بحضور البابا تواضروس.. تدشين كنيسة الأنبا إبرام فى دير العزب بالفيوم (صور)    جامعة عين شمس تستقبل وفدا من وزراء التعليم الأفارقة    تدخل برلماني لحل أزمة مصاريف المدارس الخاصة    رئيس جامعة المنوفية يهنئ المحافظ والأهالي بالعيد القومى 118 للمحافظة    ارتفاع البلطي وانخفاض الجمبري.. أسعار السمك بسوق العبور اليوم الاثنين    وزير التعليم العالي يشارك في مائدة مستديرة عن «فجوة مهارات الأمن السيبراني»    صعود مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات جلسة الإثنين وسط تداولات ضعيفة    وزير السياحة يطمئن على أوضاع السياح الألمان والنمساويين بمصر بعد إفلاس شركة FTI    وزيرة الهجرة تستقبل الرئيس التنفيذي للغرفة الألمانية العربية للتجارة لبحث التعاون    المصيلحي: سعر السكر على البطاقات 12.60 جنيه.. والحكومة رفضت الزيادة| خاص    قيادي ب"فتح":التفاوض الجاد هو السبيل للوصول لحلول وسط لمجمل القضية الفلسطينية    الاحتلال الإسرائيلى يعتقل 30 فلسطينيا من الضفة الغربية    البرلمان الأوروبى: نسبة المشاركة فى الانتخابات الأوروبية تسجل نحو 51%    خادم الحرمين الشريفين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي ضحايا غزة    استطلاع: أكثر من نصف مؤيدى بايدن يدعمونه للولاية الثانية بدافع معارضة ترامب فقط    تشاهدون اليوم.. مصر تلتقى غينيا بيساو وغانا تستضيف جمهورية إفريقيا الوسطى    المنتخب الأوليمبي يواصل تدريباته استعدادا لمباراة كوت ديفوار الثانية    أبو الوفا: اقتربنا من إنهاء أزمة مستحقات فيتوريا    لمدة ساعة ونصف.. بدء امتحان مادة التربية الوطنية للثانوية العامة 2    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يشيد بإسهامات ندوة الحج العملية لخدمة ضيوف الرحمن    سرقا هاتفه وتعديا عليه بالضرب.. المشدد 3 سنوات لسائقين تسببا في إصابة شخص بالقليوبية    الاسم "محمد" واللقب "أصغر حاج".. مكة تسجل أول حالة ولادة بموسم الحج 2024    الفنان أيمن قنديل أمام لجنة الأورمان بالدقي للاطمئنان على نجله    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    عمرو دياب يلجأ للنيابة العامة وقرار بإخلاء سبيل الشاب الذي تعرض للصفع    رئيس تحرير الأخبار: مؤتمر غزة الدولى محاولة لإيقاظ الضمير العالمي لوقف الحرب    أمين «الفتوى» يكشف فضل وثواب العشر الأوائل من ذي الحجة    في موسم امتحانات الثانوية العامة 2024.. أفضل الأدعية رددها الآن للتسهيل في المذاكرة    المصرية لخبراء الاستثمار: الالتزام بتطبيق قانون المنافسة يجذب المستثمرين    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    كل ما تريد معرفته عن تشكيل وموعد الإعلان عن الحكومة الجديدة 2024    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    الحكم في طعن «شيري هانم وابنتها زمردة» على سجنهما 5 سنوات| اليوم    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحي مهدد بالإيقاف لأربع سنوات حال إثبات مخالفته للقواعد    منتخب الارجنتين يفوز على الإكوادور بهدف وحيد بمباراة ودية تحضيراً لبطولة كوبا امريكا    بعد غيابها العام الماضي.. ياسمين عبد العزيز تعود لدراما رمضان في 2025    لميس الحديدي تعلن عن إصابتها بالسرطان    استشارى نفسى يقدم نصائح للآباء لدعم الأبناء خلال امتحانات الثانوية العامة    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال الإسرائيلى تعتقل 30 فلسطينيا بالضفة الغربية لترتفع الحصيلة ل 9155 منذ 7 أكتوبر    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    هل الغش في الامتحان يبطل الصوم؟.. «الإفتاء» توضح    حياة كريمة .. جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    الخشت: قافلة الجيزة الطبية استكمال لجهود الجامعة ومشاركتها للتحالف الوطني    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    ممنوعات يجب تجنبها مع طلاب الثانوية العامة طوال فترة الامتحانات    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    أول إجراء من وزارة الرياضة بشأن أزمة «الدروس الخصوصية» في صالة حسن مصطفى    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    5 معلومات عن زوجة أمير طعيمة الجديدة.. ممثلة صاعدة وخبيرة مظهر    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    الفلسطيني أمير العملة يتوج بذهبية بطولة العالم بلعبة "المواي تاي"    ضياء رشوان: الرئيس السيسي يضع عينيه على المستقبل    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    ضياء السيد: عدم وجود ظهير أيسر في منتخب مصر «كارثة»    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاكر المعداوي.. شاعر الأساطير اللونية.. ومائيات النيل والنخيل
نشر في القاهرة يوم 20 - 09 - 2011


عن عمر يناهز 67 عاما رحل الفنان شاكر المعداوي ..شاعر الاساطير اللونية وعرائس الخيال التي تألقت في دنيا شفافة صاغها في مائيات من نيل مصر العظيم .. شكّل من خلالها عالما من الفنتازيا تحولت فيه مشاهد الريف المصري في الشروق والغروب الي دنيا جديدة تميزت بالرهافة والأناقة الشاعرية واللمسة الارستقراطية ..ويرجع هذا الي ارتباطه الشديد بقريته الصغيرة الخضراء الوارفة معدية مهدي والتي ظل مقيما بها منذ مولده وحتي رحيلة ..ولم يخرج منها الا لداعي السفر والبحث والدراسة . واذا كانت القرية المصرية قد ظلت مسرحا لأعمال أدبية عديدة لكبار كتابنا من يوسف ادريس وعبدالرحمن الشرقاوي وعبد الحليم عبد الله وعبد الحكيم قاسم وغيرهم .. كما ترجم مشاهدها رواد جماعة الألوان المائية التي ظهرت اواخر العشرينات من القرن الماضي ..الا ان المعداوي ترك اغنيات بصرية تنتمي لعمق الريف المصري وتخرج عليه بتلك المشاهد الدرامية ذات الطابع السيريالي والذي تتحاور فيه كائنات الريف مع الاسماك والصبايا في ايقاع جديد يذكرنا بروح الجداريات الفرعونية بلمسة الحداثة . معدية مهدي ولد شاكر المعداوي في يوليو من عام 1944بقرية" معدية مهدي" بمحافظة كفر الشيخ والتي ينتسب اليها وتنتسب اليه بالاسم و المكان والزمان .. وهي محل ميلاد عمه الناقد الكبيرانور المعداوي " 1920- 1965" . ولاشك ان عالمه التشكيلي يمثل مع خصوصيته الشديدة ترجمة بصرية لتلك الحكايات والاساطير التي كان يسمعها تتردد في طفولته من "النداهة "ومطايا الجان التي تتحول فيها العفاريت الي دواب ..ودهاء الثعلب مع العنزات الثلاث .. وماكان يراه ويتأمله من مشاهد الريف.. والتي تحولت بفعل خياله مع الظلمة الدامسة والليالي القمرية الي رؤي واخيلة صاغ فيها تشكيلات السحاب الي عرائس وجياد نافرة وعصافير وقطط وديكة وطيور . وعند عودته من المدرسة الاولية يمشي بحذاء النهر وقت الظهيرة.. كان يتابع بإحساسه اسراب الاسماك السابحة والطافية برءوسها والتي اصبحت فيما بعد ايقونته الأثيرة وقد خرجت علي الماء في الفضاء التصويري متوحدة في حوار مع بنات النيل المتوجات بالحسن والجمال ..يتألقن كعرائس البحر بالنور والشفافية.. يحلقن بآلات موسيقية بين الامواج والهواء . . وسط اشجار النخيل ذات التيجان المروحية .. تفيض بالرشاقة والأنوثة . وعندما وصل المعداوي الي المرحلة الاعدادية التحق بمدرسة رشيد ثم انتقلت الاسرة من اجله الي الاسكندرية وهناك درس بالمدرسة الثانوية الزخرفية وتفوق بها وانتقل بعدها الي كلية الفنون الجميلة واختار قسم التصوير وتخرج عام 1967 وبعد فترة سافر الي ايطاليا وحصل علي الدبلوم العالي من اكاديمية الفنون بروما عام 1978 . . وبعد عودته اختار قريته معدية مهدي لتكون المرفا والسكن والملهم الحقيقي لابداعاته المائية . ماء النيل تعد خامة الالوان المائية خامة صعبه تحتاج الي تمرس شديد ذلك لانها تنتمي الي التعبير اللحظي السريع ومن الصعوبة تغييرالمساحة المائية او تغيير اللون بعد وضعه علي الورق .. ورغم انها خامة سيالة هاربة .. لكنها تعطي امكانيات تعبيرية كبيرة مع شاعريتها العالية.. لما تحمل من شفافية ونقاء وحيوية لاتتوقف ..مع الانسجام والتدرج اللوني والخفة والرشاقة والتأثير النضر الخلاب ..وهي خامة شرقية تمتد لأكثر من ثمانية قرون .. استخدمها العرب في رسم المخطوطات والصور الجدارية من خلال صبغات تذوب في الماء ومنها مايسمي بالافريسكو والتمبرا وقد استخدمها الفنانون القدامي في اوروبا مثل دورر وتيرنر ووليم بليك.. كما كانت أداة حيوية في اعمال كبار فنانينا في الفن المصري الحديث بدءا من هدايت التركي المصري الاقامة.. وجماعة الالوان المائية التي كان رائدها حبيب جورجي وتلاميذه : محمد عبد الهادي ومحمد الغرابلي وشفيق رزق ويوسف العفيفي وحامد سعيد ووهيب صديق "وقد تعاملوا مع الالوان المائية بطريقة مباشرة وتلقائية وكانت مادتهم الطبيعة المصرية ودراستها واستلهام مشاهدها".. وإلي فنانة الحقول وزهور البرسيم فاطمة رفعت وفنان اسيوط بخيت فراج وعدلي رزق الله..وسمير فؤاد وجلال الحسيني ومحمد الطراوي.. وقد اخذ كل منهم اتجاها معينا في طريقة الاداء والتعبير. وتعد اعمال المعداوي حالة خاصة تضاف الي عالم الالوان المائية .. واذا كان قد شكل عالمه من مشاهد قريته معدية مهدي وحواديت الناس هناك الا انه خرج علي طابع المنظرالطبيعي واتجه الي افاق تعبيرية جديدة ..افاق من الفنتازيا نشعر فيها مع روح الريف بتلك الروح الانسانية والتي تمثل تعبيرية ذات مذاق خاص في الايقاع والتكوين وتداخل العناصر مع بعضها البعض وامتزاجها ببعضها البعض ايضا .. جعلها تسري في افاق سيريالية مادتها كائنات الريف وعناصره التي تمتلك قدرا كبيرا من البكارة والعذرية البصرية . . صحيح كان لفناننا بعض الاعمال ذات الطابع البيئي الريفي مثلما نري في لوحة" مدخن الشيشة" مع لوحات من تلك الاعمال التشخيصية لصبايا الريف وغيرها ..الا ان أغلبية اعماله تنتمي لهذا المنطق السيريالي الذي يجعل اللون يسري علي سطوح اللوحات يجسد التعبير البليغ "الدنيا ريشة في هوي" او يجعل الدنيا تطير علي جناح يمامة. وربما كان هذا المشهد الاحتفالي الذي صور فيه مجموعة من الاسماك واقفة بشكل رأسي مع عرائس النخيل وموجات من ماء النيل وفي الخلفية وعلي الشاطئ البعيد تطل سفينة تمتطيها سمكة ديناصورية ضخمة مساحة تعكس سحر عالمه .. وهنا تتداخل العناصر برقة شديدة مع سريان الالوان وانتقالها من الاحمر الوردي الي الاخضر العشبي والابيض البريء. وتظل لوحة "سفينة نوح" لشاكر المعداوي واحدة من اعماله التي ارتكز فيها علي قصة من الماضي القديم .. لكن اعادها بأسطورته الخاصة ..هنا تقف في مقدمة اللوحة حسناء السحر والجمال بمثابة الربان بينما تطل السفينة واقفة علي الماء بالحيوانات والاسماك التي تبدو في الخلفية ايضا . والوان المعداوي تذكرنا بروح شبورة الفجر في لحظات الطلوع.. وايضا لحظات الغروب التي تنطفئ فيها الشمس ويمتزج الشفق بزرقة السماء. وهناك اعمال للمعداوي تداعب فيها الكائنات بعضها البعض في مرح وحيوية بلمسة تلقائية شديدة العذوبة كما نري في لوحة "الطائر والاسماك" والتي يتربع فيها طائر ابيض يمتد من عمق اللوحة وذيله مغمور في الماء متوحدا ومتداخلا مع الاسماك .. بينما ينشر جناحية بامتداد الأفق . ومع حركة المصيف التي لاتهدأ حين تتراءي الشماسي علي الشاطئ مع دنيا البشر.. تتعانق الامواج مع زرقة الافق الذي يتشكل في اطياف من جياد ورجال ونساء بالأبيض الشفاف المشوب بزرقة خفيفة . وفناننا يجسد ادم وحواء في مشاهده السابحة في اللون والخيال مثلما نري في لوحته التي يحمل فيها رجل امراة و ساقاه مغمورتان في الماء بين الاسماك وتبدو عنف الحركة من وطأة الحمل بينما هي تحلق في الأفق ناعسة هادئة ومطمئنة .. علي خلفية من الرمادي المدخن . وفي مشهد اخر تتربع امراة فوق جسد رجل مسترخي علي الشاطئ "البلاج" وتقف تحتضن عصفورا صغيرا. وحين تتداخل العناصر في اعمال الفنان شاكر تتحول سطوح اللوحات الي انغام بصرية تذكرنا بسيمفونية بيتهوفن السادسة "الريفية" والتي تعبر عن مشاعر واحاسيس الانسان عندما يري الريف .. فنسمع خلف اعماله حفيف الاشجاروهمس الطيور واصوات الحيوانات وصرصور الحقول وحركة الفراشات. وقد كان لشاكر المعداوي اهتمامات كبيرة بالتأليف ورسوم الاطفال فصاغ العديد من قصص الاطفال ورسمها ونشرت في مجموعة من الكتب بدار المعارف والهيئة المصرية العامة للكتاب وكتاب قطر الندي مثل :"احلام دجاجة" و"توتو وشجرة التوت" و"نونو وعنزاته الثلاثة" و "عنوش والغراب". تحية الي روح شاكر المعداوي بعمق ماء النيل الذي فاض وتألق بالتعبير وشاعرية الأداء في لوحاته .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.