احتفت وسائل الإعلام الإسرائيلية باول يوم قضاه الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في منزله عقب الافراج عنه، واهتمت كذلك بأول عشاء، وأول صباح، واول إفطار، بل ان العنوان الرئيسي لمواقع الصحف الإسرائيلية في صباح اليوم التالي كان يقول: "شاليط يتنزه مع أمه"! أفردت الصحف الإسرائيلية مساحات واسعة لتغطية كل ما يتعلق بالافراج عن شاليط، الأسبوع الماضي، واعتبرته "بطلا"، لكن مساحات الاحتفال اخذت في التراجع بمرور الوقت لصالح التفكير في تداعيات الصفقة علي مستقبل الجيش الإسرائيلي وأمن إسرائيل. خرجت رئيسة حزب كديما الإسرائيلية "تسيبي ليفني" لتقول انها كانت تعارض الصفقة لأنها تفقد إسرائيل قوة الردع في مواجهة الفلسطينيين والمحيطين بها. ورد عليها حزب الليكود الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوصف ليفني بانها "جبانة". وراح العديد من الكتاب الإسرائيليين يتساءلون عن موعد الاختطاف القادم، باعتباره امرا حتميا سيلجأ اليه الفلسطينيون من اجل الافراج عن بقية الأسري الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. ودافع البعض عن الصفقة، عبر التقليل من أهمية الافراج عن 1027 أسيرا فلسطينيا مقابل جندي واحد، مثلما فعلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي اشارت إلي افراج إسرائيل عن 1233 أسيرا فلسطينيا منذ عام 2007، في اطار التعبير عن حسن النوايا من إسرائيل تجاه السلطة الفلسطينية. وأوضحت الصحيفة ان الاختلاف بين الامرين يكمن في الاعلام، حيث لا يعلم الشارع الإسرائيلي شيئا عن اسماء المفرج عنهم سابقا ولا القضايا المتورطين بها، بينما ركز الإعلام في صفقة شاليط علي أسماء الأسري الفلسطينيين مع الحرص علي تنشيط الذاكرة بشأن الاعمال التي ارتكبوها. العلاقات المصرية طالب سياسيون إسرائيليون باستغلال صفقة "شاليط" لتوطيد العلاقات مع مصر، وأكد سياسيون إسرائيليون رفيعو المستوي أن نجاح صفقة شاليط يفتح الباب أمام إبرام صفقة اخري لاطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي ايلان جرابيل، المحبوس في مصر بتهمة التجسس لصالح الموساد، مشيرين إلي ما تردد عن الافراج عنه مقابل 81 مصريا مسجونين في إسرائيل. ونقل موقع "نيوز وان" الاخباري الإسرائيلي عن مسئولين إسرائيليين قولهم إن صفقة شاليط أعادت مصر إلي الصورة كلاعب كرئيسي في الشرق الاوسط، "ولا بد من التوصل إلي تفاهم معها بشأن الافراج عن جرابيل". واضافوا: "من الضروري الحفاظ علي علاقات طيبة مع مصر، في ضوء الخطر الذي يتضمنه تدهور العلاقات، والذي يتمثل في تقارب مصري من التحالف القائم بين تركيا وإيران وسوريا. توقعات السفير توقع السفير الإسرائيلي بالقاهرة، اسحاق ليفانون، أن تؤدي صفقة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط إلي توطيد العلاقات بين تل أبيب والقاهرة، لكنه أعرب عن مخاوفه من الأوضاع في مصر عقب إجراء الانتخابات البرلمانية، التي تتزايد التوقعات بشأن حظوظ جماعة الإخوان المسلمين فيها. وقال ليفانون لموقع "والا" الإخباري الإسرائيلي، إن "التعاون والعمل المكثف بيننا وبين المصريين للإفراج عن شاليط سيلعب دورا مهما في دعم العلاقات بين البلدين"، ووصف الاتصالات والعلاقات التي ظهرت خلال التفاوض علي الصفقة بأنها "غير عادية"، معربا عن أمله في العودة سريعا بالعلاقات المصرية الإسرائيلية إلي ما كانت عليه قبل أحداث اقتحام السفارة بالقاهرة، وان يتمكن من العودة إلي مقر السفارة في أقرب وقت، لممارسة مهامه الطبيعية. وقال ليفانون، المتواجد في إسرائيل منذ اقتحام السفارة في شهر سبتمبر الماضي، إن العلاقات المصرية الإسرائيلية لم تتأثر، أو تم تخفيض مستوي التمثيل الدبلوماسي رغم عدم وجوده بالقاهرة، وأضاف: "انا مستعد للعودة إلي مصر، ولكن انتظر توافر الظروف اللازمة لحمايتي واكتمال الطاقم الدبلوماسي الذي سيعمل معي، ونعمل علي ذلك طوال الوقت". ووصف السفير الإسرائيلي العلاقات بين القاهرة وتل أبيب بأنها مهمة جدا لكلا الجانبين، وأشاد بالمجلس العسكري المصري، "لأنه يحافظ علي الدولة والقانون"، مؤكدا التزام مصر بكل الاتفاقيات التي وقعت عليها، لافتا إلي إدراكه أن مصر تمر بمرحلة "ليست سهلة" عقب سقوط النظام السابق. وقال "ليفانون": "لقد تغير كل شيء في مصر، وينبغي منح مهلة لمصر حتي يتحقق الاستقرار السياسي والداخلي، علينا ان نراقب في حذر خلال الشهور المقبلة، حتي تنتهي الانتخابات البرلمانية، لأن ذلك سيعطي مؤشرا علي الاتجاه الذي ستسير فيه مصر". وأعرب ايلي شاكيد، سفير إسرائيل لدي القاهرة خلال الفترة من 2003 إلي 2005، عن اتفاقه مع ليفانون، وقال إن عودة مصر إلي دورها الفاعل في المنطقة أمر مهم لإسرائيل، وتوقع أيضا أن تسود حالة من التوتر في العلاقات بين مصر وإسرائيل عقب انتخابات مجلس الشعب. وقال شاكيد: "ستواجه إسرائيل مشكلة إذا تحققت التوقعات الخاصة بالانتخابات، وتحول الإخوان المسلمون إلي أغلبية في مجلس الشعب". مكانة مصر من ناحية أخري، دعا كاتب إسرائيلي الدولة العبرية إلي دعم مكانة مصر الإقليمية، فيما قال دبلوماسيون أمريكيون إن صفقة تبادل الأسري بين حماس وإسرائيل أضرت عملية السلام في الشرق الأوسط، ونالت من مكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقال الكاتب الإسرائيلي يوآف اسحاق إنه ينبغي أن يكون من مصلحة إسرائيل، بل ومن أولوياتها، دعم مكانة مصر في المنطقة، باعتبارها أكبر دولة عربية، وزعيمة للعالم العربي كله، "لمنعها من الارتماء في حضن رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، الذي يسعي إلي إتباع سياسة إسلامية متطرفة"، علي قول الكاتب. وأكد "يوآف" أن الاتفاق الذي أبرمته إسرائيل مع مصر بشأن صفقة شاليط يتضمن تفاهمات سرية، لم يعلن منها إلا القليل، وقال إنها تتضمن رفعا تدريجيا للحصار المفروض علي غزة بصفة عامة، وميناء غزة بصفة خاصة، إضافة إلي فتح المعابر بين القطاع وسيناء. وأضاف أن المباحثات تطرقت أيضا إلي نقل قادة حماس من سوريا إلي مصر، والتعاون الأمني مع القاهرة لمنع تسلل عناصر تابعة لتنظيم القاعدة إلي سيناء، وتعهدت إسرائيل بنقل المعلومات الاستخباراتية التي تتوافر لديها بهذا الشأن. وقال إن المباحثات انتهت إلي اتفاق مصري إسرائيلي علي وجود مصلحة مشتركة بين الجانبين في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، ومنع إيران وتركيا من التدخل أو الهيمنة علي الدولة العربية بالمنطقة. الأمريكيون مختلفون قال دبلوماسيون أمريكيون إن صفقة تبادل الأسري بين حماس وإسرائيل أضرت باحتمالات استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في المستقبل القريب. ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن دبلوماسي رفيع المستوي في نيويورك قوله إن الخطابين اللذين ألقاهما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس كشفا عمق الهوة الموجودة بين الجانبين، بما عرقل جهود استئناف المفاوضات بين الجانبين، "ولكن جاءت صفقة شاليط لتنسف كل الاحتمالات التي كانت قائمة بشأن استئناف المفاوضات، لأنها أظهرت عدم الثقة في استمرار قيادة أبو مازن للفلسطينيين، وألحقت ضررا بالغا بمكانته كشريك وحيد واستثنائي للتفاوض مع إسرائيل". وعبرت مصادر أمريكية عن تشاؤمها بشأن اللقاءات التي يجري الحديث عن تنظيمها بعد أيام بين نتنياهو وأبو مازن من خلال اللجنة الرباعية، وتوقعت ان تكشف هذه اللقاءات مزيدا من ضعف مكانة أبو مازن في مواجهة ترسيخ مكانة حركة حماس، في أعقاب صفقة تبادل الأسري. وأخيرا لا شك أن صفقة شاليط من تلك النوعية التي يسعد بها جميع الأطراف، بما تستحق معها لقب "صفقة رابحة"، فقد فرح الإسرائيليون بالافراج عن شاليط، وفرحنا مع الفلسطينيين بالافراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً، وحققت مصر مكاسب سياسية هائلة لتدشين عودتها إلي دورها الاقليمي بسرعة وقوة أيضا.