تم افتتاح بينالي القاهرة الدولي الثاني عشر في مناخ بارد وغير مستقر لذلك اقتصر فيه الحصول علي الفنانين المشاركين بالعرض وموظفي قطاع الفنون التشكيلية وتتكون لجنة التحكيم من 7 أعضاء من إسبانيا واليابان وإيطاليا وهولندا وأمريكا وكوبا ومصر وضيف شرف البينالي الفنان الياباني «يوشيتو موتارا» وتعرض أعماله في قاعة الباب بمتحف الفن المصري الحديث ويشارك في دورة هذا العام 46 دولة عربية وأجنبية باستثناء خمس دول عربية هي اليمن والبحرين وسلطنة عمان وفلسطين والإمارات المتحدة لم تحرص علي المشاركة هذا العام؟ لعل المانع خير؟ وتحتل المرأة مساحة هائلة، حيث تشارك 27 فنانة تشكيلية وبينالي هذا العام يحمل علامة استفهام هي عنوانه الرئيسي مع اختفاء رموز الحركة التشكيلية المصرية سواء بالرحيل أو التقاعد والانزواء فقد كل شيء بهاءه وبالرغم من توجهات بينالي القاهرة الدولي في خلق تفاعل بين فناني العالم وفناني مصر والعالم العربي إلا أنني لم ألمس هذا التفاعل فقط سوي علي مائدة الطعام في فندق شبرد لأضع علامة استفهام أخري: أين هم الفنانون؟ وأين هذا التفاعل؟ وما أوجه هذا التفاعل في ظل هوة سحيقة خلقتها ثقافة العولمة أحادية الجانب فالمشهد البصري المصري بدأ مرحلة من التشتت والانهيار في ظل المؤسسة الثقافية التي تم احتكارها لأهواء البعض دون نظرة شمولية أو دراسة علمية تفرز عوامل الضعف لإنقاذ الأجيال القادمة من براثن العولمة أو مظاهرها ومازلت أكرر أننا مازلنا في مرحلة التلقي والاستبصار للفنون المفاهيمية فلابد من دراستها بشكل علمي بافتتاح أقسام لها في كليات الفنون بمختلف جامعاتها وعندما نلقي نظرة علي السيرة الذاتية للفنانين المشاركين في هذا البينالي نجد أنهم درسوا هذه الفنون في أكاديميات ومعاهد متخصصة حصلوا فيها علي درجات الماجستير مع استكمال دراستها في دول أخري تتيح الاحتكاك الثقافي الحقيقي، حيث الاهتمام بالجانب العملي وتطبيقه مع ممارسة لهذه الثقافة المختلفة والذوبان فيها، أما في مصر فمازال الفنان التشكيلي يجتهد في هذا المجال بشكل ذاتي من خلال الإنترنت دون ممارسة أو تطبيق أو دراسة لتفتقد معظم الأفكار لفترة الكمون الكافية لميلاد أي عمل فني أو مركب، خاصة أن الفن المفاهيمي فن ذو مضمون وهناك الفن التجميعي والكولاج والفن اللاشكلي وفن الجسم وفن الأشياء الملتقطة ونحت الخردة والنحت المتحرك والفن الرخيص وفن الأرض وفي السلعة وفن البوب وفن الحدث وفن التكوينات (الادائية والنشر (البعثرة) - فن الفيديو فن الحزن- الفن الجرافيتي) كل هذه الفنون تحتاج لدراسات وأبحاث في فترات زمنية تكفي لاستيعابها بعمق، فكم فنان يعرف عن هذه الفنون؟ وقد أصبح الزمن يمثل البعد الرابع في العمل الفني مما أدي إلي ظهور نوع آخر من الفن سمي بالفن المتحرك Kinetic art عبارة عن ظهور أشكال تتحرك بفعل محرك في الفراغ وأيضا الأشكال والألوان التي تتكون بفعل الضوء Art Lumina وبما أن الفن أصبح يتدخل في جميع مظاهر الحياة الاجتماعية في الحياة اليومية فليس غريبا أن نجد المطبخ وطهي الطعام أحد أشكاله وتلبية لدعوة الباوهاوس والعودة بالفن إلي المهنة واختراق الآلة والأدوات والأشياء الاستهلاكية التي لم تكتف بدورها في الصناعة بل تحولت إلي موضوع جمالي وهذا مالمسناه في عمل الفنان منير فاطمي من المغرب الحائز علي البينالي عن عمل مركب استخدم فيه فنون النحت والفيديو والتصوير الفوتوغرافي والتصوير الزيتي والرسومات البسيطة، حيث يبدي جرأة في استغلال امكانات هذه الوسائط وخواصها ليثير تساؤلات وإشارات نقدية لاذعة عن سطوة القوة ومظاهر التطرف ويستخدم الفنان مواد تقليدية بالية مثل شرائط الفيديو vhs، وأسلاك الكهرباء وسنون المنشار، وحواجز الخيل الخشبية والفنانة اللبنانية انابيل ضو وتعيش في نيويورك تهتم بموضوع الاغتراب من خلال أفكار بسيطة تستخدم فيها الورق والقلم، ليصبح عنصر الكتابة أساسيا في تدعيم فكرتها عن المكان والعلامات، وناتالي ديوربيرج من السويد وجائزة الفيديو والصلصال المتحرك وصناعة العالم وعودة إلي المحاكاة والكلاسيكية، والفنانة فاليريا كورفينو من مدينة تابولي بإيطاليا ذات التاريخ الفني المدهش وتراثها الرائع المتمثل في الأعمال النحتية التي أنجزها الفنانون الرومان وفن الباروك وهي الأعمال التي أثرت تجربة الفنانة التي تمزج فيها بين الضوء واللون بالألوان الزيتية لتعطي انطباعا بأنها روائع من الزمن القديم. ومن دولة شيلي الفنان (ايفان تافارو) وهو عمل يجمع بين المجسم وعلاقة الضوء والظل من خلال انعكاس الاشكال من خلال المرآة ومسار الزمن في زوايا ثابتة وقد زادت الوسائط التي يستطيع الفنان من خلالها التعبير عن أفكاره مهما كانت درجة تعقيدها بأبسط الأشياء وأرخصها لتصبح مسخا مشوها بلا وطن فتزيد الاختصارات وسلبيات المهارة لتفسح الطريق لكل من تدب في رأسه فكرة فيطلقها دون تأمل أو دراسة فلنسأل معا ذلك السؤال: هل تكفي أو تليق الأعمال المركبة والتجميعية التي أفرزتها الحركة التشكيلية المصرية لانشاء متحف للفنون المفاهيمية والمركبة أو الفنون المعاصرة؟