ينتظر البرلمانيون الكويتيون غداً نتيجة التصويت علي قرار بعدم التعاون مع رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح الذي دعا إليه عشرة من النواب بعد استجواب الأخير علي خلفية اتهامات موجهة إليه بخرق الدستور والتضييق علي الحريات بعد قيام عناصر من قوات الأمن الكويتية بضرب عدد من النواب خلال تجمع عام غرب العاصمة الكويت في الثامن من ديسمبر الماضي مما تسبب في إصابة 14 شخصاً من بينهم أربعة نواب. وكان طلب الاستجواب قد تقدم به النواب مسلم البراك وجمعان الحربش وصالح الملا، وهم يمثلون الكتل المعارضة الثلاث الرئيسية في البرلمان ويحظون بدعم 17 نائباً من أصل 50 نائبا منتخبا. احتجاجات المعارضة وفي حال قبول قرار عدم التعاون مع رئيس الوزراء إذا تمكن نواب المعارضة من جمع خمسة و عشرين نائباً سيتعين التصويت علي الثقة بالحكومة منتصف الشهر الجاري مما سيثير أزمة سياسية جديدة في البلاد. ويمثل النواب تيارات المعارضة الرئيسية في الكويت ممثلين بكتلة التنمية والإصلاح الإسلامية وكتلة العمل الوطني الليبرالية وكتلة العمل الشعبي المعارضة. يذكر أن هذه التكتلات لا تمثل أحزاباً نظراً لكون الأحزاب السياسية محظورة في الكويت. ويعد التجمع الذي تعرض فيه النواب للضرب بالهراوات التجمع الثاني من نوعه في إطار احتجاجات المعارضة ضد مشروع الحكومة لتعديل دستور عام 1962 الذي تبني الديمقراطية البرلمانية كنظام سياسي للبلاد. واتهمت المعارضة الحكومة بتقويض القانون و قمع الحريات والديمقراطية. وسبق هذا الاحتجاج تجمعا آخر عندما ألقي الأكاديمي الكويتي عبيد الوسمي كلمة تدين ممارسات الحكومة وتدعو إلي إنهاء قمع الحريات فتم القبض عليه حيث يمثل حتي الآن للمحاكمة بتهمة بث أخبار كاذبة تسيء للكويت والمشاركة في تجمهر غير مرخص به والتطاول علي الذات الأميرية. وكانت محكمة كويتية قد قررت مؤخراً تجديد حبسه حتي جلسة 17 يناير التي ربما تكون عقوبته في حال تمت إدانته بالسجن لمدة خمس سنوات. وكانت الحكومة مؤخراً قد دخلت في حرب مع المعارضة، وأغلقت مكتب قناة تليفزيون الجزيرة القطري بتهمة التدخل في الشئون الداخلية للكويت وانتهاك حظر علي التغطية غير أن القناة أعلنت أنها أغلقت بسبب بث برنامج استضاف نائب المعارضة مسلم البراك علي الرغم من تحذيرات وزارة الإعلام الكويتية. سرية جلسة الاستجواب وشهدت جلسة استجواب رئيس الوزراء اغلاق المنطقة المحيطة بالبرلمان وفرض القوات الخاصة وقوات مكافحة الشغب طوقاً أمنياً حوله انتقده العديد من النواب الذين وصفوا الوضع بأنه إرهاب و خرق للدستور خاصة بعد أن تحولت جلسة الاستجواب من جلسة علنية إلي جلسة مغلقة بعد أن طلب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء روضان الروضان سرية الجلسة وفقاً للمادة 94 مما جعل رئيس البرلمان جاسم الخرافي يعرض الأمر للتصويت فجاءت الموافقة علي سرية الجلسة ب 36 صوتاً مقابل 27 صوتاً رافضاً للسرية. واستند النواب المعارضون للتواجد الأمني المكثف حول مبني البرلمان علي المادة 118 من الدستور التي تنص في الفقرة الثانية منها أنه "لايجوز لأي قوة مسلحة أخري، بخلاف حرس المجلس، دخول المجلس أو الاستقرار علي مقربة من أبوابه إلا بطلب رئيسه". وأثارت سرية الجلسة حنقاً جماهيرياً حيث نظم تجمع القوي الطلابية وقفة بعنوان "دستورنا كرامتنا" حضرها عدد من نواب مجلس الأمة والناشطون السياسيون و18 قائمة طلابية من جامعة الكويت ومن مؤسسات جامعية أخري كالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب وجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا، وذلك في ساحة كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت. وانتقد نواب المعارضة خلال الوقفة فشل الحكومة في مهامها في مجالات التنمية والصحة والتعليم والحد من البطالة. وأشار الأمين العام لقوي 11/11 فيصل الطويح إلي ان الحكومة ترغب في تكميم أفواه الشعب وحجب المعلومات عنهم. آليات تقويض الديمقراطية ويتألف برلمان الكويت من 50 نائباً وتتألف الحكومة من 16 وزيراً من بينهم 15 غير منتخبين، ويصبحون تلقائياً أعضاء في البرلمان يتمتعون بحقوق التصويت نفسها التي يتمتع بها النواب المنتخبون. وتعد هذه السمة أهم سمات الأزمات السياسية التي تشهدها الكويت خلال السنوات الخمس الماضية مما دفع بأمير البلاد إلي حل البرلمان ثلاث مرات في الوقت الذي استقالت فيه الحكومة خمس مرات. وبحسب القانون الكويتي يمكن لأمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح إذا ما سحب النواب الثقة عن رئيس الوزراء أن يشكل حكومة جديدة أو يحل البرلمان ويدعو إلي انتخابات برلمانية مبكرة. يذكر أن الشيخ ناصر المحمد الصباح قد عين رئيساً للوزراء للمرة الأولي في فبراير 2006، وألف منذ ذلك الوقت أربع حكومات وأجري تعديلين حكوميين رئيسيين نتيجة لخلافات مع أعضاء البرلمان، وتم استجواب 12 وزيراً علي الأقل من وزرائه خلال تلك الفترة. علي الرغم من أن التجربة الديمقراطية في الكويت بدأت فعلياً مع وضع الدستور عام 1962، إلا أن الممارسات السائدة علي أرض الواقع تشير إلي غياب النمو الطبيعي لهذه العملية في مجتمع يفتقد إلي الثقافة الممهدة للديمقراطية وتتضارب فيه صلاحيات كل من السلطة التشريعية و التنفيذية وتغيب فيه الأحزاب السياسية. و بداية يتساءل البعض عما إذا كانت الديمقراطية في الكويت جاءت كتطور طبيعي للمتطلبات السياسية أم كشكل فرض من قبل الطبقتين الحاكمة والتجارية اللتين مثلتا النخبة المؤثرة منذ نشأة الكويت في منتصف القرن الثامن عشر إلي نهاية القرن التاسع عشر عندما انفرد آل الصباح بالحكم. وأدي الصراع بين الطبقتين إلي التوصل إلي ضرورة إيجاد مجلس شوري وهو الذي تأسس عام 1921، وتلت تلك الفترة محاولات لتأسيس مجلس تشريعي ووضع دستور اكتملت بعد الاستقلال. أزمات متكررة إن المسار الديمقراطي في الكويت تعرض لأزمات متكررة منذ بدايته منها مثلاً تزوير انتخابات 1967 و حل مجلس الأمة وتعليق الدستور في الفترة من عام 76 إلي 80، ثم في الفترة من 86 إلي 92، ومنذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، أعادت الأسرة الحاكمة العمل بالدستور، للتأكيد علي شرعيتها في مواجهة الاحتلال وقتها، لتبدأ بعدها صفحة جديدة مع المسيرة الديمقراطية التي دفعتها إلي اعتماد قرارات حل البرلمان بشكل دستوري مع الدعوة لعقد انتخابات مبكرة، وهو ما تم في الأعوام 1999 و2006 و2008 . تتمثل عوامل الأزمات السياسية المتكررة في عدة أمور أهمها بنود وثيقة الدستور التي تقلص هامش الديمقراطية إعطاء صلاحيات متناهية للأمير وبعدم وضع قانون خاص وواضح بتأسيس الأحزاب السياسية. هناك أيضاً عامل تكوين مجلس النواب الذي يمثل 16 نائباً فيه أفراد الحكومة المعينين وليس المنتخبين هذا بالإضافة إلي التكوين القبلي لمعظم أعضائه المنتخبين إلي جانب هامش من المعارضة غير الحزبية. هذا التكوين بطبيعته يحتوي علي عنصر أزمة متكرر يجعل من الديمقراطية البرلمانية ديمقراطية شكلية من ناحية،و يجعل نواب المعارضة يسيئون فهم حدود مهام المجلس التشريعي الديمقراطية من ناحية أخري. فما كان سيمارس من معارضة حزبية بات لا يجد له منفذا إلا من خلال استشكاليات الاستجوابات المتكررة التي يطالب بها النواب المعارضون. الوجه الآخر للأزمة الديمقراطية في الكويت يتمثل في تراجع دور التيار الليبرالي التقدمي منذ السبعينات مقابل الدور المتزايد للتيار الإسلامي الذي بدوره شهد تراجعا لدور جماعة الإخوان المسلمين المؤسسة للتيار الإسلامي مقابل السلفيين. تزايد دور التيار السلفي داخل المجلس النيابي الكويتي نقل الدور التشريعي للمجلس إلي حالة من التخبط والاصطدام الدائم مع حدوده التشريعية وتجاوزها إلي التدخل في صلاحيات السلطة التنفيذية. كما شهد تزايد التيار السلفي تراجعاً للحريات المدنية ومنع الاحتفالات والمطالبة بمنع دخول المرأة البرلمان. كما تسبب تزايد التيار السلفي أيضاً في العديد من الصدامات مع التيار الليبرالي علي العديد من الأصعدة منها مثلاً مطالبة السلفيين بتعديل القوانين الجنائية بما يضعها تحت مظلة الشريعة الإسلامية تطبيقاً، و هو المشروع الذي قدمه النائبان الإسلاميان الدكتور وليد الطبطبائي ومخلد العازمي عام 2001، وعلي الرغم من تراجع التيار الإسلامي في الانتخابات الأخيرة، فإن هذا التيار متواجد عن طريق تحالفاته القبلية. ومن العوامل الأخري المهمة في الأزمة البرلمانية المتكررة مسألة الجمع بين ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء كأحد تقاليد الحياة السياسية في الكويت، و هو التقليد الذي لا يستند إلي نصوص دستورية و يحد من الدور الرقابي لمجلس الأمة علي رئيس الحكومة، عندما يكون رئيس الحكومة هو شخص ولي العهد. الديمقراطية البرلمانية في الكويت التي بدأت منذ اعتماد دستور 1962 وشهدت 12 برلماناً منتخباً و25 حكومة تواجه بالفعل أزمة حقيقية لن يكون المخرج لها هو استجواب رئيس الوزراء أو حل البرلمان. هذه الأزمة لها جذور أعمق لابد من اقتلاعها خاصة أن الأزمات باتت تسير في اتجاه أكثر عنفاً.