اليوم يمر عام على استشهاد سيّد بلال، الشاب السلفي السكندري على يد قوات أمن الدولة، لكن هذه ليست الجريمة الوحيدة التي يتذكرها يوم السادس من يناير لنظام مبارك، إذ وقبل 26 عامًا خرجت الصحف لتعلن "انتحار" عسكري الأمن المركزي سليمان خاطر في محبسه بالسجن الحربي الذي كان يقضي فيه عامه الأول من 25 عامًا قضت بها عليه محاكمة عسكريّة. ما هي قصة سليمان خاطر؟ سليمان محمد عبد الحميد خاطر ولد بقرية أكياد في محافظة الشرقية، وهو آخر العنقود من خمسة أبناء في أسرة بسيطة أنجبت ولدين وبنتين قبل سليمان. التحق سليمان مثل غيره بالخدمة العسكرية الإجبارية، وكان مجندًا في وزارة الداخلية بقوات الأمن المركزي، وأثناء تأديته مدة التجنيد على الحدود المصرية مع إسرائيل أصاب سبعة إسرائيليين حاولوا عبور الحدود المصرية – الإسرائيلية بشكل غير قانوني، فأرداهم قتلى في 5 أكتوبر عام 1985. "كنت علي نقطة مرتفعة من الأرض، وأنا ماسك الخدمة ومعي السلاح شفت مجموعة من الأجانب ستات وعيال وتقريبا راجل وكانوا طالعين لابسين مايوهات منها بكيني ومنها عرى" يصف سليمان المجموعة الإسرائيلية، مضيفًا "فقلت لهم Stop! No Passing بالانجليزية. ماوقفوش خالص وعدوا الكشك، وأنا راجل واقف في خدمتي وأؤدي واجبي وفيه أجهزة ومعدات ما يصحش حد يشوفها والجبل من أصله ممنوع أي حد يطلع عليه سواء مصري أو أجنبي". يتابع سليمان "دي منطقة ممنوعة وممنوع أي حد يتواجد فيها، وده أمر وإلا يبقي خلاص نسيب الحدود فاضية، وكل اللي تورينا جسمها نعديها". أصدر الرئيس المخلوع حسني مبارك قرارًا جمهوريًا مستغلا سلطاته بموجب قانون الطوارئ بتحويل الشاب إلي محاكمة عسكرية استثنائية، بدلا من أن يخضع على أكثر تقدير لمحاكمة مدنية كما هو الحال مع رجال الشرطة بنص الدستور. في ختام التحقيقات العسكرية مع سليمان تسائل "أمال انتم قلتم ممنوع ليه؟ قولوا لنا نسيبهم وإحنا نسيبهم!". أصدرت المحكمة العسكرية الاستثنائية لاحقا حكمها عليه في 28 ديسمبر عام 1985م بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاما، وتم ترحيله الي السجن الحربي بمدينة نصر بالقاهرة. "مختل عقليًا" وصفته الصحف "القومية" بالمجنون، وقادت صحف المعارضة حملة من اجل تحويله إلى محكمة الجنايات بدلا من المحكمة العسكرية، وأقيمت مؤتمرات وندوات وقدمت بيانات والتماسات إلى رئيس الجمهورية ولكن لم يتم الاستجابة لها. قال التقرير النفسي الذي صدر بعد فحص سليمان بعد الحادث أن سليمان "مختل نوعا ما". والسبب أن "الظلام كان يحول مخاوفه إلي أشكال أسطورية خرافية مرعبة تجعله يقفز من الفراش في فزع، وكان الظلام يجعله يتصور أن الأشباح تعيش في قاع الترعة وأنها تخبط الماء بقوة في الليل وهي في طريقها إليه". وبناء على رأى أطباء وضباط وقضاة الحكومة، عوقب سليمان لأنهم أثبتوا أن "الأشباح التي تخيفه في الظلام اسمها صهيونية". "انتحار" لم تنتهي القصة عند هذا، فبعد 9 أيام داخل محبسه خرجت الصحف ووسائل الإعلام لتؤكد أن سليمان خاطر انتحر داخل محبسه بأن شنق نفسه على نافذة ترتفع عن الأرض بثلاثة أمتار. وقال البيان الرسمي أن الانتحار تم بمشمع الفراش، ثم قالت مجلة المصور أن الانتحار تم بملاءة السرير، وقال الطب الشرعي أن الانتحار تم بقطعة قماش من ما تستعمله الصاعقة. وأمام كل ما قيل، تقدمت أسرته بطلب إعادة تشريح الجثة عن طريق لجنة مستقلة لمعرفة سبب الوفاة، وتم رفض الطلب مما زاد الشكوك وأصبح القتل سيناريو اقرب من الانتحار. بعد مرور أكثر من ربع قرن على وفاة البطل سليمان خاطر، يعود التساؤل.. هل عاقبت إسرائيل أيًا من رجال قواتها المسلحة المتورطين في قتل مجندين مصريين على الحدود؟ ألا تجب مسائلة مبارك عن مسئوليته السياسيّة بتحويل سليمان إلى محاكمة عسكريّة استثنائية، أو عن مسئوليته الجنائية فيما أثير حول وفاة سليمان خاطر من شبهات؟