السؤال الذي يطرح نفسه بقوة بين جموع السينمائيين بصفة خاصة وأهل الفن عموما.. هل نلغي الرقابة تماما علي المصنفات الفنية؟.. طائفة من أهل السينما.. اطلقوا علي أنفسهم «السينمائيون الشبان».. وهو مسمي غريب.. وكأن الكبار جميعا يريدونها رقابة جديدة مع أن المبدع الحقيقي فوق كل رقابة وأكبر من كل رقابة يحكمه ضميره المهني والإنساني.. أقول الحقيقي ولا أقصد «الشلة» التي تريدها فقط حرية جنسية.. وهي معروفة وأفلامها تتسم بالهبوط الفني والأخلاقي وقد اتاحت لي ظروف لقاء تليفزيوني مع الأخ الفاضل دكتور سيد خطاب رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية.. وتناقشنا في هذا الأمر أمام الكاميرا وخلفها خاصة أن بعض المواقع سربت تصريحا علي لسان خطاب ينادي فيه بإلغاء الرقابة تماما. قاعدة الحرية والمطلوب أولا أن نتفق علي قاعدة الحرية كل الحرية من طرح الآراء والأفكار.. لكن تحويل الحرية إلي إباحية وإلغاء الرقابة لهذا الغرض دون غيره سيجعلنا نحول السينما من فن إلي كباريه درجة عاشرة ويفترض أن بلادنا بعد ثورتها المجيدة تسعي للحرية التي تبني وتعمر، وليس التحرر الذي يؤدي إلي الخراب والانفلات، مع العلم بأن الرقابة موجودة بأشكال ودرجات مختلفة في جميع أنحاء العالم. وفي هذا الصدد يجب مرة أخري أن نتفق علي قاعدة مهمة جدا بأن زمن المنع والعجب قد انتهي وذهب في ظل سموات مفتوحة وثورة هائلة في الاتصالات والحل الأمثل وجود رقابة لا تمنع الفكر.. ولكنها أشبه بمدافع الصدمات وحواجز النفايات والتفاهات ومهمتها تصنيف الأعمال في مستويات أ، ب، ج، وأيضا تصنيفها اجتماعيا بما يصلح للمشاهدة العائلية أو الكبار فقط، وعندما يجد منتج الأفلام الرخيصة أن أفلامه تحمل علامة فيها قدر من التحذير والتصنيف الذي يضع فيلمه في المستويات المتدنية سوف يراجع نفسه عشرات المرات. حتمية الحذف وقد ثبت أن الفيلم الذي يتم حذف أحد مشاهده مهما كان هبوط مستواه الفني يحاول أن يستغل هذا الحذف لكي يبدو أمام الناس ضحية، ولأن الممنوع مرغوب، تكون النتيجة لصالحه وليس ضده. مع أن هؤلاء لو ادركوا أن مزاج الجمهور قد تغير بتغير الظروف نفسها، فالشاب الآن أمامه الدش، والانترنت لكي يشاهد ما يريد بلا حسيب أو رقيب فقط هي ضغطة زر ومهما كان الفيلم فيه من المشاهد الملتهبة فإن المواقع والقنوات تقدم هذه الأمور بتوسع بالغ وبأشكال متعددة وعلي مدي ال24 ساعة، وتوفر له الخصوصية حيث يشاهدها في بيته وكما يحب. الجانب الآخر ومن وجهة نظر تجارية بحته، حيث يعتبر أن بيع الفيلم للقنوات الفضائية أحد أهم مصادر الربح للمنتج، ولأن هذه القنوات جمهورها في الغالب منزلي أو عائلي، نحاول شراء الأفلام التي تضمن لها الحد الأدني من احترام مشاعر متفرجها، أو حذف المشاهد الساخنة، بينما الفيلم الجيد الذي يقول كل ما يريد بأسلوب فني محترم، سيفرض نفسه علي القنوات وبأعلي سعر، حتي لو كان أبطاله من الشباب وليسوا من نجوم الشباك. مرنة ومتطورة وقد شرح لي الدكتور خطاب وجهة نظره بأنه لم يقصد أبدا في التصريحات التي تم نقلها علي لسانه، بأنه يريد التخلص من الرقابة نهائيا لكن الرجل يريدها رقابة مرنة ومتطورة، وأكد لي أن الرقابة طوال تاريخها نجحت بقوانينها التي اقترب عمرها من 60 عاما أن تتجاوز الكثير من الأزمات وأن تحافظ علي حق المبدع الحقيقي في وجهات نظره وفي نفس الوقت المحافظة علي قيم وتقاليد المجتمع من الانهيار. لهذا انصح الشباب الذين يريدون الغاء الرقابة نهائيا باسم الثورة مراجعة أنفسهم، واحترام وجهات نظر المجتمع الذي اعطي الشرعية للثورة نفسها وأن يفرقوا بين حرية مسئولة لا يعرفها إلا الفنان الواعي الذي يعمل بضميره الأخلاقي والفني، قبل الرقابة وبعدها، وأنا اتمني عليهم أن يذكروا لي عدد الفنانين والفنانات الذين ينطبق عليهم هذا الوصف وهل من ينتجون أفلام الهلس، نكتة ورقصة ومخدرات وتهريج سيخف ونوعية هي أقرب إلي الكباريه منها إلي الفن السينمائي، هل هؤلاء إذا تركنا لهم سقف الحرية مفتوحا بلا حدود، هل سأخذ منهم الفن المحترم، وكيف لفاقد الشيء أن يعطيه، وكيف ننتظر منهم ذلك وهم كائنات فارغة بلا ثقافة وهم للأسف الشديد أكثر من يتشدقون ليل نهار بأن الفن رسالة، وهؤلاء حتما يخلطون بين الحرية والتحرر، ومفهوم الحرية الحقيقي ينتهي عند اقتحامك لحرية غيرك. روح الشرائع وقد قال «مونتسكيو» في كتابه روح الشرائع الذي ترجمه عادل زعيتر بتقديم سعد عبدالرحمن، إن الحرية ليست بلا حدود، وهي قانون يسمح لك بأن تقول وتفعل ما تريد، وتترك لغيرك أيضا نفس الشيء، في ظل مساحة يتفق عليها الجميع، ومع ذلك تظل الحرية كلمة يفهمها كل إنسان حسب وعيه وإحساسه وادراكه لقيمة الكلمة ومعناها. وبناء عليه فالرقابة التي تراها ضدك، يراها غيرك معه، ونحن لا نريدها ضد المبدعين، لكننا نطلبها ضد السفهاء والمبتذلين، ويوم يبلغ الغالبية العظمي من أهل السينما مقام الوعي سوف تنهار الرقابة من تلقاء نفسها، فاطمئنوا.