرفض تماماً نبرة الحسرة التي تفوح من أقلام الكثيرين حين يأتي ذكر الأندلس وسقوط غرناطة لأنه لا يجوز أن نعتبر - ولو لاوعياً - ان لنا حقوقاً تاريخية في الأندلس لأننا كنا يومًا حكاماً لهذه البلاد وإلا كان هذا اعترافاً ضمنياً بحق إسرائيل في فلسطين لأنها كانت لها دولة في الماضي القديم تبسط سيطرتها علي هذه الأراضي. هل الغرب سبب تخلفنا ؟ يلقي الدكتور عمارة بالتهمة علي الغرب في تردي الأحوال التي أصابت غالبية الدول الإسلامية لانهم يصدرون إلينا سلع الاستهلاك الترفي كما أن القواعد العسكرية الغربية تغطي أغلب بلاد العالم الإسلامي. قيمة الحرية القواعد العسكرية الرابضة في العراق وأفغانستان وباكستان ودول الخليج....الخ لا تستطيع في رأيي أن تمنع الشعوب المؤمنة بقيمة العمل وقيمة الوطن أن تنتج وتبتكر ولنا في تجربة اليابان وألمانيا أسوة حسنة. فقد خرجت الدولتان محطمتين بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ولكنهما تمكنا من تحقيق معجزة اقتصادية في أقل من عقدين من الزمان رغم وجود القواعد العسكرية الأجنبية . تمكنت الدولتان المهزومتان في الحرب من غزو الولاياتالمتحدةالأمريكية اقتصادياً وأصبح لليابان (التي ليس لديها مصادر للطاقة ) ثقل دولي للدرجة التي تسمح لها بأن تطالب بأن يكون لها مقعد دائم بمجلس الأمن. هذه هي الشعوب التي أرادت بحق وحقيق الحياة فكان لابد أن يستجيب القدر وكان لابد لكل القيود أن تنكسر، فهم لم يتوانوا عن العمل والإنتاج حتي يتم إخراج المحتلين الأنجاس من أرضهم الطاهرة ولم يتهموا بعضهم البعض بالعمالة للمستعمر وفوق ذلك هم قادرون علي ربط الأحزمة علي البطون وقت الأزمات فلا يتهافتون علي اقتناء السلع الكمالية التافهة التي يحرص القادرون من مواطنينا علي امتلاكها لزوم المنظرة والفشخرة. لا أنسي حين سأل أحدهم مندهشاً الشيخ الشعراوي كيف يرضي الله بالهوان للمسلمين بينما العالم الغربي يعدو يوماً بعد يوم إلي الأمام، لم يجب الشيخ السائل بأن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم بل أجاب لدهشتي بأن الله سخر الغربيين لنا يعني هم ينتجون ونحن نستهلك مما يكرس الهوان والتبعية إلي ماشاء الله. هل يضطهد الغرب المسلمين؟ يقول الدكتور عمارة إن الغرب يحرض الأقليات الدينية علي الانفصال عن الدول الأم (المسلمة بالطبع) كما حدث ويحدث في تيمور الشرقية وفي جنوب السودان و يتهم المسلمين بالتعصب بينما لا نجد في الغرب جندياً مسلماً .و الحقيقة أن السياسة الخارجية للدول الغربية لاتهدف إلي نصرة الإخوة في الدين ظالمين أو مظلومين فهي لا تعرف سوي لغة المصالح وقد دكت الآلة العسكرية الأمريكية عام 1999 دولة الصرب مساندة لحق اقليم كوسوفا ذي الغالبية المسلمة في الاستقلال. أما بالنسبة لالتحاق المسلمين بالجيش فأطمئن الدكتور عمارة أنه غير مجرم أو محرم، وقد قرأنا عن جنود أمريكيين مسلمين أثناء حرب العراق حائرين بين الانتماء للدين والوطن يتساءلون إن كان يجوز لهم - إسلامياً - أن يشاركوا في حرب ضد دولة مسلمة. إن الغرب - يا دكتور - وإن كان غير عادل في سياسته الخارجية إلا أن الأوضاع الداخلية المتعلقة بالحرية والديمقراطية وحقوق المواطن لا يمكن مقارنتها بتلك القائمة في بلادنا. ففي الولاياتالمتحدة - علي سبيل المثال - تمكن مواطن أمريكي أسود قادم من طبقة بسيطة وله جذور إسلامية أن يفوز بمنصب رئيس البلاد. والقوانين الغربية نصت علي فصل الدين عن الدولة مما يمنع أي سلطة أن تمارس طغيانها الفكري علي ضمير أي مواطن، فالفرد هناك يستطيع أن يختار بإرادته الحرة معتقده ونحن في مصرنا مازلنا نصنف الناس علي أساس من معتقدهم الديني عن طريق خانة الديانة في البطاقة الشخصية ونرفض أن نمنح البهائي حقوقه الكاملة كمواطن لأن الدين الإسلامي لايعترف سوي باليهودية والمسيحية في حين أن الغربي الذي يعتنق الدين الإسلامي (الذي لايعترف به المسيحيون كدين سماوي) يتمتع بحقوقه كاملة غير منقوصة. هناك مشاهير في الغرب يشهرون إسلامهم ويلقون مع ذلك كل الحب والتقدير فالملاكم محمد علي كلاي منح لقب ملاكم القرن العشرين (هل إذا اعتنق مثلاً لاعب الكرة السابق محمود الخطيب ديناً آخر غير الإسلام يمكن أن يظل ينعم بنفس الشعبية التي يتمتع بها). حرية العقيدة في الغرب حقيقة واقعة لكنها عندنا مجرد شعار نظل نردده حتي نصدقه وبالطبع لا أحد يصدقنا. إن التراجع الذي نلمسه في جميع مناحي حياتنا ليس سببه تآمر الغرب علينا واضطهاده لنا ولكن لأننا خاصمنا الحرية وأهملنا العدالة ونسينا أن العمل عبادة وارتحنا لما وجدنا عليه آباءنا فقتلنا فينا الفكر النقدي و القدرة علي التفكير و ادمنا فتنة التكفير . وتقدم الغرب لأنه قدس قيمة العمل وشجع الإبداع والابتكار وآمن بنسبية الحقيقة وأن الاختلاف رحمة والتنوع ثراء واقتنع بحتمية الديمقراطية وفصل الدين عن الدولة وتداول السلطة وسيادة القانون علي الجميع وطور أنظمته الرأسمالية وطعمها بالاشتراكية فاعتني بالفقراء والمرضي وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. فياليتنا نؤمن بهذه القيم ونعمل جاهدين لنشرها في ربوع وطننا الحبيب حتي يتحقق له التقدم المنشود ونباهي به الأمم ونقول لهم بزهو "هذه مصرنا".