ألقي سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان الجديدة بعد أداء اليمين الدستورية كرئيس للجمهورية خطاب الاستقلال دعا فيه أبناء الجنوب للعمل تتمثل أهم التحديات أمام جنوب السودان في العقبات الاقتصادية الممثلة في معدلات فقر وبطالة و انخفاض تنمية البني التحتية. شهد يوم التاسع من يوليو احتفال جنوب السودان بانفصاله رسمياً عن الشمال بموجب الاستفتاء الذي أجري في يناير الماضي علي مصير الجنوب وفقاً لبنود اتفاق نيفاشا عام 2005 والذي أنهي الحرب الأهلية بين الشمال و الجنوب التي استمرت منذ عام 1994 وراح ضحيتها أكثر من 2 مليون شخص وتسببت في نزوح أكثر من أربعة ملايين شخص عن بيوتهم. وأقر الجنوبيون في احتفالهم جوبا عاصمة لدولة جنوب السودان، ورفع علم جنوب السودان بألوانه الأسود والأحمر والأخضر والذي يحوي مثلثاً أزرق ونجمة ذهبية.احتفال عالميوحضر الاحتفال الرسمي رئيس شمال السودان عمر البشير، وسلفاكير ميارديت رئيس الدولة الجديدة، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وممثلو عدد كبير من دول العالم ومن المنظمات الدولية والإقليمية والشخصيات العامة من داخل السودان وخارجه. كما حضر الاحتفال ثلاثون زعيماً إفريقياً بالإضافة إلي وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، والمندوبة الأمريكية الدائمة في الأممالمتحدة سوزانا رايس، وقائد القيادة الإفريقية في الجيش الأمريكي الجنرال كارتر هام. وأقيم الاحتفال بالقرب من ضريح جون جارانج مؤسس الحركة الشعبية بميدان التحرير. وشارك الوفد المصري في الاحتفالات برئاسة الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء ووزيري الكهرباء والطاقة والخارجية، وقاموا بتسليم خطاب رسمي بالاعتراف بجمهورية جنوب السودان، والتأكيد علي حرص مصر علي دعم وتعزيز العلاقات مع الأشقاء في جنوب السودان.وقبلت الجمعية العامة للأمم المتحدةجنوب السودان ليصبح العضو 193 في المنظمة الدولية، وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون "مرحباً جنوب السودان. مرحباً في مجتمع الأمم". وفي حين وصف جوزيف ديس، رئيس الجمعية العامة، ميلاد دولة جنوب السودان بأنها "لحظة تاريخية وسعيدة"، أكد السفير السوداني لدي الأممالمتحدة دفع الله الحاج علي عثمان علي أن شعبي البلدين سيبقيان أعضاء عائلة واحدة. وعبر نائب رئيس جمهورية جنوب السودان ريك مشار عن التزام بلاده بعلاقات حسن الجوار مع الشمال والعمل علي حل الخلافات الثنائية، وأضاف "إننا لا نحمل ضغينة تجاه شركائنا السابقين في الوطن. نظل شركاء في السلام وملتزمين تجاه حسن الجوار وسنحل خلافاتنا عبر الحوار وروح التعاون". سلفاكير يؤكد علي أهمية الوحدةوألقي سلفاكير ميارديت، رئيس جمهورية جنوب السودان الجديدة، بعد أداء اليمين الدستوري كرئيس للجمهورية، خطاب الاستقلال دعا فيه أبناء الجنوب للعمل علي التوحد كمواطنين في المقام الأول عوضاً عن انتماءاتهم القبلية و العرقية التي تسببت في كثير من الصراعات فيما مضي، كما دعاهم للعمل علي تنمية البلاد. وقال "إن يوماً سعيداً مثل يومنا هذا يجب ألا تعكره ذكريات سيئة بحال. ومن المهم بالنسبة لنا أن نتذكر أن هذه الأرض التي نقف عليها قد عانت لأجيال عديدة. لذلك فعلينا أن نغفر، لكن دون أن ننسي. اعتباراً من اليوم، ليس هناك كبش فداء نحمله أخطاءنا. وإنما سنكون نحن المسئولين عن حماية أنفسنا وحماية أراضينا ومواردنا معاً". وأكد البشير في كلمته التي ألقاها في حفل الافتتاح علي احترامه لرغبة الجنوبيين في الانفصال وعلي نية حكومته التزام حسن الجوار مع الجنوب. "نتطلع إلي أن تنجح دولة الجنوب في قيام مجتمع تسوده روح الديمقراطية والشفافية والمساواة، لأن نجاح دولة الجنوب نجاح لنا. وأود أن أؤكد هنا استعدادنا لأن نقدم دعماً تاماً لمؤسسات الجنوب، وأن نعمل علي تلبية ما تطلبه في هذه المرحلة".ومع مشاعر السعادة بميلاد دولة الجنوب التي تمثل تحقيق الحلم الذي ظل يراود الجنوبيين علي مدار عقود طويلة، تتزايد التساؤلات حول مستقبل هذه الدولة الجديدة التي يتهددها العديد من عوامل عدم الاستقرار. فالدولة الجديدة واحدة من أفقر دول العالم وترث العديد من القضايا الإشكالية المشتركة بينها و بين الشمال من بينها ترسيم الحدود، ومسألة المواطنة، وتقاسم موارد النفط، و تقاسم الديون الخارجية، و النزاع علي منطقة أبيي الحدودية حيث أقر مجلس الأمن الدولي نشر قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة مكونة من 4200 جندي إثيوبي. التحديات الاقتصاديةوتتمثل أهم التحديات أمام جنوب السودان في العقبات الاقتصادية الممثلة في معدلات فقر وبطالة و انخفاض تنمية البني التحتية. ويحصل الجنوب الذي يضم نحو 20 بالمائة من سكان السودان البالغ عددهم 40 مليون نسمة علي 98 في المائة من ميزانيته من خلال إيرادات النفط الذي ينتج نحو 75 بالمائة منه، غير أن إنتاج النفط الجنوبي يعتمد اعتماداً كلياً علي البنية الأساسية للتكرير ولشحن النفط في الشمال.و كشف قرنق دنيق، وزير الطاقة المكلف في حكومة جنوب السودان، عن توجه بلاده لمنح الشمال ما بين 20% الي 30% من إنتاج النفط بجانب تخفيض سعر الخام الذي يكرر في مصافي الخرطوم ما بين 5% الي 10%، و هو ما يخالف ما جاء في بنود اتفاقية نيفاشا القاضية بتقسيم عائدات النفط بين الجانبين بنسبة 50%. وأكد الوزير أن الطرفين في حاجة للتعاون مؤكداً علي استعداد الجنوب لسد الفجوة في العملات الصعبة بالشمال السوداني من النفط ، وقال "نحن مستعدون للمساهمة من نصيبنا في ما بين 20% الي 30 % لصالح الشمال لمدة ثلاثة اعوام متتالية، الفترة التي يتوقع فيها أن ينجح الشمال في سد الفجوة عبر إنعاش موارده الخاصة، إلي جانب تخفيض سعر البترول الخام الذي يكرر بمصفاة الخرطوم بين 5% الي 10%". وعقب انفصال جنوب السودان، قامت الحكومة الإسرائيلية بإرسال معونات غذائية و طبية لها عن طريق جهاز المعونة الإسرائيلية. وأجري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو محادثة هاتفية مع رئيس جنوب السودان سلفا كير وعرض عليه المساعدة في مجالات البنية التحتية والتنمية و الزراعة قائلاً إن "شعب إسرائيل يتمني النجاح لبلادكم. نعلم إلي أي حد يصعب البدء من لا شيء.وفي أول إجراء جديد لدولة الجنوب، أعلن محافظ البنك المركزي لجنوب السودان أليجا مالوك عن العمل علي صك العملة الجديدة التي تحمل صورة الزعيم الثوري الوطني جون جارانج،و ربطها بالجنيه السوداني الشمالي، وبيع العملة القديمة إلي الشمال. و قال "إن الجنيه الجديد سيعادل قيمة الجنيه في الشمال اليوم، لقد سمعتم ذلك من الوزير، لذا إن كان لديكم جنيه وترغبون في الحصول علي جنيه من عملتنا فلن يكون هناك مشكلة، سنعطيكم جنيها، لكن بمرور الوقت قد تتغير القيمة بناء علي الأوضاع السياسية والاقتصادية". تحديات المواطنة وترسيم الحدودكما أجاز البرلمان السوداني تعديلاً علي قانون الجنسية أسقط بموجبه الجنسية السودانية عن السودانيين الجنوبيين بحيث أصبحوا مواطنين لدولة أخري وفقاً للتعريف الذي صادقت عليه لجنة الاستفتاء لمن هو الجنوبي. وكان قانون الجنسية السوداني المعدل في 1994 يتيح للسودانيين حمل الجنسية السودانية وفي الوقت نفسه اكتساب جنسية دولة أخري، غير أن شمال السودان رفض اقتراح الجنسية المزدوجة بين الشمال والجنوب. ويتأثر بهذا القانون الجنوبيون المقيمون في الشمال، ويقدر عددهم بنحو مليون شخص بعد رحيل نحو 300 ألف جنوبي من الشمال. وأشارت المفوضية العليا لشئون اللاجئين إلي أن حقوق الجنوبيين في الشمال في ما يتعلق بالملكية والعمل في حاجة لمزيد من التفاوض.وهناك أيضاً الخلافات الحدودية بين الشمال والجنوب في أربع مناطق هي جبل المقينص بين النيل الأبيض وأعالي النيل، مشروع جودة الزراعي بين النيل الأبيض وأعالي النيل، كافيا كانجي وحفرة النحاس بين جنوب دار فور وغرب بحر الغزال، ومدينة كاكا التجارية بين جنوب كردفان وأعالي النيل. ومن المناطق المتنازع عليها أبيي الغنية بالنفط غرب منطقة كردفان في السودان وتحدها شمالاً منطقة قبائل المسيرية العربية بالإضافة إلي مزيج من القبائل الإفريقية مثل قبائل الدينكا. ويري الشمال في هذا الصراع أن منطقة أبيي منطقة انتفاع للجميع بينما تري الحركة الشعبية لتحرير السودان أنها تابعة للجنوب قبل سنة 1905 ولكنها ضمت من قبل الحاكم العام البريطاني لشمال مديرية كردفان بقرار إداري وتطالب بإعادتها إلي الجنوب. وهدد الرئيس البشير مؤخراً بأن بلاده ستلجأ للعنف واستخدام السلاح إذا تم المساس بحقوق الشمال في أبيي. دولة الجنوب الوليدة حلم جنوبي تحقق وسط تحديات كبيرة وهموم حرب لا تزال دائرة في دارفور وصراعات مندلعة في جنوب كردفان الحدودية. إعلان النيات الحسنة بين الطرفين لا يتعدي كونه من أدبيات البروتوكولات السياسية بعيداً عن أرض الواقع التي تشهد مزياد من ازدياد الهوة بين الشمال و الجنوب وسط تكالب المجتمع الدولي وإسرائيل علي مساعدة الجنوب، واستمرار التهديدات الدولية للخرطوم ولرئيسها بضرورة التعاون مع الجنوب.