روسيا تفرج عن سفينة مصرية محملة ب 63 ألف طن قمح بعد احتجازها أكثر من شهر    البنك المركزي المصري يصدر قواعدا جديدة لتملك رؤوس أموال البنوك وعمليات الإندماج والاستحواذ    الاقتصاد الأمريكي يضيف 175 ألف وظيفة في أبريل ومعدل البطالة يرتفع إلى 3.9%    «المركزي للتعمير» ينفذ محور الخارجة/ سوهاج بطول 142 كم    موظفون ب ميتا ينتقدون تحيز الشركة ضد المحتوي الداعم لفلسطيني    بعد الانتصار على التعاون، ماذا يحتاج الهلال للفوز بالدوري السعودي؟    غيابات مؤثرة تضرب بايرن ميونخ قبل مباراته أمام شتوتجارت    برشلونة يوافق على انتقال مهاجمه إلى ريال بيتيس    العناية الإلهية تنقذ شابا انقلبت سيارته في ترعة يالغربية (صور)    فيلم السرب.. أحمد السقا يوجه الشكر لسائق دبابة أنقذه من الموت: كان زماني بلوبيف    المؤتمر الدولي لكلية الألسن بجامعة الأقصر يعلن توصيات دورته الثالثة    تخصيص 8 مكاتب لتلقي شكاوى المواطنين بالمنشآت الصحية في الوادي الجديد    آصف ملحم: الهجمات السيبرانية الروسية تجاه ألمانيا مستمرة .. فيديو    الروس والأمريكان في قاعدة عسكرية واحدة .. النيجر على صفيح ساخن    أمين القبائل العربية: تأسيس الاتحاد جاء في توقيت مناسب    طليعة المهن    إعفاء 25% لطلاب دراسات عليا عين شمس ذوي الهمم من المصروفات الدراسية    علاء نبيل: لا صحة لإقامة دورات الرخصة C وهذا موعد الرخصة A    هل تتكرر قصة تشافي؟ توخيل: هذا ردي بشأن الاستمرار مع بايرن    استقبال حافل من جمهور مني الشاذلي لأبطال فريق الجودو.. فيديو    مدير مشروعات ابدأ : طرح مشكلات المستثمرين على موقع المبادرة وحلّها لإتمام أنشطتهم    ميكانيكي يشعل النار في أرض زراعية بأسوان بسبب خلافات جيرة    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    تشيع جثمان عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف    بالإنفوجراف.. 8 تكليفات رئاسية ترسم خريطة مستقبل العمل في مصر    الأمين العام للأمم المتحدة: أشعر بالصدمة إزاء مقتل الصحفيين في حرب إسرائيل على غزة    إلهام شاهين تحتفي بماجدة الرومي بعد إحيائها حفلا بقصر عابدين: نورتي بلدك الثاني    باتمان يظهر في معرض أبو ظبي للكتاب .. شاهد    في تكريم اسمه |رانيا فريد شوقي: أشرف عبد الغفور أستاذ قدير ..خاص    دعاء يوم الجمعة عند الغروب.. استغل اليوم من أوله لآخره في الطاعات    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    رغم تحذيرات دولية.. هل تقتحم قوات الدعم السريع الفاشر؟    حسن بخيت يكتب عن : يا رواد مواقع التواصل الإجتماعي .. كفوا عن مهاجمة العلماء ولا تكونوا كالذباب .. " أليس منكم رجل رشيد "    حبس 9 أشخاص على ذمة التحقيقات في مشاجرة بالمولوتوف بين عائلتين ب قنا    مُنع من الكلام.. أحمد رزق يجري عملية جراحية في "الفك"    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    الصحة: تكثيف الرقابة على أماكن تصنيع وعرض وبيع الأسماك المملحة والمدخنة    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    موعد بدء امتحانات الصف الخامس الابتدائي آخر العام 2024 محافظة القليوبية    أخبار الأهلي : اتحاد الكرة يعلن عن تطور جديد في أزمة حسين الشحات ومحمد الشيبي    انتظروا الشخصية دي قريبًا.. محمد لطفي يشارك صورة من كواليس أحد أعماله    محافظ الغربية يهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    الشكاوى الحكومية: التعامُل مع 2679 شكوى تضرر من وزن الخبز وارتفاع الأسعار    الاستعدادات النهائية لتشغيل محطة جامعة الدول بالخط الثالث للمترو    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    خطيب المسجد الحرام: العبادة لا تسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    دليل السلامة الغذائية.. كيف تحدد جودة الفسيخ والرنجة؟    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي خلفية قضية السفير السعودي مواجهات سعودية إيرانية أمريكية
نشر في القاهرة يوم 25 - 10 - 2011

تجددت المواجهة السياسية والدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة علي خلفية الاتهامات المباشرة التي وجهتها إدارة الرئيس باراك أوباما إلي الحكومة الإيرانية بصورة مباشرة بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، مما أدي إلي رفع وتيرة التوتر والاتهامات المتبادلة بين الجانبين . ووفقا لوثيقة الاتهام التي قدمتها جهات التحقيق الأمريكية ضد أشخاص إيرانيين تضمنت الوثيقة : التآمر لاغتيال مسئول أجنبي، واستخدام وسائل نقل ومعاملات لاستئجار قاتل، والتآمر لاستعمال أسلحة دمار شامل، والتآمر لارتكاب عمل ارهابي عبر الحدود . ومن جانبها قالت وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاجون ) إن المخطط الإيراني المفترض لقتل السفير السعودي في واشنطن يتطلب ردا دبلوماسيا وليس عسكريا، مقللة من احتمال شن عمل عسكري ضد إيران. أما إيران فقد وصفت الاتهامات الأمريكية لها بإعداد مخطط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن بأنها " مؤامرة شيطانية " وذلك في رسالة موجهة إلي الأمم المتحدة، واتهم مسئولون إيرانيون واشنطن بمحاولة صرف انتباه العالم والداخل الأمريكي عن مشاكلها الداخلية والمظاهرات الغاضبة التي تجتاح المدن الأمريكية ضد النظام السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة، وأن واشنطن تهدف إلي تسخين العلاقات بين إيران وجيرانها من الدول العربية، وقال علي لاريجاني رئيس مجلس الشوري الإيراني في رد فوري إن الادعاءات الأمريكية لا تعدو أن تكون " لعبة صبيانية "، وطالبت وزراة الخارجية الإيرانية بفحص الأدلة والمعلومات التي تقول واشنطن أنها تدعم أدلة الاتهام عن تورط إيران في مؤامرة محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن. ومن المعروف أنه منذ عام 1984 تدرج الولايات المتحدة إيران علي قوائم الدول الراعية للإرهاب . سيناريو المؤامرة علي طريقة مشاهد وقصص وروايات أفلام هوليوود، طرحت الولايات المتحدة، وبطريقة مفاجئة، علي الأمريكيين والرأي العام العالمي سيناريو لمؤامرة دبرها أشخاص إيرانيون، بالمشاركة مع عناصر أخري لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عن طريق تفجير المطعم الذي يتناول فيه السفير طعامه، بما يعنيه ذلك من توسيع نطاق الضحايا من الأمريكيين والأجانب الذين سيتصادف وجودهم في لحظة التفجير. وصاحب هذا الإعلان الأمريكي عن تفاصيل المؤامرة درجة عالية جدا من التصعيد الأمريكي ضد إيران بعد عدة أشهر من الصمت النسبي وتواري الانتقادات الغربية ضد طهران، ربما علي خلفية الأحداث التي تفجرت في المنطقة ممثلة في ثورات "الربيع العربي" واتجاه الولايات المتحدة لترقب التطورات وانتظار ما ستأتي به الأحداث من تداعيات ومدي امتداد هذه الثورات وصولا إلي قلب إيران والسعي لإسقاط نظام الملالي والتخلص من حكم رجال الدين في طهران . غير أن واشنطن غيرت استراتيجية الانتظار واستبدلتها باستراتيجية تصعيد مباشرة بإعلان تفاصيل المؤامرة، وإجراء اتصالات سريعة ومباشرة مع إيران في هذا الصدد وأنكرتها طهران، واجراء اتصالات أمريكية بقادة السعودية حول تفاصيل الجريمة التي وصفتها غالبية وسائل الإعلام العالمية بأنها " مؤامرة مزعومة "، كما أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن بلادها بصدد بحث الإجراءات العقابية التي ستتخذ ضد إيران، ودعمتها في ذلك كل من لندن وباريس، ودول أخري في الاتحاد الأوروبي، وأدانت الجامعة العربية محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، واتجهت الولايات المتحدة لتحضير القضية لعرضها علي مجلس الأمن الدولي، ليبدو الأمر في النهاية علي أن حشدا دوليا بالغاً يجري تحريضه بكثافة واضحة ضد إيران. وحسب وثيقة الاتهام رقم 11 إم آي جي 2617 التي وقعها المدعيان الفيدراليان غلين كوب وإدوارد كيم، وقدمت إلي القاضي الفيدرالي في نيويورك مايكل دولنغر، شهد ضابط مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) روبرت وولوسيزين بأن الإيراني الأمريكي منصور ارباب سيار، بالتعاون مع علي غلام شاكوري الإيراني الهارب حاليا هناك وآخرين في إيران، خططوا لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير. وربما يتمثل الجديد والمثير في السيناريو المعلن للمؤامرة أنها تضمنت اتصالات بين الشخص الإيراني مع عناصر الجريمة المنظمة وتجار المخدرات في المكسيك، وتبادل اللقاءات والزيارات بين إيران والمكسيك، والتحضير لعملية تتكلف مليون ونصف مليون دولار، جري تسليم مائة ألف منها، واتفاق جهات التحقيق الأمريكية مع أحد عناصر المؤامرة باعتباره جاسوسا بين الطرفين، وتسجيل المكالمات التي جري من خلالها تحديد عملية الاغتيال، وإعطائها الأولوية علي عمليات أخري في الولايات المتحدة يجري الإعداد لها. كما جري التذكير بعمليات سابقة (اتهمت فيها إيران)، ومن ذلك : تفجير سيارة مفخخة أمام سفارة إسرائيل في بيونس آيرس في 1992 ومقتل 22 شخصا وسقوط 200 من الجرحي، وحادث الهجوم علي المركز التعاضدي اليهودي في بيونس أيرس في 1994 وسقوط 84 قتيلا و300 من الجرحي، كذلك حادث مقتل رجل أعمال سعودي في بانكوك في 1989 وإعلان منظمة شيعية في بيروت مسئوليتها عنه، وهناك أحداث مكة في 1987 حينما قام حجاج إيرانيون بمظاهرات عارمة أثناء موسم الحج للتنديد بالولايات المتحدة، وقاموا بسد الطرقات وأسفرت الصدامات مع الأمن السعودي عن مقتل 402 شخص، وفي يونية 1996 وقع انفجار ضخم في مجمع سكني يقطن فيه أمريكيون يعملون في سلاح الطيران في مدينة الظهران السعودية وأدي إلي مقتل 19 أمريكيا وسعوديا وجرح 372 شخصا وحامت الشبهات حول ضلوع إيران في الحادث، وصولا إلي الشبهة التي أحاطت بإيران عند اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 2005 (وقد كان مقربا من العائلة المالكة السعودية). ويعتقد مسئولون غربيون أن فيلق القدس الإيراني متورط في عدد كبير من العمليات السرية التي جرت مؤخرا في أنحاء متفرقة من العالم ومنها مساعدة الجماعات المسلحة الشيعية في العراق، وتسليح حركة طالبان في أفغانستان، وصولا إلي التخطيط لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة. ويأتي فيلق القدس علي قمة الشبكة العسكرية والصناعية للحرس الثوري الإيراني، الذي يدافع عن حكم رجال الدين الشيعة في طهران، ويتمتع الحرس الثوري بنفوذ وسيطرة قوية علي برنامج إيران النووي والفضائي، كما ينظر إلي فيلق القدس علي أنه "الفريق الأول" للحرس الثوري الإيراني، وتعتمد إيران عموما علي تدريب وتسليح الفروع الأخري التابعة لها مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة والجماعات المسلحة الشيعية في العراق، للقيام بعمليات " بالوكالة " تخدم مصالح وأهداف إيرانية في المنطقة . وفي تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن عام 2007 جاء أن عناصر فيلق القدس لديهم أقسام خاصة في جميع السفارات الإيرانية في العالم، ولا علاقة لها بالطاقم الدبلوماسي، وبحسب التقرير فإنه من غير الواضح ما إذا كان السفراء لديهم معرفة كاملة بما يقوم به فيلق القدس من عمليات، ولا يتم بحث أو عرض ميزانية فيلق القدس ضمن ميزانية الدولة، وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات صارمة علي هذا الفيلق في أغسطس الماضي علي أساس أنه يقوم بدعم مباشر للرئيس السوري بشار الأسد عن طريق شن هجمات مباشرة علي المتظاهرين . وتؤكد دوائر أمريكية أنه نظرا للعلاقة المباشرة بين فيلق القدس والمرشد الأعلي للثورة آية الله علي خامنئي، فإن الأرجح أن مؤامرة محاولة اغتيال السفير السعودي ليست بعيدة عن المستويات العليا للحكم في إيران. ومن الغريب أنه بالرغم من إنكار إيران للمؤامرة التي نسبت إليها، وأعلنتها أجهزة التحقيق الأمريكية، فقد صدر تصريح غريب علي لسان رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني يقلب الموقف الإيراني رأسا علي عقب، فقد ذكر رئيس مجلس الأمة الكويتي عبدالمحسن الخرافي أن علي لاريجاني قال في اجتماع معه حول مؤامرة الاغتيال إن ما حدث كان من قبل شخص إيراني معتوه ومبعد من إيران منذ ما يزيد علي 30 سنة . وعلقت عدة أوساط علي ذلك بأن ما أعلنه الخرافي نقلا عن لاريجاني يعد أول اعتراف رسمي من إيران بصحة المعلومات الأمريكية ومعرفة إيران رسميا بالمخطط لاغتيال السفير . وزيادة في التخبط في الموقف الإيراني، فقد عادت طهران ونسبت محاولة اغتيال السفير السعودي إلي حركة " مجاهدي خلق " المعارضة والتي تعيش في المنفي علي اعتبار أن أحد المتهمين ينتمي للحركة. سيناريو التشكيك في أول تعليق علي المؤامرة التي كشفتها الاستخبارات والأجهزة الأمريكية حول محاولة أشخاص إيرانيين التآمر لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، أشار الكاتبان جوبي واريك وتوماس اردبرينك في ال«واشنطن بوست» إلي أن " المؤامرة الخيالية " التي طرحتها السلطات تبدو وكأنها مأخوذة من إحدي مجلات الإثارة الرديئة، وهي غير متقنة تماما إلي درجة أن محققين أمريكيين تشككوا في احتمالية وقوف الحكومة الإيرانية وراءها . ويطرح الكاتبان تساؤلاتهما للتشكيك في المؤامرة ومدي صدقيتها معربين عن الاستغراب من أنه بعد 24 ساعة فقط من الكشف عن تفاصيل المؤامرة الفاشلة، بدأت إدارة أوباما علي الفور في تخصيص الوقت لإعداد الأدلة ليس فقط لعرضها علي الصحفيين، ولكن أيضا لاستجلاب تأييد الحلفاء للرواية الأمريكية . وكملاحظة عامة، فليست الدوائر الأمريكية علي رأي واحد فيما إذا كانت المستويات العليا في إيران علي علم كامل بهذا المخطط في حالة افتراض كونه حدث بالفعل . وأضاف مسئولون أمريكيون أن المخطط كما أعلنته مصادر الحكومة الأمريكية لا يحمل كثيرا من السمات المميزة للوحدات التي تضم مجموعات من المسلحين والقتلة المستأجرين والمدربين بالأسلحة والتجهيزات والمنتشرين حول العالم . وعلي طريقة وسائل الإعلام الغربية التي تتشكك في مثل هذه الروايات، نقلت صحيفة «التايمز» البريطانية ما قال به روبرت مولير مدير( اف بي اي ) أن بعض أجزاء القصة تبدو خيالية مع أنها كانت ستسبب خسارة في الأرواح. إلي ذلك يقول كاتب أمريكي إنه ليس من طبيعة إيران تنفيذ مثل هذه المهمة الخطيرة، ومن السذاجة تصديق أن عناصر محترفة يمكن أن تنحدر بمستواها إلي حد التفكير في تجنيد أعضاء في عصابة مخدرات غير معروفة للقيام بعملية اغتيال سياسي رفيع المستوي . ومع ذلك، فقد ذكر محققون أن عدم براعة العناصر التي كانت مكلفة بتنفيذ العملية يعكس عدم خبرة إيران في العمل بأمريكا الشمالية، حيث تفتقر إلي الشبكات عالية المستوي في العلاقات والاتصالات، وقال آخرون إن العملية علي العموم تثبت سذاجة رجال الدين المتشددين الذين يمسكون بزمام الحكم في إيران . وأخيرا استنتج الكاتب لويس شاربونو أنه إذا سارت الولايات المتحدة علي نهج إدارات أمريكية سابقة، وقدمت القضية خلال اجتماع علني لمجلس الأمن الدولي المكون من 15 دولة، فإنها تستطيع حشد الدعم في مواجهة المتشككين والمنتقدين الذين يؤكدون أن الاتهامات الأمريكية الجديدة ضد إيران " منافية للعقل". من ناحية أخري، يطرح البعض انتقادات للرواية الأمريكية من منطلق أن الأجهزة الأمنية التي تقول الولايات المتحدة بأنها تقف وراء المؤامرة، أي قوات الحرس الثوري وفرع العمليات الخاصة التابع لها والمعروف باسم فيلق القدس، هي حاليا لا تخضع لنفوذ الرئيس أحمدي نجاد، بل لقد لعبت القيادات المرتبطة بهذه القوات دورا أساسيا مؤخرا في مهاجمة نجاد أثناء خلافه الأخير مع رجال الدين الشيعة ذوي النفوذ القوي والقادة الذين ساهموا في وصوله إلي السلطة . ويري محللون أن الأجهزة الأمنية في الجمهورية الإسلامية ينظر لها في الوقت الحاضر علي أنها تمثل عبئا علي حكومة نجاد التي تتعرض لانتقادات شديدة من مسئولي الاستخبارات وقادة الحرس الثوري ورجال الدين المتشددين (وقد هدد المرشد الأعلي مؤخرا بإلغاء منصب الرئيس المنتخب بشكل مباشر، مقترحا أن النظام البرلماني لانتخاب مسئولي السلطة التنفيذية قد يكون هو الأفضل). أصحاب المصلحة عندما يكون الأمر متعلقا بمسألة علي هذه الدرجة من الأهمية كمحاولة اغتيال سفير سعودي في العاصمة الأمريكية واشنطن، فإنه لابد من طرح السؤال التالي : من هو الطرف المستفيد من اقتراف جريمة علي هذا النحو من الخطورة ؟ وطبعا ينبني هذا السؤال علي وجهة النظر التي تسلم بصحة وجود المؤامرة التي كانت تستهدف السفير السعودي، وبناء عليه يتم طرح عدة
استنتاجات محتملة من قبيل : 1 أن تكون هناك مصلحة إيرانية في وقف الجهود النشطة التي يبذلها السفير السعودي عادل الجبير في الولايات المتحدة بهدف استصدار قرار أممي ضد النظام السوري، خاصة أن الجبير تمكن من بناء شبكة علاقات قوية مع سياسيين ومسئولين أمريكيين ويواصل اتصالاته ومشاوراته مع رجال الكونجرس الأمريكي، ويقود الجبير حملة ضد الرئيس بشار الأسد للمطالبة بوقف آلته العسكرية الجهنمية ضد المعارضة السورية ومظاهرات الشارع السوري . وتتضمن حملة الجبير لقاءات مع ممثلي الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي، ويبدو أن السفير السعودي يحرز عدة نقاط قوية خاصة أنه يواجه اللوبي الموالي لإسرائيل حيث إن تل أبيب تضغط للحفاظ علي نظام الأسد الذي لم ولن يغير شيئا من الوضع الحالي في الجولان. وطبعا تراقب كل من سوريا وإيران جهود الجبير في الولايات المتحدة من كثب، وقد تكون مهمة إيقاف جهود عادل الجبير في واشنطن مهمة ورغبة مشتركة للجانبين . 2 أن تكون لدي إيران مصلحة في إثارة الاضطرابات الداخلية في السعودية في الفترة الراهنة والتي يمكن أن يؤدي اغتيال الجبير لاندلاعها بين إسلاميين / سلفيين متشددين في السعودية، وأصحاب الاتجاهات الليبرالية المنفتحة، ومنهم السفير السعودي في واشنطن والذي ينظر إليه المتشددون علي أنه من أصحاب الفكر "التغريبي"، الذي يناصر قضية المرأة ويؤيد منحها حقوقها، وبالتالي فإن اغتيال الجبير سيرضي الأصوليين علي أنه مصير طبيعي لليبرالي علماني يناصبونه العداء، كما أنه سيؤدي إلي تصعيد صراع التيارات في السعودية، وقد يخرج من هنا أو هناك من يعلن مسئوليته عن هذا "الإنجاز" سواء من تنظيم القاعدة أو من يدورون في فلكها، وفي خضم الضجة الإقليمية والدولية التي ستنجم عن الحادث الخطير فإن ذلك سيبعد الشبهة نهائيا عن أي مسئولية إيرانية في هذا الصدد. 3 أن تكون لدي إيران مصلحة في محاولة استعادة القوة لدورها الإقليمي بعد أن تعرض هذا الدور للتقلص بفعل تمدد الدور الإقليمي السعودي من ناحية ، وتضاؤل سطوة طهران علي فروعها الإقليمية : حماس وحزب الله من ناحية أخري ، واندلاع الثورة السورية ضد بشار الأسد حليف إيران المقرب، وثورات " الربيع العربي " التي غيرت ثوابت الأنظمة العربية ومن المتوقع أن ينتج عنها تغييرات في توازنات القوي في المنطقة، وقد يؤدي اغتيال الجبير، في الحسابات الإيرانية المفترضة، لتحقيق الرغبة الانتقامية أو إلي تغييرات إقليمية تدعم المصالح الإيرانية، ويصل البعض بهذه الاستنتاجات المحتملة إلي حد رغبة إيران في نشوب ثورة في السعودية تقلب كل موازين المنطقة، ويتصل بذلك مباركة إيران لاحتمالات وصول إسلاميين للحكم في دول الثورات ومنها مصر، حيث يتردد حصول إخوان مصر تحديدا علي دعم مادي ومعنوي من إيران . 4 أن تكون لدي الولايات المتحدة مصلحة في إثارة الرأي العام الدولي ضد إيران في الفترة الحالية في ظل مناخ من التصعيد الشديد، بغض النظر عن صحة مؤامرة الاغتيال من عدمها، حيث ترغب واشنطن في فرض عقوبات جديدة علي إيران، وهنا أيضا يتساءل مسئول أمريكي : هل كان الأمر يتطلب صياغة المؤامرة وحبك القصة وطرحها علي وجه السرعة؟ غير أنه بمنظور أمريكي أوسع فإن كثيرين يربطون بين قصة محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن وانتخابات الرئاسة الأمريكية التي سيدخلها الرئيس أوباما في 2012، ويقول بول بيلار المحلل بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية إن الكلمات القوية لكل من أوباما وهيلاري كلينتون تعكس ما يتعلق بالانتخابات المقبلة، ويعمل بيلار أيضا في جامعة جورج تاون ومن تحليله للموقف يستنتج أن أجواء الترشح لفترة ولاية ثانية تستدعي الظهور بمظهر التشدد تجاه إيران لإعطاء ذخيرة (شحنة) إضافية، وصولا حتي إلي الكلام عن امكانية استخدام القوة العسكرية . حالة تأهب يرتكز التوجه الأمريكي إزاء قضية السفير السعودي علي أن المؤامرة، كما عرضتها الاستخبارات وأجهزة التحقيق الأمريكية هي حقيقة مسلمة ولا تحتمل الشك علي الإطلاق، ويجري التدليل علي ذلك بأن ضعف المهنية الذي اكتنف العملية مرجعه حالة التخبط والإحباط التي تعتري إيران في المرحلة الحالية بالنظر إلي مشكلات داخلية وخارجية تواجه طهران وتعرقل سياستها، كذلك بسبب الإحباط الذي يستشعره سياسيون إيرانيون بعد تعرض البرنامج النووي الإيراني لعدة مشكلات مؤخرا أصابته وعرقلت تقدمه، وإن كانت لم تتسبب في توقفه بالكامل . ويدلل الكاتب ريتشارد كوهين علي مصداقية الرواية الأمريكية بما يسميه ( عدم عقلانية ) الحكم في إيران حتي منذ سنوات طويلة، ويضرب المثل بأن إيران سعت وراء منفيين لقتلهم، ففي 1991 قتل رئيس الوزراء السابق شابور بختيار في باريس، وفي 2010 عندما أطلقت فرنسا سراح أحد قاتلي بختيار، استقبل في إيران استقبال الأبطال. ومن الواضح أن هناك تفاهما بين الولايات المتحدة والسعودية علي تصعيد الموقف الدولي ضد إيران، وقد أعلن بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة رسميا إحالة قضية محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن إلي مجلس الأمن الدولي، وذلك بناء علي الطلب السعودي لتكون هذه هي المرة الأولي التي تلجأ فيها السعودية إلي مجلس الأمن منفردة لوضع حد لما تعتبره تحركات عدوانية من قبل إيران . من ناحيتها، أكدت السيناتورة ديان فاينشتاين، ديمقراطية من ولاية كاليفورنيا ورئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ إن الولايات المتحدة وإيران تسيران علي طريق التصادم، ما لم تغير إيران سياساتها. ومع أن كل الشواهد تؤكد اتجاه واشنطن للتصعيد ضد إيران، غير أن مايبدو من مواقف يظهر نوعا من " الحيرة " الأمريكية حول كيفية التعامل مع إيران في المرحلة الراهنة، وما إذا كان سيتم اللجوء إلي فرض مزيد من العقوبات المؤلمة ضد إيران، أو التصعيد إلي حد المواجهة العسكرية . فقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات علي شركة " مهان " الإيرانية للطيران متهمة إياها بنقل أعضاء من الحرس الثوري وحزب الله سرا، وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات علي أربعة أعضاء بارزين في فيلق القدس بزعم أنهم متورطون في المؤامرة ومن ضمن المتآمرين المزعومين قاسم سليماني رئيس فيلق القدس، وثلاثة من النواب الذين زعم انهم تولوا عملية التنسيق لتنفيذ المخطط . كذلك ضغط الرئيس أوباما علي مفتشين نويين تابعين للأمم المتحدة من أجل الكشف عن معلومات استخباراتية سرية توضح أن إيران تقوم بتصميم واختبار تقنية أسلحة نووية، وهنا يذكر أن يوكيا أمانو المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية تحدث بصورة علنية في سبتمبر الماضي حول نشر بيانات تتسم بالدقة الشديدة تشير إلي أن إيران تعمل علي " رءوس حرب ومنبهات نووية". كما تجري واشنطن اتصالات مع دول العالم لوقف استقبالهم للقادة الإيرانيين بدعوي خروجهم علي قواعد السلوك الدولي المقبولة، ويتوعد أوباما بفرض أقسي العقوبات علي إيران وتعبئة المجتمع الدولي للوصول إلي هذا الهدف، ويطالب أعضاء الكونجرس بإجراءات صارمة ضد إيران، وارتفع صوت رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب إلينا روس ليتانين مؤكدة أن سوريا وإيران تشكلان تهديدات خطيرة ضد الولايات المتحدة، وأنه لابد من التعامل بصورة مختلفة مع إيران التي جلبت المعركة إلي الأرض الأمريكية، وتتساءل المسئولة الأمريكية بقوة : إذا كانت إيران تشعر الآن أنها قادرة علي تخطيط هجوم علي أراضينا، فكيف سيكون الموقف عندما تحصل علي أسلحة نووية؟ وتختم روس كلامها بأنه " لايمكن الاعتماد علي مجلس الأمن" لأنه سيعطي إشارة خاطئة لإيران بأنها لن تحاسب علي فعلتها". وفي السياق، فقد عادت بقوة في الأجواء الأمريكية نغمة ضرورة التخلص من النظام القائم في إيران، وأعلنها صريحة عضو الكونجرس الجمهوري تيد بو " أن الأمل الأكبر هو تغيير النظام الإيراني لخدمة قضية السلم والأمن الدولي. وعلي مستوي الإجراءات العقابية السريعة، تدرس الإدارة الأمريكية حظر التعامل مع البنك المركزي الإيراني، غير أن هذه الخطوة تعارضها الصين ودول آسيوية أخري، كما يجري بحث توسيع الحظر ليشمل شراء منتجات بترولية تبيعها شركات تابعة للحرس الثوري الإيراني، ولكن عموما تعترض الصين وروسيا وغيرها من الشركاء التجاريين لإيران علي فرض عقوبات مالية ونفطية بدعوي أن عزل إيران يعد استراتيجية ضعيفة، وفي الداخل الأمريكي يحذر مسئولون مقربون من أوباما من أن تؤدي اجراءات قوية يتم فرضها ضد صادرات إيران من النفط إلي ارتفاع الأسعار، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي والدول الأوروبية من مشكلات خطيرة، الأمر الذي سيعرض الاقتصادين الأمريكي والأوروبي لمخاطر محققة ليس أقلها الكساد وتداعياته السلبية. وفي سياق متصل، يوضح مسئول في الخارجية الأمريكية أن الخطوات المطروحة حاليا، في حالة التصرف وفقا للقانون الدولي، تتمحور حول فرض ضغوط علي إيران لمحاكمة أو تسليم عضو الحرس الثوري غلام شاكوري إلي السلطات القضائية في الولايات المتحدة، فبموجب معاهدة تابعة للأمم المتحدة التي وقعتها طهران في 1978 عليها الالتزام بمعاقبة ومحاسبة أي شخص يتعرض لدبلوماسي بلد آخر، وهذه نقطة تشدد عليها واشنطن في دفعها لمحاسبة إيران وفقا للقانون الدولي. وفي إطار حالة التأهب الحذرة علي المستويين الإقليمي والعالمي التي تواكب ما أعلنته الولايات المتحدة بخصوص مؤامرة إيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، ففي المنطقة العربية هناك الدعم الواضح للموقف السعودي بالرغم من وجود أصوات تحذر من المسايرة الكاملة للادعاءات الأمريكية خشية أن تكرر واشنطن الخطأ الفادح الذي ارتكبته مسبقا من خلال الادعاء بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، وترتب عليه حرب كارثية دفع الجميع أثمانها . كما أن هناك التأييد لمطلب مجلس الشوري السعودي للمجتمع الدولي والاتحاد البرلماني الدولي والعالم الإسلامي والمنظمات الدولية باتخاذ كل ما يلزم بحق الضالعين في المؤامرة الإيرانية الآثمة، هذا، بينما هددت إيران بأنه سيتم اتخاذ " رد حاسم " علي أي إجراء غير مناسب من جانب القوي الغربية ضدها، فيما يؤكد المسئولون أن إيران دولة متحضرة، ولا تحتاج إلي سياسة الاغتيالات التي تتبعها أمريكا نفسها، وتؤكد طهران براءتها من المؤامرة المزعومة، التي لاتوجد عليها، حتي الآن، أية أدلة دامغة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.