ريهام العادلي تكتب: ذكرى تحرير سيناء .. وعظمة الانتصار المصري    البورصة المصرية تخسر 50 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    بعد الموافقة عليه.. أهداف هامة لقانون "التأمين الموحد"    محافظ أسوان يوجه بتركيب ماكينة صراف آلي لأهالي قرية العباسية بكوم إمبو    رئيسة تايوان تشيد بإقرار الكونجرس الأمريكي لحزمة مساعدات لبلادها    سفير بكين بالقاهرة: الصين تساهم بنسبة 30% فى النمو الاقتصادي العالمي    وزير الدفاع الإسرائيلي: القضاء على نصف قادة حزب الله في جنوب لبنان    الإعلان عن جدول مباريات مباريات نصف نهائي كأس مصر للكرة الطائرة    فانتازي يلا كورة.. من حصد نقاط "Bonus" في الجولة 34؟    إصابة 3 أشخاص إثر حادث تصادم سيارتين في القاهرة الجديدة    تأجيل محاكمة المتهمين بقت.ل طبيب التجمع    ثقافة وسينما وموسيقى.. نشاط مكثف ل الأوبرا نهاية ابريل (تفاصيل)    أوبرا دمنهور تحتفل بعيد تحرير سيناء الأحد (تفاصيل)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    5 كلمات.. دار الإفتاء: أكثروا من هذا الدعاء اليوم تدخل الجنة    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    مايا مرسي تشارك فى ندوة "الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادى للمرأة"    الخارجية الأمريكية تحذر باكستان من احتمال التعرض لعقوبات بسبب تعاملاتها مع إيران    «لوفيجارو»: مئات الآلاف من الأرجنتينيين يتظاهرون للدفاع عن التعليم الجامعي المجاني    قبطان سفينة عملاقة يبلغ عن إنفجار بالقرب من موقعه في جنوب جيبوتي    الصين تكشف عن مهام المركبة الفضائية «شنتشو-18»    رئيس جامعة الزقازيق يُهنئ السيسي بمناسبة الذكرى ال42 لأعياد تحرير سيناء    برلمانية: ذكرى تحرير سيناء الغالية تحمل أسمى معاني الوفاء والعزة والفخر    عاجل.. برشلونة يقاضي ريال مدريد بسبب هدف لامين يامال    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    جِمال الوادي الجديد تحصد مراكز متقدمة بمهرجان سباق الهجن بشمال سيناء.. صور    يسري وحيد يدخل حسابات منتخب مصر في معسكر يونيو (خاص)    11 يومًا مدفوعة الأجر.. مفاجأة سارة للموظفين والطلاب بشأن الإجازات في مايو    مع بدء الاستعداد لتقديم تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على أهميته وفقا للقانون    المديريات تمنع مرور معلم المادة على اللجان أثناء فترة امتحان صفوف النقل    العدل تبدأ الجلسة الرابعة ل"اختراعات الذكاء الاصطناعى وملكية الاختراع"    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    بعد أن وزّع دعوات فرحه.. وفاة شاب قبل زفافه بأيام في قنا    برلماني: توجيهات الرئيس السيسي بتطوير منظومة النقل خطوة مهمة    الترويج للاستثمار في مجالات التحول الأخضر والربط الكهربائي لتحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة    محافظ الغربية يتابع استعدادات المركز التكنولوجي بطنطا لتطبيق قانون التصالح    أفلام موسم عيد الفطر تحقق 19 مليون جنيه خلال أسبوعها الثاني في دور العرض    توقعات علم الفلك اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024    تعرف علي موعد عرض مسلسل نقطة سوداء    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    في ذكرى تحرير سيناء.. المؤتمر: أرض الفيروز بقعة مقدسة لمصر    الكشف على1017 مواطنا في 10 عيادات تخصصية بالإسماعيلية    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    قد تكون قاتلة- نصائح للوقاية من ضربة الشمس في الموجة الحارة    للوقاية من الإصابة ب "تشمع الكبد"- اتبع هذه النصائح    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    ضبط 4 أشخاص بسوهاج لقيامهم بالتنقيب غير المشروع عن الآثار    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    إبادة جماعية.. جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بغزة    "التجديد بشرطين".. مهيب عبد الهادي يكشف مصير علي معلول مع الأهلي    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    « إيرماس » تنفذ خطة لتطوير ورشة صيانة الجرارات بتكلفة 300 مليون جنيه    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد سقوط بن علي ومبارك وصالح .. تساؤلات في الشارع العربي .. من التالي؟
نشر في القاهرة يوم 14 - 06 - 2011

في سياق مشهد غامض، وتحركات مرتبكة، غادر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بلاده إلي السعودية، فيما يعد ختاما مفاجئا لفترة رئاسته لليمن، وبما وصفته عدة دوائر " بالسقوط القسري الثالث " لرئيس عربي، بعد التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك، تحت وطأة الثورات الشعبية العربية، التي اندلعت منذ حوالي ستة أشهر في أنحاء العالم العربي، للمطالبة بالحريات وتأسيس نظم ديمقراطية في الدول العربية . وكانت محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الجمعة 3 يونية، قد مثلت نقطة تحول فارقة في مسار الثورة اليمنية ومراحلها المتتالية منذ فبراير الماضي، وعلامة واضحة علي فقدان صالح قبضته الحديدية علي السلطة . إذ بالرغم من نجاة الرئيس اليمني من الموت ، وموت وإصابة عدد كبير من مساعديه ومسئولين يمنيين آخرين، إلا أن محاولة الاغتيال في ذاتها، واقتراب الخطر المباشر من الرئيس، ثم الإعلان عن مغادرته اليمن إلي الرياض، كل ذلك مثل بداية سقوط وانهيار حكم صالح لليمن الذي استمر 33 سنة، بعد رفضه الرحيل السلمي عن السلطة، استجابة لأكبر انتفاضة شعبية في تاريخ اليمن . كانت المواجهة العسكرية بين القوات الحكومية وأنصارالشيخ صادق بن عبد الله الأحمر زعيم قبيلة " حاشد " قد أسفرت عن مقتل نحو مائتي شخص، وجاء قصف القصر الرئاسي في حي السبعين مقر صالح، ردا علي قصف قوات الحرس الجمهوري منزلي قائد الفرقة الأولي مدرع اللواء علي محسن الأحمر الذي انشق عن النظام في وقت سابق، وحميد الأحمر شقيق زعيم قبيلة " حاشد " صادق الأحمر . وبعد الإعلان عن إصابة الرئيس علي عبد الله صالح، ومقتل سبعة حراس، وإصابة رئيسي مجلس النواب والحكومة، فقد أعلن نبأ سفرالرئيس صالح للسعودية لتلقي العلاج، وبعد ذلك أكدت مصادر يمنية مغادرة صالح لليمن،وتولي نائبه عبد ربه منصور مهام الرئاسة، ومهام القائد الأعلي للقوات المسلحة، فيما جددت مصادر مجلس التعاون الخليجي الدعوة لجميع الأطراف لسرعة وقف إطلاق النار . وفي محافظة تعز، تمكن شباب الثورة من العودة إلي " ساحة الحرية " في منطقة عصيفرة شمال المدينة، لاستئناف الاعتصام من جديد، بعد أيام من قيام الحرس الجمهوري بفض اعتصامهم بالقوة عبر المصفحات، وإحراق الخيام، وهي المواجهات العنيفة التي راح ضحيتها 100 من القتلي والمصابين الذين طالبوا برحيل صالح . ومع استمرار التظاهرات فإن الموقف في اليمن يكتنفه الغموض بسبب استمرار الاشتباكات التي وقعت بين القوات الحكومية وشباب الثورة في تعز . مشهد الخروج في خضم تناقض التصريحات الصادرة عن المسئولين اليمنيين بشأن مدي إصابة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح علي إثر القصف الصاروخي الذي تعرض له مسجد القصر الرئاسي، وسقوط القتلي والمصابين، وما أعقب ذلك من تسجيل صوتي للرئيس يؤكد أنه بخير ويتهم " عصابات خارجة عن القانون " بمحاولة اغتياله، وتناقض التصريحات حول سفر صالح إلي السعودية لتلقي العلاج، واحتمالات عودته أو عدم تمكنه من العودة لبلاده، فإن الموقف العام في اليمن ساده خلط شديد ومخاوف قوية مما يمكن أن تؤول إليه الأمور، خاصة، أنه في البداية، لم يصدر أي بيان رسمي بشأن اجراءات إدارة شئون البلاد في غياب صالح، كما أن جدلا وتشكيكات قوية سادت الشارع اليمني حول ما إذا كان الرئيس صالح قد أصيب فعلا، والتشكيك في أن التسجيل الصوتي الذي أذيع كان لأحد ممن يقلدون صوت الرئيس . وفي هذه الأثناء، فإنه وفقا لمصادر يمنية، تبين أن مشهد خروج صالح من اليمن اقترن بما يمكن اعتباره مجلسا مؤقتا، تشكل من الأقارب، والمعاونين، ومنهم مدير مكتب الرئيس ورئيس جهاز الأمن القومي علي الأنسي، ومدير مكتب القائد الأعلي للقوات المسلحة اللواء علي صالح الأحمر، وقائد قوات الدفاع الجوي اللواء محمد صالح الأحمر . وواكب ذلك، اجتماع عقده نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي تولي مهام الرئاسة، مع عدد من أعضاء اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي التي تعد الهيئة الأعلي للحزب الحاكم، في سياق الإعداد لترتيبات المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد . بينما أعلنت المعارضة اليمنية أنها لن تسمح بعودة الرئيس علي عبد الله صالح إلي اليمن مجددا، واستعدادها للتعاون مع نائب الرئيس القائم بأعماله، فإن أهازيج النصر عمت ساحات الحرية والتغيير في شوارع اليمن، احتفالا بيوم الخلاص من نظام حكم صالح الاستبدادي، بعد أربعة أشهر من الانتفاضات الشعبية والاعتصامات التي صمدت أمام نيران السلطة وبطشها وجبروتها، والتي دفع ثمنها آلاف من " شهداء الثورة " اليمنية وجرحاها . وفي محاولة لاستعادة الحياة الطبيعية والاستقرار، فعندما باشر نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي مهام الرئاسة، أصدر توجيهاته بإنهاء جميع الاستحداثات الأمنية والعسكرية بمنطقتي الحصبة وحدة، وكلف قادة عسكريين بالتواصل مع الشيخ صادق الأحمر وإخوته لطلب وقف إطلاق النار، وإخلاء المنشآت الحكومية التي سيطر عليها خلال الأيام الماضية، وقد وافق الأحمر علي التهدئة، علي أن تلتزم الوحدات العسكرية الحكومية بالانسحاب، غير أن سقوط الضحايا لم يتوقف بسبب الاشتباكات بين الأمن والجيش من ناحية، ومسلحين قبليين في تعز من ناحية أخري، ولم يبد الموقف واضحا حتي بعد تشكيل لجنة أمنية للاشراف علي انسحاب الجيش من منطقة الحصبة في إطار مساعي التهدئة . وزيادة في غموض الموقف، فقد صعدت الولايات المتحدة من غاراتها الجوية علي مناطق في اليمن بواسطة طائرات بدون طيار، خشية أن يؤدي فراغ السلطة إلي استيلاء تنظيم القاعدة علي الحكم . دوائر الاشتباه لم يكن ممكنا، في خضم مشهد الخروج الغامض للرئيس اليمني من بلاده إلي السعودية تجاهل السؤال الحرج حول الجهة أو الطرف المسئول عن القصف الذي استهدف مقر الرئيس ، وأدي إلي إصابتة وتدهور حالته الصحية ، بما وصفتها مصادر سعودية بأنها أسوأ مما كان متوقعا، ومع تعدد التكهنات حول مصدر القذف الصاروخي، فقد أكد أحمد عبدالله الصوفي مستشار الرئيس اليمني أن القذيفة التي استهدفت القصر الرئاسي، زودت بإحداثيات من أطراف محلية، ولكن القدرة علي التنفيذ لا تتأتي إلا لجهة لديها إمكانيات هائلة، للرصد والمتابعة . وأشار الصوفي إلي احتمال تورط الولايات المتحدة في محاولة اغتيال الرئيس اليمني مع عدد من كبار المسئولين، مستندا إلي أن الكفاءة التي تمت بها العملية لا تملكها إلا دولة بحجم الولايات المتحدة . وأيا كان الأمر، فإن للولايات المتحدة قوات وأجهزة ومستشارين في اليمن، وقد أشار مراقبون أمريكيون إلي أن الفرقة النخبوية اليمنية تلقت تدريبات أمريكية، ومعدات أمريكية، وأن أحمد نجل الرئيس زار الولايات المتحدة، عدة مرات، واجتمع مع عسكريين في البنتاجون حول تدريبات " الفرقة الخاصة "، وكانت هناك تكهنات حول دور القوات الأمريكية في اليمن، مع، أو ضد نظام صالح . وبالطبع، فإنه من السابق لأوانه إلي حد كبير معرفة حدود الدور الأمريكي أو التدخل الإقليمي في أحداث اليمن، حتي ولو كان من الأنباء المؤكدة ما تعلق بزيارة جون برينان مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما للسعودية ودولة الإمارات، من أجل بحث تطورات الموقف في اليمن، واتصالات برينان مع نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي،بعد مغادرة صالح إلي السعودية، وما تردد عن ترتيبات (أمريكية سعودية ) لإعداد المسرح لما بعد مرحلة صالح في اليمن . وأيا كان الأمر، فليس ثمة شك، كما أكدت ذلك صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن سقوط صالح في اليمن، يمثل تحديا جديدا للولايات المتحدة، التي فقدت حليفا آخر، في منطقة الشرق الأوسط، كانت تعتمد عليه، وتثق في دعمه لمصالحها . وفي السياق ، فإن كثيرين يعتقدون أن لدي الولايات المتحدة أسبابها القوية لوضع حد لأزمة الحكم في اليمن، وإبعاد صالح، لأن استقرار اليمن له الأولوية لدي الإدارة الأمريكية، تجنبا لتطورات دولة فاشلة في سياق قبلي، يمكن أن يعرض أمن السعودية، ومراكز نفطها للخطر، هذا، فضلا عن أن الرئيس علي عبد الله صالح بالرغم من خدماته المؤكدة لواشنطن في مجال محاربة القاعدة والارهاب، فإنه كان يقوم ببعض العمليات والتحركات التي تخدم فقط ضمان استمرار وجوده في السلطة. وقد نتفهم في ضوء هذه الحقائق تأكيدات كريستوفر بوسيك، الخبير الأمريكي المتخصص في الشئون اليمنية في معهد كارنيجي للسلام بقوله " إن رحيل صالح يفتح الباب لطريقة ممكنة للخروج من الأزمة، .. وهذه هي نهاية صالح فعلا " . غير أن دائرة الاشتباه فيما وقع في اليمن من أحداث أدت إلي خروج الرئيس اليمني إلي السعودية، تشمل أيضا أسرة الأحمر، واللواء علي محسن، كما تشمل تنظيم القاعدة، والحوثيين .. لذلك سوف يظل السؤال عمن حاول قتل الرئيس علي عبد الله صالح مفتوحاً علي مدي زمني غير محدود لكشف الحقائق. وفي محاولة للاستكشاف، ذكر محللون من معهد ستراتفور لدراسات المخابرات أن ما حدث هو دسيسة من أحد المقربين من صالح، وهذا ليس من عمل القبائل، بل تدبير عسكريين ( غالبا من داخل النظام ) ، وتشير ستراتفور إلي اللواء علي محسن الأحمر الذي كان يلتزم الهدوء في الأيام القليلة الماضية، ويحظي باحترام كبير بين رجال الحرس القديم في اليمن . اليمن .. توازنات اللحظة يؤكد الكاتب ريد ستيفنسون أن كل دقيقة يقضيها الرئيس علي عبد الله صالح بعيدا عن بلاده تقربه خطوة من نهاية حكمه الذي استمر زهاء ثلاثة عقود لليمن . وقد أعلن شباب التغيير ما أطلقوا عليه " ولادة اليمن الجديد " والاستعداد لمقاومة أية بوادر لإعادة صالح لليمن أيا كان الأمر. وفيما تؤكد الأنباء أن اليمن يتأهب لمرحلة ما بعد صالح، فإن توازنات اللحظة الراهنة لاتزال وثيقة الصلة بمشهد خروج صالح (المفترض) من السلطة، ومن اليمن . وفي أواخر أيام صالح في الحكم، كانت خريطة التحالفات المناوئة له تتسع يوما بعد يوم، لتضم رجال القبائل والعسكريين وضباط الجيش ووزراء سابقين ومستشارين في المؤسسة العسكرية . وقد دارت مواجهات عسكرية فعلا بين القوات الموالية للرئيس صالح، وأنصار زعيم قبيلة " حاشد " الشيخ صادق الأحمر وأشقائه الذين يتمتعون بنفوذ قوي في اليمن بين القبائل، وقد انضمت للأحمر قبائل أخري لمواجهة صالح، مما شكل دعما إضافيا للثورة الشبابية السلمية . طبعا، كانت ساحات الاعتصام والثورة تضم أيضا الأحزاب السياسية المعارضة، وعلماء الدين، والأطراف البرلمانية والدبلوماسيين المناوئين لصالح، وبالجملة، فإن الرئيس اليمني واجه حالة اصطفاف شعبية واسعة، من الشعب والمعارضين والقبائل والعسكريين، كما وجد الحوثيون في الاحتجاجات الشعبية فرصة للتخلص من علي عبد الله صالح ، بعد 6 جولات عسكرية مع قواته ، هذا أيضا بالإضافة إلي الحراك الجنوبي في اليمن، ومن يؤيدونه شعبيا وعسكريا . والحقيقة، أن خروج صالح من اليمن، وإن حقق المطلب الأول والرئيسي لشباب الثورة، غير أنه فتح الباب لاحتمالات وتساؤلات معقدة تكتنف المشهد اليمني راهنا، فمن ناحية، هل تمتنع العناصر العسكرية والحرس الجمهوري الموالي لنظام صالح عن الاستمرار في الاشتباكات وإثارة غضب شيوخ القبائل وهل توقف نهائيا إطلاق النار امتثالا لتوجيهات نائب الرئيس؟ وهل يستطيع نائب الرئيس جمع الخيوط في يده واستعادة زمام الموقف ؟ وهل هناك أدوار متوقعة لأبناء الرئيس صالح وأقاربه، خاصة ابنه أحمد الذي يتولي منصبا عسكريا رفيعا، وكان يجري إعداده لخلافة والده في منصب الرئيس؟ وما الدور المتوقع للسعودية في ترتيبات الداخل اليمني، حيث تشترك الدولتان في حدود بطول 1500 كيلو متر، وتعتبر السعودية أكبر مانح وراعي لليمن وحكومة صالح، وقد قادت مبادرة التوسط بين الرئيس اليمني والمعارضة ثلاث مرات، ولم تنجح في مساعيها . وأخيرا، ما النتائج المتوقعة للاتصالات الأمريكية اليمنية الجارية حاليا لترتيب المشهد اليمني بعد خروج صالح من الحكم ؟ وأخيرا .. ما احتمالات عودة صالح إلي اليمن كما يشير إلي ذلك مناصروه ؟ وفي محاولة لإحكام وضبط توازنات اللحظة بعد خروج صالح لحساب المعارضة ، فإن مسلحين تابعين للمعارضة قاموا بالسيطرة علي مدينة تعز، ومع ذلك أعلن الشيخ حمود سعيد المخلا شيخ مشايخ تعز أن الثورة لاتزال مستمرة وسلمية، وسوف يتم الالتزام بحماية المتظاهرين الذين تعرضوا لمحاولات الإبادة الجماعية من جانب
الرئيس . وتعد تعز ثانية مدن اليمن، وتبعد مسافة 150 كيلومترا إلي الجنوب من صنعاء . وبوجه عام، فإن ما يؤثر علي توازنات اللحظة الراهنة في اليمن ثلاثة عناصر هي: 1 الموقف الأمني، والاشتباكات المسلحة بين مؤيدي صالح ومعارضيه، في تعز ووادي القاضي ومنطقة جبل حبشي، خاصة وأن أطرافا أخري تستغل الموقف، فقد سبق أن سيطر متشددون وإسلاميون علي مدينة " زنجبار " الساحلية الجنوبية، ويقاتل السكان المحليون والجنود الحكوميون من أجل السيطرة علي المنطقة . 2 الغياب المؤسسي شبه الكامل في اليمن، حيث الحكومة هي حكومة تصريف أعمال، والبرلمان انتهت فترته التشريعية، وبغياب صالح وتعطل الحكومة والبرلمان، باتت جميع مؤسسات الدولة معطلة، وتبدو اليمن في اللحظة الراهنة بدون مؤسسات تشريعية وتنفيذية وأمنية وعسكرية، وهو ما يعد في حد ذاته سقوطا لنظام علي عبد الله صالح . 3 المساعي التي تبذلها دول الخليج، بدعوي أن المبادرة الخليجية لاتزال صالحة لتوفير أنسب الحلول للأزمة اليمنية في ظل الظروف الحالية، وتساعد في ذلك جهود أمريكية . مستقبل اليمن تؤكد المصادر وثيقة الصلة بشباب التغيير في اليمن أنه سيتم بذل كل الجهود من أجل إقناع المجتمع الدولي، ودول الخليج بأن الحالة الوحيدة للسماح لعلي عبد الله صالح بالعودة إلي اليمن ستكون علي أساس أنه مجرد مواطن عادي . وفي السياق الحالي، فإن شباب الثورة اليمنية يطرحون قضايا ما بعد صالح، ومن ذلك، مطالبة نائب الرئيس بتشكيل مجلس انتقالي لإدارة شئون البلاد، وترتيبات نقل السلطة فعلا إلي نائب الرئيس رسميا لتأكيد انتهاء حقبة الرئيس علي عبدالله صالح. وقد تكون من المؤشرات الإيجابية محاولات عبدربه منصور هادي القائم بأعمال الرئيس لتثبيت الوضع الأمني، وتوحيد الجهود لتوفير الخدمات الأساسية لليمنيين مثل الديزل والغاز والكهرباء والأساسيات الحياتية، ومناشدته تعاون الجميع،بما في ذلك المعارضة والقوي الاجتماعية لتحقيق ذلك، وهو ما تمثل في اجتماع المكتب السياسي لحزب المؤتمر الشعبي العام، لإقناع الجميع بتحمل المسئوليات لإخراج اليمن من أزمته الراهنة. بالإضافة إلي حراك سياسي تمثل في اجتماع حكومة تصريف الأعمال، ومباشرتها ترتيب الوضع الأمني، وحراك دبلوماسي تمثل في اجتماعات مسئولين يمنيين مع سفراء وممثليين ( أمريكيين وأوروبيين ) لبحث مساعدة اليمن في المرحلة الراهنة أمنيا واقتصاديا . غير أن المشهد اليمني يطرح عدة احتمالات، لتقرير ملامح المستقبل، فقد يؤدي فراغ السلطة لاندفاع أقارب الرئيس لشغلها، وقد تؤدي الاشتباكات مع خصوم صالح القبليين لحرب أهلية، وقد تتدخل السعودية سواء مع صالح أو للمساعدة علي نقل السلطة، فالسعودية لا تزال تطالب كل الأطراف بالتوقيع علي المبادرة الخليجية، هذا، بالإضافة إلي الدعوة الأمريكية الصريحة للسعوديين باغتنام فرصة وجود صالح في السعودية، وترتيب عملية منظمة لنقل السلطة سلميا إلي نائب الرئيس. ويري مراقبون أمريكيون أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يستشعر داخليا بارتياح كبير، بعد انتقال صالح للسعودية، وتخلصه بذلك من " ورطة " تعثرت الإدارة الأمريكية بشأنها ولم تتمكن من الخروج منها . ولكن حتي الآن، تظل تطورات الموقف الداخلي في اليمن ، والتطورات الجارية علي الأرض، هي أقوي محفزات ترتيب الموقف المستقبلي في اليمن. ونعرف أنه، حتي وقت قريب، كانت المصالح السياسية والاقتصادية لأسرتي صالح والأحمر متداخلة إلي حد كبير، ولكن المظاهرات ضد صالح غيرت من الحسابات واتجاهات المصالح، وفي الأسبوع الأخير من مايو هاجمت قوات صالح رجال القبائل الموالين للأحمر، ومن ثمة تغيرت علاقة التحالف التي ساعدت صالح في انتخابات الرئاسة في السابق، وطلب صادق الأحمر من صالح ترك منصبه، وهنا يذكر كثيرون ما سبق أن أعلنه "حميد الأحمر" من أنه أحق بمنصب الرئاسة، وما أبداه من طموحات سياسية، ولدي أسرة الأحمر مخزونها من الأسلحة، المدفعية الثقيلة ومدافع الهاون وقذائف آربي جي، وكانت هناك مخاوف من مهاجمة العاصمة صنعاء. وزيادة في تعقد الموقف علي الساحة اليمنية، فإن شباب الثورة يتوجسون من هذه التطورات، ويستمرون في تظاهراتهم والتأكيد علي استمرار الثورة وكما يقول كريستوفر بوسيك في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام، فإن من يتحدث عن المحاسبة والمساءلة هم شباب التغيير، فهم في نهاية الأمر لا يريدون استبدال أسرة حاكمة، بأسرة أخري، ويأتي ذلك، حتي مع وقوف أسرة الأحمر مع الثوار، وتحسن صورتهم مؤخرا إلي حد كبير . . من هذا المنطلق، يركز شباب الثورة الشعبية في اليمن علي تشكيل مجلس رئاسي يضم جميع القوي الوطنية لإدارة شئون البلاد وتشكيل حكومة وطنية. وقد دعت اللجنة التنظيمية للشباب جميع القوي الوطنية والأطياف السياسية للبدء بتشكيل المجلس الرئاسي المؤقت، وتكليف حكومة كفاءات لإدارة المرحلة الانتقالية، والعمل علي صياغة دستور جديد يلبي تطلعات الشعب اليمني للحرية والكرامة والعيش الكريم، وتوعد شباب الثورة أنه في حالة عودة صالح، فإنهم سيبدأون مرحلة جديدة من النضال السلمي . ومن المؤشرات اللافته في ضوء المشهد اليمني الحالي، ما أكده كل من بيتر فين وجريج ميلر في واشنطن بوست من أنه في حكم المؤكد أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ستعملان علي عدم عودة صالح إلي اليمن، وأنه سيتعين علي البنتاجون الأمريكي ووكالة الاستخبارات المركزية إقامة علاقات جيدة مع القيادة الجديدة في اليمن . ولا شك أن مستقبل اليمن بعد صالح يثير مخاوف المسئولين الأمريكيين، ويقول جريجوري جونسين في جامعة برنستون لقد ارتكبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أخطاء سياسية كبيرة في اليمن، وصارت لها عواقب، ونري الآن أوروبا وأمريكا أقل قوة وأقل تأثيرا لتحقيق ما كانا يريدانه . ويفصل جونسين رأيه بأنه من الأخطاء القاتلة لواشنطن أنها لم تفكر أو تستعد لمن سيأتي بعد صالح، وليس لدي واشنطن خطة جيدة للتعامل مع الموقف، وقد تضطر أمريكا للاندفاع، لتعويض خسارتها للحليف اليمني . ويبدو أن سقوط النظام في اليمن برحيل علي عبد الله صالح، يختلف بالنسبة للأمريكيين عن سقوط بن علي ومبارك في مصر وتونس، ذلك أن اليمن كدولة ينظر لها علي أنها مرتع الفوضي المتوقعة الذي سيعمل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية علي استغلاله والتوسع فيه بامتياز، فهي دولة تعاني الإفلاس والانهيار الاقتصادي والتفتت والانقسامات والقبلية، فضلا عن مشكلات الشمال والجنوب . ويستنتج خوان زاراتي المستشار السابق في الإدارة الأمريكية أن الوضع في اليمن أكثر تمزقا وتعقيدا، ولا يمثل ما يجري هناك نموذجا للربيع العربي . لذلك، يطالب كريستوفر بوسيك الإدارة الأمريكية بأن تبادر بمساعدة اليمن في حقبة الحكم الجديدة لتجعلها أكثر قوة في مواجهة تنظيم القاعدة . وتؤكد الشواهد علي صعوبة الموقف الداخلي في اليمن اقتصاديا واجتماعيا، فهناك 40 % من السكان تحت خط الفقر، وتتفاقم أزمة سوء التغذية في اليمن بصورة خطيرة، وقد أصبح نصف أطفال اليمن يعانون من إعاقات في النمو وهو من أعلي المعدلات في العالم، وهناك أزمة خطيرة في المياه والوقود، ويصف خبير دولي الموقف بقوله " إن المستويات الإنسانية في اليمن مروعة، وأسعار الطعام ترتفع لتزيد مشكلة الغذاء"، وقد أعلنت الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية رفع حجم المساعدات لليمن إلي 225 مليون دولار، وتم فعلا جمع 56% منها. أبعاد استراتيجية أثارت أحداث اليمن قلقا دوليا علي الصعيد الاستراتيجي خشية أن يؤدي الانحدار نحو الفوضي والحرب الأهلية إلي تشجيع المتشددين لتهديد أمن الموانئ اليمنية، وحركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب قبالة الساحل اليمني، والذي يمر عبره أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يتم شحنها يوميا لأوروبا والولايات المتحدة وآسيا . والمعروف أن اليمن تعتمد اعتمادا كبيرا علي قنواتها البحرية من أجل التجارة، وتعد عدن من أكبر الموانئ البحرية في العالم، بينما المكلا ميناء أصغر ويقع في خليج عدن، وهناك موانئ أخري تخدم اليمن منها الصليف والحديدة والمخا علي البحر الأحمر، ومرفأ تصدير النفط في الشحر، ومرفأ تصدير الغاز الطبيعي المسال في بلحاف . ويعتبر خبراء استراتيجيون أن تنظيم القاعدة، يضع ضمن مخططاته، استهداف الملاحة في الممر البحري الاستراتيجي بالمنطقة، وقد تشجع اضطرابات اليمن حركة الشباب الإسلامية علي شن هجمات، لها صلة بالقاعدة، والصومال القريب. ولكن علي صعيد آخر، يؤكد جون دالبي الذي يعمل لحساب شركة ام. ار. ام. المتخصصة في الأمن البحري أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يحتاج إلي حشد الموارد والمعدات والأفراد في مكان ما علي الخط الساحلي حتي يستطيع شن هجوم بحري . كذلك، يؤكد بيتر هينشكليف من الغرفة العالمية للشحن أنه لا توجد حتي الآن أدلة علي أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وأصدقاءه الصوماليين يمتلكون الأسلحة والزوارق اللازمة لإغلاق باب المندب، ولكن هذا لا يعني أنهم لا يملكون القدرة علي تعطيل الملاحة في هذا الممر البحري.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.