لعل من الأحداث التي شغلت المؤرخين قديما وحديثا «الحرب الصليبية» وما خلفته من أحداث ووقائع، وما تركته من زخم دفع كثيرا من المؤرخين والمهتمين بالتاريخ لتلك المرحلة الفاصلة في العلاقة بين أوروبا الواقعة في ذلك الحين تحت سيطرة السلطة البابوية، والتي سعت من خلال نداء البابا «أوربان الثاني» إلي تأجيج المشاعر الدينية وتوجيهها إلي غزو العالم الإسلامي تحت راية الصليب بحجة تخليص بيت المقدس من أيدي المسلمين مدعيا باعتداء المسلمين علي المقدسات المسيحية، وعلي الحجاج المسيحيين أثناء ذهابهم إلي مدينة بيت المقدس، وعلي أن هذا كان السبب الظاهري لتلك الحروب، بينما حقيقة الأمر شغل شعوب أوروبا عما تعانيه دولهم من أزمات ومشكلات وعما يعانيه الفقراء من استغلال وتفشي الإقطاع الجائر، وعلي إثر ذلك اجتاحت جيوش من أوروبا دولا من العالم الإسلامي واحتلت دولا وإمارات فيما بين الاجتياح مع نهاية القرن الحادي عشر الميلادي وحتي إخراج الصليبيين التام أيام المماليك في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي. وقد ظهرت العديد من الكتب قديما وحديثا شرقا وغربا تؤرخ للحملات الصليبية، سواء كانت بصورة شاملة أو مختصرة. ومن الكتب التي أرخت للحملات الصليبية بصورة موجزة ومختصرة مخطوطة «الإعلام والتبيين في خروج الفرنج الملاعين علي بلاد المسلمين» لأحمد بن علي الحريري والتي عرض فيها للحروب الصليبية من سنة 490ه 690ه ليؤرخ فيها لقرنين من الزمان في إحدي وثلاثين ورقة. وصف المخطوطة المخطوطة نسخة مصورة فوتوغرافيا عن نسخة المكتبة الوطنية بباريس ومحفوظة تحت رقم 2286 تاريخ المكتبة التيمورية كتب بخط مؤلفها، كما أوضح ذلك في نهاية المخطوطة ويبلغ عدد أوراقها 31 ورقة بالغلاف ويبلغ عدد الأسطر في الصفحة الواحدة 13 14 سطرا، وقد كتب المولف علي الغلاف «كتاب الإعلام والتبيين في خروج الفرنج الملاعين علي بلاد المسلمين» تصنيف كاتبه فقير عفو الله تعالي أحمد بن علي الحريري، وكتب المؤلف في نهاية مخطوطته: نجز الكتاب والحمد لله علي يد مصنفه وكاتبه فقير عفو الله تعالي أحمد بن علي الحريري أواخر شوال سنة ست وعشرين وتسعمائة. المؤلف أحمد بن علي الحريري لم نعرف شيئا عن المؤلف سوي ما ذكره هو علي غلاف مخطوطته حيث ذكر اسمه أحمد بن علي الحريري، وما أورده في نهاية المخطوطة التي أوضح فيها أنه كتبها في سنة 926ه والغريب أن هناك مؤلفا آخر يحمل اسم سيد علي الحريري، وله كتاب هو الآخر عن «الحروب الصليبية الأخبار السنية عن الحروب الصليبية» نشرت طبعته الثانية في مصر سنة 1911 في حياة المؤلف، وقد سار فيه علي نهج الحريري «أحمد بن علي» من حيث التأريخ للحروب الصليبية من سنة 490- 690ه، لكنه اختلف عن «أحمد بن علي» في توضيحه للوقائع وشرحه للحوادث بصورة واسعة وشاملة بعض الشيء. وقد وجدت أن د. عادل عبدالحافظ حمزة في كتابه «العلاقات السياسية بين الدولة الأيوبية والامبراطورية المقدسة زمن الحروب الصليبية» قد ذكر من بين المصادر المخطوطة والمطبوعة التي اعتمد عليها مخطوطة «الإعلام والتبيين في خروج الفرنج الملاعين علي بلاد المسلمين»، وهي نفس النسخة التي حققتها والمصورة عن نسخة باريس- وذكر ان الحريري قد توفي في القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي، ويبدو أنه لم يلاحظ ما كتبه المؤلف الحريري بخط يده في نهاية مخطوطته والتي ذكر فيها انتهاء كتابته في أواخر شوال سنة ست وعشرين وتسعمائة، ويبدو أن د. عادل عبدالحافظ قد كتب ذلك اعتماداً علي ان الحريري قد أرخ في مخطوطته للحروب الصليبية من سنة 490ه - إلي سنة 690ه والتي انتهي بالتأريخ فيها نهاية القرن السابع الهجري، وقد رجح د. سهيل زكار بسوريا أن الحريري كان من أهل بلاد الشام، ومعروف أن هذه البلاد تحوي أعداداً كبيرة من الأسر التي تحمل اسم الحريري خاصة في الأجزاء الجنوبية منها، علي حد تعبيره. منهج الحريري وقد حدد الحريري في مخطوطته منهجه حيث أورد انه كتاب مختصر لطيف، يؤرخ فيه للحروب الصليبية من سنة 490 ه حتي سنة 690 ه، وقال في موضع آخر: «وجري في هذه الأيام من الحروب بين المسلمين والفرنج علي بر المنصورة ما يطول شرحه ولا يسع هذا المختصر ذكرها». وقد جرت عادة الحريري في مخطوطته ان يذكر السنة التي يؤرخ فيها مثل قوله في بداية مخطوطته: «وفي سنة تسعين وأربعمائة قدمت الفرنج الملاعيين إلي بلاد الشام» ثم يذكر ما دار بين المسلمين والفرنج من معارك وما احتله الفرنج من مواقع، وما استطاع المسلمون ان يفتحوه من قلاع أو حصون أو بلدان كل ذلك بإيجاز شديد، مع ذكر الحاكم أو الخليفة أو السلطان الموجود خلال تلك الفترة أو خلال المواجهات العسكرية مع الصليبيين والذي يكون دوره واضحاً وجلياً في أحداث تلك المواجهات. وتجدر الإشارة إلي أن الحريري لم يذكر أي مرجع أو كتاب أو مؤلف رجع إليه في عمله أو اعتمد عليه فيما نقله من أحداث وما تناوله من وقائع أو تراجم ووفيات حيث قال في بداية مخطوطته: «قال أصحاب التاريخ»، ولم يذكر أي مؤرخ رجع إليه باستثناء ما قاله داخل المخطوطة وهو يترجم للظاهر بيبرس: «وقد جمع شمس الدين الذهبي سيرته في مجلدين» وبخلاف ذلك فإنه لم يذكر اسم أحد، وكثيراً ما كان الحريري يدمج أحداث أكثر من عام تحت سنة بعينها حتي يخيل للقارئ ان تلك الحادثة قد وقعت خلال العام الذي ذكره في البداية. وكان الحريري يقفز بين السنوات بصورة سريعة فقد أرخ لسنة خمس وعشرين وستمائة في سطرين فقال: «وفي سنة خمس وعشرين وستمائة أقبلت الفرنج في البحر وخرجوا إلي الساحل وملكوا صيدا وكانت مناصفة بيننا وبينهم». ثم دخل مباشرة إلي سنة خمس وأربعين وستمائة وقال: وفي سنة خمس وأربعين وستمائة حاصر الملك الصالح نجم الدين أيوب عسقلان وطبرية، ولا ندري لماذا كتب الحريري ذلك متجاهلا لأحداث ووقائع قد تكون جديرة بعرضها وتأريخها في مخطوطته، ولكن هذا عمله وأسلوبه ومنهجه الذي حدده. وفي أحيان كثيرة كان يكتب عن أحداث سنة بعينها ثم يقول: وفي تلك السنة اعتمادا علي ما ذكره أولا، فنجده قد تجاهل سنوات عدة حتي يخيل للقارئ أن السنة التي ذكرها أولا هي التي يسرد تحتها الأحداث، مثال ذلك قوله: وفي سنة خمس وتسعين وأربعمائة ثم نجده يقول: وفي تلك السنة وأيضا وفي تلك السنة حتي يكتب هو نفسه بعد ذلك وفي سنة إحدي وخمسمائة فيكون قد أدخل سنوات ست وسبعين، وسبع وسبعين تحت أحداث سنة خمس وتسعين وأربعمائة. وقد قام الحريري بالترجمة لبعض مشاهير الأعلام فقط مثل عماد الدين زنكي والسلطان صلاح الدين والملك العادل والملك الظاهر بيبرس.. إلخ، حتي أننا لنلاحظ أنه توسع في بعض هذه التراجم وزاد في التعريف بها علي حساب السرد التاريخي للأحداث، وعلي الرغم مما ذكره هو نفسه عن الإيجاز. تلك خلاصة سريعة لمخطوطة الحريري «الإعلام والتبيين في خروج الفرنج الملاعين علي بلاد المسلمين» ويوجد في تراثنا العربي الكثير والكثير من المخطوطات النادرة والموسوعات المتفردة والتي بحاجة بالغة إلي تحقيقها ونشرها حتي ننتفع بما فيها من معلومات قيمة وشرحها وتيسيرها للأجيال القادمة.