فيلم روائي، لا تتعدي مدة عرضه الثمانين دقيقة، أقرب إلي الفيلم التليفزيوني بكل سماته، بل هو أقرب إلي عمل مسرحي تم تصويره داخل منزل صغير، خاصة دورة المياه، وهو العمل الأول لمخرجته التليفزيونية «شيريل هايز»، وهو العمل السينمائي الوحيد لكاتبة السيناريو الراحلة «أدريان شيللي» التي ماتت قبل إنتاجه بثلاث سنوات، ورغم ذلك لا تملك إلا أن تتابعه بشغف شديد، وتتذكر هذا النوع من الأفلام الصغيرة التي كان «هيتشكوك» يقدمها في منتصف حياته العملية، خاصة «الحبل» 1948، و«من النافذة» 1953 . الفيلم اسمه «ضوء القمر الجاد» serius moon bight ويمكن ترجمته لأكثر من عنوان حسب معني الكلمة أو مواقف الفيلم الذي قامت ببطولته «ميج رايان»، و«تيموثي ماتون» و«كرستينا بل» والحق أن الفيلم يستحق المشاهدة ، كما يمكن الكتابة عنه بأكثر من وجهة نظر، ومدخل فهو ينتمي إلي أفلام المرأة، حيث تنعكس رؤية الكاتبة والمخرجة علي موقف الشخصية الرئيسية في الفيلم ، وهي الزوجة «لويز»، بكل ما بها من إيجابية، وقوة ورغبة في أن تستعيد زوجها الذي عشق عليها امرأة أخري أكثر جمالا وشبابا، وتنجح في ذلك فعلا، سواء عن قصد أو غير قصد، أما الرجل فهو خائن، يستجلب حبيبته إلي بيت الزوجة ويفترشه بالزهور، وعندما تكتشفه زوجته العائدة، تقوم بربطه بشرائط لاصقة، يعاير زوجته التي تحبه، ويعدها أن يحبها ثم إذا به يغدر بالعهد ويضربها حتي إذا تمكنت «لويز» منه مرة ثانية، ووضعته فوق قاعدة الحمام، صار يبكي ويعود مجددا إلي الوعود الكاذبة، ولا شك أنه بعودته إلي زوجته التي يحبها هو نوع من الخيانة لحبيبته الشابة «سارة»، التي وعدها بالسفر معها في رحلة حب إلي باريس، فإذا به يبتلع كل وعوده. كائن إيجابي المرأة هنا، سواء الزوجة أو العشيقة كائن إيجابي مخلص يعمل علي إبقاء البيت بعيدا عن الخراب، خاصة أن «لويز» متزوجة من «إيان» منذ أكثر من عشرين عاما، أما الرجل الذي عاد مرة أخري إلي أحضان زوجته التي انجبت منه، فإنه سلبي، وجبان وخائن ولا يستحق أن يعاش معه، ولعل تلك أهم سمة في السينما النسوية بشكل عام، وسينما المرأة بشكل خاص. في هذه السينما تبدو المرأة إيجابية بكل الأشكال، فهي كما ذكرنا، تود الاحتفاظ بزوجها بأي ثمن، تبدو كأنها تتنازل عن كل كرامتها وماضيها، من أجل أن تحصل علي شفاء زوجها من حالة الخيانة أو حب امرأة أخري، التي أصابته بينما هو مُصر علي مغادرة المنزل لمصاحبة «سارة» إلي باريس، فإذا هي تعد له كل المشهيات بما فيها الطعام وترتدي له الملابس التي تجعلها أكثر فتنة، وتقول له كل الكلام الجميل الذي يطمع رجل أن يسمعه من زوجته بشكل خاص، سواء في الجنس، أو في العاطفة، وتقول وهي تقدم له الكعكات التي اعتادت علي تقديمها له في السنوات الخوالي إذا أكلت واحدة منها سوف تحبني مثل سابق عهدنا.. وهي تسمعه بعض الموسيقي التي كم رقص علي انغامها، وتضع له وهو دائما المقيد بالاشرطة اللاصقة، فوق قاعدة الحمام صورتهما معا، خاصة صورة الزفاف، كم رقصنا علي أغنيات ستوبين لو.. وتكلمه عن الأماكن «علاقتنا ستنتهي مثل المرض، ضاع كل شيء الأماكن التي سافرنا إليها».. ثم إذا هي تقابل «سارة» حين تأتي وتصرفها من المنزل بمودة شديدة حتي لا يكتشف الأمر. ولويز يمكنها أن تنسحب إلي ما وراء الستار فوق البانيو من أجل أن يحسم زوجها علاقته ب«سارة»، التي تردد علي مسامعه كلمات جميلة مشابهة، وقد انتابتها مشاعر الغيرة تقول له : كان يمكنني أن اختار أي شخص آخر لكنني اخترتك أنت. هذه هي سمات المرأة الإيجابية في الأفلام النسوية، خاصة الأوروبي منها، أما الرجل ، فهو بالغ السلبية بالصفات التي ذكرناها آنفا والحقيقة أن مشهد انسحاب «سارة» من حياة الزوجين يمزق نياط القلب، بقدر ما يجعلنا نحس أن «إيان» لا يستحق أن يعيش مع هذه المرأة الوفية المخلصة العاشقة، والغريب أن المشهد الأخير من الفيلم يكشف لنا أن الحياة استمرت بين الزوجين، وأنها انجبت له وأنهما سيغادران هذا المنزل الذي شهد ذات ليلة بنهارها، أحداثا كانت كفيلة بشرخ أي علاقة زوجية مهما كانت وطيدة لكن للأسف فإن لويز فازت بزوجها، وانشرخ قلب «سارة». الجانب المسرحي البعد الثاني الذي يمكن به مشاهدة الفيلم هو الجانب المسرحي أو التليفزيوني، فحسب المعلومات الخاصة بالمخرجة فهي ممثلة تليفزيونية ومخرجة للعديد من أفلام التليفزيون أيضا، وليس أمامنا ما يشير أن كاتبة السيناريو استوحت عملها من مسرحية محبوسة بأبطالها في مكان ضيق، لا يكاد يخرج عن دورة مياه، مثلما حدث في أحد أفلام مرجريت فون تروتا في بداية الثمانينات والسيناريو لم يخرج بعيدا عن هذا المكان إلا لمرات قليلة، لا نكاد نحس بها، لكن المكان المسرحي الرئيسي هو دورة المياه، وقد جلس «إيان» منزوع البنطال، فوق القاعدة تارة أمام زوجته التي تبتهل إليه ألا يتركها، وأخري أمام الشاب «تود»، الذي جاء بالصدفة، فاكتشف أن ما يحدث يغريه بالسرقة، فيضرب «إيان» أكثر من مرة يبدو كأنه يحاكمه فيما فعل ، وفيما فعلته به زوجته، ويدور بين الرجلين حوار مسرحي ويردد: إذا كان الحب اختيارا، فقد فشلت فيه، أنت فاشل.. وإلي الحمام أيضا تأتي «سارة» كما يرمي اللص «تود» بالزوجة وقد قيدها أيضا باللاصق .. ويستدعي هذا وجود حوار يتردد بين الأشخاص، بما يؤكد أننا أمام عمل مسرحي في المقام الأول، الحوار بين «إيان» وزوجته، ثم الحوار بين اللص وصاحب المنزل، وحوار جديد بين «لويز» وزوجها، ثم حضور «سارة» والدخول في حوار حول مصير العلاقة. لابد أن يكون الحوار هو أقوي ما في مثل هذه الأفلام ، تعويضا عن الحركة، لذا فما إن انتهت الحوارات حتي انصرف «تود»، ومعه رفاقه الذين نهبوا المنزل وأقاموا به حفلا ماجنا، أما الأبطال الثلاثة «الزوجة، الزوج، العشيقة» فلم يكن لهم من هم سوي الخروج من هذا المأزق، وما إن حدث ذلك حتي تم حل المشكلة بشكل نهائي، انصرفت «سارة» وقد رضخت واعترفت بأنها انهزمت في المعركة. حوار متفجر وقد بدا الحوار هنا بمثابة متفجر درامي قوي سواء بما يتضمنه من معاني حسية، أو من وعود، فلا شك أن المتفرج يترقب كيف ستنتهي الأمور مع دخول اللص ثم عودة العشيقة، وقد بدا الحوار هنا مختلفا تماما عما حدث في فيلم «نفس الوقت» العام القادم «لروبرت موليجان» 1978، فهناك عشيقان يأتيان للمقابلة مرة كل عام في المكان نفسه، يقولان نفس الكلام، إلي أن تصيب الشيخوخة كلاً منهما، إنه التكرار الجميل لكن أحداث فيلم «ضوء القمر الجاد» تدور في ليلة واحدة، وأيضا مع أشخاص قليلي العدد، وفي أعمال مماثلة فإن الزوجة لا تقبل أن تستمر مع مثل هذا الرجل وهي الجميلة المثقفة وهناك حوار يقوله الزوج الذي يفهم امرأته جيدا حين تردد له: أنا بحاجة إليك، فيخبرها أنها بحاجة إلي أي شخص، وليس إلي شخص بالتحديد. وفي السينما الأمريكية كثيرا ما تلتزم الأفلام بالنصوص المسرحية المأخوذة عنها وقد بدا هذا واضحا في كل الأفلام التي شاهدناها مأخوذة عن مسرحيات «تينسي ويليامز»، وقد وضع الفيلم بعض المشهيات عندما اعطانا الإيحاء بأن اللص عندما هاجم الزوجة عقب عودتها من السوق، فإنه قد عبث بجسدها، ما أثار غيرة الزوج، الذي وصفته زوجته بكل الصفات السيئة، ثم أبدي اللص إعجابه بصدر «لويز» مما اشعل الغيرة في قلب الزوج المربوط باللاصق، والذي وقع تحت رحمة هذا الشاب الوافد إلي المنزل باعتباره «محركاً» لمشاعر ماتت في قلب الزوج . الفارق الأساسي بين المسرحية والفيلم، أن الكثير من اللقطات بدت كبيرة، وهي تصور الزوجين، والعشيقة، وهي آلية لا تتوفر للمشاهد المسرحي، بل تتوفر في المسرحيات المعروضة علي شاشات التليفزيون، ولعل هذه هي المرة الأولي التي اشاهد فيها فيلما نسويا ينتهي هذه النهاية لصالح الزوج الخائن، البالغ السلبية، ففي العادة فإن المرأة تغادر المنزل وتعيش تجربة قصيرة مريرة باعتبارها مطلقة ثم تستعذب حياة العزوبية، مثلما رأينا في الفيلم الفرنسي «زوجة جان» إخراج «يانيك بيللون» 1977، ثم الفيلم الأمريكي المأخوذ عن «امرأة غير متزوجة» لبول مازورسكي عام 1979، حيث اختلفت مصائر امرأة رضيت بهذا الزوج السلبي عن مصير أي زوجة تغادر المنزل من أول بادرة يرددها زوجها «أنت طالق»، أغلب النساء خرجن من حياة الرجل، أما «لويز» فقد فازت بزوجها، لكنها لم تنس ما حدث في تلك الليلة والدليل أنها قررت بيع البيت، ومغادرة المدينة، بعد عامين تقريبا عام الحمل والعام الأول لوليدها الأول من زوجها الوغد «إيان».