رئيس جامعة الأقصر: افتتاح دار الضيافة يستكمل الدور العلمي والعملي    وزيرة التخطيط: 2.6 مليار جنيه استثمارات تنفيذ 58 مستشفى خلال 2024-2025    فاض بنا تماما.. اللواء سمير فرج: التحذير المصري لإسرائيل اليوم هو الأول منذ 40 عاما    سليمان: أتمنى تتويج الأهلي بدوري الأبطال تكريمًا للعامري فاروق    "فخور لتمثيل منتخب البرتغال مجددًا".. رونالدوا يُعبر عن سعادته لمشاركته في يورو 2024    وزارة النقل تعلن أسباب وتفاصيل حادث معدية أبو غالب    فرحة الانتظار: قدوم إجازة عيد الأضحى المبارك 2024    الخميس.. حكايات ملهمة ل أطفال مفقودة وعائشة بن أحمد في «معكم منى الشاذلي»    أحمد الفيشاوي ومي سليم في العرض الخاص لفيلم بنقدر ظروفك    تحضيرات عيد الأضحى 2024 وصيام يوم عرفة: فضائل واستعدادات المسلمين حول العالم    تكنولوجيا رجال الأعمال تبحث تنمية الصناعة لتحقيق مستهدف الناتج القومي 2030    "هُدد بالإقالة مرتين وقد يصل إلى الحلم".. أرتيتا صانع انتفاضة أرسنال    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    رئيس البرلمان العربي يشيد بتجربة الأردن في التعليم    تكثيف المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة بالفيوم.. «إحصاء وإنجليزي»    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    بلينكن: إيران قريبة من تصنيع قنبلة نووية بسبب قرارنا "الأسوأ"    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    «رفعت» و«الحصري».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم غدا    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    محمد عبد الحافظ ناصف نائبا للهيئة العامة لقصور الثقافة    رفقة سليمان عيد.. كريم محمود عبدالعزيز يشارك جمهوره كواليس «البيت بيتي 2»    خصومات تصل حتى 65% على المكيفات.. عروض خاصة نون السعودية    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من تنفيس جهنم على الدنيا    أمين الفتوى بدار الإفتاء: سداد الدين مقدم على الأضحية    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    هل وصل متحور كورونا الجديد FLiRT لمصر؟ المصل واللقاح تجيب (فيديو)    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    لست وحدك يا موتا.. تقرير: يوفنتوس يستهدف التعاقد مع كالافيوري    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    "لم يحققه من قبل".. تريزيجيه يقترب من إنجاز جديد مع طرابزون سبور    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    زراعة النواب تقرر استدعاء وزير الأوقاف لحسم إجراءات تقنين أوضاع الأهالي    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    الخميس المقبل.. فصل التيار الكهربائي عن عدة مناطق في الغردقة للصيانة    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    المالية: 2500 شركة مصدرة تقدمت للاستفادة من مبادرة السداد النقدي الفوري لدعم المصدرين    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    4 دول أوروبية وعربية تبحث عن عمالة مصرية برواتب كبيرة.. اعرف المؤهلات والمستندات المطلوبة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: مصر المكون الرئيسي الذي يحفظ أمن المنطقة العربية    انتظار مليء بالروحانية: قدوم عيد الأضحى 2024 وتساؤلات المواطنين حول الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدعوة إلي التظاهر تصل إلي السعودية وأصوات تنادي بملكية دستورية وانتخابات تشريعية
نشر في القاهرة يوم 15 - 03 - 2011

من قلب السعودية، خرجت الأنباء التي تؤكد أن وزارة الداخلية تعلن أن التظاهر ممنوع في المملكة، لتعارضه مع الشريعة الإسلامية ، وأن قوي الأمن مخولة لأخذ كل الإجراءات لمنع أية محاولة للإخلال بالنظام، وأن الأنظمة المعمول بها في المملكة تمنع منعا باتا كل أنواع المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والدعوة لها ، لتعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وقيم وأعراف المجتمع السعودي. وكانت السلطات السعودية قد حركت الآلاف من رجال الأمن إلي المحافظات الشرقية ذات الأغلبية الشيعية ، والتي شهدت تظاهرات متصاعدة منذ أيام ، وجاءت هذه الخطوة متزامنة مع دعوة علي الفيس بوك تحمل اسم " ثورة حنين " وتدعو إلي التظاهر في كل أنحاء السعودية في 11 مارس ، بينما طالبت صفحة أخري بعنوان " الثورة السعودية يوم 20 مارس " بالملكية الدستورية والحريات وإجراء انتخابات تشريعية . وتركزت الدعوة علي الفيس بوك للمشاركة في "يوم للغضب " احتجاجا علي توقيف رجل الدين توفيق العامر ، واعتقال نحو عشرين ناشطا سياسيا ، وكان العامر قد دعا إلي قيام ملكية دستورية ، ورفع التمييز الطائفي في المملكة . وبالفعل وقعت تظاهرة في الشرق يوم الخميس 10 مارس، وقوبلت بعنف أدي لإصابة 3 أشخاص. وفي 11 مارس، خرج عشرات المتظاهرين في الإحساء ، ولكن فرقتهم قوات الأمن. ولأول مرة في السعودية ، والتي كان الاستقرار أحد أهم سماتها ، يتجمع مناوئون للنظام تحت لافتة " شباب 4 مارس " بعد صلاة الجمعة ، في شرق العاصمة الرياض ، مرددين هتافات تندد بما أطلقوا عليه " النظام الملكي الظالم " . وقد استبقت السلطات هذه الدعوات بنشر القوات الأمنية والشرطة بكثافة ملحوظة ، وإصدار بيانات قوية بأنه لا تسامح مطلقا مع ما تعتبره " إخلالا بأمن ونظام المملكة " ، وتحذيرات من التأثر بأية " عدوي " من الخارج ، والرفض القاطع لما يعتبر تدخلا في الشئون الداخلية ، وتصوير ما يجري في السعودية من محاولات علي أنه " استجابة ذات أبعاد طائفية "، ومؤامرة من الخارج، هذا، بينما يسود اعتقاد في السعودية ومنطقة الخليج ، بأنها ليست بعيدة عن " المظاهر الثورية " التي تنتشر في المنطقة ، لأن الخليجيين بدورهم يطالبون بالعدالة والمساواة وسيادة القانون ومراقبة الحكام وعدم التعامل معهم بالعنف . وبينما تتجه الأنظار لما يمكن أن تسفر عنه الأحداث في منطقة الخليج عموما ، فإن توقعات تتصاعد بأن أسعار النفط يمكن أن تقفز إلي 200 دولار للبرميل ، في حالة توسع احتجاجات السعودية ، وهي الأسعار التي تحلق حاليا عند 115 دولارا. " شرعية " المعارضة يمثل التظاهر من أجل طرح مطالب سياسية واجتماعية تطورا نوعيا جديدا في ثقافة الشعب السعودي ، في ظل مجتمع قامت ثقافته أساسا علي مبدأ السمع والطاعة لأولي الأمر ، واستبعاد أية ممارسات تدل علي الرفض أو المعارضة أو عرض الرأي الآخر ، باعتبار ذلك من قبيل الخروج المكروه والمحرم علي السلطة ، ويجرمه النظام السياسي . ومن هنا ، أفتي رجال العلم الشرعي في السعودية بالتحريم الشرعي للمظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت الدول العربية ، والتي تهز الأنظمة السياسية في المنطقة ، للمطالبة بالإصلاحات ورد الحقوق التي اغتصبتها الأنظمة إلي أصحابها . فالشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية أفتي بتحريم المظاهرات . كذلك خرج الشيخ صالح اللحيدان ، وهو من هيئة كبار العلماء في السعودية بفتوي أخري مؤداها " أن المظاهرات من الفتن غير المحمودة شرعا " و" أنه لم يعرف عن أحد من أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة أن أحدا منهم يحث الناس عند الاستنكار أن يقوموا بمظاهرة ومغالبة ، ويؤكد اللحيدان علي قاعدة معمول بها وهي " السمع والطاعة ، حتي إذا كان الوالي غير مرضي عنه من الناس ، مادام لم يكفر " . وبناء عليه ، فإن السلطات السعودية تراقب عن كثب وسائل الإعلام ، في محاولة لكبت أية محاولة أو بادرة لاندلاع مظاهرات أو احتجاجات في الشارع السعودي ، مما يمكن أن يعد استلهاما للانتفاضات الشعبية العربية ، وتحديدا من الثورتين التونسية والمصرية اللتين نجحتا في الإطاحة برئيسين عربيين ، بن علي ومبارك . ولكن ، الجديد الذي لم تحتسب له السلطات وأولو الأمر في السعودية هو التغيرات التي بدأت تنتشر في ثنايا المجتمع ، وتفرض نفسها علي الغالبية ، وفي مقدمتهم الشباب. فعلي صفحات ومنتديات ومواقع الفيس بوك وتويتر ، يعارض مواطنون سعوديون قرار الحكومة بمنع المظاهرات ، ويتساءلون : لماذا لم تمنع السلطات المسيرات الشعبية التي انتشرت في أرجاء البلاد احتفالا بعودة الملك من رحلته العلاجية؟ ويؤكد مواطنون أن إغلاق وسائل التعبير السلمي، هو ما دفع الشباب نحو المواجهة، خاصة أن الدولة تستعرض قدرتها علي القتل والقمع . ويؤكد الشباب أنهم سيقاومون بكل سلمية ، ولن ينساقوا خلف عقلية لاتواكب مطالبهم ، ولا تفهم مايريدون. في الوقت نفسه ، هناك دعاة لهم وزنهم في الساحة السعودية يعرضون آراء أكثر عصرية وفهما لمتغيرات العصر، ويردون علي الفتاوي الرسمية التي تحرم التظاهرات بدعوي أنها ضد الشريعة الإسلامية . فالداعية الإسلامي الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان يؤكد أن المظاهرات السلمية التي لا تشهر سلاحا ولا تسفك دما، ولا تتعدي علي الأنفس والممتلكات المعصومة ، جائزة شرعا . وفي بيان أصدره أكد أنه إذا أصدر الحاكم تنظيما أو تعميما أو قانونا ، يمنع فيه عامة الشعب من شيء مباح بأصل الشرع ، فإن هذا تقييد لحرية التعبير" . وعموما ، تشهد الساحة السعودية فتاوي أخري من رجال الدين المستنيرين الذين أقروا بأن المظاهرات لاتتعارض مع الشريعة ، وذلك ردا علي الفتاوي التي تحرم حتي تقديم الالتماسات إلي الحكام بدعوي أنها خروج علي الحاكم. ويلاحظ أن التيار الذي يطالب بالتغيير في السعودية ، يتسع حجمه يوما بعد يوم ، ويرد هذا التيار علي الدعوة بتحريم المظاهرات التي وقعت في مصر وتونس وليبيا واليمن والعراق والبحرين وسلطنة عمان ، بأن التحريم يتجاهل المظالم التي ارتكبتها هذه النظم في حق شعوبها ، كما لا يلتفت إلي بؤس الحالة السياسية والاقتصادية التي تعيش فيها هذه الشعوب . ويتساءل كاتب سعودي : ألم يقل الرسول- صلي الله عليه وسلم- من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر؟ ماذا إذا كان هذا السلطان الجائر لايسمع ولايرحم ، ماذا يفعل المظلومون؟ أيكتفون بالصلاة والصوم والدعاء؟ وعلي صفحات الفيس بوك أدان ما يطلق عليه "ائتلاف الشباب الأحرار" دعوة الداعية الإسلامي سعد البريك والتي بارك فيها " تهشيم جمجمة المتظاهرين " فيما اعتبر ضوءا أخضر لقتل المواطنين الأبرياء ، ووصف الائتلاف الشبابي ذلك ب" الفكر المتخلف الذي ينطلق من نزعة تكفيرية متشددة ، تبيح دماء المواطنين ، وهي جريمة ضد الإنسانية ، تستوجب المقاضاة والملاحقة القانونية محليا ودوليا " . واعتبر ائتلاف الشباب أن منع الشباب من التظاهر المدني السلمي هو بمثابة نكوص عن سياسة الإصلاح التي دعا إليها الملك ، علما بأن الدولة السعودية وقعّت علي عهود ومواثيق دولية تعتبر التظاهرات والمسيرات وغيرها من وسائل التعبير حقوق مكفولة لكل مواطن. ومن المفارقات، أن نظما عربية حاولت أن تستفيد من التحريم الشرعي السعودي للتظاهرات بدعوي تعارضها مع الشريعة الإسلامية ، ومن ذلك اتصال السلطات الليبية ، وتحديدا سيف الإسلام نجل القذافي بالشيخ سلمان العودة ، واتصال الساعدي القذافي بالشيخ عائض القرني ، واتصال مدير الفضائية الليبية بالشيخ محمد العريفي، في محاولة للحصول علي مساعدتهم لتهدئة تظاهرات الشعب الليبي، واقناعهم بأن هذه النشاطات تتنافي مع الشريعة الإسلامية، وتعد خروجا علي ولي الأمر، هذا، علما بأن القذافي ونظامه معروف عنهما مناوئتهما للاتجاهات الدينية السلفية. تحالف السلطة والدين يبدو أنه من أسوأ الكوابيس التي تتحسب لها السلطات السعودية هو وصول ارهاصات صحوة الشعوب العربية إلي الأراضي السعودية ، الأمر الذي يثير قلقا كبيرا لدي أسرة آل سعود الحاكمة . وعندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في البحرين ، وطالبت بالإصلاحات السياسية ، وصولا إلي المطالبة بالتخلص من حكم آل خليفة ، فقد أبلغ ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز السلطات في البحرين بأنها إذا لم تكن قادرة علي سحق الانتفاضة الشعبية ، فإن السعودية قد تتدخل لحسم الموقف وإنهائه. وتدل التحركات الأمنية التي تجري داخل السعودية علي مخاوف من تشجيع آلاف الرسائل الإلكترونية علي " يوم الغضب " لذلك ، تحركت قوات الأمن إلي محافظات المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية ، وأقفلت الطرق السريعة التي تربط مدينة الدمام بغيرها من المناطق ، كما انتشرت وحدات من الجيش وقوات الأمن في أنحاء منطقة القطيف حيث الغالبية الشيعية بها . وواكب هذه الاستعدادات إصدار هيئة كبار العلماء في السعودية لبيان صريح في 7 مارس ، يسابق به دعوة التظاهر في 11 مارس، يحذر من " الارتباطات الفكرية والحزبية المنحرفة ، والأسباب التي تؤدي إلي الفرقة وتشتيت الأمة... وإصدار البيانات (الالتماسات) بما فيها من تهويل وإثارة للفتن " علي حد تعبير البيان الذي يحذر أيضا من الاضطرابات التي تنتشر في أنحاء متفرقة من العالم . ويطالب بيان هيئة كبار العلماء من ولي الأمر مواجهة " من أراد أن يفرق الأمة بضربه بالسيف، كائنا من كان " . وبدلا من أسلوب التظاهر والاحتجاجات الشعبية ، يؤكد البيان علي مايسميه " التناصح والتفاهم والتمسك بما كان عليه السلف الصالح " . ولا يخفي في هذا السياق ، أن الاتجاه السلفي سواء كان في السعودية ، أو دول عربية أخري ومنها مصر ، يواجه " حرجا وارتباكا " بعد اندلاع الثورات والاحتجاجات الشعبية في الدول العربية، ووضوح أدلة وبراهين ثبوتية لاتقبل الشك حول فساد النظم العربية، التي سقطت رءوسها، وتلك التي في طريقها للسقوط ، والتي سامت شعوبها ألوانا من التعذيب والفساد والتضليل ونهب الشعوب وافقارها، ومع ذلك سكتت عنها أصوات السلفيين ، بل تحالفت معها ، وربما لاتزال . ومن هنا ، وجدنا شيئا من الانقسام في " كتلة السلفيين " وطروحاتهم تجاه الاحتجاجات الشعبية ، فمنهم من يحرمها كلية ، استنادا إلي نصوص في الشريعة، يرون أنها تعطي الأولوية للمحافظة علي الجماعة ، كأصل من أصول الإسلام ، مهما بلغ ظلم الحاكم . وهناك فريق آخر من السلفيين ، أباح الاحتجاجات الشعبية عند الضرورة ، ولكنه وضع لها عدة شروط حتي تعتبر متوافقة مع الشرع حسب رؤيتهم وهي: أن تكون المطالب مشروعة وعادلة ، فإن تضمنت مفسدة أو حراما فلا تجوز ، وألا تؤدي إلي منكر آخر يساوي أو يزيد علي المنكر الذي خرج المتظاهرون لتغييره، وألا يصحب المظاهرة ترك واجب كصلاة الجمعة أو أن تشمل المظاهرة علي اختلاط محرم بين النساء والرجال، وألا تتسبب في إلحاق ضرر في الأنفس والممتلكات . السعودية .. حالة احتقان تؤكد دوائر المعارضين السعوديين أن هناك توقعات ربما في وقت لاحق بمشاركة الآلاف من المواطنين في تظاهرات لاحقة أو مرتقبة في الرياض ومحافظات المنطقة الشرقية، للمطالبة بوضع حد للفساد في المملكة ، وربما في حالة الضرورة أن تصل إلي المطالبة بإقصاء آل سعود عن الحكم . في الوقت نفسه ، تري جماعات من المثقفين السعوديين من ذوي التوجهات الليبرالية أنه في حال تعامل السلطات السعودية بطريقة إيجابية مع مطالب المواطنين ، فإنه يمكن إلي حد كبير طمأنة الجمهور، وتخفيف حدة الاحتقانات الاجتماعية التي تغذي مشاعر غضب ، تؤدي إلي احتجاجات شعبية. وتقول دوائر المعارضين إن الملك عبد الله (87 سنة) منذ أتي إلي الحكم في 2005 حاول إجراء بعض الإصلاحات ، لكنه لم ينفذ شيئا لتغيير ركائز الحكم الملكي المطلق في السعودية، وقد تقدمت المعارضة والمثقفون بعدة مطالب إصلاحية لم يتم الالتفات إليها، وآخرها ثلاثة التماسات، وقعها أكثر من ألف شخص للمطالبة بالشفافية بشأن الانفاق الحكومي، وفرض قيود علي الدور المهيمن الذي تلعبه أسرة آل سعود في الحكم والسياسة، كما تتناول المطالبات عموما المطالبة بالملكية الدستورية، وإلغاء المباحث السياسية ، ومكافحة الفساد ، والسماح بحرية الصحافة، وإلغاء الرسوم والضرائب غير المبررة ، وفرض الحد الأدني للأجور بحيث يضمن 10 آلاف ريال لكل موظف في القطاع الخاص والعام، وحل
مشكلة البطالة التي وصلت إلي أكثر من 10 % . كما تضمنت المطالب : إعادة بناء القوات المسلحة تدريبا وتسليحا ، وهناك شبه إجماع علي مطالب أخري بأن يكون الحاكم وأعضاء مجلس الشوري منتخبين من قبل الشعب ،وأن يكون القضاء مستقلا استقلالا كاملا ، وأن يخضع للقانون جميع المواطنين ، وفي جميع المجالات، وإصلاح وضع العلماء، وإلغاء كل القيود غير الشرعية علي المرأة. ويبدو التوجه العام أن السعوديين يضغطون من أجل الحصول علي مساحات أكبر للتعبير عن الرأي ، وإجراء انتخابات لاختيار المسئولين في جميع المستويات، وإجراء تغييرات سياسية حقيقية داخل النظام السياسي السعودي . وقد لا يكون المعارضون يخططون لاندلاع ثورة في السعودية، لكن من المؤكد أن الضغوط الاجتماعية تبدو متزايدة للدفع في طريق التغيير، ولكن في المقابل لاتبدو دوائر الحكم والسلطة عازمة علي السير في طريق الإصلاحات الحقيقية والتهدئة ، فقد تم اعتقال 16 شخصا في محافظة القطيف في الشرق، علي خلفية مشاركتهم في مظاهرة طالبت بالإفراج عن 9 معتقلين سجناء ينتمون إلي الطائفة الشيعية اعتقلوا في عام 1996 . وقد أصدر مؤخرا 35 مثقفا سعوديا منهم حقوقيون وأدباء وكتاب وإعلاميون ، بيانا يتهمون فيه أمير إمارة الدمام بتدبير إجراءات إهانة نساء وأهالي السجناء التسعة الذين يطالبون بإطلاق سراحهم ، حيث طلب منهم الأمير بدلا من التظاهرات (التي تأتي بنتائج عكسية علي حد تعبيره) التقدم " باسترحام " للأمير والمقام السامي، وأدان البيان ما وصفه بالقسوة وانتهاكات الكرامة الإنسانية لنساء مواطنات ، يطالبن وبطريقة سلمية وحضارية بمطالب مشروعة ، وطالب باحترام حق المواطنين في التظاهر السلمي وفقا للشرائع الدولية ، وعدم الالتفاف علي حق التحرك السلمي الذي تمليه المسئولية الوطنية ، وأن تكف السلطات عن محاولات القضاء علي أية رغبة شعبية للمشاركة الفعالة . ويزيد من حالة الاحتقان مراقبة السلطات لوسائل الإعلام ، ومواقع التواصل الاجتماعي ( فيس بوك، تويتر ) ، واحتجاز أية أعداد تتجمع في الشارع ولو بالعشرات ، واعتقال عدد من الكتاب والناشطين ، كما يتم مراقبة الشيعة تحديدا خاصة بعد اندلاع احتجاجات البحرين التي يطالب فيها الشيعة بإصلاحات ديمقراطية، وإذا كان من الصعب تقدير حجم المعارضة التي تستعد للمشاركة في التظاهرات ، غير أنه تجدر ملاحظة أن 60 % من السعوديين (27 مليون نسمة) هم من الشباب تحت سن 30 سنة ، وقد نشأوا في عصر ثورة المعلومات والانترنت والفيس بوك ، وقد ارتفعت لديهم مؤشرات الوعي الاجتماعي والسياسي، ولايعتبرون أنفسهم استثناء من إخوانهم وأقرانهم في المنطقة ، وحسب وصف شابة سعودية " نحن مثلهم ، ومتعلمون ، ومترابطون ، وغاضبون". ويعلق محلل سياسي سعودي علي الموقف العام بقوله " إن العاهل السعودي قرر في الآونة الراهنة إنفاق 37 مليار دولار ، هبة للسعوديين ، في محاولة لعزل المملكة عن الاحتجاجات الشعبية في المنطقة ، ولكن النشطاء يريدون ماهو أكثر من ذلك " . وفي المجمل ، فإن المملكة التي تحظر الاحتجاجات والأحزاب السياسية ومظاهر المعارضة ، تشهد ارهاصات التغيير ، وهناك ثلاثة تجمعات سكانية رئيسية يمكن أن تشهد احتجاجات وهي الرياض (4 ملايين نسمة) و جدة ( 2 مليون نسمة ) والتجمعات الشيعية في الشرق (10 % من السكان) ، وقد بدأت ثقافة الاحتجاجات تجد طريقها للمملكة ، فقد اعتصمت 40 امرأة سعودية في الشرق، وفي الشهر الماضي اعتصم 250 جامعيا في الرياض طلبا لفرص العمل، وقد وافق 32 ألف مشارك علي الفيس بوك علي الدعوة الاحتجاجية. قضايا سعودية يقوم الخطاب السعودي (الرسمي) علي ترسيخ فكرة خصوصية الدولة والنظام والمجتمع في السعودية ، والإقرار بأن المملكة ليست كغيرها من الدول ، سواء علي المستوي العربي ، أو بالمقارنة مع دول العالم الخارجي . ويرتكز جوهر هذه الفكرة علي طهورية ومثالية النظام السياسي السعودي ، وكونه نموذجا فريدا ونادرا في الحكم ، ويمتلك أدواته المثلي والاستثنائية لتحقيق العدل والحق والحفاظ علي هوية الأمة ، فالسعودية من وجهة النظر الرسمية " دولة متفردة " و " محصنة " فهي تطبق الشريعة الإسلامية ، وهي النموذج الصحيح للدولة الإسلامية ، أو جنة المسلمين ، وبالتالي فإن شعب السعودية ليس لديهم أية أسباب للشكوي أو التظلم أو " الثورة ضد الحكام " ، ومن ثمة فقد استبعد حكام السعودية وصول الاحتجاجات الشعبية لبلادهم مطلقا . وهنا يذكر أنه منذ اندلاع ثورة تونس ، فإن كل الدول العربية استبعد حكامها وصول العدوي إليهم . فقد تردد أن مصر مختلفة ، ثم سقط مبارك ، وقال القذافي ان ليبيا مختلفة ، واندلعت ضده معارضة شعبية عاتية ، وهاهي السعودية تقول بدورها " إنها مختلفة ". غير أن هذا الخطاب ، وما يستند إليه من آليات " الشرعية " التي تستلهم امتلاك " حقيقة " نهائية ، لاتقبل المراجعة ، يواجه حاليا متغيرات تستهدف مباشرة ثوابت وأسس النظام السياسي السعودي في المملكة ، كما رسمه مؤسسوه ، وكما يستمر في الحفاظ عليه وصيانته حكامه الحاليون ، وذلك علي الوجه التالي : 1 - تقدمت مجموعة من دعاة المجتمع المدني وحقوق الإنسان في السعودية بمطالبات سياسية للحد من دور الأسرة الحاكمة ، وبما يعني تغييرا جذريا في أسس النظام السياسي السعودي، ومن الأفكار الرئيسية في هذا الصدد ، أن يكون مفهوم البيعة مبنيا علي الانتخاب ، وطبقا لدستور مكتوب ، وأن يكون رئيس الوزراء من الشعب وليس من الأسرة الحاكمة ، وأن يتم تعيينه بإجراء دستوري ، وأن تطبق مقاييس استقلال القضاء ديمقراطيا ، وأن تقبل الأسرة الحاكمة مبدأ تداول السلطة ، والمراقبة ، والمحاسبة ، والمساءلة ، والمقاضاة ، وأن يكون حكام المناطق وأعضاء مجلس الشوري منتخبين ، وأن يتم فعليا الفصل بين السلطات الثلاث تنفيذية وتشريعية وقضائية، وهذه المطالب ترتكز علي رؤية ناشطين وحقوقيين سعوديين يرتبون للانتظام في صفوف "تيار وطني " يري مستقبل الدولة السعودية كدولة " مدنية " ترتكز علي القانون والدستور ومبدأ المواطنة. 2- هناك توجه عام لتأطير المطالب الإصلاحية في السعودية تحت عنوان رئيسي هو " الملكية الدستورية " . ويلاحظ أن عددا من أفراد العائلة الحاكمة ومنهم الأمير طلال بن عبد العزيز وشخصيات أخري بدأت تتبني هذا المطلب ، بحيث تتردد حاليا مقولة " الحكومة الدستورية " ويقترب هذا المطلب من اعتباره مطلبا شعبيا عاما ، ويجري الحديث عنه في وسائل الإعلام ، ويجري حوله نقاش مجتمعي ، في ظل مناخ عام يبدو فيه تقلص نفوذ الرموز الدينية المتشددة . 3 - تقدم عدد من النشطاء الإسلاميين بطلب للجهات المسئولة من أجل الاعتراف ب "حزب إسلامي " في المملكة ، تماشيا مع مستجدات العصر ، وتواكبا مع الحراك المدني في المنطقة ، وانتقال فكرة المطالب الديمقراطية . وبموازاة ذلك ، جري حراك آخر بين عدد من المثقفين لإنشاء حزب سياسي مدني ، أسوة بما تقدمت به محموعة الإسلاميين ، الأمر الذي وصفه البعض بأن نخبة الحكم في السعودية باتت الآن تواجه المطالب الإصلاحية السياسية من كل حدب وصوب نتيجة الحراك السياسي في المنطقة. 4 - في هذه المرحلة ، يرتفع سقف المطالب السياسية لدي السعوديين ، والتوقعات بألا تتأخر السلطة السياسية في الاستجابة لمطالب الإصلاح السياسي حتي لايزداد الاحتقان علي خلفية المطالب السياسية . ويؤكد ناشطون حقوقيون وشباب الانترنت أنهم ينظمون حملة لتسويق مفاهيم مثل : سلطة الأمة ، والانتخابات ، ومحاسبة الحكومة ، وحق التظاهر والاعتصام ، وكسر حاجز الخوف ، وذلك في محاولة لترويض السلطة وجعلها تستوعب وتتعود سماع هذه المفاهيم والمطالب . ويؤكد محلل سياسي سعودي أن حالة من الاعتزاز بالمواطنة أخذت تنتشر بين السعوديين في سياق يشكك كثيرا في ادعاءات الهدوء والاستقرار السياسي والاجتماعي الاستثنائي، الذي تروج له السلطة ، وهناك روح جديدة لدي السعوديين تتوخي إخراجهم من مجرد كونهم " رعية ". 5 - يواجه النظام السياسي السعودي ظاهرتين متزامنتين ، فمن ناحية يتساقط من حوله رؤساء عرب ، كانوا في عداد الحلفاء (مبارك) ومن ناحية ثانية ، لم يعد ممكنا أن يعتمد النظام السعودي علي الدعم الأمريكي الذي طالما سانده ، حيث غيرت واشنطن نفسها من استراتيجيتها ، حيث باتت تدعم حقوق الشعوب وطموحاتها الديمقراطية ( علي الأقل في حدود سياستها المعلنة ) . السعودية / أمريكا .. علاقة خاصة في تصريح محدد أدلي به المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في 8/3/2011 جاء فيه أن الولايات المتحدة تدعم مجموعة من الحقوق العامة، بما في ذلك الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير ، وأنه يجب احترام هذه الحقوق ، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ، فيما يبدو أنه يقصد ما يجري في المملكة تحديدا . ويلاحظ أن واشنطن ، كثفت انخراطها مؤخرا في منطقة الخليج ، وتكررت تصريحات مسئولين أمريكيين بأن التجمع السلمي هو حق عالمي ، فيما وصف بأنه ( مبدأ أوباما / أو عقيدة أوباما ) وأنه يجب احترامه ، حتي في بلد يزعم أن له وضعا خاصا كبلد إسلامي مثل السعودية . في الوقت نفسه ، وفي غضون شهر فبراير ، شهدت منطقة الخليج زيارتين مهمتين لمسئولين كبيرين في الإدارة الأمريكية وهما: رئيس أركان الجيوش الأمريكية المشتركة في الخليج مايكل مولن ، ومساعد وزيرة الخارجية الأمريكية جيفري فيلتمان ، فيما فهم علي أنه نوع من السياسة الأمريكية المزدوجة بين كونها من جهة تعلن دعمها للإصلاح ، واحترام الحقوق المدنية لمن يقومون بالاحتجاجات الشعبية من ناحية ، ومن ناحية أخري ، طمأنة حلفائها ، وتجديد التزاماتها تجاه حلفائها في الشرق الأوسط . ويذكر هنا أن السعودية كانت قد وجهت انتقادات للرئيس أوباما بدعوي أنه تخلي عن حليفه مبارك. ولايخفي مسئولون أمريكيون مشاعر القلق الخاصة تجاه تطورات الموقف الداخلي في السعودية ، فليست المملكة بالنسبة إليهم مثل تونس، أو مصر، أو ليبيا ، فالسعودية هي المنتج الأكبر للنفط في العالم ، ومركز أكبر احتياطي عالمي للسلعة الاستراتيجية الأولي التي تعتبرها أمريكا تحت وصايتها المباشرة في جميع أنحاء العالم ، وأينما كانت . وبناء علي ذلك فالسعودية هي حليف وصديق للولايات المتحدة من المستحيل التضحية به أو الاستغناء عنه ، أو التهاون بشأنه، لكن يبدو أن " سحابة صيف " قد تكتنف هذه العلاقات ، حيث جاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل قاطعة وحاسمة وقوية عندما رفض أية تدخلات في الشئون الداخلية للمملكة، وأية بادرة لوجود إصبع خارجي للتأثير في مجريات الأمور الداخلية ، ومواجهة أية محاولة للتظاهر أو الاعتصامات بالقوة مهما كانت حدودها.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.