علي مسارح الأوبرا وحفلات صندوق التنمية الثقافية لوزارة الثقافة في الغورية وقبة الغوري ووكالة الغوري وغيرها من مراكز الإبداع كان لجريدة القاهرة مشاهدة لعازفة الهارب المصرية المتألقة منال محيي الدين التي كان آخرها علي مسرح قصر الأمير بشتاك بشارع المعز.. حيث احتضنت منال آلة الهارب وكأنها مخلوق كلاسيكي واحد، وخلفها فرقتها التي كانت تعزف علي آلات الكمان والناي والرق والدرامز والكيبورد والتشيلو. وفي جو رومانسي افتقدناه حلقت بنا منال في زمن الفن الجميل وهي تنقر بأصابعها الرقيقة أعذب الألحان علي أوتار الهارب لنحلق معها في ليالي الأنس في فيينا الذي أعدها ووزعها خالد عويضة ونهتز علي مقاعدنا نشوة مع موسيقي رقصة عزيزة للراحل محمد عبدالوهاب ولنستمتع بلحن حب لعمر خيرت وتعشق منال ألحانه بل وهي عضو في فرقته ثم نهاوند لفتحي سلامة.. وعندما تعزف منال محيي الدين نشعر وكأن هناك نسمات من الهواء ترفرف علينا وتصقلها هي بعزفها للرحبانية «نسم علينا الهوي» ثم «يمامة بيضة» وأروع الألحان لفيروز والغناء الصوليست الذي يخرج لفيروز معزوفاً ومنطلقاً من بين أصابعها وأوتار هاربها.. ثم تكون المفاجأة موسيقي لبعض الأفلام التصويرية التي كانت من ألحانها خاصة لفيلم أبوعلي.. ونشعر من خلال موسيقي هذا الفيلم بأن هناك عناقاً بين دراما الفيلم ولمساتها الموسيقية حتي وإن كنا لم نشاهده. ونأتي لآلة الهارب فهذه الآلة لم تكن وليدة عصرنا أو ما قبله لكن آثارها تدلنا علي أنها ولدت مع الفراعنة من خلال رسوماتهم المتعددة علي جدران المعابد والمقابر.. وكيف كانت هذه الآلة تقود طقوسهم الدينية واحتفالاتهم القومية المتعلقة ببطولاتهم وأمجادهم بل وبالنيل نبع حياتهم. وتعتبر آلة الهارب من الآلات النادرة ولا نراها في الحفلات إلا ومنال تحتضنها وتعزف عليها بعشق وحب وهكذا منذ طفولتها فقد كان والدها الدكتور محيي الدين حسين الذي يعتبر من رواد فن الخزف وكان هاوياً بعشق لآلة العود والكمان فإذا كان هو كذلك فكيف بابنته؟! لماذا لا تخوض معه معترك الفن الجميل؟! وحتي لا تضيع منه هذه الفرص فقد ألحقها علي الفور بالكونسرفتوار في هذا العمر الصغير عشر سنوات ولم يكن إلحاقها للمعهد إجبارا لتكون مثله بل لما لمسه واحسه بموهبتها وحبها للموسيقي وكانت البداية أن شجعها لحب الموسيقي وفي المعهد احتضنتها الدكتورة ناهد ذكري لتعلمها العزف ووجهتها لدراسة آلة الهارب ووجدت منها الاستجابة والفهم السريع للآلة.. ومازالت منال كلما عزفت علي أوتار الهارب تذكرت طفولتها مع من أحبتهم أو أحبوها وكان العشق المتصل بينهما حب الموسيقي. وآلة الهارب لها جمالياتها الموسيقية والتي تجعلها تبدو كعروس بأوركسترا القاهرة تلك الآلة التي تصدر صوتا حنوناً ينبعث من تجويفها الخشبي المشدودة عليه الأوتار ولقد انتشرت هذه الآلة مع انتشار الحضارات لتوظيفها في الطقوس الدينية في المعابد والاحتفالات مع الرقص واستمر ذلك علي امتداد الحضارات الآشورية وما بين النهرين وفي آسيا بل وعند الإغريق الذين صنعوا آلة تشبهها تسمي «آلة اللير» وانتقلت الآلة أيضاً إلي الرومان ومنها إلي أوروبا حتي أصبحت من الآلات الكلاسيكية الأوروبية الشهيرة المهم وجودها في الأوركسترا والعزف المنفرد. ولم تنتشر آلة الهارب في العديد من الفرق كما تقول منال لارتفاع ثمنها الذي يتعدي ال 60 ألف جنيه أما امتلاكها لهذه الآلة فلم يكن في البداية سهلاً فلم تكن لديها الامكانيات لشرائها وامتلاك آلة الهارب لها كان بمثابة حلم تحقق بعد سفرها لألمانيا أربع سنوات بمنحة من الحكومة الألمانية بعد انتهائها من البكالوريوس فاشترت الآلة وبعد أن حصلت علي أعلي شهادة في هذا التخصص والتي تعادل الدكتوراة في مصر وهي الدبلومة المتخصصة الألمانية. وحول مشوارها مع هذه الآلة في العزف تقول إنها اشتركت في العديد من الحفلات والمهرجانات وكانت تسافر بمفردها أو مع الفرق المشتركة لتمثيل مصر في الخارج سواء عن طريق وزارة السياحة أو وزارة الثقافة ومن ضمن رحلاتها سافرت إلي أمريكا بجنيف حيث مثلت مصر في المؤتمر الدولي للهارب هذا المؤتمر الذي يعقد كل ثلاث سنوات، وقد نالت إعجابا مهماً من الجمهور. وعن امنياتها لآلة الهارب تقول عازفة الهارب المصرية منال محيي الدين: إن آلة الهارب تلقي إعجاباً من جمهور الموسيقي الكلاسيكية وأتمني أن تكون ضم آلات العزف الموسيقية الشرقية مثل فرقة فتحي سلامة وفرقة عمر خيرت بل وفرقة بنات النيلوالتي هي عضو مؤسس فيها.