حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فريد الأطرش.. مطرب الملوك والأمراء.. والشعوب!
نشر في القاهرة يوم 29 - 12 - 2009

اهتم فريد الأطرش (1913-1974م) بالغناء المسرحي كثيراً طوال مسيرته مع الغناء، حتي أنه بدأ تلك المسيرة-التي استمرت لأكثر من أربعة وأربعين عاما-بحفلة واختتمها بأخري، مما جعله جديراً بلقب صاحب أكبر مشوار للغناء علي المسرح في العصر الذهبي الأخير للغناء المصري، ذلك العصر الذي امتد لقرابة نصف القرن فيما بين عشرينات وسبعينات القرن العشرين المنصرم.
الحفل الأول
عمل فريد الأطرش منذ استقراره بالقاهرة-علي الأرجح في عام 1924م-علي تنمية مواهبه الموسيقية والغنائية، حيث أخذ مبادئ العزف علي العود عن والدته، والتقطت أذنه المرهفة عنها ما كانت تحفظه وتردده من أغنيات شامية، وعندما استمع لأول مرة إلي المطرب الشعبي محمد العربي في أحد مقاهي شارع عماد الدين، أتيحت له ملامسة مداخل الوجدان المصري فيما يردده العربي من مواويل وأغنيات شعبية، ثم أضيف إلي ذلك ما حفظه من ترانيم كنسية شارك في ترديدها مع طلبة مدرسة الفرير بالخرنفش والمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك في حي غمرة، حيث تلقي تعليمه الأولي مع شقيقه فؤاد في المدرستين، وقد اكتملت عناصر التكوين الموسيقي لفريد الأطرش بما تعلمه من موسيقيين كبار مثل محمد القصبجي وداود حسني وفريد غصن خلال سهرات غنائية كانت تقام بالمساكن التي تنقلت بينها الأسرة في القاهرة.
في أواخر العشرينات، استمع أصدقاء الأسرة من موسيقيين وغيرهم إلي الخليط النادر من عناصر التكوين الموسيقي في غنائه وألحانه، اقترح البعض منهم إقامة حفلة للموهبة البازغة علي أحد مسارح القاهرة، وانطوي الاقتراح علي جانب خفي تمثل في مساعدة الأسرة التي كانت أحوالها العسرة لا تخفي علي أحد، وهكذا جري الترتيب لإقامة حفلة فريد الأولي في تياترو برنتانيا الشهير بشارع عماد الدين، وجري الترتيب وتوزيع إعلان جاء نصه كما يلي "حفلة طرب كبري، تياترو برنتانيا (مدرسة الشعب)، شارع عماد الدين-تليفون 1739 بستان، مساء يوم السبت 19 يوليو سنة 1930، يحييها لأول مرة وآخر مرة علي المسرح المصري البلبل الصداح فريد بك الأطرش، مطرب الراديو بالقاهرة، قبل سفره إلي البلاد السورية، تطلب التذاكر من شباك التياترو بشارع عماد الدين تليفون 1739ب ومن محل رمزي أفندي كساب بجوار مانو ساكس ومن فروعه بالعتبة الخضراء تليفون 3161 عتبة" ، ثم جاءت المرحلة الثانية من حملة الدعاية لحفلة فريد الأولي قبل يومين من الحفلة، وتمثلت تلك المرحلة في نشر إعلان عن الحفلة بالصفحة السادسة من عدد صحيفة "الأهرام" الذي صدر صبيحة يوم الخميس 17/7/1930م، وكان نص الإعلان علي النحو التالي: "حفلة طرب كبري في تياترو برنتانيا: يحيي بلبل العصر فريد بك الأطرش مطرب الراديو بالقاهرة في التاسعة والنصف من مساء السبت 19 يوليو الجاري حفلة طرب كبري علي تخت مؤلف من كبار رجال الفن".
يتبقي من معلومات حفلة فريد الأولي التي أمكن الحصول عليها بعد مرور أكثر من ثلثي قرن صورة ضوئية لإحدي تذاكر الحفلة، وهي التذكرة المنصرفة من إدارة مسرح تياترو برنتانيا للكرسي المخصوص رقم (194)، حوت التذكرة نص إعلان الحفلة المنشور بصحيفة "الأهرام" بالإضافة إلي سطر أخير تضمن الآتي: "كرسي مخصوص-نمرة 194-20 قرش صاغ"، إن تحليل ما بلغنا من معلومات عن حفلة فريد الأولي سوف يطرح أمامنا مجموعة من الحقائق، وأول هذه الحقائق يتمثل فيما يبوح به تقديم فريد الأطرش بعبارة "بلبل العصر فريد بك الأطرش"، مما يستدل منه أن فريد كان قد تجاوز-آنذاك-طور الصبا ودخل في مرحلة الشباب، وأما ثاني الحقائق فإنها تجئ من عبارة "مطرب الراديو بالقاهرة"، والتي تعد بمثابة الدليل علي عمله بمحطات الإذاعات الأهلية قبل تاريخ الحفلة، ويأتي أخيراً في تلك الحقائق ثمن تذكرة الكرسي المخصوص والبالغ عشرين قرشا، وهو ثمن يعادل تماما سعر تذكرة الصالة في حفلات محمد عبد الوهاب وطبقا لما كان ينشر بصحافة ذلك العهد (الصباح: العدد 215، 7/11/1930م، ص 18).
الملك فاروق تحت سفح الأهرام
يزهو فريد الأطرش في ثنايا أحاديثه ومذكراته بحفلات أحياها في قصور ملكية أو بين أيدي بعض الملوك، وسوف نعرض هنا لثلاث من تلك الحفلات، لا لشيء إلا لارتباطها بأحداث مهمة تتعلق بوقائع جرت في مصر وبعض البلاد العربية.
أقيمت الحفلة الأولي بالقاهرة عند سفح الأهرام وقبل أيام قلائل من انصرام عقد الثلاثينات من القرن العشرين، في تلك الأيام من عام 1939م .. كان فريد الأطرش قد غدا نجما لامعا في سماء الغناء المصري والعربي، وذلك بما قدم خلال أكثر من ثلاثة أعوام بقليل من أغنيات ذاعت بين الناس عبر أثير إذاعة القاهرة، مما خلق نوعا من المنافسة المستترة بينه وبين محمد عبد الوهاب، الذي كان يتربع علي عرش الغناء قبل ظهور فريد بعقد كامل من السنوات، ولأسباب لا نعلمها .. اختار المسئولون بالإذاعة المطرب الصاعد-آنذاك-فريد الأطرش ليكون نجما لأول حفلة غنائية تنقلها الإذاعة المصرية منذ إنشائها في عام 1934م، وقد نوهت الإذاعة المصرية عن حفلتها الأولي في إعلان شغل كامل الصفحة السابعة من العدد رقم 219 من مجلة "الراديو المصري" الصادر في 27/5/1939م، احتلت صورة فريد الأطرش الجزء الأيمن من الإعلان، وظهر تمثال أبي الهول والهرم الأكبر إلي يمينه في باقي الصورة، وجاء إعلان الحفلة بالنص التالي: "تحت ضوء القمر عند سفح الهرم : تحيي الإذاعة اللاسلكية المصرية لأول مرة حفلة غنائية باهرة تحت ضوء القمر عند سفح أهرامات الجيزة في مساء يوم السبت 3 يونيه القادم، يغني فيها الأستاذ فريد الأطرش طائفة من الأغاني التي تجمع بين خلابة الموسيقي وعذب النغم مستلهما في ذلك الجو الساحر خياله البديع، وتنقل هذه الإذاعة المبتكرة من ذلك المكان الشعري السحيق إلي آذان المستمعين في مصر وشتي الأقطار"، وفي ليلة الحفلة التي صادفت مساء 15 ربيع الآخر سنة 1358 ه، وتحت بدر مكتمل وأمام حضور يتقدمه الملك فاروق، اعتلي فريد الأطرش المسرح في الثامنة وخمسين دقيقة ليبدأ وصلته الأولي التي قدم فيها أغنيته الشهيرة "يا ريتني طير"، وهي الأغنية التي كتبها ولحنها الفنان اللبناني ومدير قسم الموسيقي العربية بالإذاعة الفلسطينية : يحيي اللبابيدي، وعندما صعد فريد الأطرش إلي المسرح للمرة الثانية في تلك الليلة.. كانت الساعة قد آذنت بتمام العاشرة وعشرين دقيقة، حيث قدم في وصلته الثانية مونولوج "من بعد نصف الليل"، والذي كان من تأليف الشاعر يوسف بدروس ومن ألحان فريد (الراديو المصري: العدد 219، 27/5/1939م، ص 23)، هذا وقد دخل مونولوج "من بعد نصف الليل" تاريخ الغناء العربي بتقديمه في ذلك الحفل، حيث مثل تقديمه في تلك الليلة -وأمام ملك البلاد-ختاما لمعركة فنية دارت بين مؤلفه وملحنه من جهة ومجموعة من النقاد في صحيفة "المصري" ومجلتي "روزاليوسف" و "الراديو"، وتمخضت تراشقات تلك المعركة عن مثول الشاعر يوسف بدروس أمام الرقيب علي المصنفات الفنية، وذلك لتفنيد ما كالته أقلام تلك المجموعة للمونولوج من اتهامات بالخروج علي الآداب وازدراء الدين والتقاليد، فلما ألقي فريد الأطرش مونولوجه بين يدي ملك البلاد، صمتت الأصوات المهاجمة لمؤلفه وملحنه ومغنيه واحتل مكانة في تاريخ الغناء كمحور لإحدي ما شهد من معارك فنية.
زفاف الملك حسين
شهد قصر بسمان بالعاصمة الأردنية عمان في مساء الأربعاء 20/4/1955م الحفلة الثانية فيما اخترنا هنا من بين ما أحيا فريد الأطرش من حفلات ملكية، أقيمت الحفلة بمناسبة زفاف الشريفة دينا عبد الحميد إلي العاهل الأردني الملك حسين بن طلال، كان فريد الأطرش قد تعرض في الأيام الأولي من عام 1955م لأول أزمة قلبية، وعندما قبل أن يسافر إلي عمان-بعد أيام قلائل من مغادرته فراش المرض-فإن ذلك كان تقديرا لملك الأردن الذي فضل فريد علي فنانة أخري سعت بكل قوة لأحياء حفلة الزفاف الملكية، فلما أقبل صباح يوم الثلاثاء 19/4/1955م، هبطت طائرة ملكية قادمة من الأردن في مطار القاهرة، ثم أقلعت في طريقها إلي عمان وعلي متنها فريد وفرقة موسيقية مكونة من ستة وعشرين عازفا، وفي مساء اليوم التالي-الأربعاء-وأمام حضور من الصفوة ضم الملك حسين وعروسه والملك فيصل ملك العراق وولي عهده الأمير عبد الاله وأفراد الأسرة المالكة في الأردن وكبار رجال الدولة والوزراء وزوجاتهم، وقف فريد الأطرش وقد ارتد شابا في العشرينات من الزهو والسعادة، لينشد في بداية الحفلة أغنية للزفة الملكية كتبها خصيصا للمناسبة الشاعر صالح جودت، وفيما يلي نقدم مذهب هذه الأغنية ومقطعها الأول:
«يا أغلي من أمانينا/ وأحلي من أغانينا / يا زينة الدنيا يا دينا/ ياوردة في بلد حرة / وتاج عالي وشعب أصيل / دعانا هاتف البشري/ وجينا من ضفاف النيل/ باسم الشعب والثورة / نقدم ليك تهانينا /يا أحلي من أغانينا/يا زينة الدنيا يا دينا»
وقد أتبع فريد أغنية الزفة بوصلتين قدم فيهما أربع من أجمل أغنياته، حيث قدم في الأولي منهما-وهي وصلته الثانية في تلك الحفلة-أغنيته المشهورة "أنا وانت لوحدنا"، ثم أتبعها بأغنيته الجميلة التي كانت تردد آنذاك علي كل لسان : "نورا يا نورا"، هذا وقد وصفت إيزيس فهمي : الصحفية بصحيفة "الأخبار" ما حدث في وصلة فريد الثانية فقالت : "وقد حدث قبل أن يبدأ الموسيقار فريد الأطرش وصلته الثانية أن وقف وقال: (تلبية لطلب جلالة الملكة الوالدة.. الملكة زين.. سأغني لكم أغنية "أنا وانت لوحدنا")، وابتسمت الملكة زين وقالت للجالسين إلي جوارها إنها لم تطلب تلك الأغنية وإنما التي طلبتها هي الشريفة فاطمة، وقبل أن يغني فريد هذه الوصلة، هتف بحياة الملك حسين ثلاثا، فنهضت المدعوات وهتفن معه بحياة الملكة دينا ثلاثا"!، اختتم فريد أجمل وأقوي حفلاته الملكية بتقديم أغنيتين هما: "وياك" و "جميل جمال" في وصلته الثالثة، وفي ختام تلك الحفلة التي أعادت إلي الأسماع أصداء ما كان يقدم من غناء في قصور الخلفاء بالعراق والأندلس، تم الإعلان عن أمر الملك حسين بالإنعام علي نجم الليلة : فريد الأطرش بوسام الكوكب من الدرجة الثانية، وذلك بالرغم من أن صحيفة "الأخبار" كانت قد ذكرت في عددها الصادر صباح الأربعاء 20/4/1955م أن ملك الأردن أنعم علي كل من الموسيقار فريد الأطرش والأستاذ يوسف وهبي بوسام النهضة من الدرجة الثالثة، وقد أوضحت "الأخبار"في عدد الخميس 21/4/1955م السبب في منح فريد وسام الكوكب الأرفع من وسام النهضة، حيث كتبت إيزيس فهمي من عمان مفسرة ذلك بما يلي : "وكان من المقرر أن ينعم علي الأستاذ فريد الأطرش بوسام النهضة من الدرجة الثالثة، ولكن عندما علم جلالة الملك حسين أن فريد قد جازف بالحضور إلي عمان في الطائرة رغم ظروف مرضه وعرّض حياته للخطر، تكرم جلالته فأمر بالإنعام عليه بوسام الكوكب من الدرجة الثانية تقديراً له علي هذا الإخلاص" (إيزيس فهمي : 200 سيدة يحضرن زفاف الملك حسين، الأخبار، 21/4/1955م، ص 1-2).
قدم فريد الأطرش في حفلة زفاف الملك حسين أنجح وأقوي حفلاته الغنائية علي المسرح، فبالرغم من أن وقتا كبيرًا لم ينقض بعد الأزمة القلبية التي نجا منها بأعجوبة، فإن غناءه في تلك الحفلة-الذي نقلته جميع الإذاعات العربية عن إذاعة الأردن وأصبح شريطا متداولا بين الناس-يمثل أرقي ما بلغه صوته من جمال واتساع وصفاء طوال مسيرته الغنائية، واختفت تماما من أغنياته الخمس في تلك الحفلة مسحة الحزن-المصطنعة أو اللاشعورية-التي ظهرت علي استحياء في أغنياته التي قدمها قبل الحفلة ثم استفحلت في بعض أغنياته التي ظهرت بعد الحفلة، وانطلق صوته ليخترق الحاجز الصوتي بين فئتي الباريتون والتينور من أصوات الرجال، وليحلق في مقامات لم تعد الآن وقبل ذلك بيننا أصوات تستطيع أن تبلغها، وليستمع الآن من يرد التأكد مما نقول إلي الموال الذي ارتجله خلال غنائه لأغنية "نورا" كتحية للملك فيصل الثاني : ملك العراق، استعار فريد ذلك الموال من أوبريت "بساط الريح" وكان نصه في الأوبريت كما يلي:
«يا دجلة أنا عطشان ما أقدر أرتوي /من حسنك الفتان هذا الكسروي»، فأبدل فريد البيت الثاني أثناء غنائه في حفلة زفاف الملك حسين وفي حضور الملك فيصل ليصبح: «من حسنك الفنان هيدا الفيصلي»
"وغني فريد في الوصلة الثالثة- كما روت جريدة الأخبار- أغنية (وياك)، وكانت المدعوات جميعاً يصفقن معه علي (الواحدة).. حتي الملكة زين" !!.
تأتي أهمية الحفلة الملكية الثالثة- جرت وقائع تلك الحفلة في مساء يوم الجمعة الموافق 9/7/1971م بقصر الصخيرات في العاصمة المغربية الرباط، مناسبة الاحتفال بعيد الميلاد الثاني والأربعين للملك الحسن الثاني، وقد جرت العادة في دولة المغرب علي اشتراك الشعب المغربي في الاحتفال بعيد ميلاد الملك تحت مسمي "أعياد الشباب"، افتتح فريد الأطرش-بأمر من ملك المغرب-الغناء في تلك الليلة، حيث قدم بمصاحبة إحدي الفرق الموسيقية للقصور الملكية المغربية أغنية أعدها لتلك المناسبة، حملت الأغنية اسم "يا مرحبا يا ميت هلا" ومما جاء فيها من مدح للملك الحسن الثاني الأبيات التالية:
«قلبي أنا جابني لهنا/بلد الحبايب والمني / يفرح وأشارك بالغنا/لزين الشباب مليكنا»/ شعبك نبيل عايش سعيد /وإحنا نحبك كلنا / وغير الحسن أبدا ما نريد/مليكنا وحبيبنا»
تصدر الملك الحسن مستمعي فريد في تلك الحفلة، وتوزعت عن يمينه وشماله مجموعة من أهل الغناء ضمت كل من: محمد عبد الوهاب-عبد الحليم حافظ-وديع الصافي-سعاد محمد-شادية-محمد رشدي-محمد قنديل-شريفة فاضل-هدي سلطان-بليغ حمدي-محمد الموجي والشاعر بليغ حمدي، غني فريد ليلتها وأبدع وقوطع بالهتاف والتصفيق، وتلقي تهنئة خاصة من الملك الحسن بعد فراغه من غنائه، وبالرغم من أن الساعة كانت قد جاوزت الثانية من صباح اليوم التالي (السبت 10/7/1971م) فإن الملك أشار بانتهاء الجزء الأول من الحفلة الغنائية، علي أن تستكمل بعد ظهر السبت وعقب انتهاء حفلة الغداء الملكية التي أقيمت علي شرف حضور العيد الملكي، بدأت حفلة الغداء الملكية في الواحدة والنصف من بعد ظهر يوم السبت، وكان فريد الأطرش بين المدعوين علي مائدة الملك، وعندما انتهت حفلة الغداء الملكي، استأذن فريد في الانصراف إلي الفندق كي ينال قسطا من الراحة، وصحبه في رحلة العودة بالسيارة إلي فندق هيلتون الرباط المطرب الكبير وديع الصافي، وما إن غادرت السيارة التي تحمل فريد ووديع بوابة قصر الصخيرات، حتي أوقفتها قافلة من سيارات النقل العسكرية المحملة بالجنود المدججين بالسلاح، وبعد أن تحركت السيارة بثوان عقب مرور آخر سيارات القافلة، انطلق صوت تبادل إطلاق الرصاص عند بوابة القصر الملكي، حيث كانت القافلة التي أوقفت السيارة التي استقلها فريد الأطرش ووديع الصافي طليعة انقلاب عسكري قاده ضد الملك الحسن وزير داخليته القوي محمد أوفقير، لقد انتهي الانقلاب بالفشل كما سجل التاريخ، ولكنه أعطي طابعا دراميا للحفلة الملكية الثالثة التي اخترناها هنا لتكون ختاما للحديث عما أحيا فريد الأطرش من حفلات ملكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.