سادت حالة من الارتباك في اسرائيل عقب الاعلان عن تخلي الرئيس حسني مبارك عن منصبه، بعد ان كان شعور بالهدوء النسبي قد ساد بسبب تراجع حدة المواقف الدولية التي كانت تطالب مبارك بالرحيل، وهو الشعور الذي تحول بعد ذلك الي مخاوف اسرائيلية من تحول مصر الي جمهورية اسلامية علي غرار النموذج الايراني، فور اعلان رحيل مبارك. وتراجع القلق الاسرائيلي عقب اعلان المجلس الاعلي للقوات المسلحة المصرية بان مصر ملتزمة بالاتفاقيات الدولية السابقة، بما يتضمن ذلك معاهدة كامب ديفيد المبرمة مع اسرائيل. ويقول المقربون من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو انه يأمل ان تتحول مصر الي النموذج التركي، بما يتيح الحفاظ علي العلاقات الدبلوماسية بين مصر واسرائيل، واستمرار فتح السفارتين وقيام العلاقات الاقتصادية، مع اقتصار التوتر علي توجيه الانتقادات العنيفة الي تل ابيب بسبب سلوك الاسرائيليين مع الفلسطينيين. وفي صحيفة هآرتس الاسرائيلية كتب المحلل الاسرائيلي الوف بن قائلا إن مصر كانت دولة محورية في المحور السني الذي اصطف الي جانب الولاياتالمتحدةالامريكية واسرائيل لمواجهة الرئيس الايراني احمدي نجاد. واوضح بن ان اغلب الاسرائيليين ولدوا اثناء رئاسة مبارك لمصر، ولم يعرفوا واقعا آخر غير الاستقرار، الذي تميز به عهده طوال 30 عاما. وقال إن مبارك كان يتقاسم المخاوف مع نتنياهو بشأن تزايد قوة ايران في المنطقة، ورغم اعتقاده ان مخطط الهجوم الاسرائيلي علي المنشآت النووية الايرانية قد تراجع بعد رحيل مبارك عن المشهد السياسي، لكن المحلل الاسرائيلي لا يعتقد ان المنطق الاستراتيجي القائم علي التصدي للنفوذ الايراني بالمنطقة، خاصة بعد ما ابداه المتظاهرون المصريين من تمسك واعتزاز بالقومية المصرية، بعيدا عن النموذج الايراني. في حين قال الكاتب الحقوقي الاسرائيلي جدعون ليفي، في مقال بالصحيفة تحت عنوان "مبروك يا مصر"، إن خبر نجاح الثورة المصرية كان خبرا طيبا لا لمصر وحدها، بل للعالم كله، بما فيه اسرائيل. واضاف ان الثورة المصرية التي وصفها بالمدهشة، اثبتت ان مصر قادرة علي الاطاحة بالطغاة، ولو عبر وسائل سلمية. وقال جدعون ان هذه الثورة جاءت لتحطم كل الصور والقوالب التقليدية السيئة التي وضعها الغرب واسرائيل للمصريين، مؤكدا ان الثورة اثبتت ان الشعب المصري غير عنيف، وغير مسلح، وان القاهرة ليست بغداد، وان الجيش المصري اثبت انه حكيم وغير متهور، ويتفهم حدود القوة التي ينبغي استخدامها في مختلف القوة، وانه لا يسارع الي ضغط الزناد، وانه خلافا لكثير من جيوش المنطقة، ابدي تفهما وعزيمة وحساسية. واضاف ان ثورة 25 يناير اثبتت ان الشباب المصري لديه وعي كبير، وليس كما يتم تصويره في اسرائيل لا هم له سوي الفول والطعمية ومشاهدة الافلام المصرية والبحث عن "البقشيش"، فضلا عن انهم اثبتوا كذب الادعاءات التي تكررها الحكومات ووسائل الاعلام الاسرائيلية عن ان العداء المصري لاسرائيل هو الشغل الشاغل للمصريين. ويقول: "لقد تبين ان مصر في الحقيقة ليست كما اعتقدنا!". ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن فترة من عدم الاستقرار سوف تسود المنطقة، وأن ذلك يتطلب متابعة جذرية للتغيرات الجارية، مع توقعات بعدم حدوث أية "هزات" مقابل إسرائيل علي المدي القصير. وتتحدث الأجهزة الأمنية عما أسمته "رياح سلبية" تهب من دول الجوار، وأن "الرسالة الرئيسية هي عدم الاستقرار، وعدم الوضوح بشأن ما سيحصل، وأن الأمر يتطلب الرد المناسب". وأضافت المصادر أن التقديرات الإسرائيلية السائدة تشير إلي أن "الأحداث في مصر قد تخلق مستقبلا جبهة أخري أمام الأجهزة الأمنية اذا وصلت عناصر متطرفة إلي الحكم". وكشفت الصحيفة الاسرائيلية عن وجود خطة معدة سلفا في ادراج الأجهزة الأمنية، تم وضعها في السنوات الأخيرة لليوم الذي يلي عهد حسني مبارك.. وذكرت الصحيفة أنه حتي اللحظة لم يعزز الجيش الإسرائيلي قواته علي الحدود الجنوبية مع مصر، إلا أن مصادر أمنية قالت إن الأيام القادمة ستكون حساسة جدا، وستشهد اتخاذ خطوات نوعية بموجب التطورات. من جانبه دعا المحلل الاسرائيلي يوئيل ماركوس في صحيفة هآرتس تحت عنوان "لا تبحثوا عن هامان" الي ان تسارع اسرائيل الي ابرام معاهدات السلام مع الفلسطينيين وسوريا، حتي لا نثير غضب من حولنا، وحتي يعود الاستقرار الي المنطقة مجددا، واولها في مصر، بما يمثل مصلحة اسرائيلية ايضا. واعربت مصادر اسرائيلية عن مخاوفها من تطور الاوضاع علي الجانب المصري، بعد رحيل الرئيس مبارك عن السلطة، حيث اشارت مصادر عسكرية الي عدم وجود قوات اسرائيلية مناسبة للقتال في صحراء سيناء، وان اسرائيل تعاني من نقص في المعلومات الاستخباراتية عن قادة الجيش المصري الذين يديرون البلاد الآن. واوضحت المصادر نفسها ان الجيش الاسرائيلي تدرب وبات مستعدا لخوض حروب ضد ايران وسوريا وحزب الله اللبناني، لكن لا توجد في الجيش الاسرائيلي الان وحدات جاهزة للقتال في صحراء سيناء. تعليقات تفاوتت تعليقات الاسرائيليين علي تسارع الاحداث في مصر ونجاح ثورة 25 يناير، فقال احدهم ان العالم العربي كله يضج بالثورات، ما عدا الفلسطينيين والسوريين ما زالوا نائمين علي آذانهم، وطالبهم بالانتفاض، قائلا: "انه زمان الثورة، انهضوا واطيحوا بقادتكم الطغاة الفاسدين الذين يمنعون تحقيق أي سلام مع اسرائيل ويشكلون عقبة امام تحسن احوالكم الاقتصادية.. ماذا تنتظرون؟ ومم تخافون؟ امامكم الان فرصة للتغيير". وقال آخر انه يتوجب الانتظار وعدم ابرام اتفاقيات سلام مع ابو مازن او الرئيس السوري بشار الاسد، وان اسرائيل عليها ان تنتظر اجراء انتخابات ديمقراطية في سوريا وفلسطين، حتي يتم ابرام اتفاقات سلام مع انظمة تمثل الشعوب فعلا، لان الشعوب لا تتغير، بينما الحكام يتغيرون! وقالت اخري، اهني الشعب المصري بانضمامه الي اسرة الديمقراطية والشعوب الحرة. وقال آخر: فليحفظنا الله من العرب، ويحفظ العرب من انفسهم، فسوف تسفر كل هذه الضجة عن وجود نظام حكم اسلامي في مصر، يقمع الشعب المصري نفسه. وايدته اسرائيلية اخري قائلة: استعدوا لمصر الاسلامية تحت الرعاية الايرانية، ويؤسفني اني اقول اني لا اؤمن بامكانية وجود ديمقراطية في مصر أو في أي دولة عربية اخري، فالوضع يؤدي الي صعود الاخوان المسلمين الي سدة الحكم، بما يعني انتهاء العلاقات الغربية مع مصر. وفي النهاية ينبغي القول: رحل مبارك، وتبقي مصر، ودقت ساعة العمل لبناء الجمهورية المصرية "الثانية"، بروح جديدة وقيم جديدة تحمل روح التغيير للجميع، التغيير للأفضل بطبيعة الحال.. ومن يشكك في ذلك، يكفيه النظر الي بريق الامل في عيون الشباب والكبار، بانتظار مستقبل أفضل.