عبد الله فرغلي بلا مبالغة أو شك كان نموذجا لإنسان احترم نفسه أولا قبل أن يفرض احترام الآخرين له ، اذ من المستحيل أن يفرض المرء احترام الناس له وهو أصلا غير محترم... وفرغلي لم لا يحترم ولم لا نترحم عليه كلما جال بخاطرنا؟ فهو نموذج جاء علي غير مثال في الوسط الفني في احترامه لنفسه ولتاريخه الأكاديمي الراقي معلما للغة الفرنسية ودارسا للآداب والتربية قبل أن يمتهن التدريس... واختياره لأدواره وصبغها بالصدق دون حذلقة وتغليفها بروح الدعابة دون تصنع... وخلو سيرته من القيل والقال ونقاء اخلاقياته وصفاء قلبه وحبه لكل الناس ، لم نسمع يوما عنه أنه تمرد علي دور أو أستذ نفسه علي مخرج أو فرض وجهة نظره أو اختلف علي أجر أو ماشابه تلك السخافات التي انتشرت في الوسط الفني. ويعد فرغلي من النماذج القليلة للفنان الشامل بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني فقد شاعت شهرته ممثلا في: المسرح والسينما والتليفزيون وكذلك عمل بالإذاعة، وفي كل منها كان له حضور مميز وقدم من خلالها شخصيات لا تنسي لكل منها جمالياتها الفنية وأبعادها الانسانية... لكنها جميعا اتفقت فيما بيننا وبينها علي أن تبهجنا وتسعدنا وترسم عن رضا البسمة علي وجوهنا من خلال كوميديا راقية الموقف والكلمة والحركة والإفيه والتعبير بالجسم والاشارة والايماءة مجردة من الخلاعة والتصنع والحركات البهلوانية والتعليقات القبيحة والألفاظ البذيئة. أرض النفاق قدم عبد الله فرغلي للسينما حوالي 33 فيلما بدأها بفيلم " أرض النفاق" 1968 ثم توالت أفلامه التي من أشهرها: سفاح النساء (1970) المخادعون (1973) اونكل زيزو حبيبي (1977) قصة الحي الغربي (1979) مع تحياتي لأستاذي العزيز (1981) الحريف (1983) وداد الغازية (1983) احترس من الخط (1984) والشقة من حق الزوجة (1985) ومدافن مفروشة للإيجار (1986) والدنيا علي جناح يمامة (1989) وكراكيب (1989) والمولد (1989) ويا عزيزي كلنا لصوص (1989) واثنان ضد القانون (1992) ولصوص خمس نجوم (1994) وناصر 56 (1996) وهستيريا (1998) والكلام في الممنوع (2000) وآخرها فيلم صعيدي رايح جاي (2001) وغيرها من الأفلام التي أضفي عليها فرغلي بخفة ظله وحضوره الكثير مما ميزها وانتزع لها القبول لدي الجمهور. وقد أخذه التليفزيون في العديد من الأعمال المتميزة والتي توالت بشكل سريع الأمر الذي لم يجد معه عبد الله فرغلي الوقت الكافي للسينما أو المسرح وهنا نلمح احدي الخصال الفريدة في هذا الفنان القدير الذي لم يلهث وراء دور هنا وآخر هناك كما هو ملاحظ عند بعض الفنانين أو بمعني أصح القشاشين الذين لاهم لهم سوي جمع المادة بأي ثمن بغض النظر عن تكرار ما يقدمونه وبغض النظر عن المحتوي الفكري لما يقدمون .. وهنا يكون السقوط والتكرار الممل الذي لا جديد فيه ولا ابتكار... أو كما يقولون رزق الهبل ع المجانين. أما للمسرح والذي شهد ميلاد هذا النجم الفريد فقد عرف فرغلي خشبته منذ اشتراكه في منتصف الستينات مع فرقة الفنانين المتحدين وبطليها "فؤاد المهندس" و" شويكار" بمسرحية "حواء الساعة 12 " وما تلاها من مسرحيات ناجحة علي المستويين: الجماهيري والفني. ولا شك أنها تشكل الرصيد الحقيقي لعطاء هذا الفنان القدير لدي الجمهور في مصر وفي كل العالم العربي ولعل أبرزها مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي جاءت بشخصية "علام الملواني" والتي كانت سببا في الشهرة الكبيرة له وكذلك الشهرة التي حظي بها: عادل إمام (بهجت الأباصيري) وسعيد صالح (مرسي الزناتي) ويونس شلبي (منصور ابن الناظر) وأحمد زكي (أحمد الشاعر) وحسن مصطفي (ناظر المدرسة) ، الي جانب ما قدمه فرغلي من مسرحيات وبشكل خاص مع المهندس وشويكار ومدبولي ومنها: "هاللوشلبي" و" سيدتي الجميلة" و"إنها حقا عائلة محترمة" وغيرها من المسرحيات التي ساهم في نجاحها عبد الله فرغلي والتي حفرت تاريخها علي خريطة المسرح المصري وأصبحت من كلاسيكيات هذا المسرح وللأبد. حدائق الشيطان وفي مجال الدراما التليفزيونية قدم القدير عبد الله فرغلي العديد من الأدوار المتميزة والتي بلغت ما يقرب من 28 عملا نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر: وجهة نظر (1974) وبرج الحظ (1978) وعودة الروح (1977) والقضية 80(1980) وصيام صيام (1981) وسبع صنايع (1981) وأخوالبنات (1984) وانا وانت وبابا في المشمش (1989) وضمير أبلة حكمت (1990) وموعد مع الغائب (1995) ومذكرات زوج (1996) ويا رجال العالم اتحدوا (2000) وبوابة الحلواني (2001) وحد السكين (2003) وحكايات زوج معاصر (2003) وعيش أيامك (2004) وحدائق الشيطان (2006) وآخر أعماله كان مسلسل "عدي النهار" (2008). وكان فرغلي قد قام بالفعل بتصوير عدة مشاهد في مسلسل "شيخ العرب همام" من اخراج حسني صالح وكذلك كضيف شرف في مسلسل " الجماعة" تأليف وحيد حامد الا أن المنية وافته قبل انتهاء التصوير لذا تم اختيار النجم " عمر الحريري" ليحل محله في المسلسل الأول. ولا شك في أن الدراما التليفزيونية سوف تفتقد لمثل هذا الممثل القدير المعطاء الذي يضفي باشتراكه في أي عمل منها الكثير من خفة الظل والمرح والقبول لدي الجمهور الذي فقد برحيله أحد أهم الفنانين المحترمين. مؤلف ساخر ولما كان الفنان القدير عبد الله فرغلي يملك من الحس الفني ما يؤهله للتأليف الي جانب دراسته للأدب وعلوم التربية تولد لديه الدافع للكتابة والإبداع علي الورق وقدم بالفعل بصفته مؤلفا بضعة أعمال متميزة للتليفزيون المصري قام بإخراجها المبدع "محمد فاضل" فجاءت من أعظم ما قدمه التليفزيون من مسلسلات علي طوال تاريخه العريض وهذه الأعمال هي: "انا وانت وبابا في المشمش" 1989 و" أخوالبنات" (1984) و"صيام صيام" (1981) و"أبنائي الأعزاء شكرا" (1979). رحل عبد الله فرغلي مدرس اللغة الفرنسية الأنيق وأحد العلامات البارزة في الوسط الفني في مصر والعالم العربي... رحل في هدوء شديد بلا أدني ضجيج منذ ما يقرب من أربعين يوما عن عمر يناهز 82 عاما وحتي في وداعه حرص ألا يزعج أحدا بخبر وفاته في غرفة العناية المركزة بأحد مستشفيات المهندسين وبلا مقدمات كما لوكان حريصا علي ألا يحزن أحد بعد أن رسم علي الشفاة البسمة النقية البعيدة عن الهوي والغرض والتي حرص علي ألا تفارقنا حتي لو كانت حزنا عليه... إنه نموذج للفنان المحترم الذي قلما يجود الزمن بمثله في دنيانا الزائلة ونموذج للانسان المخلص لرسالته والذي كان دؤوبا في سعيه لإسعاد الآخرين وإمتاعهم بما يقدمه من أدوار وشخصيات في سلاسة وخفة ظل وحضور لفنان متمكن... رحمه الله