كنت أقوم بالبحث عن بعض الأفلام عبر الإنترنت عندما عثرت علي فيلم بعنوان «عروس سوريا» تحمست لمشاهدته لعشقي للدراما والفن السوري لكنني سرعان ما اكتشفت أن الفيلم من إنتاج وإخراج إسرائيلي رغم أن جميع أبطاله من العرب عرفت بعدها أنهم من عرب إسرائيل ويتناول الحياة في الجولان المحتل التي لطالما رغبت في معرفة أية معلومات عنها وعن شكل الحياة فيها حيث يندر الحديث عنها في وسائل الإعلام. مؤلفة الفيلم فلسطينية تعيش في فرنسا والمخرج يهودي إسرائيلي عاش معظم حياته في كندا لكنه مهتم بتقديم أفلام تتناول حياة العرب بشكل خاص ويزعم أنه يتناول قضاياهم بموضوعية. وفي هذا الفيلم نتعرف علي قصة عروس من قرية مجدل شمس الدرزية التي تعد من أكبر القري في الجولان، حيث تدور الأحداث خلال اليوم المفترض أن يقام فيه عرسها علي شاب يعيش داخل سوريا وبالتالي لم تتح لهم فرصة اللقاء من قبل فقد اكتفي برؤية صورتها وحديث بعض المعارف عنها وعن أسرتها، والمشكلة الرئيسية أنه عندما يتم الزواج فعلي العروس التخلي عن تصريح إقامتها في الجولان ولن يحق لها العودة لها مرة أخري باعتبارها أرضا تخضع لسلطة الاحتلال الإسرائيلي وهذا ما يثير خوف وحزن العروس وأهلها لأنها لن تتمكن من رؤيتهم مرة أخري وإذا فشل زواجها فلن تتمكن من العودة إلي أرضها، لكنها تضطر لهذا الزواج لمرورها بتجربة زواج فاشلة من قبل وهو ما يضطرها للزواج بهذا الشكل. الفيلم يتناول قضية حقيقية تعتبر من أبرز القضايا الإشكالية التي تعاني منها الكثير من الأسر الجولانية التي تضطر لتزويج إحدي بناتها لشخص مقيم داخل سوريا وهي ظاهرة موجودة رغم ما يترتب عليها من تعقيدات ومشكلات. بلا جنسية الجميل في الفيلم أنه يقدم صورة لحياة الكثير من السوريين داخل الجولان، لنكتشف أن معظمهم اختاروا أن يكتب في جواز سفرهم أمام خانة الجنسية كلمة «غير محددة» فهم يعتبرون أنفسهم سوريين وهو ما ترفض إسرائيل الاعتراف به ويرفضون هم حمل الجنسية الإسرائيلية لكنهم في الوقت نفسه يحملون جواز سفر برتقاليا للإشارة إلي أنهم يعيشون في مناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية. كما يظهر الفيلم وجود بعض الشخصيات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي والتي تسعي لعودة الجولان لسوريا من خلال شخصية والد العروس الذي نكتشف أنه قضي فترة طويلة في السجن بسبب نضاله المستمر ونري مسيرة سلمية يقوم بها أهالي الجولان وهم يرفعون خلالها صور الرئيسين حافظ وبشار الأسد ويوكدون خلالها علي ولائهم لسوريا.. والغريب أننا لا نري أي قمع إسرائيلي مثل تلك التظاهرات التي يبدو أنها تقام باستمرارا لكن الصدام يحدث عندما ترفض الشرطة الإسرائيلية السماح لوالد العروس بالذهاب للمنطقة الحدودية لتوديع ابنته وتسليمها لعريسها الذي يقف علي الجانب الاخر من الحدود، حيث يصمم علي الذهاب فتستوقفه الشرطة ويحاولون إبعاده بالقوة لكنهم يضطرون لتركه لعدم حصولهم علي تصريح باعتقاله. وتبدأ الأحداث في التصاعد عندما تقوم إحدي الفرنسيات التابعات لقوات الأممالمتحدة الموجودة علي الحدود بإنهاء إجراءات خروج العروس من الأراضي الجولانية إلي داخل سوريا، لكنها تصطدم ببعض العقبات حيث يقوم الموظف الإسرائيلي بوضع ختم إسرائيل علي جواز سفرها وهو ما يثير غضب الطرف السوري الذي يعتبر الجولان أرضا سورية فيرفض التصريح لها بالدخول، وتبذل الناشطة الفرنسية جهودا كثيفة لإقناع الطرفين بإنهاء الإجراءات لتذهب العروس لعريسها لنفاجأ في النهاية بتنازل الطرف الإسرائيلي عن موقفه وإلغائه للختم لتعاطفه مع موقفهم، لكن الغريب أن يستمر رفض الجانب السوري بسبب آثار إلغاء الختم الإسرائيلي علي جواز السفر فيتعقد الموقف لتضطر الناشطة الفرنسية للاعتراف لأهل العروس باستحالة إقامة العرس بعد أن تكون العروس قد سلمت تصريح إقامتها بالفعل فلا يجوز لها العودة مرة أخري لداخل الجولان، وهنا ينتهي الفيلم نهاية مفتوحة عندما تقرر العروس أن تتجه لداخل الأراضي السورية باتجاه عريسها الذي ينتظرها علي الجانب الآخر، وينتهي الفيلم دون أن نتمكن من معرفة ما سيحدث لها وهل ستنجح في العبور أم ماذا سيكون مصيرها. الأماكن الطبيعية الفيلم أنتج عام 2004 وحصل علي عدة جوائز من مهرجانات عالمية مثل مهرجان مونتريال الدولي ومهرجان لوكارنو ومهرجان أوكازا وهو من إنتاج إسرائيلي بمشاركة فرنسية، ومن بطولة الممثلين ريهام عباس وكلارا خوري ومكرم خوري وتأليف الكاتبة الفلسطينية سها عراف وإخراج الإسرائيلي عيران ريكليس وقد صورت المشاهد بالأماكن الطبيعية بقرية مجدل شمس، وأقيم عرض خاص له بالقرية بحضور صناع الفيلم أعقبه نقاش بين الأبطال والجمهور الذين اعترض بعضهم علي ما اعتبروه إهانة للجانب السوري من خلال بعض المواقف التي أظهرتهم بصورة سلبية في الفيلم خاصة في النهاية عندما قاموا بعرقلة الإجراءات في حين أظهر الإسرائيليين بصورة شبه مثالية وهو ما نفاه المخرج زاعما محاولته البعد عن الصورة النمطية للإسرائيليين ومحاولة تقديم صورة طبيعية لهم. الفيلم إلي جانب قضيته الأساسية تناول مجموعة من القضايا التي تخص المجتمع الجولاني، فشخصية أخي العروس هي نموذج للدرزي الذي خرج عن تقاليد مجتمعه وتزوج بفتاة روسية من دين آخر لذا يواجه بالرفض من الجميع عندما يحضر ليشهد عرس أخته بصحبة زوجته، حيث يرفض الجميع حتي أبوه التعامل معه إلا أمه وإخوته الذين يفرحون بلقائه بعد سنوات من الغياب، وهذه القضية من القضايا المهمة في المجتمع الجولاني الذي يرفض الزواج من أي عرق أو دين أو مذهب مختلف وهو ما يؤدي لنبذ من يخرج علي تلك التقاليد. المجتمع الجولاني والقضية الأخري المهمة التي يطرحها الفيلم هي علاقة المجتمع الجولاني مع حاملي الجنسية الإسرائيلية وأبنائه حيث أسفر قانون ضم الجولان إلي إسرائيل في عام 1981 إلي قيام نسبة قليلة من الجولانيين بطلب أو قبول الجنسية الإسرائيلية، فيما ناضل الغالبية العظمي من الجولانيين ضد قانون الضم المشئوم برفض الضم وكان الإضراب المشهور في 14 فبراير 1982 ليبقي الجولانيون منذ ذلك التاريخ لا يحملون أي جنسية فعلية وليكتب لهم في جواز السفر «الجنسية: غير محددة» منذ ذلك الحين حصل شرخ اجتماعي بين رافضي الجنسية الإسرائيلية وحامليها. هذا الشرخ منع التعامل اجتماعيا مع حاملي الجنسية الإسرائيلية وأبنائهم وخاصة التزاوج معهم ويظهر هذا في أحد المشاهد حين تعاقب ابنة أخت العروس من أبيها ويقول لها إنه لن يوافق علي تزويجها منه لأنه من حاملي الجنسية الإسرائيلية. انتقادات ورغم بعض الانتقادات التي وجهت للفيلم فإن أهميته ترجع لطرحه قضايا مجتمع منعزل إلي حد كبير، فنسبة كبيرة من العرب بل وحتي من السوريين لا يعرفون شيئا عن المجتمع الجولاني، فالمعروف فقط هو أن الجولان منطقة مستقرة لم تشهد أية مقاومة منذ حرب عام 1973، ولا يوجد بها أي شكل من أشكال المقاومة، ويظن الكثيرون أن أهل الجولان يحملون الجنسية الإسرائيلية ويعلقون صور الرئيس السوري بشار الأسد داخل منازلهم.