تنفرد مجلة عين شمس التي أصدرها عالم القبطيات الراحل اقلاديوس بك لبيب (1868- 1918) بكونها أول وربما آخر مجلة تصدر باللغتين العربية والقبطية في عمودين ، ولقد صدر منها ثلاثة مجلدات خلال الفترة من 1900- 1903، وهي مجلة شهرية صدر العدد الأول منها في 1 توت 1617 ش الموافق 11 سبتمبر 1900 م، وتوقفت عن الصدور عام 1619 للشهداء"أي ما يوافق 1903 م " ( لمعرفة الفارق بين التاريخ الميلادي والتاريخ القبطي يطرح 284 من التاريخ الميلادي حيث ان عام 284 هو بداية حكم دقلديانوس وبه يبدأ التاريخ القبطي )، وتتكون المجلة من 16 صفحة ، وتنقسم صفحتها إلي عمودين، عمود باللغة العربية، وعمود آخر يقابله باللغة القبطية، واتخذت المجلة رمزا خاصا بها يمثل الإله حورس ممسكا بعلامة الحياة في يده، وهو يركب أحد مراكب الشمس، ومكتوب علي الشعار مجلة أثرية مصرية لصاحبها اقلاديوس لبيب، ولقد لقبت المجلة ب"عين شمس " لأنها كانت مقر أول جامعة مصرية في التاريخ هي جامعة "أون " كذلك كانت ضاحية عين شمس هي مقر سكن اقلاديوس لبيب . وسوف نقوم بعمل إطلالة سريعة علي المجلدات الثلاثة للتعرف علي أخبار الاكتشافات الأثرية التي وردت بالمجلة، ففي العدد الثالث من السنة الأولي الصادر بتاريخ 1 هاتور 1617 للشهداء، نجد خبرا عن إهداء مجموعة من الكتب الأثرية أهداها العالم الكبير أحمد باشا كمال إلي ادارة المجلة وهذا نصها :- " اهدانا عزتلو الفاضل أحمد بك كمال الوكيل الوطني بالمتحف المصري نسخة من كل من مؤلفاته الآتية :- 1- الجزء الأول من كتاب " بغية الطالبين في علوم وعوائد وصنائع قدماء المصريين " وهو يهم كل وطني اقتناءه وثمنه 80 قرش صاغ وعدد صفحاته 584 في ربع الفرخ . 2- كتاب "ترويح النفس في مدينة الشمس " وهو أهم كتاب وضع في تاريخ هذه المدينة العظيمة 3- كتاب " اللآليء الدرية في النباتات والأشجار القديمة المصرية " وهو أهم قاموس جمع معظم النباتات المصرية القديمة بأسمائها الهيروغليفية والقبطية وثمنه 50 قرش صاغ . وفي العدد السابع من نفس السنة والصادر بتاريخ 1 برمهات 1617 للشهداء وتحت عنوان أخبار الشهر نجد الخبر الآتي :- "اكتشف المستر كويبل من قبل المتحف المصري والمستر بيتري من قبل المتحف البريطاني آثارا كبيرة نفيسة بجهة أبدو (العرابة المدفونة ) بجوار البلينا سننشرها في اوانها عند الوقوف علي حقيقتها ورسومها أيضا ...... واكتشفت آثارا مهمة بكوم الشقافة بإسكندرية ... وكذا أيضا مدينة منف وسقارة ... وجاري البحث أيضا بجهة بني حسن بقرب الروضة كما أنه جار بكل جهات القطر جنوبا وشمالا وشرقا وغربا بهمة جناب المسيو مسبرو النشيط ورجاله الأمناء " . وفي العدد التاسع من السنة الأولي الصادر بتاريخ 1 بشنس 1617للشهداء نجد خبرا عن حفائر تجري بدير أبو يحنس أو دير ماريوحنا ويسمي دير العظام وهذا نصه :- "تصريح في يوليو 1879 للخواجة يسي تادرس وفرج اسماعيل المشتغلين بالآثار بعمل حفائر فوق جبل أسيوط بجهة معروفة بدير العظام، وتعيين جناب محمد أفندي شعبان مفتش الآثار بالروضة لملاحظة هذه الحفائر .... أما سبب تسمية هذا الدير ب"دير العظلم " فهي تسمية الفلاحين والعوام بتلك الجهة لاحتوائه علي عظام أموات كثيرة بدون حصر لأنهم كانوا يدفنون فيه الأموات " . وفي نفس العدد نجد خبرا عن وضع حجر الأساس لدير مارجرجس للبنات بمصر القديمة في يوم 23 بشنس 1617للشهداء بيد قداسة البابا المعظم كيرلس الخامس . وفي العدد الأول من السنة الثالثة بتاريخ 1 توت 1619للشهداء، وتحت عنوان مختصر أعمال قداسة البابا الأنمبا كيرلس الخامس التي أجراها في عام 1618 المنصرم نجد الأعمال الآتية (وذلك فيما يخص الآثار فقط ) :- أولا:- أصلح أرض كنيسة مرقوريوس ابو سيفين بجهة طموة بعمل سواقٍ فاخرة لراحة الزائرين . ثانيا :- أصلح وأضاف مباني بجهة دير القديس برسوم العريان بخط حلوان . ثالثا :- اهتم بإصلاح ما يستحق الإصلاح بجهة دير كنيسة العذراء بالعدوية . رابعا :- تجديد كنيسة مارجرجس بمصر القديمة خامسا :- بناء سور حول كنيستي ديري الأمير تادرس وأباكير ويوحنا بمصر القديمة . سادسا :- إصلاحات وترميمات بديري البراموس والسريان ببرية شيهات . سابعا :- إصلاح وتجديد كنيسة العذراء الأثرية بحارة زويلة تحت ملاحظة كاهنها الأيغومانس (القمص) مرقس بسادة . وفي نفس العدد نجد خبرا مهما عن نقل الآثار المصرية من مركزها الحالي بجهة سراي الجيزة إلي مبناها الجديد بجهة قصر النيل ببولاق مصر .أما بناؤها فمن أحسن طراز مصري وهندسة فرعونية . وهنا يليق بنا أن نذكر أسماء حضرات الأفاضل الذين عول عليهم ترتيب هذه الآثار فأجادوا وأفادوا وهم :- 1- جناب المدير ماسبيرو 2- سعادة الفاضل بروكس بك الوكيل العام 3- المسيو دريس وغيره في القسم الأعلي 4- المسيو برستني بالقسم الأسفل 5- سعادة أحمد بك كمال وزملاؤه الآخرون أيضا أما أفتتاحها الرسمي فسيكون في شهر نوفمبر . وفي العدد الخامس والسادس من السنة الثالثة والمؤرخ بطوبة وأمشير 1619للشهداء ، نجد مقالا بعنوان "الأديرة القبطية من قوص إلي أسوان " وفي نفس العدد وتحت عنوان "اكتشافات " نجد الخبر الآتي :- في قوص ورد لنا من أحد المشتركين بقنا أنه قد اكتشف بناحية قوص بقرية «الشيخ أبوالعباس» بعض أدوات كنائسية قبطية من النحاس والبرنز والشمعدانات وبعض مباخر أخري . وفي ببان (باب) الملوكاكتشف باب قبر جديد بجهة ببان الملوك غرب الأقصر يظن أنه لعائلة تهوتمس . وفي تل بسطة وأتريب جاري البحث الأثري وبأغلب الجهات الأثرية أيضا . وفي نفس العدد وتحت عنوان "استدراك للاكتشافات " نجد خبرا يقول إن المسيو سكابريلي مدير متحف إيطاليا قد عثر علي مقبرة بجهة ببان الملوك غرب الأقصر ويقال إنه للأمير هركاأب ابن الملك رمسيس الثالث . وفي العدد السابع والثامن من نفس السنة وتحت عنوان "اكتشافات اثرية " نجد الأخبار التالية :- (بطيبة) وجد المسيو ديفس الامريكاني قبرا ببان الملوك ويظن أنه للملكة هتشبو (حتشبسوت) صاحبة المسلة بالكرنك ( بأسيوط) اكتشف جماعة من الأجانب بعض آثار مهمة ومقبرة ملوكية خلف اسطبل عنتر بأسيوط والبحث جار بهمة فيها . (بسقارة) اكتشف جناب المسيو برسنتي أحد أمناء مصلحة الآثار في جبل سقارة مدفنا لأحد وزراء ملوك العائلة السادسة والعشرين المصرية بجوار معبد هرم أوناس من الجهة الشرقية . وفي العدد التاسع والعاشر من نفس السنة والصادر بتاريخ بشنس وبؤني 1619ش، وتحت عنوان "اكتشافات " نجد الخبر الآتي :- "من ضمن الخطبة التي ألقاها المسيو فلندس بتري الأثري بلندن في محفل الأثريين عن الآثار المصرية المكتشفة حديثا أننا اكتشفنا بالقرب من هيكل أوزيريس بالعرابة المدفونة بمصر العليا هيكلا وجملة مقصورات بها تماثيل مصنوعة من سن الفيل ..... وقد اكتشف أيضا في جنوبها معبد الملكة يتتاشيرا وهي متعبدة ركوعا مع ولدها أهمس الأول من العائلة الثامنة عشر ة. " وقد اكتشف أيضا ببويط شمال قرية مير بالقرب من محطة ملوي بمديرية أسيوط بالجبل الغربي جملة آثار مصرية مهمة . وفي العدد الحادي العشر والثاني عشر بتاريخ أبيب ومسري 1619 للشهداء من نفس السنة نجد الخبر الآتي :- " وقد اكتشفت آثار مصرية مهمة بجهة بني حسن بمديرية المنيا بواسطة المسيو بتري .وجاري البحث بهمة في كل الجهات أيضا " وتبقي في النهاية كلمة صغيرة عن اقلاديوس لبيب نفسه صاحب هذه المجلة ومؤسسها، فلقد ولد في قرية مير بأسيوط في يوم 6 يناير 1868، وفي طفولته في مير اهتم بتعلم اللغة القبطية، ثم نزح إلي القاهرة في سن صغيرة نسبيا، والتحق بمدرسة الأقباط الكبري، وفيها دأب علي تعلم اللغتين الإنجليزية والفرنسية حتي أجادهما تماما . كما اتصل بعلماء الآثار الفرنسيين وتعلم منهم اللغة الهيروغليفية، ونظرا لإجادته أربع لغات وبالذات اللغة القبطية عين مفتشا للآثار القبطية ببولاق، ولقد تزوج بفتاة قبطية اسمها "وردة " اهتم بتعلميها اللغة القبطية، واشتري منزلا تحيط به حديقة كبيرة في عين شمس، ولقد أنجب أقلاديوس لبيب ولدين وخمس بنات، أهتم بتسميتهم جميعا بأسماء فرعونية وهم «باهور وشنوتي» أما البنات فهن» توتو، نفرتاري، تسامون؛ موني، هانوف» ولقد ألف أقلاديوس حوالي 25 كتابا في اللغة القبطية، كما اهتم بعمل قاموس قبطي - عربي قام بطبع خمسة أجزاء منه، وقد وافته المنية قبل أن ينهي هذا المشروع الجبار . كما اهتم بجمع الكلمات والعبارات العامية التي لها أصل فرعوني أو قبطي، فكان يطوف البلاد مستمعا للأغاني الشعبية والمواويل وعازفي الكمان ومرددي الأغاني الشعبية مجزلا لهم العطاء ليرددوا علي مسامعه أغانيهم الشعبية الجميلة . ولقد أنعم عليه الخديوي عباس حلمي الثاني بلقب البكوية وكان ذلك عام 1903 ، وقصة هذه البكوية أنه عندما سافر البابا كيرلس الخامس إلي أسوان لحضور احتفالات إنشاء خزان أسوان (ورد تقرير مفصل عن هذه الزيارة في مجلة عين شمس جاء ذكره في السنة الثالثة ) وكان برفقته اقلاديوس لبيب باعتباره مدرس اللغة القبطية بالكلية الاكليركية (كلية اللاهوت الخاصة بتعليم الكهنة الدين المسيحي) وحدث أن البابا والخديوي كانا أمام حجر أثري عليه كتابات فرعونية فقام اقلاديوس لبيب بشرحها وترجمتها للبابا والخديوي، وعند الرجوع إلي القاهرة طلب الخديوي عباس حلمي الثاني من البابا كيرلس الخامس ترشيح اقلاديوس لبيب لرتبة البكوية حيث إنه كان جديرا بها، وبالفعل تمت الموافقة وأنعم عليه باللقب ولقد توفي اقلاديوس لبيب فجأة في يوم الخميس الموافق 9 مايو 1918 عن عمر يناهز حوالي الخمسين عاما، ولقد نعاه علماء الآثار المصرية والقبطية في العالم كله .