إسرائيل تبحث تقارير الموساد عن أحداث «التحرير» وإسرائيليون متنكرون ينتشرون في الميدان لرصد المتظاهرين ساذج من يظن أن إسرائيل تكتفي بالمشاهدة خلال هذه الأيام العصيبة التي تجتازها البلاد! وساذج من يعتقد أن استعادة مصر لقوتها الداخلية والخارجية لا يزعج الكثيرين، لا سيما الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. ولذلك من الخطأ الاعتقاد بأن ما يجري في مصر الآن يخلو من تدخل أجنبي، ولو تم ذلك بأياد ترتدي قفازات صوفية صنعت في مصر. كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن وجود مراسلين إسرائيليين لها في ميدان التحرير منذ عدة أيام لتغطية المظاهرات المندلعة منذ السبت الماضي، لكنها لفتت إلي حرصهم علي إخفاء هوياتهم عن المتظاهرين، الأمر الذي يجعلنا نتساءل إذا كان الاعلاميون الإسرائيليون نجحوا في التسلل الي الميدان، فماذا عن عملاء الموساد؟ وماذا لو كانوا عربا؟ أو حتي مصريين؟ وهل سيكتفون بالمشاهدة والتبرع بالدم؟ علي سبيل المثال، أبرزت صحيفة "يسرائيل هايوم" الإسرائيلية صورة لمراسلها مع متظاهرين سلفيين بميدان التحرير، في صدر صفحتها الأولي، بالاضافة إلي صورة اخري وهو يحمل علم مصر في الميدان ايضا، تحت عنوان: "الاخوان" يسيطرون علي شوارع القاهرة". وكتب مراسل الصحيفة، بوعز بيسموت، تقريرا قال فيه إن القاهرة باتت مدينة حزينة، خلافا لتطور الأمور باتجاه ايجابي في كل من تونس وليبيا واليمن، وسخر من المظاهرات الجارية في ميدان التحرير قائلا بأنها تدل علي ان "الديمقراطية اطلقت لحيتها"، في اشارة إلي سيطرة إسلاميين علي المظاهرات، علي حد قوله. وقال "بيسموت" إن المصريين لم يعودوا متحمسين ولا موحدي الصفوف كما كانوا خلال ثورة يناير، واتخذت مصر شكلا آخر يسوده الحزن والتشاؤم والعنف والانقسام. وأكد الصحفي الإسرائيلي أنه نجح في إخفاء هويته الإسرائيلية عن المتظاهرين بالميدان، ونجح في التجول بجميع أرجائه ليلا ونهارا، والتقط الكثير من الصور. أما إذاعة الجيش الإسرائيلي فبثت تقارير علي الهواء مباشرة من ميدان التحرير، بصوت سيدة، قالت الإذاعة إنها إسرائيلية تقيم في القاهرة تحت هوية مستترة، وأطلقت علي نفسها اسما مستعارا هو "ناعمي"، لكن الاذاعة لم تبين سبب إقامة هذه الإسرائيلية في القاهرة! وقالت الإسرائيلية المتخفية إن المظاهرات تتركز في منطقة وسط القاهرة فقط، بينما يسود الهدوء والحياة الاعتيادية في بقية انحاء العاصمة. وأضافت: "أشعر بالأمان في القاهرة باستثناء منطقة ميدان التحرير والمناطق المحيطة بها، ولكن يسود الشوارع المصرية خوف مرضي (بارانويا) من الجواسيس الأجانب". وأكدت أنه منذ اندلاع الاضطرابات الأخيرة تبدو القاهرة كمكان غير آمن للإسرائيليين، ولن يرحب بهم أحد، خاصة بعد قضية الجاسوس الإسرائيلي الأمريكي ايلان جرابيل، الذي تم الإفراج عنه مقابل 25 سجينا مصريا في السجون الإسرائيلية منذ عدة أسابيع. لكنها قالت إن القاهرة بصفة عامة مدينة هادئة، بل وتتميز بانخفاض معدلات الجريمة فيها. وأضافت: "بصفة عامة اشعر بالأمان وأنا أتجول في شوارع القاهرة، وعندي أصدقاء أمريكيون هنا، من نيويورك، يؤكدون أن معدلات الجرائم في مدنهم اكبر من القاهرة بكثير". ونقلت الاذاعة الإسرائيلية عن مراسل آخر لها في الميدان، قالت إنه طالب إسرائيلي في القاهرة، وقدم نفسه باسم مستعار هو "جي"، ان الشعور السائد في ميدان التحرير الآن هو أن الاخوان المسلمين ليسوا القوة الوحيدة القادرة علي الحشد في مصر، وان تيارات اخري لها قوة كبيرة ايضا في الشارع، ومن بينها الليبراليون، علي حد قوله. من جانبها، حرصت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية علي ان تلفت الانتباه إلي وجود مراسل لها في القاهرة، عبر عنوان تمهيدي: "مراسل هآرتس يكتب من القاهرة". وكتب مراسل الصحيفة، "انشيل فيفر" (37 سنة)، عن الأجواء الحماسية السائدة بين المتظاهرين في ميدان التحرير، ناقلا عن أكثر من متظاهر قوله إنه مستعد للاستشهاد في المعركة الدائرة مع قوات الامن. وقال إن الميدان يمتلئ بالمتظاهرين الشباب "العلمانيين"، مع وجود بارز ايضا لأعضاء جماعة "الاخوان المسلمين"، الذين خصصوا مساحة بالميدان للصلاة. ونقل عن أحد أعضاء الإخوان: "لا اهمية للانتماء الحزبي الآن، فكلنا مصريون أتينا للحفاظ علي ثورتنا التي رويناها بالدم". الموساد في ظل هذا الوجود الإسرائيلي في الميدان، لا ينبغي ان نندهش عندما نطالع خبرا يقول إن الحكومة الإسرائيلية ناقشت تقارير أجهزة المخابرات الإسرائيلية عن أحداث ميدان التحرير وتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في مصر، وتداعيات ذلك علي اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. فقد عقد مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر اجتماعا بالفعل، الاسبوع الماضي، استمر لثماني ساعات متواصلة، تناول التقارير والمعلومات التي جمعتها أجهزة المخابرات الإسرائيلية، الموساد والشاباك، والاستخبارات العسكرية، بالإضافة إلي وزارة الخارجية الإسرائيلية، حول تطورات الأوضاع في مصر والدول المحيطة بإسرائيل. وأكدت صحيفة معاريف الإسرائيلية تزايد حدة المخاوف لدي قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من احتمالات وصول جماعة الإخوان المسلمين إلي الحكم في مصر، وما قد يترتب علي ذلك من تداعيات إلغاء اتفاقية السلام مع مصر. وعرض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني جانتس، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، "افيف كوخافي"، تقديراتهما واستعدادات الجيش الإسرائيلي لحدوث سيناريوهات، وصفاها بالمتطرفة جداً في مصر، يترتب عليها إلغاء اتفاقية السلام، واشتعال الحدود الجنوبية مع مصر, فيما أبدي وزراء في الحكومة الإسرائيلية حضروا النقاش عن اعتراضهم لمثل هذه التقديرات، وقالوا إن جماعة الإخوان المسلمين، في حال وصولها إلي الحكم في مصر، ليست معنية بمواجهة عسكرية مع إسرائيل. ونقلت الصحيفة عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوي قوله إن تخوفا كبيرا يسود في إسرائيل إزاء أعمال العنف والشغب السائدة حالياً في مصر، وإمكانية فقدان الجيش للسيطرة علي الأمور، وفتح الطريق أمام حركة الإخوان المسلمين لتولي الحكم في مصر. وأضاف أن نتائج سيناريو متطرف كهذا حسب التقديرات الاستخبارية العسكرية، والنظام الأمني الإسرائيلي، قد تؤدي إلي إلغاء اتفاقية السلام مع مصر". وقدمت وزارة الخارجية الإسرائيلية تقريرا قالت فيه إنه في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها مصر سيجري تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وبعدها ربما يتم إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل، لكنها وصفت ذلك بأنه احتمال ضئيل جداً، وقال مسئولون كبار في الوزارة إن اتفاق السلام ليس في خطر ومصلحة الجانبين الحفاظ عليه. ونفي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ما ذكرته صحيفة معاريف بشأن مناقشة المجلس الأمني المصغر "خطة عسكرية" أعدها الجيش الإسرائيلي لمواجهة احتمال إلغاء معاهدة السلام مع مصر. وقال وزير الداخلية الإسرائيلي، ماتان فيلنائي، أن الوضع في مصر "مقلق وحساس وغير واضح"، وأعرب عن أمله في أن ينجح المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، في تجنب الفوضي ونقل السلطة بشكل منظم. واضاف لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "يبدو أن الفوضي الراهنة ستقود في نهاية المطاف الي حصول الاسلاميين علي الأغلبية لأنهم منظمون ويحظون بدعم مالي قوي، فضلا عن تواجدهم في كل أنحاء مصر، وهذا مصدر القلق الرئيسي بالنسبة لنا". وقال: "نحن مستعدون لمواجهة كافة السيناريوهات"، ردا علي إمكانية إلغاء اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في ظل الأحداث الجارية. متمسكون بالسلام من ناحية أخري، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن مسئولين مصريين نقلوا إلي إسرائيل رسائل تهدئة بشأن مستقبل اتفاقية السلام. وقالت الصحيفة ان السفير الإسرائيلي اسحاق ليفانون، الذي زار مصر لمدة 36 ساعة، مطلع الاسبوع الماضي، حمل الرسائل المصرية التي تؤكد تمسك مصر باتفاقية السلام المبرمة مع إسرائيل علي الرغم من الاضطرابات وتوترات الأوضاع التي تشهدها البلاد. وأشارت إلي أن المسئولين المصريين نقلوا رسائل مشابهة إلي مسئولين كبار في وزارة الدفاع الإسرائيلية وضباط رفيعي المستوي في الجيش، عبر السفير الإسرائيلي خلال اجتماعات عقدها مع مسئولين مصريين، من بينهم اللواء مراد موافي، رئيس المخابرات، وكمال عمرو، وزير الخارجية. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة المستوي نقلت رسالة تهدئة إلي مسئولين دبلوماسيين في إسرائيل بأن السلام مع إسرائيل ذي أهمية استراتيجية بالنسبة لمصر، بعد صدور تصريحات إسرائيلية تعبر عن خوف إسرائيل من تدهور الأوضاع علي خلفية أحداث ميدان التحرير. وقالت صحيفة "يسرائيل هايوم" إن "إسرائيل" قلقة جدا من تنامي قوة الإخوان المسلمين في مصر، ومن احتمالات أن يؤدي ذلك إلي تدهور العلاقات بين مصر وإسرائيل. ونقلت الصحيفة عن مصدر أمني رفيع المستوي قوله إنه إذا كانت إسرائيل لا تستطيع الاعتماد علي المصريين فيتوجب عليها الاعتماد علي نفسها, "وبالتالي لا يجوز بأي حال من الأحوال المساس بميزانية الجيش الإسرائيلي في الوقت الراهن". وتوقع السفير الإسرائيلي السابق في مصر، تسفاي مازال، دخول مصر في حالة من الفوضي السياسية، معتبرا أن اعتراض الإخوان المسلمين علي وثيقة علي السلمي هو ما فجر الأحداث مؤخرا، مشيرا إلي توقعات بفوزهم بثلث مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات القادمة. وكان لافتا أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومنها صحيفة "يسرائيل هايوم" تناولت أحداث ميدان التحرير باعتبار أن المتجمهرين فيه الآن هم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق عضو الكنيست بنيامين بن إليعازر قد حذر، أمس الأول، من اندلاع حرب مع مصر علي خلفية تدهور الأوضاع وأحداث ميدان التحرير. وأرجعت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية أحداث التحرير إلي وثيقة الدكتور علي السلمي، نائب رئيس الوزراء، ووصفتها بأنها "الوثيقة التي مزقت مصر". أخيرا.. أخطر ما في أحداث ميدان التحرير علي المستوي الداخلي هو أنها جاءت متزامنة مع إجراء الانتخابات البرلمانية. وفي الخارج تندلع مثل هذه المظاهرات، لا لفرض قرارات أو رفع حزب او فئة بعينها لكراسي الحكم، وانما من اجل الدعوة الي انتخابات كي يقول الشعب، كل الشعب، كلمته عبر الصناديق. أما ما يجري الآن، فبالإمكان استنساخه كما حدث في العباسية، من جانب المؤيدين لبقاء المجلس العسكري حتي تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب من الشعب في يونيو المقبل، ويمكن استنساخه علي سبيل المثال من جانب الإخوان، وبإعداد أكبر طبعا، من اجل المطالبة بتعيين الدكتور عصام العريان مثلا لرئاسة الحكومة، وماذا لو خرجت كل فئة في ميدان لتطالب بشخصية مختلفة لتولي منصب ما؟.. الأمر طبعا يفتقد الي أي منطق، ويتعارض مع الرغبة في ترسيخ الممارسة الديمقراطية، فضلا عما يشيعه من فوضي.