مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية تتسارع إيقاعات الحملات الدعائية بين المرشحين لكسب تأييد الناخب وتتنوع هذه الدعايات لتأخذ أشكالا مختلفة بين مرشح وآخر. ومن بين أكثر هذه الأشكال وضع الصور والملصقات في الأماكن العامة لجذب الانتباه رغم مخالفة البعض في تجاوز الأماكن المخصصة. والدعاية الانتخابية هي حق مشروع من اجل التعريف بالمرشّح وما يملكه من خبرات ومؤهلات علمية، لكن هذا ليس هو بيت القصيد بل ما يهمنا في المقام الأول أن تكون هذه الدعاية، دعاية منطقية وغير مبتذلة وتقوم بالدور المفروض أن تقوم به. قبل الثورة أو بعدها لم يختلف الحال كثيراً في أساليب الدعاية الانتخابية، المرشحون يتسابقون في نشر دعايتهم بشتي الطرق الممكنة، أنواع مختلفة من اللافتات بدأت تكسو شوارع المحافظات استعداداً لموسم الانتخابات، بعضها طريف وبعضها غريب وأغلبها عادي - لا يختلف كثيراً عن دعاية المرشحين قبل الثورة-، وكما كان متوقعاً احتل موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" صدارة اهتمامات المرشحين لنشر دعايتهم الانتخابية، والتواصل مع المواطنين، حيث نجد صفحات كل يوم يتم إنشاؤها بأسماء مرشحين وتيارات سياسية بعينها تستغل حالة التوتر السياسي والفكري المسيطرة علي الشباب الآن لفرض بعض أفكارها عن طريق السم في العسل عبر ال"فيس بوك" الحبيب الأول لكل الأعمار وكل الفئات خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، لكن تبقي طرافة الشعب المصري "ابن النكتة" هي السمة المميزة للدعاية سواء في الشوارع أو عبر الانترنت. شهيد المرشحين فنري مثلا أن حق الشهداء و تقديرهم تحول إلي وسيلة للدعاية الانتخابية وفرصة قد يستغلها البعض للوصول لأصوات الناخبين إلي أن وصل الأمر بأحد المرشحين - كما توضح الصورة- إلي ادعاء انه احد شهداء السويس، الصورة التي انتشرت علي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك توضح إحدي اللافتات الخاصة بالمرشح المستقل علي مقعد العمال بدائرة السويس وهو رمز البوتاجاز ومكتوب عليها انه من شهداء السويس مما أثار سخرية لاذعة علي تلك الصفحات. بينما دوَّن الناشطون علي صدر صفحتهم تعليقاً قالوا فيه: "اللافتات الدعائية، دعاية رخيصة ومضيعة للأموال تستغل عقول الناخبين, وتشوه منظر الشوارع والميادين دون نفع، ويتم فيها صرف الملايين من الجنيهات في أمور ليس لها أي قيمة، ومن الأولي أن تستفيد بها الفئات الفقيرة من الشعب، من خلال مشاريع وأعمال خيرية نافعة". وشبه الشباب المشاركون في الحملة أساليب الدعاية الانتخابية للانتخابات المقبلة بأساليب مرشحي الحزب الوطني في الانتخابات السابقة، والتي وصفوها بالمستفزة التي تميل إلي المنظرة والتعالي، متجاهلة حقوق المواطنين في معرفة برامجهم الانتخابية. أنت تقدر وعلي طريقة مقدم برامج المصارعة الشهير ممدوح فرج، كانت الدعاية الانتخابية للمرشح ناجي أبوالنجا في دائرة أول دمياط والمرشح لمقعد الفئات مستقلاً، أبوالنجا استخدم أسلوب ممدوح فرج في التعبير عن نفسه وكتب علي لافتته الانتخابية يقول: "أنت تقدر.. أنا أقدر لأنني بحبها"، ووضع صورته وهو يرتدي نظارة سوداء ومرتدياً لبدلة من أغلي الماركات، أما المرشح عبدالرحمن حمودة فقد أثارت لافتته الانتخابية الجدل والتساؤل حول مهنته الحقيقية فالرجل كتب في لافتته يقول: "الرجل الذي تخرج علي يده صفوة من كبار الأساتذة والمهندسين والمحامين والأطباء"، مما يثير علامات الاستفهام حول طبيعة مهنته، كما نال بوستر دعاية العمدة صالح نصير حالة من السخرية بين الجماهير بسبب الاختلاف الكبير بين اسمه الحقيقي "محمد أحمد بكري رضوان"، واسم شهرته "العمدة صالح نصير". والأطرف ذلك المرشح "أيمن مبارك" الذي كتب علي لافتاته "لو مش عجبك أسلوبي .. رجعلي دبدوبي"، وآخر يقول "لا تنتخبوني".. وعلي الجانب الآخر نجد الناخبون ينظرون لهذه الدعاية بمنظور آخر ففي الدائرة السادسة بالقاهرة تترشح أكثر من امرأة أشهرهن "جميلة إسماعيل" لكن نفاجأ بأن الناخبين يقولون إنهم سينتخبون سيدة أخري لأنها أجمل وعيونها ملونة!!! وكأننا نتخير المرشحين بأشكالهم لا أفعالهم!!! من بين لافتات الدعاية الانتخابية المثيرة للسخرية كانت لافتة المرشح خالد البرنس حيث حملت لافتاته شعاراً يقول: "كينج كونج مش عضو مجلس شعب خرونج"، كما استغل أحد المرشحين شهداء ثورة 25 يناير وأعلن تنظيم دورة رياضية في كرة القدم تحمل اسم "دورة شهداء 25 يناير" كنوع من الدعاية الانتخابية لنفسه، وانتشرت أيضاً صورة للمرشح فواز عبدالحليم شاهين نائب مجلس الشعب السابق عن الحزب الوطني وعليها شعار الحزب الوطني المنحل، أثناء وجوده في مجلس الشعب. إسلامية ولكن! بينما رفض التيار السلفي نشر أي صورة لسيدة من السيدات المرشحات علي قوائمه واكتفوا بوضع وردة، وفي دوائر أخري وضعوا صورة زوج السيدة المرشحة وكتبوا أسفلها "انتخبوا مرشحتكم حرم فلان الفلاني"!!!!! من جانبهم، اجتذب مرشحو حزب الحرية والعدالة الأهالي عن طريق أسلوب مختلف أيضاً في الدعاية الانتخابية حيث أقاموا مسارح عرائس للأطفال عقب صلاة الجمعة في مختلف المناطق في محاولة منهم لاجتذاب الناس ونفي الفكرة السائدة عنهم بالتجهم وتحريم العرائس. وكان هدف مرشحي حزب الحرية والعدالة من خلال الأسلوب الجديد الذي اتبعوه ليس إمتاع الطفل فحسب ولكن أيضا اجتذاب أسر الأطفال، كما قاموا بإطلاق سيارات عليها مكبرات صوت عرضا من خلالها برنامج الحزب وأغنية "حرية نبنيها وعدالة نحميها" الخاصة بالحزب. كما ابتكر حزب الحرية والعدالة أيضا وسيلة جديدة يتم اتباعها لأول مرة بالدعاية الانتخابية ألا وهي مسيرة تأييد تتكون من مائة سيارة تجوب شوارع المحافظات في صفوف متراصة ترفع أعلام الحزب وينطلق منها صوت الأغنية الخاصة به. ومن الوسائل الجديدة في الانتخابات الحالية والتي بدأت منذ التعديلات الدستورية في شهر مارس الماضي، هي حقائب السلع التي تم توزيعها علي المحتاجين في بعض الدوائر والتي تسمي حقائب الخبز والتي يتم تعبئة السلع فيها من بقوليات وزيت وسكر وشاي ولحوم في محلات السوبر ماركت. وكذلك الهواتف المحمولة وإجراء العديد من الاتصالات وإرسال الرسائل سواء من المحمول أو من خلال الإنترنت، كل ذلك ينعش الأسواق بصفة عامة سواء السوبر ماركت أو الخطاطين أو تجارة الأقمشة وحتي المطاعم والاتصالات، وبالتالي تحدث العملية الانتخابية رواجا نسبيا في الأسواق ومن خلال قطاعات لها علاقة بالمرشحين والناخبين. سخونة ورواج وحين ننظر إلي لافتات الدعاية لمرشحي مجلس الشعب في الشوارع والميادين والحواري رغم طابعها السياسي إلا أنها أدت إلي حدوث رواج كبير في سوق الأقمشة، فانتعش سوق الأزهر بعد الركود وتدفق عليه أنصار المرشحين لشراء ما بين مائتين وثلاثمائة (توب) من الأقمشة في المرة الواحدة، ويمتد الرواج الذي أحدثته الانتخابات أيضا إلي وكالة البلح والموسكي وشبرا الخيمة لشراء أقمشة الدبلان والبافتا والباتيستا التي أصبحت أكثر الأقمشة رواجا في السوق وارتفعت أسعارها بنسبة تتراوح بين25% إلي 50% خلال الأسابيع الماضية. ويبدأ النشاط في سوق الخطاطين قبل حلول موعد الانتخابات البرلمانية عادة بشهر، حيث يكتب خلاله الخطاط الواحد ما بين 8 إلي 10 لافتات يومياً، بأطوال تتراوح ما بين نصف متر للافتة التي يتم تثبيتها علي أعمدة الإنارة و3 أمتار للافتات التي يتم تثبيتها ما بين أعمدة الإنارة و30 مترا للافتات التي يتم تثبيتها لتغطي عمارة سكنية بأكملها، وترتفع تكلفة اللافتات الانتخابية بنحو 100 جنيه إذا قرر المرشح أن يضع صورته بجوار كلمات الدعاية المكتوبة عليها. من الشعب إلي الرئاسة يا قلبي لا تحزن من انتخابات الشعب إلي انتخابات الرئاسة حيث تداول شباب "فيس بوك" مجموعة من اللافتات الساخرة لعدد من المرشحين لانتخابات الرئاسة المقبلة، الصورة الأكثر تداولاً كانت لمرشح يدي "صاصا الميكانيكي" ونالت قدراً هائلاً من التعليقات الساخرة بسبب التعليق المكتوب عليها: "لولا دم الشهداء لكنا من السجناء"، كذلك برز بوستر كبير لرئيس الوزراء السابق أحمد شفيق الذي أعلن عن نيته للترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، ودوَّن علي البوستر إنجازات شفيق والتي كان من بينها مساعدته في تهريب الأموال للمسئولين السابقين، وتعطيله للتحقيقات في موقعة الجمل، واشتراكه فيها، وكونه أحد الأصدقاء المقربين للرئيس السابق حسني مبارك. فنجد "الحاج صالح السيد عبدالرحمن" مرشحكم لرئاسة الجمهورية والذي وضع جدولا زمنيا لإصلاح البلاد والعباد تراوحت فيه المدد الزمنية ما بين ثلاثة أشهر وسنة كل حسب موضعه وموقفه السياسي. امسك فلول "الفلول والمتحولون"، نالوا نصيب الأسد من وصلات التهكم والسخرية علي لافتاتهم الانتخابية وانطلقت حملات الهجوم عليهم عبر صفحات "فيس بوك"، فأنشأ الشباب في كل محافظة حملات إلكترونية أطلقوا عليها "امسك فلول" استهدفت تحديد أسماء المرشحين لانتخابات مجلس الشعب في كل محافظة ممن سبق وترشحوا علي قوائم الحزب الوطني المنحل أو كانوا ضمن أعضائه، ودعموا هجومهم بصور توضح التباين والتحول في لافتاتهم الانتخابية ودعايتهم قبل الثورة وبعدها.