حقق فيلم شارلوك هولمز الذي أخرجه البريطاني جاي ريتشي-42سنة- إيرادات قاربت المائتي مليون دولار، قبل أن يكمل أسبوع عرضه الثالث في أمريكا الشمالية وأوروبا، وهو يقف بذلك في المرتبة التالية لفيلم أفاتار، الذي وصلت أرقامه إلي مليار دولار! والمدهش أن شخصية "شارلوك هولمز" سبق وأن قدمتها السينما العالمية في أكثر من ثلاثمائة فيلم ومسلسل تليفزيوني، وقام مايقرب من السبعين ممثلاً بأداء شخصية أشهر وأهم عميل سري خاص، أبدعه خيال الكاتب والطبيب الأسكتلندي "آرثر كونان دويل"في نهاية القرن التاسع عشر، وكان "كونان"قد كتب أربع روايات بالاضافة إلي 54 قصة قصيرة، تحوي كل منها عدداً من الألغاز المعضلة، والجرائم التي يفك شارلوك هولمز شفرتها بمساعدة صديقه وزميله المخلص دكتورجون واطسون، ومن أشهر الممثلين الذين قاموا بتجسيد شخصية شارلوك هولمز علي شاشة السينما مايكل كين، وكريستوفر بلامر، روبرت ستيفنسن، جيري بريت، ومن الواضح أن جميعهم يحملون الجنسية البريطانية، مثل شخصية جيمس بوند، التي توالي عليها عدد من الممثلين الإنجليز! قد وضع المؤلف "آرثركونان دويل"عدة مواصفات تميز شخصية شارلوك هولمز أهمها شدة الذكاء، والقدرة علي تحليل أعقد القضايا والوصول إلي إسم المجرم والإيقاع به، مهماكانت قدرته ومهارته في التخفي والإلتفاف، ويحرص شارلوك هولمز علي ارتداء قبعة خاصة، تميزه عن غيره من المخبرين، الذين تلجأ إليهم الاسكوتلانديارد، كما إنه يحمل غليونه أو البايب الخاص به، ليساعده في التركيز والتفكير، كما يحتفظ بعدسة مكبرة، تساعده في ملاحظة أدق التفاصيل، ولم يخرج أي ممثل قام بتجسيد تلك الشخصية علي الشاشة، عن الحدود التي رسمها خيال مبدعها، إلا الامريكي روبرت داوني جونيور، الذي قام بأمركة الشخصية، وإضافة قدرات حركية، ومهارات قتالية، وقدراً ملحوظاً من خفة الظل، يجعل من شخصية شارلوك هولمز شخصية أمريكية أكثر منها إنجليزية، وهو أكثر مايميز أحدث فيلم يحمل عنوان شارلوك هولمز!وهو الفيلم الذي العصر الفيكتوري تدور أحداث الفيلم في العصر الفيكتوري "نهاية القرن التاسع عشر"، بمدينة لندن التي يغلفها الضباب معظم شهور العام، حيث يعيش المخبر السري "شارلوك هولمز" في مقره المعروف، في 221 ب شارع بيكر، وينجح هولمز، في القبض علي "لورد بلاكوود" الذي قام بقتل مجموعة من النساء، تحت زعم القيام بأعمال السحر الأسود، ليتمكن من السيطرة علي مجتمع لندن بأسره، ويتم القبض علي اللورد، و تقديمه للمحاكمة التي تنتهي بالأمر بإعدامه، ولكن اللورد بلاكوورد، يستقبل حكم الإعدام ببرود شديد، ويتحدي " شارلوك هولمز" في أنه سوف يعود من قبره، ويقتل ثلاثة أشخاص، ولن يستطيع هولمز أو غيره، منعه من تنفيذ جرائمه، وبعد إعدام اللورد بلاكوورد، يقوم دكتور واطسون "جود لو " بالكشف عليه، ليتأكد من وفاته، قبل أن يأمر بدفنه، وبعد أيام قليلة يعلن حارس القبر، أنه شاهد اللورد وهو يخرج من تابوته، لتظل هذه الشائعة لغزا محيرا، لشارلوك هولمز الذي يقوم بالكشف عن محتويات التابوت، ليكتشف أن الموجود داخله قزم كان يعمل لحساب اللورد، ويقوم بإجراء بعض التجارب الكيميائية، ثم تحدث الجريمة الثانية التي تنتهي بمقتل والد اللورد، أثناء إستحمامه، أما الجريمة الثالثة، فتحدث عند امتناع أحد رجال البرلمان الذي يرفض منح اللورد عهدا بالانضمام إلي جماعته التي تؤمن بقدراته علي العمل بالسحر الأسود، ويصبح علي شارلوك هولمز أن يحل تلك الالغاز، كما يؤرقه اللغز الأكبر، وهو كيف عاد اللورد من الموت، رغم إعدامه أمام نفر من الحضور، علي رأسهم وزير الداخلية وبعض رجاله، بالاضافة وهذا هو الأهم أن دكتور واطسون قد قام بالكشف عليه وتأكد من وفاته! وبعد كثير من المغامرات المشوقة، يستخدم فيها شارلوك هولمز قدراته الحركية والقتالية، بالإضافة أيضا إلي ذكائه الحاد وقدرته علي التحليل، يتمكن من الوصول إلي حل لتلك الالغاز، ويكتشف أن اللورد قد اعتمد علي فساد وزير الداخلية ومعاونيه، بالإضافة لإعتماده علي الإكتشافات الكيميائية التي كانت محيرة، وإنه تناول عقاراً يساعد علي إيقاف نبضات قلبه لعدة دقائق، وتخشب أوصاله مما يوحي بوفاته، وهي نفس الخدعة التي تم إستخدامها في مسرحية روميو وجولييت، عندما نصح الكاهن جولييت بتناول عقار ما، لتوحي بوفاتها، لتنقذ نفسها من الزواج من شاب إختاره والدها! التشويق والمغامرة الفيلم يحمل كل أنواع التشويق والمغامرة والترقب، بالإضافة لإتقان مذهل في تصميم الملابس والماكياج والاكسسوارت و إعادة تقديم مدينة لندن في مطلع القرن العشرين، بما تحمله من مبان وجسور غير مكتملة الإنشاء، أما اهم عناصر الجمال في الفيلم فهي الموسيقي التي وضعها هانز زيمر واستحق عليها الترشيح للجولدن جلوب، أما روبرت داوني جينيور فهو يعافر منذ سنوات لنيل جائزة أوسكارثانية، حتي لايظل دوره في فيلم "شابلن"الذي قدمه عام 1992 من إخراج ريتشارد أتنبرو، هو بيضة الديك أو الأوسكار الوحيد في حياته! وحياة روبرت داوني جينيور تستحق التأمل والدراسة فهو نموذج للفنان الموهوب، الذي تعثر أكثر من مرة، ولكن إصراره علي النجاح كان يجعله ينهض من عثرته سريعا، ويعيد توازنه ويكمل الطريق! انطباع جيد ولد "روبرت داوني" في نيويورك قبل 45 سنة، والده مخرج طليعي غير مشهور اسمه أيضا روبرت داوني، وحين كان في الخامسة من عمره. أتاح له والده فرصة التمثيل في فيلم من إخراجه بعنوان "باوند". ثم توالت أدواره وتنوعت وقدم من عام 1970 حتي 1987 كل الأدوار الشبابية في أفلام درامية وكوميدية وعاطفية. في سنة 1987 ترك انطباعا جيدا كبطل لفيلم "نشال فنان"، بعده فترة من البطولات والأدوار الرئيسية من بينها "مؤمن حقيقي"، و"طيران أميركي" مع ميل جيبسون، و"قتلة بطبيعتهم" إخراج أوليفر ستون عام 1994 مع وودي هارلسون، إلي جانب نحو خمسة وعشرين فيلما آخر حتي بداية الالفية الثالثة، وخلال تلك الرحلة تعرض "روبرت داوني" لأزمة طاحنة كادت تدمر مستقبله الفني نهائيا، وذلك عندما وقع في دائرة الادمان، ودخل السجن أكثر من مرة، وهبطت أسهمه الفنية مما أدي إلي إحجام شركات الإنتاج عن الإستعانة به، خوفاً من أن يدخل السجن قبل أن يكمل دوره في أفلامهم، وساءت سمعته حتي كاد الجمهور أن ينساه تماماً، ولكن حدث في حياته مايشبه الصحوة، وقرر بمساعدة أصدقائه المخلصين أن يتجاوز محنته، ويعالج نفسه من داء الإدمان. وبعد عامين من السكون، عاد مرة اخري للأضواء مقررا أن يعوض مافاته، بل وارتفع رصيده لدي الجمهور وعاد إسمه ليحتل مكانة واضحة بين أكبر نجوم هوليوود وذلك بعد أن قدم أفلامًا نالت نجاحا تجاريا كبيرا مثل نجم الشباك "زودياك" و"الرجل الحديدي" ثم الفيلم الكوميدي" الرعد الإستوائي "الذي أخرجه وشارك في بطولته "بن ستيلر"و"جاك بلاك " وحصل عنه روبرت داوني علي ترشيح لجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد، ولكن الجائزة ذهبت للراحل هيث ليدجار عن دوره الرائع في شخصية الجوكر التي قدمها في فيلم "فارس الظلام"، وأخيرا إنتهي روبرت داوني من تصوير دوره في الجزء الثاني من الرجل الحديدي الذي يأمل ان يحقق به إيرادات ضخمة تثبت أقدامه بين نجوم الشباك في هوليوود ! وبين خططه للمستقبل يفكر جديا في أن يخوض تجربة الإخراج مثل زميله جورج كلوني، الذي يعتبره داوني مثله الاعلي رغم أنه ينافسه بشدة هذا العام علي جائزة الجولدن جلوب والاوسكار عن فيلميه "في الأعإلي "، «والرجال الذين يحدقون في الماعز»، أما النجم "جود لو" الذي شاركه في بطولة فيلم شارلوك هولمز، ولعب بمهارة وخفة ظل دور الدكتور واطسون، فيقول عنه روبرت داوني لقد إستمتعت جدا بالتعاون معه، وهو ممثل له حضور طاغ وموهبة لاتقبل الجدل، ولكني لا أعتقد أنه يشكل خطراً علي هذا العام علي الاقل، لأنه لم يرشح لأي جوائز عن دوره هذا، وإن كان يستحق كل تقدير عن أدوار سابقة!