أكتب هذا كمواطن مصري أولاً وكمسيحي ثانياً، ومن وحي الحلقة الخامسة عشرة من مسلسل 'الجماعة' للكاتب الكبير وحيد حامد، فبعد مشهد بدأ بأحد أفراد الجماعة يؤدي الأذان للصلاة تنفيذاً لخطة مرشد الجماعة الأول، جاء مشهد تال يجمع عميد إحدي الكليات وبعض الأساتذة لمناقشة موضوع تخصيص مكان صالح لاستخدامه كمسجد في الكلية، وقد طرح أحدهم فكرة أن 'إخواننا الأقباط قد يطالبون أيضاً بحقهم في كنيسة بالكلية للصلاة فيها'، فكان رد العميد ' إن إخواننا الأقباط يصلون مرة واحدة في الأسبوع يذهبون فيها إلي الكنيسة، بينما إخواننا المسلمين يصلون خمس مرات في اليوم، منها ثلاث صلوات ترد أوقاتها أثناء وجودهم في الكلية مما يتطلب تخصيص مكان للصلاة لهم'. وفي حقيقة الأمر فإن هذه الجملة أو بالحري الفكرة فيما يختص بالأقباط أو بالأحري بالمسيحيين قد جانبها الصواب شكلاً وموضوعاً، الأمر الذي يبرز أهمية وإظهار حقائق مفقودة أو غائبة ليعرف بعض إخواننا في الوطن ولا سيما متخذو القرار منهم ما قد يجهلونه عن أخوانهم في الوطن، مما يؤدي إلي اتخاذ قرارات أو شيوع أفكار وتصرفات مبنية عن غير ذي علم. ففي حالتنا هذه وجب التعريف بالصلاة وأوقاتها في المسيحية، وهذا ما نوضحه فيما يلي: الصلاة هي الحياة باديء ذي بدء فإنه يمكن القول إن الصلاة هي حياة المسيحي وكل مؤمن، فقد جاء علي لسان داود النبي في المزمور التاسع بعد المائة، العدد الرابع 'أما أنا فصلاة'، فالصلاة في الأساس هي صلة بين الإنسان والله، وهذه الصلة هي حياة الإنسان المسيحي المؤمن الحق، والذي لا يمكنه الحياة دون هذه الصلة المستمرة مع الله. فالصلاة بتعبير أخر هي علاقة وشركة مستمرة مع الله. كما أن الصلاة هي التعبير الطبيعي عن شعور الإنسان نحو خالقه، فهي بمثابة حديث مع الله، يناجي فيها الإنسان خالقه، فيشكره في حالات الفرح، ويستغيث به في وقت الضيق، ويحمده علي بركاته وجوده في كل الأوقات، يسبحه ويمجد اسمه دائماً. ومهما كان الهدف من تأدية الصلاة، سواء للشكر أو التسبيح أو الاستغاثة، فالمقصود أن يكون الإنسان في شركة روحية دائمة مع الله. وفي واقع الأمر فإن الإنسان يستطيع أن يصلي في كل زمان ومكان، ومن الضروري أن يصلي الإنسان أولا لملكوت الله وبره، ويصلي لأجل نفسه، ووطنه، ولأجل الآخرين، مثل أفراد العائلة والأقرباء والأصدقاء والزملاء وكذلك والغرباء، وحتي الذين يعادونه (يصلي لأجلهم وليس ضدهم، وليس دعاءً عليهم)، كما يطلب الإنسان من الله ما يحتاج إليه هو والآخرون من حوله من احتياجات الروح والنفس والجسد. ويوصينا الكتاب المقدس بالصلاة كل حين، بدون انقطاع، وفي الإنجيل بحسب البشير لوقا الإصحاح الثامن عشر، العدد الأول يذكر عن السيد المسيح 'وَقَالَ لَهُمْ أَيضاً مَثَلاً فِي أَنَّهُ ينْبَغِي أَنْ يصَلَّي كُلَّ حِينٍ ولا يمل....'، وفي رسالة بولس الرسول الأولي إلي أهل تسالونيكي الإصحاح الخامس العدد السابع عشر يوصي: "صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ"، وفي رسالته إلي أهل كولوسي الإصحاح الرابع العدد الثاني يوصي: "واظبوا علي الصلاة ساهرين فيها بالشكر'، وهذا هو كلام الله الذي يوصي المسيحي بالصلاة في كل الأوقات وليس مرة واحدة في الأسبوع يذهبون فيها إلي الكنيسة يوم الأحد، كما ذكر سيادة العميد في المسلسل. وبالإضافة إلي أن للإنسان حريته الكاملة في الصلاة في كل وقت سواء في صلاته الفردية أو مع أسرته في منزله، فإن هناك الصلاة الجماعية التي يصليها المسيحيون معاً في الكنائس بيوت الله، والتي تتضمن في الكنيسة الأرثوذكسية (علي سبيل المثال للكنائس المسيحية) صلوات عديدة محددة الأوقات منها: 1- صلاة القداسات وصلوات المناسبات: والتي تتم صلاتها بالكنائس في العديد من الأوقات والمناسبات يومياً، وأسبوعياً، وشهرياً، وسنوياً، وليس يوم الأحد فقط من كل أسبوع، فهناك علي سبيل المثال قداسات أيام الأربعاء، والجمعة، والأحد، وهناك القداسات والصلوات التي تقام في مناسبات الصوم والأعياد المسيحية العديدة والتي يقدر عددها بالعشرات، وهناك الصلوات الخاصة بمناسبات مثل أكاليل الزواج، ومعمودية الأطفال، والوفيات...وغيرها. 2- صلوات الساعات: وهي صلوات يومية يتضمنها كتاب الصلاة القبطية الأرثوذكسية المعروف ب 'الأجبية' (كتاب السبع صلوات أو صلاة السواعي، وهي تحتوي علي سبع صلوات علي مدار اليوم، وقد تم ترتيب ساعات الصلوات زمنياً، وتُبني كل منها علي جزء من حياة السيد المسيح علي الأرض)، وتتضمن تلك الصلوات: صلاة باكر (وتوافق الساعة السادسة صباحا بالتوقيت الميلادي أو التوقيت الإفرنجي، وتُصلي عند الاستيقاظ من النوم)، وصلاة الساعة الثالثة (وهي الساعة التاسعة)، وصلاة الساعة السادسة (وهي الساعة الثانية عشرة ظهراً)، صلاة الساعة التاسعة (وهي الساعة الثالثة بعد الظهر)، وصلاة الساعة الحادية عشرة أو صلاة الغروب (وهي الساعة الخامسة بعد الظهر)، وصلاة الساعة الثانية عشرة أو صلاة النوم (وهي الساعة السادسة مساءً)، وصلاة نصف الليل. وهذه الصلوات يجب أن يصليها الأقباط الملتزمون سواء صلي كل منهم في مكانه الخاص أو اجتمعوا في مكان واحد للاشتراك في الصلاة. وكما هو واضح فإن عدد هذه الصلوات سواء صلوات القداسات أو صلوات الساعات (ناهيك عن وصايا الصلاة في كل حين وبلا انقطاع) يزيد عن الصلوات الخمس التي ذكرها العميد في المشهد المذكور بعاليه، ومنها ثلاث صلوات ينطبق عليها نفس المنطق بأن أوقاتها ترد أثناء وجودهم في الكلية. والسؤال الذي يطرح نفسه، وأترك الإجابة عليه لغيري من المخلصين من إخواننا في الوطن وهو: لماذا لم ينسحب علي الأقباط نفس المبرر الذي أنسحب علي غيرهم؟ ولماذا تم التمييز ضدهم سلبياً في هذا الشأن، هذا التمييز الذي قد يعتقد ذو النية الحسنة أنه في أفضل تقدير تمييز مبني علي الجهل بالشيء في ذلك الوقت ، هذا إن لم يكن تمييزاً متعمداً. أماكن الصلاة كما أن هناك سؤالا آخر وسأقدم إجابتي له وهو: هل يجب أن يطالب الأقباط بناءً علي نفس المبرر بأن يخصص لهم مكان ككنيسة في كل مكان عمل؟ والإجابة في رأيي هي 'لا'. ولا تُبني تلك الإجابة علي قانون الغلبة والكثرة العددية، أو فكرة الخضوع لسيطرة الكثرة، وشعورها بالتميز والقوة وصِغر وضعف الآخرين، تلك الغلبة والكثرة التي يوجد بينها من يصر أحياناً (؟!!) علي أن يجور علي حق أخوة الوطن في عديد من الأمور (منها علي سبيل المثال لا الحصر الحق في إنشاء العدد الكافي من دور العبادة، الحق في تطبيق شريعتهم الخاصة في موضوعات شخصية مثل التبني، والميراث...وغيرهما)، بل تُبني علي أن المسيحي ملتزم بقول السيد المسيح في الإنجيل بحسب البشير متي الإصحاح الثاني والعشرين، العدد الحادي والعشرين 'أعطوا إذاّ ما لقيصر لقيصر, وما لله لله'، وليس بحسب التأويل التحريفي الفاسد السائد إعلامياً بأن هذه الآية تأمر المسيحيين بالبعد عن السياسة وتركها، وأنه ليس لهم العمل بالسياسة، بل بالفهم الحقيقي لمفهوم النص وخلفيته التاريخية وموقعه من الحدث وقرينته، حيث أن النص واضح وضوحًا لا لبس فيه إذ يوصي بضرورة إيفاء الكل حقه، فعلي المسيحي أن يعطي الله حقه وأن يعطي الدولة حقها، أن يعيش إيمانه وروح الصلاة بحق، وأن يعطي العمل حقه، لا أن يجور علي وقت ومكان العمل بالصلاة، فعليه أن يوفي كل شيء حقه ووقته، فوقت ومكان العمل للعمل، ووقت ومكان الصلاة للصلاة. والأكثر من هذا فإن علي المسيحي أن يظهر تأثير صلاته وعلاقته بالله في إجادته لما يقوم به ليتمه علي أكمل وجه ممكن، وبحب وإبداع، وابتكار، وكذلك ليظهر تأثير معاملاته وتعاملاته وأعماله الحسنة مع الناس وفي خدمتهم، وفي حبه لهم، لا في تعطيل مصالحهم، أو خداعهم، والإساءة إليهم، أو كراهيتهم، فكما ذكر السيد المسيح في الإنجيل بحسب البشير متي الإصحاح الخامس العدد السادس عشر 'فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السماوات' وتطبيقاً للقاعدة الذهبية في المعاملة والتي ذكرها السيد المسيح في الإنجيل بحسب البشير لوقا الإصحاح السادس العدد الحادي والثلاثين 'كما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم أيضاً هكذا بهم'، فهكذا الصلاة لا تكون مجردة في ذاتها بل هي صلة بالله وشركة وحب له يظهر في الصلة بالناس والوطن، وحبهم، والقيام بالمسئوليات وإجادة كل ما يقوم الإنسان به وإتقانه، تلك هي الصلاة وتأثيرها في حياة الإنسان، وذلك هو الإيمان المعاش. ولهذا فان المسيحيين الحقيقيين ليس لهم في رأيي أن يطالبوا بأن يخصص لهم مكان ككنيسة في مكان العمل، ليس لأنهم يصلون مرة واحدة في الأسبوع يذهبون فيها إلي الكنيسة، بل لأنه ليس من مسيحيتهم في شيء ألا يقوموا بجميع جوانب مسئولياتهم وواجباتهم كاملة، أو أن يتحولوا إلي بشر يمكن لهم أن يهملوا في مسئوليات وواجبات ووقت ومكان عملهم في وقت ما بحجة الصلاة، وبما يمكن أن يؤدي إليه هذا التصرف من إساءة لإيمانهم ولصلاتهم، ولعملهم ولمصالح الناس.