المعرض الأخير للفنان جورج فكري الذي أقيم بقاعة الزمالك للفن بعنوان «طقوس مصر» قدم خلاله موضوعًا تعبيريًا مباشرًا عما اعتاد من تقديمه لأفكار مفاهيمية.. كما أنه في المعالجة البصرية اختلف عما اعتاد ولا أقصد تناول اللون أو الشخوص أو الملامس لكن ذلك المنظور البصري للرؤية من خلال فكرة الشكل الدائري في إيحاء دورانه أي الدوران حول محيط دائرة متنقلاً بذلك مع عرضه البصري للخطوط والتهشيرات المتشظية التي تميز بها معرضه قبل الأخير بقاعة العرض بالجامعة الأمريكية إلي حالة من لملمة الخطوط والتهشيرات الرأسية إلي الاتجاه الدائري.. أي الدوران حول الشكل أو الذات وكلاهما ساعد عليه فكرة موضوعاته المتسمة بالحركة والالتفاف حول مركز للاحتفالية بين السبوع.. الميلاد.. الزواج.. ليلة الحنة.. والأعياد والموالد. وسأبدأ بالجانب الرمزي لدي الفنان جورج للشكل الدائري الذي يمكن القول إنه تتفرع منه هالة القداسة وأيضًا هو الشكل الدائري المعلق في الفن الأيقوني القبطي. كما أن محيط الدائرة رمز لصورة الأبدية أو رمز اللانهائية وهي رموز تتفق وأبدية موضوعاته من الميلاد.. الزواج.. السبوع.. كما أن الدائرة كرمز سماوي أو سحري لدي كثير من الثقافات وكذلك كحلقات علاجية وتلك الطلاسم التي تشكل أحزمة وأطواق وخواتم أيضًا تتفق وموضوعاته عن الأعياد والموالد والذكر. .. وقد أحسن الفنان اختيار المشهد الدائري الذي يتسق وموضوعاته التي تدفع للحركة والالتفاف الدائري حول مركز وموضوع الاحتفالية. وهناك رمزية اللون الأحمر القرمزي الذي ساد لوحاته وهو لون الدم ولون الخمر.. فإن التضحية الدموية للسيد المسيح ومعصرة الخمر تشكل خلطًا صوفيًا أراه لدي الفنان جورج. وبصريًا أجد فكرة التمركز الجمعي تجاه مركز أو نقطة محورية في مسار محوري لدائرة ربما جعل جانبًا منه مفتوحًا تجاه المشاهد ليشارك.. وربما يعكس هذا التمركز والالتفاف حول نقطة اهتمام من الفنان ليكون مركز اهتمام يلتف حوله الآخرون. وبعدما كان آخر معارضه وما شاهدته من هيمنة فكره المتناهي وخطوط التشظي لأراه في لوحاته الأخيرة يجعل المشهد مفتوحًا يلملم الرؤية تجاه مركز مهتمًا بالرؤية البصرية من تجعيدات للملامس والورق والثخانة مما أعطي احساسًا وأنا أشاهد صور لوحاته وتكبيري لأجزاء صغيرة منزوية منها لأجدها مناطق ثرية غنية كأنه يرسم المادة واللون في كل سنتيمتر في لوحاته التي تبلغ أبعادها المترين وأكثر. وبينما أري شخوص لوحاته في حالة تهجير جماعي تجاه المركز أري حكائية هذا المعرض بعيدًا عن مفاهيميته الأسبق يقدمهما بفرضية مغايرة لتلك الرؤية التقليدية في تصوير الاتجاه الدائري.. فبعض لوحاته نراها وقد التقطها من مساقط أفقية كأنه يشاهد المشهد من أعلي دون مشاركة منه وفي لوحات أخري يري المشهد من اتجاه جانبي كأنه مشارك ويدع فرصة المشاركة للجمهور. وبينما يلملم جورج فكري أوصال شخوصه في شكل تجميعي وقد أصاب حوافهم الخارجية حالة من تشظي الخط وتناثره الموضعي وتهشيراته الشديدة أدركها ليس ناتج هذا التمزيق لحدود أجسادهم وأنما ناتج عن سرعة حركتهم حول محيط دائري مغلق لكنه من فعل ما يعتمل الوجدان من انفعال شديد حتي بدت أوراقه الملونة شديدة الحمرة بدرجاتها القاتمة كأنها ضمادات ملطخة بالدم. ولكن المثير أنه رغم مزحة موضوعاته كاحتفالية إلا أنه باعتماده الالتفاف والاتجاه إلي المركز إلا أن الرائي لا يشاهد فرحًا ولا بهجة وإنما يتلقي بمنطق انكفائي غريب وأحيانًا مرعب خاصة مع وضعية شخوصه في تجاور بشكل وحشي للأجساد واللون مما يجنب العنوان الشعبي الطقوسي ليبرز لنا الحس «الجروتسكي» و«الوحشي» في تلاق يعزز كلا منهما الآخر خاصة مع أسلوبه الخادش لحدود الجسد حتي بدت حدود الأجساد شعثاء عنيفة التواجد كأنهم في طقس سحري غامض أو أن دورانهم سيقودهم تجاه القاع بإيحاء الجو الخانق دون هواء إلا من خارج المحيط الدائري.. أري الفنان جورج استطاع أن يجعل هوية القماشة بأوراقها أكثر أهمية من هوية الموضوع ذاته.. وقبلاً هوية قماشة لوحاته الفكرية أو مسطحات أوراقه الجدارية كان بخطوطها المتشظية المتناثرة تشبه التي تكون عليها برادة الحديد بتأثير مغناطيسي.. الآن هو جمع هذا التشظي الفكري بفعل جمع مغناطيسي تجاه المركز.. مستحضرًا أسماء لمواضيع «طقوس مصر» لأري لوحات جورج الطقوسية نوع من الحنين لهذا الطقس أكثر من استحضار الطقس ذاته.. وحين استحضره وضعه علي هيئة أيقونية تهيمن عليه فكرة الدوران الدائري.