تذكروا هذه الأسماء التي ستضيء سماء المسرح المصري السنوات المقبلة طه خليفة ومؤمن عيد ومي عبدالرازق ومني جمال الدين ومحمد الهتابي ومعتز الشاذلي وهشام العيسوي وهاجر عفيفي صدق الحكماء حينما قالوا "إن مصر ولادة"، فهي وبالرغم من جميع الظروف الاستثنائية الصعبة التي تمر بها، وبالرغم من القصور في التعليم بمختلف مراحله وغياب الدور الحقيقي للثقافة لا تزال قادرة علي تحقيق فكرة تواصل الأجيال والكشف عن مواهب حقيقية وتقديمها بصورة جيدة، لقد سبق لي - من خلال مقالات النقد التطبيقي - إلقاء الضوء علي بعض المواهب الشابة في مختلف مفردات الفن المسرحي وخاصة التمثيل، واليوم يسعدني استكمال المسيرة بالكتابة عن بعض "نجوم الغد"، هؤلاء الذين استطاعوا من خلال مشاركاتهم الفنية الرائعة ببعض العروض المسرحية الحديثة لفت الأنظار إلي مواهبهم الفنية المؤكدة. لقد شاهدت من خلال مشاركتي بلجنة النقاد بالدورة الرابعة عشرة لمهرجان "الجمعيات الثقافية"- والتي عقدت علي مسرح الطليعة أوائل شهر يونية - سبعة عروض مسرحية، تنافس المشاركون فيها بشدة علي الجوائز الأولي وخاصة في مجال التمثيل، حتي أن لجنة التحكيم اضطرت إلي تقسيم جميع جوائز التمثيل في المستويات الثلاثة - سواء لأدوار الرجال أو للأدوار النسائية - لتصبح جميع الجوائز مناصفة بين اثنين من الممثلين! وفيما يلي محاولة لإلقاء الضوء علي أهم هذه المواهب والوجوه الشابة التي نجحت في تأكيد موهبتها، وتألقت في إثبات وجودها الفني ببراعة. "حرية المدينة" (حالة طوارئ) تميز هذا العرض بنجاح المخرج/ محمود عبد العزيز في اختيار وقيادة هذه المجموعة الرائعة من الممثلين أعضاء فرقة "الدخان" بالجمعية المصرية لهواة المسرح، فبخلاف مهارته كمخرج قادر علي توظيف مختلف مفرداته الفنية استطاع أن يقدم لنا من خلال هذا العرض مباراة رائعة وشيقة في مجال التمثيل، ولا ينطبق ذلك القول فقط علي القائمين بالأدوار الرئيسية وهم الفنانون: مني جمال الدين (الست بهية) ومحمد العتابي (الشاب العاطل/ حسن)، ومعتز الشاذلي (رجل الأعمال/ عز بك) - والذين نجحوا فعلا في تجسيد أدوراهم بمنتهي الحساسية والوعي والدقة - لكن ينطبق أيضا علي جميع من شارك بالتمثيل في هذا العرض، وفي مقدمتهم وليد عبد الغني (قائد القوات)، محمد أنور (العامل فرج) الذي يمتلك قدرات كوميدية رائعة، محمد الدمراوي (المحقق) الذي يتميز بأدائه المتمكن الرصين، والجدير بالذكر أن كل من محمد أنور ومحمد الدمراوي قد فازا بالجائزة الأولي للتمثيل (مناصفة). "الجريمة والعقاب" أتاح هذا العرض - والمعتمد علي الإعداد لنص الروائي الروسي الكبير/ ديستوفيسكي - فرصة رائعة لتقديم مباراة حقيقية في الأداء التمثيلي، وخاصة بين كل من المجرم القاتل (روديون) والمحقق (بيتروفيتش)، وقد وفقت المخرجة/ أميرة كامل في اختياراتها الفنية لجميع مفردات العرض وتوظيفها، وفي مقدمتها اختيارها للممثلين طه خليفة (روديون)، مؤمن عيد ( المحقق)، كما وفقت أيضا في تجسيدها لشخصية "سونيا" المرأة اللعوب عشيقة "روديون" بوعي وتمكن، وإذا كانت أميرة كامل قد حصلت علي بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية، ومازال طه خليفة بقدراته التمثيلية الرائعة طالبا بقسم التمثيل والإخراج بالمعهد، فإن المفاجأة السارة في هذا العرض قد تحققت بمشاركة الوجه الجديد مؤمن عيد الذي نجح في لفت الأنظار إليه بموهبته الفنية وتمكنه من مفرداته الفنية وقدرته علي التحكم وجمح انفعالاته المباشرة كما يتطلب الأداء الدرامي لشخصية المحقق خلال أحداث العرض، هذا ويجب التنويه علي أن الموسيقي التعبيرية التي قام بوضعها الفنان/ محمد جمال كانت عاملا أساسيا في تقديم وتهيئة الجو العام للأحداث ومساعدة مجموعة الممثلين علي المعايشة وتجويد الأداء، وتجدر الإشارة إلي أن المخرجة بطلة العرض أميرة كامل قد فازت بالجائزة الثانية للتمثيل (مناصفة)، كما فاز الموسيقي محمد جمال بالجائزة الأولي للموسيقي عن هذا العرض. "جميلة بوحيرد" قام بإخراج هذا العرض مخرج أكاديمي يمتلك أدواته الابداعية وهو المخرج/ خالد العيسوي (عضو فرقة الطليعة)، ومما لاشك فيه أن نص "مأساة جميلة" للقدير رائد الشعر المسرحي الحديث/ عبدالرحمن الشرقاوي يعد نصا من النصوص الشعرية الصعبة التي تحتاج لكفاءات وامكانيات متميزة وخاصة في مجال التمثيل، وذلك ليس فقط لأداء الشعر المسرحي والمحافظة علي إيقاعه المنضبط دون الوقوع في دوامة التطريب والأداء الكلاسيكي لكن أيضا لضرورة الأداء السليم باللغة العربية الفصحي (بالمحفاظة علي مخارج الألفاظ والأداء بالتشكيل اللغوي بدقة)، وقد شارك في بطولة هذا العرض نخبة متميزة من الممثلين أعضاء فرقة "المصراوية" بالجمعية المصرية لهواة المسرح، وفي مقدمتهم مي عبد الرازق نجمة الفرقة التي تؤكد موهبتها مع كل عرض جديد ويكفي أن نسجل لها حصدها لكثير من جوائز المهرجانات المسرحية المختلفة، كما برزت أيضا خلال هذا العرض موهبة كل من: داليا صبري (هند)، هيثم حسن (بوحيرد)، عمرو علي (بيير) ومحمد رضا (جاسر)، والجدير بالذكر أن بطلة العرض مي عبد الرازق قد فازت بالجائزة الأولي للتمثيل (مناصفة)، كما فازت داليا صبري بالجائزة الثالثة (مناصفة). "هانيبال" بالرغم من عدم حصول هذا العرض علي أي جائزة من جوائز المسابقة الرسمية إلا أن هذا لا يتعارض مع ضرورة الإشارة إلي ظهور بعض المواهب المتميزة التي تستحق الإشادة بها، خاصة أن العرض قد قدم باللغة العربية الفصحي والتي لم يتقن التمثيل بها سوي عدد قليل من نجوم فرقة " الأدباء المسرحية"، هؤلاء المشاركون في أداء الأدوار الرئيسية وفي مقدمتهم كل من: هشام العيسوي (هانيبال)، كريم خالد (ماجو)، طارق سمير (شيبيو)، علاء ماهر(فابيوس)، ويحسب للمخرج/ نور عفيفي اهتمامه بالإعداد الموسيقي وكذلك باختيار نجوم العرض خاصة كل من هشام العيسوي وكريم خالد، حيث نجح كل منهما في أداء دوره وتجسيد شخصيته الدرامية بوعي واتقان، فبرزت موهبة "هشام العيسوي" كقائد محارب يمتلك القوة والإصرار ويعشق الحروب ويتعطش للدماء، في حين قام "كريم خالد" بتجسيد شخصية الأمير الرومانسي الحالم الباحث عن الحب والسلام، وتجدر الإشارة إلي مساهمة الأزياء المسرحية والاكسسورات في استكمال البعد المادي للشخصيات الدرامية، تلك الأزياء التي أبدعت في تصميمها والاشراف علي تنفيذها الفنانة/ هويدا الحلبي. "حاجة تفرح 2" قام بإخراج هذا العرض لفرقة "بور سعيد المسرحية الإقليمية" المخرج/ عمرو كمال عن نص لمحمود سلام، وشارك في بطولته أربعة ممثلين علي درجة كبيرة من الموهبة والخبرة، هاجر عفيفي، سليمان رضوان، هاجر سمير، علاء أبو زيد، وكانت المفاجأة في هذا العرض هو تميز العنصر النسائي بصورة لافتة للنظر وخاصة الفنانة/ هاجر عفيفي التي تمتلك حضورا محببا ومهارات أدائية متميزة، وقد قامت - وطبقا لطبيعة هذا العرض - بأداء أكثر من شخصية، واستطاعت أن تقوم بتجسيد كل منها بصورة رائعة، كما استطاعت أن تخرج بسرعة شديدة من أبعاد كل شخصية لتجسد الشخصية التالية لها بسهولة ويسر ودون افتعال، والجدير بالذكر أن هاجر عفيفي قد فازت الثانية للتمثيل (مناصفة)، كما فاز سليمان رضوان أيضا بالجائزة الثانية للتمثيل (مناصفة)، في حين فازت هاجر سمير بالجائزة الثالثة للتمثيل (مناصفة). "30 فبراير" قدمت هذا العرض فرقة "الأوركيد" التابعة لجمعية الأسرة والطفولة، وقد اعتمدت الرؤية الإخراجية للمخرج/ هشام السنباطي علي تفكيك الشخصية المحورية للمريض النفسي بالنص الذي كتبه المبدع/ مصطفي سعد إلي ثلاث شخصيات، وقام بأداء الشخصيات الثلاث كل من الموهوبين: لؤي إدريس، حامد محسن، عبد الله السكري، والحقيقة أن كلاً من الممثلين الثلاثة قد قام ببذل مجهود كبير للمحافظة علي الإيقاع العام للعرض، وكذلك لتحقيق تلك الرؤية الإخراجية والتي تطلبت منهم أحيانا التشابه في الأفعال وردود الأفعال لتأكيد معني التشابه، في حين تطلبت في أحيان أخري إبراز الاختلافات فيما بينهم!!، ويحسب لهم جميعا تمتعهم بروح التعاون والألفة التي ظهرت في أدائهم علي خشبة المسرح، كما يحسب لهم قدراتهم الأدائية خاصة علي تقديم الكوميديا، وبالرغم من فوز كل من لؤي إدريس وعبد الله السكري بالجائزة الثالثة للتمثيل (مناصفة) فإن هذا لايتعارض مع ضرورة الإشادة أيضا بجهد وتميز حامد محسن واجتهاده الواضح. "الملك هو الملك" قدمت هذا العرض جمعية "الخدمات للأسرة والمجتمع" بمحافظة بورسعيد، والعرض يعتمد علي تقديم رؤية جديدة للنص المتميز للكاتب الكبير/ سعدالله ونوس، وقد قام بتقديم هذه الرؤية المخرج/ محمد المالكي، والحقيقة أن المخرج بتقديمه لهذا العرض قد بالغ كثيرا في ثقته بقدراته وامكانياته الفنية، حيث اعتمد في توزيعه للأدوار الرئيسية علي عدد كبير من الوجوه الجديدة التي مازالت تحتاج إلي المزيد من التدريب والصقل للموهبة. لقد اعتمد المخرج علي مهاراته في الحفاظ علي الإيقاع العام للعرض، وعلي حسن توظيفه للسينوغرافيا (الرؤية التشكيلية) وتقديم تشكيلات جماعية بأجسام الممثلين في الفراغ، ولذا لم يبرز من مجموعة الممثلين في هذا العرض - بالرغم من وجودعدد كبير من الأدوار المهمة - سوي أحمد عبد الواحد (أبو عزة)، وكريم ممدوح الملك، وقد استحق أحمد عبد الواحد الفوز بالجائزة الثانية للتمثيل (مناصفة) لما يملكه من حضور مسرحي وخبرة، وقدرة علي المعايشة وتجسيد الأدوار المركبة. وأخيرا يجب التأكيد علي أن هذه الوجوه الجديدة المبشرة بكل الخير جديرة حقا بفرصة التألق من خلال العمل بمسارح الدولة، وكذلك من خلال مشاركتها ببعض الأعمال السينمائية والتليفزيونية، وبالتالي فإنه يجب علي الجهات المعنية بوزارة الثقافة وكذلك علي النقابات الفنية رعاية هذه المواهب وتذليل وإزالة كل العقبات من أمامها، وإتاحة الفرصة كاملة أمامهم للعمل والإبداع بعيدا عن تلك اللوائح البيروقراطية العقيمة، والمقيدة والمحبطة لأحلامهم وآمالهم في الانطلاق.