بعد أن حّمل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، للمرة الأولي، فرع تنظيم القاعدة في اليمن مسؤلية محاولة تفجير طائرة الركاب الأمريكية في 25 ديسمبر الماضي، اتفقت الولاياتالمتحدة وبريطانيا علي تمويل وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب في اليمن، وذلك علي اعتبار أن تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، حول نفسه من مجال التهديد الإقليمي، إلي أنشط أجنحة القاعدة خارج باكستان، ليمتد نطاق النشاط الذي تنطلق منه القاعدة علي مساحة جغرافية متسعة لتشمل باكستانوأفغانستان والعراق واليمن، كما قررت الرئاستان (الحكومة البريطانية والرئاسة الأمريكية) العمل المشترك للتصدي للتهديد الإرهابي المتنامي في اليمن والصومال، بعد مؤامرة ديترويت الارهابية الفاشلةوفي ضوء المعلومات التي وردت عن تحضير القاعدة لهجمات في صنعاء، أغلقت الولاياتالمتحدة وبريطانيا في 3 يناير سفارتيهما في اليمن، كما فعلت فرنسا، تحسبا لهذه الهجمات، بينما تعهد جون برينان، مستشار الرئيس الأمريكي لمكافحة الارهاب، بأن واشنطن "ستبيد تنظيم القاعدة عن بكرة أبيه"، وأنه سيتم تطهير أفغانستانوباكستان واليمن من القاعدة، حتي وإن تمكنت عناصر التنظيم من الفرار والاختباء، مشيرا إلي أن بلاده سوف تتعاون مع حكومة اليمن في هذا الصدد، وتزودها بكل ما تحتاج إليه، وإن كانت الولاياتالمتحدة لا تعتزم، في الوقت الراهن، نشر قوات أمريكية في الجزيرة العربية (علي حد تعبير المسؤل الأمريكي). وتؤكد دوائر إعلامية أمريكية أن عسكريون أمريكيون يخططون لدعم القوات المسلحة اليمنية، خاصة وأن القبائل اليمنية تسيطر علي مساحات واسعة، وهي غير راضية عن الحكومة، وتقدم مساعدات للقاعدة وخطة البنتاجون، تتواكب مع خطة أخري للاستخبارات الأمريكية (سي آي ايه) لتعزيز ودعم القوات الجوية والبرية اليمنية، فيما نفذ من هجمات مؤخرا ضد المواقع الارهابية، أسفرت عن مقتل 60 شخصا بينهم مدنيين. ندم أمريكي بعد الحادث الذي تعرضت له الطائرة الأمريكية، والهجوم الذي قام به انتحاري طالباني ضد قاعدة أمريكية سرية، شرق أفغانستان، وأسفر عن مقتل 7 من عملاء الوكالة، تلون الخطاب الأمريكي بنوع من "الندم" علي أن "الإرادة السياسية الأمريكية" لم تتحرك تجاه تنظيم القاعدة بالقدر اللازم لكسر شوكتها. أوجه القصور - كما حددها سودارسان راغهافان في الواشنطن بوست- هي غياب التركيز علي القاعدة، وغياب التمويل الكافي لليمن، وضعف التعاون بين الجانبين، وعدم فهم البنية السياسية المعقدة في هذا القطر الشرق أوسطي، وبالتالي استفاد التنظيم القاعدي من ضعف الحكومة، وانهماكها في المعارك الداخلية في الشمال، وحركة انفصالية في الجنوب، فضلا عن انتشار الفقر، والبطالة، وتراجع عائدات البترول، وامدادات المياه، وهذه هي البيئة المواتية لتجنيد العملاء، وإنشاء مرا كز التدريب، واتخاذ اليمن "نقطة انطلاق للجهاد العالمي". ويطلق اسم "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" علي فرعيها في السعودية واليمن، وقد نشأ بأمر مباشر من قائدها بن لادن، وضم محاربين سابقين من الأفغان العرب، وينفرد بماكينة إعلامية تمكنه من الانتشار في بيئة جاهزة ومتعاطفة، وتعاقب علي رئاسته عدد من قيادات القاعدة منهم خالد الحاج، وعبد العزيز المقرن، ويوسف العييري. وعلي الرغم من أن الولاياتالمتحدة قدمت مساعدات تنموية إلي اليمن، للتخفيف من حدة الفقر والبطالة، التي تعد عوامل أساسية في تشجيع مجندين جدد للقيام بعمليات مسلحة صغيرة للتنظيم، فإنه وفقا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، انخفضت هذه المساعدات من 5. 56 مليون دولار عام 2000 إلي 25.5 مليون دولار عام 2008، ويذكر مسؤلون أمريكيون أنه جري تخفيض المساعدات بمعدل كبير، نظرا للمخاوف بشأن الفساد. ويضيف سودارسان أنه حتي عندما تدخلت الولاياتالمتحدة بعملية فعلية ضد القاعدة في 2002، بإطلاق طائرة أمريكية بدون طيار وضربت منطقة في شرق اليمن، مما أسفر عن ذلك مصرع 6 أشخاص، فإن مسؤلين يمنيين شعروا بحرج بالغ، وطالبوا الأمريكيين بعدم الإعلان عن ذلك، ولكن الوقت كان قد فات لأن العملية أعلنت علي نطاق واسع، مما كان (عبئا علي النظام السياسي اليمني)، بسبب معارضة وعداء القبائل اليمنية لأي تدخلات خارجية أمريكية، الأمر الذي يجعلها تتعاطف مع القاعدة، وتمدها بالمساعدات. الموقف الراهن جاء حادث الطالب النيجيري فاروق عبد المطلب الذي كان يدرس في اليمن، وعلي اتصال بتنظيم القاعدة وحاول تفجير الطائرة الأمريكية، ليفجر حملة من الانتقادات، بعضها طال أجهزة واجراءات الأمن الأمريكية، وبعضها انصب علي الرئيس الأمريكي نفسه الذي يتهمه معارضوه بأنه مقصر في مواجهة الارهاب والارهابيين. فالرئيس أوباما كان في بدايات ممارسته للحكم قد طالب بالامتناع عن ترديد عبارة "الحرب ضد الارهاب". وهذا هو السبب الذي جعل ديك تشيني، النائب السابق للرئيس يوجه سؤالا تهكميا لباراك بقوله "كيف يحمي أوباما الأمريكيين، وهو لا يعترف بأن أمريكا في حالة حرب ضد الارهاب؟ فلم يكن هناك مفر من أن يعود أوباما إلي الخطاب الأمريكي متشدد تجاه الارهاب، وإن كان قد استبدل الشعار بآخر وهو (الحرب ضد تنظيم القاعدة في بلاد العرب). والحقيقة أن أوباما حمل الاستخبارات الأمريكية مسؤلية الفشل في الكثير من العمليات التي تستهدف أمن أمريكا، ويسعي إلي تغيير صورته هو نفسه، ليؤكد في كلمات مقصودة (المسؤلية التي أتحملها هي مسؤلية حماية الشعب الأمريكي، إن وطننا في حالة حرب ضد شبكات عنف وكراهية في أماكن بعيدة، إننا سنفعل كل ما في وسعنا، لهزيمتهم، مع المحافظة علي القيم التي تميز الولاياتالمتحدة). وفي الآونة الراهنة فإن ما يجري في اليمن هي حرب غير مرئية، إلي حد كبير، تمتد من شبه الجزيرة العربية إلي أفريقيا، من السماء، ومن مراكز استخباراتية عالية التقنية، وتستخدم فيها طائرات من دون طيار، وعملاء تابعين لوكالة الاستخبارات المركزية، وصور حية يتم التقاطها عبر الأقمار الصناعية. ويبقي السؤال: هل يعني وجود تنظيم القاعدة في اليمن الحاجة إلي تدخل خارجي علي غرار الموقف في أفغانستانوباكستان؟ الأمر المؤكد أن نشاط القاعدة في اليمن يمثل خطورة كبيرة، كما أن تفرغ سلطات اليمن للصراع في الشمال، وتوافر مناخ السلفية الجهادية، وأزمة المحافظات الجنوبية التي يطالب بعضها بالانفصال عن اليمن، كل ذلك وفر لتنظيم القاعدة فرصة ذهبية للانتشار في المناطق الجنوبية. ومع ذلك، فإنه بملاحظة الموقف الراهن، ثمة معارضات قوية لأسلوب التعامل مع القاعدة في اليمن، واستهداف مناطقهم بالصواريخ (الأمر الذي يمكن أن يحول هذه المناطق إلي حاضنة جماهيرية للتنظيم). ويقول حسن زايد، رئيس تحالف المعارضة اليمنية، والذي أسس «حزب الحق» ذي التوجه الشيعي في اليمن " إن وجود القاعدة في الجنوب مازال أقل من أن يتطلب عونا عسكريا من الخارج، .. وحتي تكون العمليات ضدهم قانونية، يمكن لوسائل الإعلام عرض صور المطلوبين، وتوجيه لوائح الاتهامات ضدهم، ومن ثمة عزلهم عن محيطهم شعبيا ". ويؤكد رئيس تحالف المعارضة اليمنية أنه لا توجد علاقة بين الانفصاليين في الجنوب والقاعدة، وأن ما يربط بين الاثنين هو الجوار الجغرافي فقط، فالقاعدة تنظيم دولي، خصومته، كما يدعي، مع الأنظمة المتحالفة مع الولاياتالمتحدة، في العالم، ولكن الحركة الجنوبية، لها مطالب سياسية، وهي في الأصل حركة سلمية، لا تتبني العنف . مخاوف غربية يلاحظ أنه علي المستويين الرسمي والإعلامي في الولاياتالمتحدة فإن هناك انقساما في الرأي حول أسلوب مكافحة الارهاب: هل يتم استعادة منهاجية بوش السابقة التي تقوم علي الحرب والمواجهة المباشرة؟ أم يفضل اتباع المنهاجيات التي دافع عنها الرئيس أوباما والتي تستبعد (ولو ظاهريا) استخدامات القوة المسلحة الموسعة؟ بالنسبة للمشكلة التي يواجهها الغرب وأمريكا تحديدا في اليمن فإن عدة محاذير تطرح، علي أنها ضرورات لابد من وضعها في الاعتبار، ومن ذلك: إن انتشار تنظيم القاعدة في اليمن، وانطلاق أمريكا والغرب في محاربته، يهدد بنشر الفوضي في منطقة، الخليج، مع حساسية الموقف بالنسبة للقرب من السعودية، وتحديدا مكةالمكرمة . إن التدخل الخارجي في اليمن، والمساعدة في تدريب عناصر محلية وتجهيزها، هو سلاح ذو حدين، وتحذر الإندبندنت البريطانية من أنه قد يأتي يوم علي الولاياتالمتحدة وبريطانيا يعضان فيه أصابع الندم لتدخلهما يوم لا ينفع فيه الندم. إنه يبدو أن تنظيم القاعدة ينصب فخا جديدا لأمريكا، حيث يغرسون جذورهم من خلال (التزاوج) من القبائل اليمنية، وتأسيس بنية محلية صلبة، تحتمل خسارة القيادات وتناوبها، والمزج بين الإقناع والترهيب لاكتساب الشعبية، وتحذر صحيفة فورين بوليسي الأمريكية من أن اليمن، قد تتحول في وقت قريب إلي ما يطلق عليه (قاعدة ستان). مشكلة اليمن دعا رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون الشركاء الدوليين الرئيسيين إلي اجتماع دولي رفيع المستوي في لندن يوم 28 يناير لمناقشة كيفية مواجهة التطرف في اليمن. ومن الشواهد المبدئية، فإنه يتوقع أن يسعي اجتماع لندن إلي تشجيع وتنسيق جهود المانحين لدعم التنمية في عدة مناطق تواجه خطر التطرف. بالإضافة إلي ذلك بالطبع، مناقشة قمة لندن للاحتياجات العسكرية والأمنية التي تساعد حكومة اليمن علي مكافحة الارهاب. هذا السيناريو هو تحديدا نفس السيناريو الذي سبق اتباعه في محاولة حل مشكلة أفغانستان، وقد أثبت فشلا ذريعا. إن المشكلة في اليمن تبدو أصعب، وتحتاج إلي منظور أشمل في مواجهتها. ذلك أنه، من الصعب فصل مشكلات اليمن عن بعضها البعض، فأزمة الحرب مع الحوثيين، لا تنفصل عن وجود القاعدة، ولا عن حركة الجنوبيين، لأن جوهرهذه المشكلات المترابطة هو (أزمة الدولة الفاقدة لتوافق اجتماعي وسياسي، وغير القادرة علي مباشرة استراتيجية تنموية شاملة، تحقق المساواة والعدل الاجتماعي، علي أساس المواطنة الحقيقية). من هنا، فإنه إذا ما تركزت جهود مؤتمر لندن علي كونه مؤتمرا للمانحين، والانعاش المؤقت، ودعم صنعاء عسكريا، فإن الأمر لن يعدو تخليق نموذجا آخر من نماذج الفشل علي غرار أفغانستان والعراق. إن مشكلة اليمن في حاجة ماسة لعناصر ثقافية، وتعليمية تحقق (نقلة مجتمعية)، في إطار مشروع سياسي مجتمعي، تتوافر له عناصر الدعم الداخلية والإقليمية ودرجة مناسبة من الوعي والتجرد والمرونة والنزاهة من جانب الحكومة اليمنية. لقد كانت دول الخليج العربي، وربما لاتزال تتحفظ علي انضمام اليمن إلي منظومة التعاون علي أساس اختلاف القدرات الاقتصادية لليمن، وكونها الدولة الوحيدة في منظومة الجزيرة العربية التي لا تتبع سياسيا نظاما ملكيا أو مشيخيا، ولكن في الغالب، أن هذه التحفظات لم تعد ذات أهمية، خاصة وأنه (علي الصعيد العربي) لم تعد النظم الجمهورية، خارجة عن السياق نفسه. المهم هنا، أن أصواتا عديدة ترتفع الآن لضم اليمن إلي منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، والمساعدة علي تغيير الواقع اليمني لخلق حالة من الاستقرار الاجتماعي والسياسي وهي الحالة التي تقضي علي (البيئة القابلة للتطرف، والمحرضة علي العنف والانتقام) فالمطلوب هوالدعم الاقتصادي الحقيقي حتي يجد شباب اليمن وظائف تحقق لهم الحياة الكريمة، والمستقبل الآمن، فذلك هو مايحصن الشباب من دعوات شيوخ التطرف الذين يجدون في المشكلات الاجتماعية، والفقر والبطالة الأرضية والذرائع المناسبة، لتجنيد الشباب لتنفيذ مشاريعهم الشيطانية. الاسلاموفوبيا... مجددا تعيش الولاياتالمتحدة، والدول الغربية حاليا حالة من الاستنفار الأمني، وتشديد اجراءات الأمن في المطارات، وارسال وفود لمطارات العالم، لتأمين الطائرات المتوجهة إلي الولاياتالمتحدة، وذلك تحت ضغط هاجس انتشار جيل آخر من متطرفي القاعدة، خاصة وأن ما يعرف ب "حركة شباب المجاهدين الصومالية" أعلنت عزمها علي ارسال مقاتلين جدد لليمن للمساعدة علي محاربة من يسمونهم "أعداء الله". فبعد 10 سنوات من أحداث سبتمبر، لايزال الارهاب العالمي تهديدا حقيقيا للغرب، كما يقول رئيس الوزراء البريطاني، في إشارته إلي أن (العقد الجديد يبدأ كما بدأ العقد الماضي بمناخ من الخوف من تنظيم القاعدة) وكما كشف مسؤلون أمريكيون مؤخرا، فقد كان الرئيس الأمريكي أوباما، في حفل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، في العام الماضي، وخلال مسيرة الركب الرئاسي، يخشي ويخشي معه المرافقون من عمل ارهابي، نتيجة معلومات تأكدت منها الاستخبارات الأمريكية، وبثها متطرفون صوماليون، لتفجير الموكب، وهو ما كان سيظهر أمريكا ضعيفة أمام العالم، كما قال مسؤل أمريكي. ومع تجدد الأحداث الارهابية، وتصاعد خطر القاعدة في اليمن، وحادث الطائرة الأمريكية، فقد عادت التساؤلات في الدوائر الغربية مجددا عن (الإسلاموية) وطرح باتريك هيني سؤاله في لوموند (هل الإسلام في جوهره توسعي وفاتح؟) وتتساءل دوائر بريطانية: هل الجامعات البريطانية صارت مكانا لتفريخ التشدد الديني؟ (بعد أن ثبت أن عبد المطلب درس في جامعة بريطانية الهندسة الميكانيكية، كما تنتشر هناك الجمعيات الإسلامية. كما يجري مناقشة ما يطلق عليه خطر "أئمة الانترنت" في إشارة إلي رجال الدين من ذوي الشخصيات الكاريزمية، الذين يعمدون إلي استغلال شهرتهم علي شبكة الانترنت لنشر الأيديولوجية المتطرفة بين أوساط الشباب المسلمين، ومنهم الذين يعيشون في الدول الغربية، ويجندونهم لحساب القاعدة (ومنهم عمر الفاروق عبد المطلب الذي حاول تفجير الطائرة الأمريكية)، ويقول جاريت براتشمان في كتابه (الجهاد العالمي: النظرية والتطبيق) إن الأئمة يتناولون أكثر الأفكار الأيديولوجية تعقيدا، ويطرحونها بصورة مبسطة، مع ارشادات واضحة حول كيفية الالتزام بالشريعة الإسلامية) وهنا مكمن الخطورة. وتنقل بعض المصادر عن أحد هؤلاء الأئمة مقولته:إذا كان أوباما رفع شعاره (نعم بإمكاننا) فإن شعارنا هو (السعادة يوم استشهادي).