في الوقت الذي يتم فيه التجهيز لعقد مؤتمر دولي بشأن أفغانستان في لندن في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، شهدت أفغانستان تزايدًا ملحوظًا في معدلات العنف في الأسابيع الأخيرة حيث قتل عشرون مدنياً علي الأقل وشرطي الخميس الماضي في اعتداءين في جنوبأفغانستان بعد أن فجر انتحاري نفسه عند مدخل سوق في إقليم ديراوود في ولاية أروزغان، بينما قتل شرطي في تفجير انتحاري آخر في إقليم موسي قلعة في ولاية هلمند. كما تعرضت القوات الأمريكية لهجوم انتحاري عندما فجر الطبيب الأردني همام خليل البلوي وكنيته أبو دجانة الخرساني، وهو من تنظيم القاعدة، نفسه مما أسفر عن مقتل سبعة من المخابرات الأمريكية و رجل مخابرات أردني برتبة نقيب. واعتبر هذا الحادث بمثابة ضربة للمخابرات الأمريكية التي جندت الطبيب الأردني وكلفته بمقابلة الظواهري و اغتياله عن طريق تفجير نفسه. فكانت المفاجأة هي ضربة مضادة وجهتها مخابرات تنظيم القاعدة التي استخدمت البلوي كعميل مزدوج، و نجحت في كشف استخدام المخابرات الأمريكية للانتحاريين في العمليات العسكرية. هذه التطورات في الملف الأفغاني لا تمثل تغيراً ملحوظاً عما هو متوقع في ظل الجهود الأمريكية المستميتة لإنقاذ ماء الوجه في أفغانستان بعد دخول الحرب هناك عامها التاسع وسط استنزاف اقتصادي لتمويل الحرب ومجابهة لانتقادات الديمقراطيين داخلياً ومحاولة للحفاظ علي شعبية أوباما التي بدأت تهتز بسبب استراتيجيته في العراق وأفغانستان وإعادة تقديمه كرجل حرب علي قدم المساواة مع الرئيس السابق جورج بوش. وتمثل الجهود العسكرية الأمريكية علي الحدود مع باكستان جزءًا من استراتيجية باراك أوباما الجديدة في أفغانستان والتي أعلن عنها في مارس من العام الماضي والتي تضع كلاً من طالبان أفغانستان و باكستان في سلة واحدة. و لعل الغارات الجوية التي تقوم بها طيارات أمريكية بدون طيار منذ أغسطس من عام 2008 أحد أهم أشكال هذه الاستراتيجية بحيث شهد عام 2009 نحو 51 غارة جوية بينما بدأ العام الجديد بتكثيف للغارات الجوية. نجاح هذه الغارات عسكرياً كان محدوداً علي الرغم من أنه كثف العمليات الحدودية ضد عناصر طالبان كما ساهم في مقتل العديدين من قادة طالبان ومن بينهم زعيم طالبان باكستان السابق بيت الله محسود وعضوي القاعدة الأوزبكيان طاهر يولداشيف ونجم الدين جولولوف في شمال وزيرستان. وعلي الرغم من انقادات كل من الحكومة الأفغانية و الباكستانية لهذه الغارات بسبب العدد المرتفع الذي تتسبب في مقتله بين المدنيين، فإن الولاياتالمتحدة لم تتراجع عن شنها بل وأعلنت عن إرسال المزيد من الجنود إلي أفغانستان وقام بحث العديد من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بإرسال قوات إضافية قوامها 30 ألف جندي. ويتعارض ذلك بوضوح مع النوايا التي سبق الإعلان عنها عن بدء الانسحاب من أفغانستان في يوليو عام 2011. تحدي القاعدة و طالبان استراتيجية أوباما في أفغانستان و التي تسير علي نهج مثيلتها في العراق لم تنجح حتي الآن في تحقيق أي من أهدافها المعلنة من بناء دولة الديمقراطية في أفغانستان، و من تعزيز أمنها، و من القضاء علي خطر الإرهاب المتمثل في حركة طالبان و تنظيم القاعدة. ولعل ردود الفعل الداخلية في أفغانستان لم تختلف كثيراً عن ردود الفعل في العراق، ففي النموذجين، مثل الإصرار الأمريكي ذريعة لاستنفار مزيد من المقاومة و الاستماتة من عناصر القاعدة و طالبان. وكان أبلغ مثال علي ذلك، إعلان نائب رئيس حركة طالبان باكستان، ولي الرحمن، مؤخراً أن حركته أرسلت الآلاف من مقاتليها إلي أفغانستان لمحاربة القوات الأمريكية الإضافية المزمع إرسالها. وشهد عام 2009 أسوأ معدلات العنف في أفغانستان منذ بدء الغزو الأمريكي عام 2001 بحيث سجل أعلي معدل للوفيات بين المدنيين. كما وقع أكبر معدل من القتلي بين جنود القوات الدولية التي سيبلغ عددها قريبا 150 ألف جندي، 70% منهم من الأمريكيين. وبلغ عدد القتلي من القوات الدولية نحو 494 عسكرياً أي بزيادة 66% مقارنة بعام2008. كما حذرت الأممالمتحدة من ارتفاع عدد القتلي بين المدنيين. وفي الوقت الذي أشارت فيه باكستان إلي أن عدد القتلي بسبب الغارات الجوية الأمريكية بلغ 700 قتيل منذ عام 2008 معظمهم من المدنيين، أكدت الأممالمتحدة أن العمليات الأمريكية أثارت ردود أفعال عنيفة من عناصر طالبان والتي أدت عملياتهم إلي مصرع 2412 مدنياً العام الماضي بزيادة 14% عن عام 2008، وهو ما ذهب إليه رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني الذي انتقد هجمات الطائرات بدون طيار ووصفها بأنها جاءت بنتائج عكسية و أنها أضرت بمعركة باكستان ضد الإرهاب، و أضاف "إن استراتيجيتنا تقضي بعزل الناشطين الإسلاميين عن أفراد القبائل المحلية، لكن تلك الهجمات توحد عناصر القبائل والناشطين". فشل في مكافحة المخدرات وعلي صعيد آخر، كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن تقرير أصدره مكتب المحقق العام في وزارة الخارجية الأمريكية انتقد السياسة الأمريكية المتبعة لمكافحة المخدرات في أفغانستان ووصفها بافتقاد الأهداف المحددة و المنهج الواضح. وأوضح التقرير أن التعاون بين السفارتين الأمريكيتين في إسلام آباد وكابول محدود بسبب عدم وجود علاقة بين المخدرات غير الشرعية والتمرد في باكستان. وكانت الولاياتالمتحدة قد أعلنت أن مكافحة مشكلة المخدرات، التي تستخدمها طالبان لتمويل عناصرها بنحو 400 مليون دولار سنوياً، تمثل جزءاً من استراتيجية إرسال أوباما لقوات إضافية. وفي الوقت الذي تزداد فيه الضغوط الداخلية في الدول المشاركة في القوات الدولية في أفغانستان لتخفيض القوات والاستعداد للانسحاب، قدم رؤساء هذه القوات التبريرات المختلفة للخوض في الاستراتيجية الجديدة. وقال رئيس الأركان البريطاني، السير جوك ستيراب، إن نشاط القاعدة احسر في أفغانستان بعد إجبارها علي الانتقال الي منطقة حدود صغيرة في باكستان. وقال الأمين العام لحلف شمال الاطلسي، أندرس فوج راسموسن، إن استراتيجية زيادة أعداد القوات الدولية في أفغانستان نجحت في شل حركة طالبان وتقليص عملياتها. بينما اعتبر قائد القوات الدولية في أفغانستان الجنرال الأمريكي ماكريستال أن القوات الأمريكية الإضافية ساهمت في تحقيق تحسن ملحوظ في الأوضاع. المؤتمر الدولي بشأن أفغانستان الذي دعت كل من ألمانيا و فرنسا وبريطانيا إلي عقده في نهاية الشهر الجاري سيناقش تعزيز الأمن الأفغاني وتدريب أفراد الشرطة الأفغانية والقوات المسلحة و تنظيم العلاقات مع الحكومة الجديدة التي سيجري تشكيلها و تحديد شكل العلاقة بين أفغانستان والمجتمع الدولي خلال السنوات القادمة. وفي إطار هذا المؤتمر، دعت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل قوات التحالف في أفغانستان إلي الاسراع في تنفيذ مهمتها وتحقيق تقدم ملموس قبل نهاية عام 2014 ليظهر بذلك وبوضوح التناقض بين التصريحات المعلنة حول الانسحاب عام 2011 وبين صعوبة تحقيق ذلك علي أرض الواقع. استنزاف اقتصادي علي الرغم من هذه التصريحات، لا تزال استراتيجية أوباما الجديدة في أفغانستان تحظي بمعارضة داخلية متزايدة كما أنها علي المستوي الميداني باتت تشير إلي أنها استراتيجية تصعيد لم تحقق حتي الآن سوي تصعيد ردود الأفعال من كل من حركة طالبان وتنظيم القاعدة. ومن ناحية أخري، بلغ معدل الانفاق علي الحرب الأمريكية في أفغانستان 299 مليار دولار . ويبلغ تمويل العام الحالي 72.3 مليار دولار من المتوقع أن يطلب أوباما تمويلاً جديداً ب33 مليار دولار لتغطية تكلفة القوات الإضافية. من المتوقع أن تزيد القوات الأمريكية من غاراتها الجوية علي المنطقة الحدودية مع باكستان وعلي إقليم وزيرستان في الفترة المقبلة استمراراً لسياسة حصار طالبان والقاعدة المتراجعين -علي حسب اعتقادها- إلي هذه المنطقة. الهدف المعلن هو استهداف معسكرات التدريب ومراكز قيادات طالبان و لا سيما حكيم الله محسود زعيم حركة طالبان باكستان الذي نجا مؤخراً من احدي هذه الغارات التي أسفرت عن مقتل 11 شخصاً. غير أن المحرك الأساسي الآن للقوات الأمريكية هو محاولة تبرير فشل استراتيجيتها الواضح في تحقيق تقدم ملموس في حربها ضد طالبان بالإضافة إلي الانتقام من تنظيم القاعدة بعد الضربة التي وجهها الأخير للمخابرات الأمريكية في خوست. مع دخول الحرب عامها التاسع، و مع عبثية الحديث عن الانسحاب في يوليو 2011، أصبحت الأمور تشير إلي تعنت أمريكي أصابه قصر النظر في التعامل مع الإرهابيين بعد أن فتحت الولاياتالمتحدة لنفسها مؤخراً مأزقاً جديداً مماثلاً بتدخلها العسكري بالغارات الجوية في اليمن مما أدي إلي ردود فعل مماثلة من القاعدة سيكون من شأنها توريط واشنطن في مثلث العراق وأفغانستان و اليمن.