في خلال عام 1929 تقريبا قامت الجامعة المصرية بتكليف العالم المصري الكبير الأستاذ الدكتور سليم حسن«1893-1961) بعمل حفائر في منطقة أهرامات الجيزة وأبو الهول، واهتمت الصحف المصرية بمتابعة أخبار الاكتشافات التي توصل إليها أولا بأول، وسوف نرصد أهم ما كتبته الصحف عن هذه الاكتشافات. ففي جريدة الأهرام وبتاريخ 29 يناير 1931 في الصفحة السادسة وتحت عنوان "الاكتشاف الأثري العظيم في منطقة الهرم " كتبت تقول: «عثر علي مقبرة غير مكتملة الإقفال، ووجدت فيها جثة لامرأة متجهة نحو الغرب قدر علماء التشريح عمرها بأنه لا يزيد علي الثالثة والعشرين ووجد مع الجثة سواران ذهبيان أحدهما بشكل النون الهيروغليفية والآخر منسوج من خيوط الذهب، وعثر مع الجثة علي :- 1- تاج من الذهب ملتف حول رأس الجثة مصنوع من الذهب الخالص . 2- عقد طويل حول عنق الجثة من الذهب الخالص . 3- أساور من الذهب مموجة بشكل النون الهيروغليفية . 4- أساور من الفضة وهذه هي المرة الأولي التي يعثر فيها علي أساور فضية في عصر الدولة القديمة. 5- خلخالين من الذهب الخالص شبيهين في الصنع. وفي عدد 30 يناير من نفس العام وتحت عنوان آثار منطقة الهرم ص6، كتب المحرر «أتيح لي أن أطلع أمس علي مجموعة الصور التي وفق للعثور عليها حضرة الأستاذ سليم حسن بك في المنطقة الواقعة بين الهرم الثاني وأبو الهول، ومما يذكر أنه وجد بين الأواني آنيتان مكسورتان وضعت إحداهما فوق الأخري . ...... وقد تشرف حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا بمقابلة جلالة الملك بعد ظهر أمس فرفع التقرير الذي لخصناه أمس ومجموعة من صور الآثار التي وجدت وسيزور ومعالي الوزراء اليوم المقبرة الجديدة التي سيرافقهم إليها مسيو لاكو مدير مصلحة الأثار". وفي العمود التالي مباشرة نقرأ الخبر الآتي «يلقي حضرة الأستاذ سليم حسن محاضرة للسيدات عن حفائر الجامعة المصرية في قاعة الجمعية الجغرافية الساعة الثامنة مساء الجمعة 30 يناير، وسيعرض فيها كل ما عثر عليه في هذه الحفائر بالفانوس السحري». وفي عدد جريدة الأهرام الصادر بتاريخ 3 يناير 1931 وفي صفحة 6 وتحت عنوان "حفائر الجامعة المصرية التقرير الرسمي الثاني " كتب تحت لسان الاستاذ سليم بك حسن "كشفنا علي عدة مصاطب منها مصطبة (اونت حتب)، كما عثرنا علي أحد عشر تمثالا منها اربعة تماثيل مصنوعة من الحجر الجيري، كما عثرنا علي مقبرة (سمعي كاف عنخ) وهي تتكون من معبد جنائزي تغطي حائطيه نقوش ورسوم غاية في الإبداع، وتدلنا طريقة الدفن علي أن تاريخ هذه المقبرة لم يتجاوز الأسرة الرابعة» . ونقلب سريعا صفحات جريدة الأهرام حتي نصل إلي يوم 17 إبريل 1931، وفي الصفحة الأولي منها نجد تلخيصا لنص المحاضرة التي ألقاها سليم بك حسن في الجمعية الجغرافية، وفيها استعرض أسماء من قاموا بالحفر في المنطقة قبله مثل لبسيوس عام 1842، أوجست مارييت عام 1889، برزنتي عام 1904 ..... إلخ . وفي عدد جريدة الأهرام الصادر بتاريخ 5 مارس 1932 وفي الصفحة الأولي منه نجد خبرا عن زيارة دولة رئيس الوزراء لحفائر الجامعة المصرية مع صورة فوتوغرافية، وتحت هذا العنوان نجد الخبر الآتي «رئيس الوزراء يزور حفائر الجامعة المصرية بمنطقة أهرام الجيزة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا وإلي يمينه معالي حلمي عيسي باشا وزير المعارف، فالاستاذ سليم حسن مدير الحفائر) . وفي الصفحة السادسة من نفس العدد نجد الخبر الآتي (وجد الأستاذ سليم حسن في منطقة الهرم الجديد غرفتين في إحداهما عدد كبير من المومياوات، وفي الثانية 12 تابوتا من خشب الصنوبر وغطاء كل منهما مصنوع علي شكل مومياء، وقد وضعت التوابيت فوق بعضها صفين منتظمين) . وفي جريدة الأهرام عدد 2 إبريل، وفي الصفحة السابعة، نجد مقالا مطولا لعالم الآثار الالماني هرمان يونكر بعنوان " الملكة خنت كاوس والهرم الرابع " وفي مجلة الهلال وفي عدد شهر مارس 1932 نجد حوارا مطولا مع الأستاذ سليم حسن بعنوان "برنامجي في الاكتشاف التخمين، أم المصادفة، أم اليقين "وفيه أدلي بالتصريح التالي (يكاد يكون ما أكتشف من الآثار المصرية القديمة حتي الآن نحو النصف بل ربما كان ما لم يكتشف أكثر من النصف، وهذا ما يجب أن يحفز الهمم إلي الاجتهاد في اكتشاف هذه الآثار التي لا تزال مطمورة تحت الرمال، ولايزال تاريخها وتاريخ كثير من أصحابها غير معروف. وحبذا لو استوعبت الاكتشافات الفرعونية جميع الأماكن الأثرية الموجودة بمصر إذن لصححنا كثيرا من الأغلاط التاريخية ولوقفنا علي ما نجهله من تاريخ قدماء المصريين) . أما عن الأستاذ سليم حسن نفسه«1893- 1961» فهو واحد من أهم الرواد الأوائل في علم المصريات إن لم يكن من أهمهم علي الأطلاق، تدرج في مراحل التعليم المختلفة حتي حصل علي شهادة البكالوريا عام 1909، والتحق بعدها بمدرسة المعلمين العليا، ثم أكمل دراسته بقسم الآثار الملحق بالمدرسة نظرا لتفوقه في التاريخ، وتخرج في هذا القسم عام 1913، وحاول العمل في المتحف المصري دون جدوي، إذ كان العمل فيه مقصورا علي الأجانب فقط، فلما لم تتحقق له هذه الرغبة، عين مدرسا بالمدارس الأميرية، ووضع عدة كتب في التاريخ بالاشتراك مع عمر الإسكندري. وفي عام 1921 عين سليم حسن ومعه محمود حمزة وسامي جبره أمناء مرشحين بالمتحف المصري بعد ضغط متواصل من الحكومة المصرية، وفي ذلك الوقت تتلمذ علي يد العلامة الروسي "جولنشيف "، وفي عام 1922 سافر إلي أوروبا برفقة أحمد باشا كمال لحضور احتفالات الذكري المئوية لعالم الآثار الفرنسي "شامبليون " فكشفت هذه الرحلة عن شدة عشقه للآثار المصرية، فكتب عدة مقالات صحفية تحت عنوان "الآثار المصرية في المتاحف الأوروبية". وفي عام 1925 سافر في بعثة إلي فرنسا حيث التحق بقسم الدراسات العليا بجامعة السوربون، كما حصل في نفس العام علي دبلوم اللغات الشرقية واللغة المصرية من المعهد الكاثوليكي، كذلك علي دبلوم الآثار من كلية اللوفر، وفي عام 1927 عاد إلي القاهرة وعين أمينا مساعدا بالمتحف المصري، وانتدب بعدها للتدريس في جامعة القاهرة . وفي مستهل عام 1928 اشترك مع عالم الآثار النمساوي يونكر في أعمال التنقيب والحفر في منطقة الهرم، وفي عام 1929 بدأ الحفر لحساب جامعة القاهرة، وتوالت الكشوف بعدها، حتي بلغت جملة ما كشف عنه من آثار بحوالي 200 مقبرة، منها مقبرة الملكة "خنت كاوس" التي اعتبرها هرما رابعا . ثم عين بعدها وكيلا عاما لمصلحة الآثار المصرية، وهو أول مصري يتقلد هذا المنصب . وبعد خروجه من مصلحة الآثار، واصل انتاجه العلمي، فأصدر موسوعة مصر القديمة في 16 مجلدا من الحجم الكبير، كما وضع كتابا من جزءين في الأدب المصري القديم، وكتابا في جغرافية مصر القديمة وأقسامها . كما أصدر بالانجليزية حوال 17 مجلدا عن حفرياته في منطقتي الهرم وسقارة، وفي عام 1954 عين رئيسا للبعثة التي كلفت بتحديد مدي تأثير بناء السد العالي علي آثار النوبة، فوضع تقريرا يعد الأول من نوعه في دعوته لإنقاذ آثار النوبة، وفي عام 1959 كلف بجرد محتويات المتحف المصري، وظل بعدها يواصل الكتابة والتأليف حتي توفي في يوم 30 سبتمبر 1961، وكتب اسمه بعد وفاته في الأكاديمية الدولية للعلوم International Academy of Sciences فكان أول عربي يفوز بهذا الشرف. والجدير بالذكر أن مكتبة الأسرة قد سبق لها وأصدرت موسوعة سليم حسن كاملة في 16 جزءا، بالاضافة إلي الأدب المصري القديم في جزءين، كذلك أصدرت له كتابه "أبو الهول : تاريخه في ضوء الكشوف الحديثة» ترجمة جمال الدين سالم، مراجعة د .أحمد محمد بدوي، مكتبة الأسرة عام 1999 .