يعرض مسرح الطليعة في قاعة زكي طليمات مسرحية «ساحرات سالم»، وهي مسرحية من تأليف الكاتب المسرحي الأمريكي آرثر ميلر. وترجمة عبدالمنعم الحفني وإعداد وإخراج جمال ياقوت. هذه المسرحية مأخوذة عن حادثة حقيقية شهدها المجتمع الأمريكي في الأعوام الأخيرة من القرن السابع عشر الميلادي، وقد صاغها ميلر في قالب مسرحي تراجيدي لتعبر عن آلامه النفسينة ومعاناته في فترة زمنية معينة من حياته اعتنق فيها أفكاراً معينة. فترة انتقالية وقد وقع الاختيار علي هذه المسرحية لتعرض في هذه الآونة لأنها تناسب المجتمع المصري في الوقت الراهن، إذ إن في هذه الفترة الانتقالية تصطدم الآراء والأفكار وربما تتصارع مع بعضها البعض كأنها أمواج بحر تتلاطم، ويسعي المنتفعون بالنظام السابق إلي إشعال نيران الفتنة والوقيعة بين فئات المجتمع لتمزيق الأواصر بينها أملاً في عودة الأمور إلي ما كانت عليه. ومن ثم تعالج مسرحية «ساحرات سالم» قضية الفتنة الطائفية التي تحدث بين الفئات المختلفة من المجتمع، وتبين آثارها الخطيرة الضارة بالمجتمع، خاصة في هذه الظروف الحرجة التي يمربها المجتمع المصري بجميع أفراده وطوائفه، وذلك من خلال فتنة طائفية قامت بتدبيرها ابيجل بطلة هذه المسرحية. تتفجر أحداث هذه المسرحية فجأة عندما تمرض الطفلة بيتي ابنة القس باريس، ويرفض الطبيب أن يستمر في علاجها بعد أن اكتشف أن مرضها ناجم عن السحر. ويستدل باريس علي صحة رأي الطبيب بأنه قبل مرضها بيوم واحد رأي ابنته وابنة أخته ترقصان مع الفتيات في الغابة، ورأي ثوبا علي العشب وشخصا عاريا يجري، وكان قد تغاضي عن الأمر في ذلك الحين لأنه أعتقد أن أعداءه يريدون طرده من منصبه الديني. مفعول السحر ومن ثم يسعي باريس إلي أن يبطل مفعول السحر، لكي تشفي ابنته، ويلتقي بإبيجل وينصحها بأن تكف عن ممارسة السحر فتنكر. ابيجل تطلب من جون بروكتور أن يترك زوجته اليزابيث وأن يقيم معها، لكن جون يرفض ذلك وينصحها بأن تعود إلي العمل لدي اليبزابيث لأن القرية تضج بالشكوي من أعمال السحر، ثم تتابع أحداث المسرحية ويحاكم المسئولون عبدة الشيطان ويتعقبونهم ويحاكمونهم. من الملاحظ أن مسرحية «ساحرات سالم» ذات حبكة درامية جيدة تم إحكام ترابط خيوطها بدقة وعناية، وهي ذات حدث درامي بسيط يتجسد من خلاله المضمون الفكري الذي حرص العاملون بالمسرحية علي نقله إلي المتلقي وهو: «أن الفتنة الطائفية نيران تلتهم الذين يشعلونها أكثر من غيرهم». المسرحية تتكون من بضعة مشاهد لكل منها منظر مسرحي تتميز ديكوراته بالفخامة التي تتميز بها الأعمال المسرحية التي تدور أحداثها في عصر النهضة مثل وجود البوابات العالية الضخمة والحجرات الواسعة والأسقف العالية. من الملاحظ في هذه المسرحية أن الشخصية الرئيسية الأولي شخصية ابيجل تحرك الأحداث وتجعلها تسير في الاتجاه الذي سارت فيه، وتجعل خيوط الحبكة تتشابك وتتعقد كي تصل إلي ذروة تتوقف عليها نهاية المسرحية، وابيجل بطلة هذه المسرحية فتاة تعبد الشيطان، تعمل خادمة لدي اليزابيث وتستدرج جون زوج مخدومتها وتوقعه في علاقة آثمة، ثم تترك العمل وتخطط لقتل اليزابيث عن طريق السحر لكي تستولي علي المنزل والزوج. صعوبة الأداء وقد أدت الممثلة الشابة سمر علام هذاالدور بإتقان رغم صعوبة أدائه، إذ يقتضي هذا الدور أن تكون الممثلة التي تؤديه ذات قدرة كبيرة علي التعبير بملامح الوجه بسبب مان به مواقف يتطلب أداؤها أن يشعر البطل بمشاعر مختلفة، وبعضها تحتم أن يسهم التعبير بأعضاء الجسد مع ملامح الوجه في تجسيدها. والشخصية الرئيسية الثانية هي شخصية جون بروكتور الرجل الذي يحب زوجته اليزابيث ويسعي إلي إنقاذها من القتل، ثم يسعي باريس إلي أن يجعله يعترف بجرمه وينفذ فيه الحكم بالإعدام شنقا. وقد أجاد الممثل رامي الطمباري أداء دور جون بروكتور، وحالفه التوفيق في تجسيد جميع المواقف التي اشترك جون في أدائها. أما الطرف الآخر من الصراع فالشخصية الرئيسية به شخصية القاضي والكوث، وقد استطاع والكوث أن يصل إلي عبدة الشيطان رغم قدرتهم الكبيرة علي المراوغة وأن يضرب علي أيديهم بقوة أطاحت بهم لكي تنصلح أحوال القرية، وقد أدي الممثل حسن نوح هذا الدور بكفاءة أضفت علي المسرحية كثيراً من المصداقية. الشخصية الرئيسية الثانية في هذا الطرف من الصراع شخصية القس باريس رجل الدين الذي تتمثل فيه السلطة الدينية والدنيوية، ويتعاون مع القاضي في محاكمة عبدة الشيطان، وقد أجاد الممثل محمد العزايزي أداء هذا الدور، وأجادت الطفلة نهلة محمود أداء دور بيتي الطفلة المريضة ابنة باريس. وكانت الاستعراضات التي صممها عاطف عوض عنصرا مهما من العناصر الجمالية التي يشتمل عليها هذا العرض المسرحي الرائع، ولم تكن الاستعراضات مقحمة علي العرض المسرحي، بل هي جزء لا يتجزأ من الحبكة الدرامية، إذ إن الشخصية الرئيسية ابيجل من عبدة الشيطان، ويعتبر الرقص والغناء والتمثيل الصامت واستخدام الرمز - الدمية - من الوسائل المهمة لممارسة السحر والاتصال بالشياطين. مؤثرات صوتية وكانت الملابس التي ارتداها الممثلون أثناء تمثيل أدوارهم مناسبة للأدوار التي يؤدونها لأنها تشبه الملابس التي كان الناس يرتدونها في الوقف الذي دارت فيها أحداث المسرحية، وقد أضفي ذلك علي المسرحية الكثير من المصداقية والبعد عن التكلف، وكان للموسيقي التي أعدها إيهاب قنديل أثر كبير في إضفاء المزيد من المصداقية علي أحداث المسرحية، وأسهمت معها المؤثرات الصوتية في اضفاء المزيد من هذا الإحساس. ورغم أن الإضاءة عنصرا مهما من العناصر الجمالية في هذه المسرحية غير أنها كانت وسيلة لجذب المشاهد وجعله ينتبه باهتمام إلي ما يعرض أمامه علي خشبة المسرح، وجعلت أداء المممثلين يتسم بالواقعية والجمال، ومن الأمثلة الواضحة علي ذلك الاستعراض الذي كان في بداية المسرحية، حيث رقصت الساحرات في الغابة. وقد تم توظيف الإضاءة في هذه المسرحية كوسيلة للفصل بين المشاهد التي يتم من خلالها عرض الفصل الدرامي الذي يشكل بنية هذه المسرحية، فكان المشهد ينتهي بالإظلام، ثم يضاء المشهد التالي. في نهاية المقال يمكنني أن أقول إن هذا العرض المسرحي الجيد المتميز، مؤكد أنه خلاصة جهود العاملين به ويشير إلي أن وراء هذا العمل مخرجاً واعياً استطاع أن يهيمن بكفاءة علي كل عناصر العرض المسرحي، وأن يجيد توظيفها في إنتاج عمل مسرحي متكامل.