وزير التعليم يلتقي بالفريق التنفيذي للبكالوريا الدولية (IB) لبحث سبل التعاون    جامعة حلوان الأهلية تعلن مصروفات كلياتها للعام الجامعي الجديد    كاهن رعية غزة يعبر عن سعادته بالعودة إلى كنيسة العائلة المقدسة    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي    وزير الإسكان يُصدر قراراً بإزالة مخالفات بناء بالساحل الشمالي    إزالة مزرعة مخالفة لتربية الخيول والنعام في الشرقية (صور)    رئيس وزراء إسبانيا: الاعتراف بدولة فلسطين هو الحل لتعزيز الاستقرار بالمنطقة    أبو الغيط يُرحب بقرار النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين    خامنئى يصلى على جثمان الرئيس الإيرانى الراحل والوفد المرافق له    نهائي الدوري الأوروبي، موعد مباراة باير ليفركوزن وأتالانتا والقناة الناقلة    جوميز: منبهر بجمهور الزمالك.. وهناك جزء ل فيريرا في أي إنجاز أقوم به    إنبي عن بند 100 ألف دولار في عقد زياد كمال: نريد الحفاظ على السرية.. والزمالك سيستفيد    رسميا، جوارديولا أفضل مدرب في البريميرليج بعد تتويج السيتي    حملة أمنية تضبط 22 قضية مخدرات و53 متسولا و50 سايس بدون ترخيص بالقاهرة والقليوبية    لمواليد 22 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    على طريقته الخاصة، "القومي للحضارة" يحتفل باليوم العالمي للمتاحف    دار الإفتاء توضح أفضل دعاء للحر.. اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-5-2024    خبيرة تغذية تنصح بعدم شرب الماء بعد الوجبات مباشرة    نهائي دوري أبطال أفريقيا.. اليوم الخطيب يستقبل بعثة الترجي في مطار القاهرة    اليوم.. انطلاق الدورة الرباعية المؤهلة إلي الدوري الممتاز    فصائل فلسطينية: استهدفنا ناقلة جند إسرائيلية جنوب شرق مدينة رفح    مصادر إسبانية: الحكومة ستعلن اليوم الاعتراف بدولة فلسطينية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    على البساط الوردى «فرانكلين» و«دوجلاس» فى كان!    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    تباين أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم | الأربعاء 22 مايو 2024    استعدادات مكثفة بموانئ البحر الأحمر.. ورفع درجة الاستعداد بميناء نويبع البحري لبدء موسم الحج البري    5 أسباب رئيسية للإصابة بالربو ونصائح للوقاية    طلاب الشهادة الإعدادية في الإسكندرية يؤدون امتحان الهندسة والحاسب الآلي    الطالب الحاصل على جائزة «المبدع الصغير» 2024 في الغناء: أهدي نجاحي لوالدتي    اليوم.. «اتصالات النواب» تناقش موازنة الهيئة القومية للبريد للعام المالي 2024-2025    باحثة سياسية: مصر تقف حائط صد أمام مخططات التهجير القسري للفلسطينيين    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء.. أبرزها باير ليفركوزن ضد أتالانتا في نهائي الدوري الأوروبي    اليوم.. القطاع السياحي ينتخب ممثليه في مجالس الغرف السياحية    رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني جميع المحافظات والخطوات كاملة    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شارعي رمسيس والهرم (فيديو)    بايدن يتهم ترامب باستخدامه لغة «هتلر».. ما السبب؟    المفتي: نكثف وجود «الإفتاء» على مواقع التواصل.. ونصل عن طريقها للشباب    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    جدول مساحات التكييف بالمتر والحصان.. (مساحة غرفتك هتحتاج تكييف كام حصان؟)    عباس أبو الحسن بعد دهسه سيدتين: أترك مصيري للقضاء.. وضميري يحتم عليّ رعايتهما    مبلغ صادم.. كم بلغ سعر إطلالة ماجي زوجة محمد صلاح؟    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    ذبح مواطن في الطريق العام.. النقض تنظر طعن سفاح الإسماعيلية على حكم إعدامه    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم يتساءل : هل انتهت حقبة 11 سبتمبر والحرب علي الإرهاب؟
نشر في القاهرة يوم 24 - 05 - 2011

بدأت الولايات المتحدة مرحلة ما بعد أسامة بن لادن، بعد الانجاز الذي حققته الاستخبارات الأمريكية وقيام فرقة خاصة أمريكية بقتل زعيم تنظيم القاعدة العالمي أسامة بن لادن، في الثاني من مايو الجاري، واستهلت الإدارة الأمريكية هذه المرحلة بالبدء في تنفيذ مهمتين أساسيتين . الأولي هي مهمة فحص تلال من الوثائق المكتوبة، والمصورة، والتي عثر عليها في البيت الذي كان يقيم فيه بن لادن في مدينة " آبوت آباد " في منطقة سياحية في الباكستان، وتضم الوثائق أجهزة كمبيوتر وشرائط ووثائق مكتوبة، وتهدف الإدارة الأمريكية من تنفيذ هذه المهمة معرفة المزيد من خفايا تنظيم القاعدة . أما المهمة الثانية فتتركز في الاستعداد لمرحلة ما بعد بن لادن، بهدف التصدي للعمليات التي كان تنظيم القاعدة يحضر لها لتنفيذ عمليات تخريبية، داخل الولايات المتحدة، في شهر سبتمبر القادم، والذي يوافق الذكري العاشرة لأحداث سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة ، وفي مقدمة هذه العمليات، علي حسب المصادر الأمريكية، تخطيط تنظيم القاعدة لتنفيذ عملية لاغتيال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتعطيل انتخابات الرئاسة المقررة في عام 2012 . وتشير معلومات وثيقة الصلة بتنظيم القاعدة ، إلي أنه علي مدي السنوات العشر الماضية، فإن أسامة بن لادن لم يتول بنفسه إدارة أي عملية من العمليات التي نفذت في الشرق الأوسط وأوروبا، نظرا لضعف الاتصالات بين التنظيم وفروعه في أماكن متفرقة، نتيجة كثافة الضربات الأمريكية، حيث قامت بهذه العمليات مراكز وخلايا نائمة، في مناطق متفرقة، ولم تكن مرتبطة تنظيميا بالقاعدة مباشرة، وإن كانت متأثرة بفكر التنظيم وزعيمه، الأمر الذي يمكن أن يعقد مهمة الاستخبارات الأمريكية في تعقبها لمخططات تنظيم القاعدة مستقبلا . وفي أول رد فعل انتقامي علي مقتل أسامة بن لادن، نفذت حركة طالبان الباكستانية انفجارا هائلا بالقرب من أكاديمية تابعة لقوات الأمن الباكستانية، وراح ضحيته ما بين قتلي ومصابين نحو مائتي شخص، وأعلنت الحركة أن العملية تأتي انتقاما لمقتل زعيم القاعدة، متوعدة بالمزيد من الهجمات الانتقامية، ومنها بالفعل عملية راح ضحيتها دبلوماسي سعودي في باكستان . فيما بدأت الأوساط العالمية تتساءل : هل ينهي سقوط بن لادن مرحلة 11 سبتمبر؟ وهل تغير الولايات المتحدة استراتيجية الحرب علي الإرهاب؟ وهل يستمر تنظيم القاعدة العالمي بعد تصفية زعيمه الروحي؟ " الرواية " الأمريكية وفقا لما أكده مايكل اوهانلون من مؤسسة بروكينجز ( مركز الأبحاث في واشنطن ) فقد قامت الولايات المتحدة بمراقبة مقر إقامة أسامة بن لادن علي مدي ثمانية أشهر، بفريق من ال«سي اي ايه»، في مخبأ قريب من المنطقة، لمراقبة حركات الذهاب والإياب، وللتأكد بنسبة من 60 إلي 80 % من وجود بن لادن، وقد استخدمت في تنفيذ عملية الهجوم علي مقر بن لادن طائرات خاصة مروحية من طراز " بلاك هوك " والتي لا تصدر صوتا، ولايكتشفها الرادار . وتقول مجلة ناشيونال جورنال إن تكلفة مطاردة بن لادن، علي مدار 15 سنة، وصلت إلي 3 تريليونات دولار أمريكي . ووفقا لمصادر وكالة رويترز، فقد نقل شهود عيان أن القوة الأمريكية خسرت في العملية إحدي طائراتها، ولكن المصادر الأمريكية لم تتحدث عن أي خسائر لها إلا يوم 5 مايو، كما اختلفت الروايات الأمريكية نفسها بالنسبة لعدد من شاركوا في العملية، ما بين 20 إلي 25 شخصا، ولكن بعد أيام أقر البيت الأبيض أنه كانت هناك قوات عسكرية محمولة جوا، مستعدة للتدخل ضد القوات الباكستانية في حال محاولتها صد العملية الهجومية الأمريكية . بينما ذكرت مصادر أمريكية أن عملية قوات مشاة البحرية، - وحدة " سيلز " أو عجول البحر - للتخلص من بن لادن استغرقت 45 دقيقة، فإن المشاهد التي نقلت عن مكان المعركة لم توح أن العملية استغرقت كل هذا الوقت، وعندما نشرت السلطات الأمريكية صورة واحدة لما ذكرت أنها لوجه بن لادن بعد قتله، فقد أثبت خبراء فرنسيون أنها صورة مزيفة، ومختلقة، لذلك امتنعت أمريكا عن نشرها مجددا، وعلق الان جولدبرج من جامعة أوتا الأمريكية علي عملية بن لادن بأن الأمر يشبه ما حصل عند وفاة ادولف هتلر، وأنه ستظل هناك تساؤلات حول ما إذا كان أسامة بن لادن قد قتل فعلا . وكان عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي قد طالبوا بنشر صورة جثة بن لادن، وعلقت صحيفة واشنطن بوست أنه بعد أيام من الدراما الأهم في التاريخ الأمريكي، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام مشكلة توضيح وتبرير حقيقة ما حدث، وتساءل مشرعون في الكونجرس الأمريكي : لماذا خرّبت أمريكا انتصارها بالخلافات والتناقضات حول العملية؟ غير أن هذه الرواية الأمريكية التي يشوبها الغموض ترافقت مع روايات أخري منها ما ذكرته حركة طالبان باكستان ومضمونها أن زعيم القاعدة فجر نفسه بسترة مملوءة بالمتفجرات حتي يتجنب الأسر، بينما قال عميل مخابراتي أمريكي سابق بأن أسامة بن لادن مات فعلا منذ خمس سنوات . تداعيات الحدث علي الرغم من الأجواء " الاحتفالية " التي عاشها الأمريكيون بعد الإعلان عن قتل أسامة بن لادن، الذي صورته الإدارة الأمريكية السابقة والحالية علي أنه العدو الأول لأمريكا وخصمها الأكبر علي مستوي العالم، ومصدر الخطر الرئيسي علي مصالح واشنطن والأمن القومي للأمريكيين، وبالرغم من علامات الإعجاب والشعبية والبطولة، التي أحاطت بالرئيس الأمريكي باراك اوباما، بعد القضاء علي زعيم القاعدة، فإن ذلك كله لم يخف حالة " الارتباك " التي اقترنت بالحدث الكبير في الأجواء الأمريكية، خاصة بعد تداول المعلومات حول " العملية " التي أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية، بدءا من تحديد مكان اختباء بن لادن، ومفاجأته في مقر إقامته، وإطلاق النار عليه وسط أسرته، وصولا إلي نقله بمعرفة القوة الخاصة الأمريكية، وإقامة الشعائر الإسلامية علي جثمانه، ثم إلقائه في البحر، علي حسب المعلومات التي نشرتها المصادر الرسمية الأمريكية، والتي بررت إلقاءه في البحر لصعوبة وجود دولة تقبل دفنه في أراضيها علي اعتبار أنه من أهم الارهابيين، أو أن الأمريكيين يكرهون أن يكون لبن لادن مقبرة، يزورها أتباعه ومريدوه . كانت أول علامات " الارتباك " التي صاحبت الحدث ، التكهنات والتساؤلات التي لم ترد عليها الإدارة الأمريكية من قبيل : لماذا سارعت الإدارة الأمريكية، والرئيس أوباما تحديدا بالإعلان عن مقتل بن لادن بعد تنفيذ العملية، بدقائق ؟، ولماذا لم يتم إعطاء وسائل الإعلام العالمية الفرصة للتأكد من تفصيلات العملية، والبرهنة علي مصداقيتها أمام العالم؟ ولماذا جازفت الولايات المتحدة بإغضاب شخصيات إسلامية معتدلة، انتقدت سلوك الإدارة الأمريكية في التخلص من بن لادن بهذه الصورة؟ ، وهل تمثل عملية بن لادن، من بدايتها، حتي نهايتها، نموذجا للأساطير التي تخلقها " الدعاية الأمريكية " ، وتنجح في تمريرها أمريكيا وعالميا؟ وهل كانت الإدراة الأمريكية حقا علي علم بمكان اختباء بن لادن منذ عام 2001، ولكنها اختارت تنفيذ عملية القتل في العام الحالي لأسباب انتخابية؟ . وفي السياق، ثارت في الدوائر الأمريكية خلافات حول إخفاء صور بن لادن بذريعة عدم الإضرار بالأمن القومي الأمريكي، لمخالفة ذلك لقانون حرية المعلومات . وأكد ستيفن أفتر جود الخبير في القضايا السرية في اتحاد العلماء الأمريكيين أنه سيصعب علي الإدارة الأمريكية الاحتفاظ بسرية صور بن لادن، وأنه يمكن لوكالة مثل رويترز، وآخرين، رفع دعاوي ضد الإدارة بهذا الصدد . غير أن الجانب الآخر من الارتباك في الإدارة الأمريكية، والذي وصفته بعض المصادر بأنه بمثابة انقسام بين المسئولين الأمريكيين هو ما يتعلق بحقيقة الدور الباكستاني في عملية بن لادن، ومدي إمكانية الاستغناء عن الباكستان في المهمة العالمية المسماة " محاربة الإرهاب "، وهل سيتعين علي الأمريكيين البحث عن بديل للباكستان، بعد غضب إسلام آباد لتجاهلها تماما في عملية اغتيال زعيم تنظيم القاعدة؟ صحيح أن السيناتور الأمريكي جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قام بزيارة مصالحة لباكستان بعد العملية، وحاول إقناع الباكستانيين بأهمية استمرار التعاون الأمني والاستراتيجي بين الجانبين، غير أن حالة من الغضب تنتشر في الدوائر الباكستانية، ويبدي الرأي العام الباكستاني حالة عداء واضحة حيال التدخل الأمريكي عموما في الباكستان . هذا، علما بأن السلطات الباكستانية سمحت لمسئولي الاستخبارات الأمريكية باستجواب زوجات بن لادن، في مكان غير معلن، وفي حضور الاستخبارات الباكستانية، حيث لايزال التعاون المخابراتي مستمرا بين الجانبين . وفي الأجواء الأمريكية، يبدو الانقسام واضحا حول مستقبل العلاقات الأمريكية الباكستانية بين وزارتي الدفاع والخارجية، فالعسكريون الأمريكيون يريدون مواصلة التدخل العسكري في باكستان، لتتبع القاعدة وطالبان، واستمرار التعامل مع عملاء باكستانيين يقدمون لهم خدمات يصعب الاستغناء عنها، بينما تفضل وزارة الخارجية والرئيس أوباما أن يتم التعاون مع باكستان، من خلال الاتفاق بين الطرفين، ومع ذلك، طالب أعضاء الكونجرس الأمريكي بتخفيض المساعدات التي تقدم لباكستان ( 3 مليارات دولار في السنة ) وذلك علي سبيل العقاب، بدعوي أن إسلام آباد أخفت علمها بمكان اختفاء بن لادن، علما بأن سلمان بشير المسئول في وزارة الخارجية الباكستانية أكد في يوم 4 مايو في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية ( بي . بي . سي ) أن باكستان أبلغت الأمريكيين منذ عام 2009 بمخبأ بن لادن زعيم القاعدة . وفي سياق ملئ بالغموض والتناقضات، فإن رواية أمريكية رسمية أخري كانت قد ألمحت إلي أن الأمريكيين اكتشفوا المكان الذي يقيم فيه بن لادن في صيف 2010، ولكنهم لم يتحركوا ضده إلا في 2011 . في الوقت نفسه، فإن الجانب الباكستاني، يقوم بعملية مراجعة شاملة للعلاقات الأمريكية الباكستانية، بناء علي طلب البرلمان، في ضوء الملابسات التي أحاطت بعملية اغتيال بن لادن، وقد أدان البرلمان بالإجماع العملية الأمريكية، أحادية الجانب التي نفذتها القوة الأمريكية، داخل باكستان بدون علم السلطات . ويبدو أن تيارا قويا في باكستان يؤيد اتخاذ مواقف متشددة تجاه الإدارة الأمريكية، بسبب انتهاكها للسيادة الباكستانية، بينما تحذر دوائر قريبة من الرئيس الباكستاني آصف زارداري من التشدد نحو امريكا او مقاطعتها، بذريعة احتياج إسلام آباد الشديد للولايات المتحدة سياسيا وعسكريا وماليا . باكستان .. الهم الأمريكي كان تقدير الإدارة الأمريكية أنه بعد مقتل بن لادن، أو بعد الإعلان عن هذه العملية في الوقت الراهن، ستجني الولايات المتحدة عدة مزايا، تضاف إلي السبب الانتخابي، واكتساب الرئيس أوباما شعبية داخلية وهو علي أبواب معركة انتخابات الرئاسة لفترة ثانية . غير أن شواهد الواقع أتت بنتائج مخالفة، فالبيت الأبيض يتعرض راهنا لانتقادات حادة بعد تسرب قدر هائل من المعلومات حول تفاصيل عملية قتل بن لادن، وتوجه للإدار الأمريكية الاتهامات بالعجز عن حفظ الأسرار التي تضر بمثل هذه العمليات، في حال تكرارها مستقبلا . بالإضافة إلي ذلك، فربما لم تقدر الإدارة الأمريكية حجم الغضب الذي سيعم باكستان من تنفيذ عملية بن لادن، بصورة منفردة، حيث تسود العلاقات الباكستانية الأمريكية توتر شديد ومتصاعد، حتي ان خلافا شديدا نشب بين الجانبين مؤخرا، بسبب رفض واشنطن دفع أكثر من 40 % من التعويضات المالية، التي تقدر بما يزيد علي 2.3 مليار دولار والتي طلبتها إسلام آباد، كمقابل للعمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الباكستانية ضد المسلحين (عن الفترة بين يناير 2009 يونية 2010 ) ، وتتذرع واشنطن بأن بعض هذه العمليات لا صلة لها بالحرب علي الإرهاب . علي صعيد آخر، بدأ الجيش الباكستاني يتخذ مواقف متشددة تجاه العمليات التي ينفذها حلف الناتو شمال غرب باكستان علي المنطقة الحدودية مع أفغانستان، ووقع اشتباك محدود بالفعل بين قوات باكستانية، وطائرات تابعة للناتو، بالقرب من نقطة تفتيش تابعة للجيش الباكستاني، مما أثار تكهنات بمزيد من التوتر مع واشنطن، خاصة أن البرلمان الباكستاني يطالب بوقف الغارات التي يشنها الناتو، والطائرات الأمريكية بدون طيار، علي مقاتلي القاعدة، وحركة طالبان الباكستانية، وتشكيل
لجنة مستقلة للتحقيق في عملية قتل بن لادن . كما لوح البرلمان بوقف الدعم اللوجستي لقوات الناتو في أفغانستان. أيضا، كان من ضمن الحسابات الأمريكية في سياق عملية بن لادن، أن تتطور الاتصالات، غير المباشرة، بين الأمريكيين وحركة طالبان أفغانستان، في سياق أكثر يسرا، بعد مقتل بن لادن . غير أن مطالب طالبان لم تتغير، فهم يصرون علي إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، وفتح مكتب رسمي (يقترح له أن يكون في قطر )، والإفراج عن 20 مقاتلا محتجزين في جوانتانامو في كوبا، وانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وحصول طالبان علي دور رئيسي في الحكومة، ووفقا لمصادر أمريكية، فإن واشنطن مستمرة في الاتصالات، وصولا إلي حل نهائي لموقفها الشائك في أفغانستان . ويظل الأمر بالنسبة للعلاقات الأمريكية الباكستانية هو الجزء الأكثر تعقيدا بالنسبة للولايات المتحدة ، فقائد الأركان الباكستانية خالد شميم ألغي زيارة كانت مقررة له لأمريكا في 22 مايو، ولكن السيناتور جون كيري أثناء زيارته لإسلام آباد يقول " إن الإدارة الأمريكية ليست مضطرة للاعتذار لباكستان علي حملة قتل بن لادن، وأنه علي باكستان أن تختار أن تكون ملاذا آمنا للمتطرفين، أو أن تكون دولة ديمقراطية، وحليفا حقيقيا للولايات المتحدة " ، وهناك زيارة مرتقبة لهيلاري كلينتون لباكستان في شأن هذه العلاقات المتوترة، وتؤكد مصادر أمريكية أن صبر واشنطن ربما بدأ ينفد، وأن معلومات تم الحصول عليها تؤكد علم إدارات سياسية ومخابراتية باكستانية بمكان بن لادن، بالقرب من العاصمة الباكستانية، وفي محيط مدرسة من أهم المدارس الحربية في المنطقة، وثمة معلومات أخري يؤكدها الأمريكيون أن زعيم طالبان الملا عمر يختبئ حاليا في إقليم بلوشستان جنوبي غرب باكستان، وأن هناك جهات تتولي حاليا تعزيز مكان إقامته، بعد مقتل بن لادن . وإزاء حالة التوتر المتصاعد التي تشوب العلاقات الأمريكية الباكستانية، بدأت دوائر في واشنطن تعلن حقائق تدخل في إطار «الدفاع الأمريكي عن النفس»، ومن ذلك كشف مسئول أمريكي في مجال مكافحة الإرهاب عن وجود " تفاهمات سرية " بين واشنطن وإسلام آباد، يمكن أن تعتبر في مستوي القرارات الباكستانية، تسمح للولايات المتحدة من طرف واحد، للقيام بعمليات في الأراضي الباكستانية، إذا ما توافرت علي معلومات استخباراتية عن زعيم القاعدة . وهذا ما أكدته أيضا صحيفة " الجارديان " البريطانية مشيرة إلي اتفاق سري، منذ عشر سنوات، تم إبرامه بما يسمح للقوات الأمريكية بتنفيذ غارة داخل باكستان لملاحقة بن لادن، أو قيادات أخري في تنظيم القاعدة، وتضمن الاتفاق حق باكستان في أن تحتج علنا علي مثل هذا التصرف، وفقا لما وافق عليه كل من الجنرال والحاكم السابق برويز مشرف، والرئيس السابق جورج بوش. " حروب أوباما " قبل أن يعلن الرئيس أوباما تصفية بن لادن بأيام قليلة، أعلن في الولايات المتحدة تولي الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأمريكية بأفغانستان إدارة وكالة الاستخبارات المركزية " سي آي ايه " خلفا لليون بانيتا الذي سيتولي منصب وزير الدفاع، وتأتي هذه التغييرات في إطار ما أطلق عليها " المستجدات الطارئة في الأمن القومي الاستراتيجي" في أمريكا، وبما يتيح للرئيس الأمريكي توسيع نطاق المناورة بالنسبة لاستراتيجية الحرب في أفغانستان، وإعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية . في واقع الأمر، ما من قضية تسبب الخلافات والانقسامات العميقة في الإدارة الأمريكية حاليا بقدر ما تسببه مسألة الاستراتيجية الأمريكية المرجوة في أفغانستان، فالرئيس أوباما طالما أراد التوصل إلي " استراتيجية خروج " من أفغانستان، تلك المنطقة التي توظف فيها الاستخبارات الأمريكية ما يقرب من 3000 شخص، أغلبهم من الأفغان، لملاحقة طالبان، ويمول عملياتهم جهاز الاستخبارات الأمريكية غير أن المشكلة تبدو ممثلة في اقتناع الأمريكيين بأن مصير أفغانستان، ونجاح عمليات تتبع القاعدة وطالبان لن تنجح إلا بمهاجمة تابعيهم في باكستان، في الوقت نفسه، لاتبدو إسلام آباد شريكا أمينا بالنسبة للمخططات الأمريكية، بل إن المشكلة الباكستانية تبدو أكثر خطورة للأمريكيين . ويقول الكاتب والمؤلف بوب وود ورد مؤلف كتاب " حروب أوباما " إن التهديد المباشر للأمن القومي الأمريكي لن يأتي من العراق، أو أفغانستان، وإنما من باكستان التي تعيش أوضاعا سياسية وأمنية غير مستقرة، والتي تبلغ مساحة حدودها مع أفغانستان 1500 ميل، وتمتلك ترسانة نووية، ويعاني سكانها الفقر، والعداء للولايات المتحدة، ويؤكد دانيال ماركي العضو في مجلس العلاقات الخارجية أنه إذا تركت باكستان بدون مساعدة فسوف يضم هذا البلد في منتصف القرن 300 مليون نسمة معظمهم غير متعلمين وغير قادرين علي أن يكونوا مواطنين صالحين في العالم ، وستكون لهم الفرص لإثارة الاضطرابات ما لم يتغير الوضع، ومنذ اليوم الأول لدخول أوباما البيت الأبيض، فقد تم إبلاغه أن الهاجس الأكثر خطورة الذي يهدد الأمريكيين هو هجوم يتم شنه علي مدينة أمريكية بقنبلة نووية . في مثل هذا السياق المعقد، تثير عملية تصفية بن لادن، بالنسبة للأمريكيين سؤالا مهما : هل يعني موت بن لادن انتهاء المهمة في أفغانستان؟ وهل سيمكن الآن سحب القوات الأمريكية من هناك كما طالب بذلك بعض أعضاء الكونجرس ؟ ألم يكن هدف الحرب في أفغانستان، كما يقول معهد ستراتفورد للتحليلات الاستخباراتية ، هو تقويض القاعدة وتصفية بن لادن؟ وهل يمكن الآن اعتبار القاعدة شيئا من الماضي؟ الحقيقة أن كل هذه التساؤلات تعيد الأمريكيين لموقفهم وعلاقاتهم المستقبلية مع باكستان، ومدي استعداد الباكستانيين للتعاون مع الولايات المتحدة في المستقبل المنظور، الأمر الذي تكتنفه صعوبات في ضوء الملابسات التي أحاطت بعملية بن لادن . ويقول مسئول أمريكي " من السذاجة تصور أن الباكستانيين نظّروا أنفسهم طوال الوقت لخدمة أهداف أمريكا " . ويبدو أن باكستان قد تحول أنظارها، نسبيا، عن علاقة الشريك والحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، وهناك مؤشرات علي ذلك . فقد قام رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني بزيارة مهمة للصين مؤخرا، وصفت بأنها محاولة من إسلام آباد لإظهار أن لديها قوة أخري دولية وصديقة يمكن أن تلجأ إليها في وقت الشدة، ووصف جيلاني الصين بأنها أقرب صديق لباكستان، وهي الصديق الحقيقي، وعلق باحث أمريكي بأن ذلك جاء في سياق محاولة باكستان التأكيد علي أن لديها، في السياسة الخارجية، خيارات أخري . مستقبل تنظيم القاعدة علي الرغم من أن قتل بن لادن ينهي فصلا مهما من المواجهة بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة، غير أن الشواهد تدل علي أن الأيام القادمة ربما تحمل الكثير من الأحداث الدرامية الأخري علي مسرح السياسة العالمية . فقد كشفت صحيفة الصنداي تايمز أن الولايات المتحدة منحت باكستان سرا "مهلة " لتسليم الرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري، وقائد طالبان الملا عمر، وإلا تعرضت الأراضي الباكستانية إلي غارات أمريكية جديدة لملاحقة المطلوبين، خاصة أن رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب مايك روجرز يؤكد أن الظواهري موجود بالفعل في باكستان . لكن يبقي السؤال : هل يستمر تنظيم القاعدة، بعد تصفية زعيمه ورئيسه بن لادن؟ وهل يعني اختيار الجهادي المصري محمد إبراهيم مكاوي الشهير باسم " سيف العدل " زعيما مؤقتا للتنظيم، احتفاظ القاعدة بقوتها وأجندتها المعلنة سابقا؟ وفي سياق الاجتهادات المطروحة في هذا الصدد، يؤكد ستيف كول الحائز علي جائزة البوليتزر، ومؤلف كتاب "آل بن لادن، أسرة عربية " أن تنظيم القاعدة سوف يستمر، لأنه بات يشبه العلامة التجارية " آبل أو نايكي "، وأنه من المنتظر تولي الظواهري قيادة التنظيم، وقد يكون قادرا بالفعل علي إدارة شئون القاعدة، ولكنه لا يتمتع بنفس الشخصية الكارزمية التي تمتع بها بن لادن، وسوف يفتقر التنظيم للعديد من الاتصالات التي كان يعتمد عليها، ولذلك سوف يؤثر ذلك علي قدرة تنظيم القاعدة علي التمويل كما كان في السابق، ولذلك فإن التنظيم سيحاول إضفاء الشرعية السياسية أو الدينية علي عملياته في المستقبل . هذا النوع من التفكير يأتي في سياق النظر إلي تنظيم القاعدة انطلاقا من الجانب الفكري / الأيديولوجي الذي يمثله التنظيم، وبرر وجوده أصلا من وجهة نظر فصيل من الحركة الإسلامية الأصولية . فتنظيم القاعدة في التحليل النهائي هو حصيلة خبرة إسلامية حركية، آمنت بنهج معين في المواجهة مع العالم الغربي والولايات المتحدة، وهذه الخبرة كفكرة لم تمت بموت الرجل الأول في التنظيم، ولم تشهد بعد تغييرات جذرية تساهم في اضمحلالها واختفائها، لذلك من المتوقع استمرار المواجهة، وإن من خلال استراتيجيات مختلفة، سواء من جانب القاعدة التي تعيد تنشيط خلاياها في شبه الجزيرة العربية أو المغرب العربي أو مناطق في جنوب آسيا، أو من جانب الولايات المتحدة التي قد تعيد صياغة استراتيجيتها، وفقا لواقع مختلف . غير أن هناك من المراقبين من يري أن تنظيم القاعدة قد أصيب في مقتل، ليس فقط بقتل زعيمه وقائده، لكن لأن المواجهة طويلة المدي مع الولايات المتحدة أفقدت التنظيم معظم قوته وقياداته وفعاليته، كما سعت طالبان أفغانستان للتباعد عنه، ولم يعد للتنظيم جاذبيته السابقة التي كانت تؤمّن له قدرة تجنيد الآلاف من الشباب المسلمين، ويزيد علي ذلك، أن الثورات التي تشهدها الدول العربية حاليا، سعيا وراء نظم سياسية ديمقراطية حقيقية ، ستزيد من ابتعاد الشباب العربي عن أفكار وطروحات تنظيم القاعدة، والتي كانت تستغل إحباط وبؤس الشباب في بلدانهم وتجنيدهم في صفوفه. ومن ثمة يؤمن أصحاب هذا التوجه ببداية خفوت دور القاعدة، كشبكة إرهابية معولمة، ومن ثمة التمهيد لتغيرات جذرية في الاستراتيجية الكونية الأمريكية .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.