[يمنى مصطفى محمود](خاص) الجريدة – كتبت يمنى مصطفى محمود يقول الرسول صلي الله عليه و سلم " لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا تظلموا". و كي لا يكون الواحد منا امعة فعليه أن يطور بنفسه القدرة علي الاستنباط السليم.. و في أجواء لعبة السياسة القذرة، السائدة الآن، تخرج علينا وسائل الاعلام (المخابراتية) بحجم مهول من الافتراءات و الأكاذيب ممن يطلق عليهم" خبراء " (و يعلم الله وحده أبعاد هذه الخبرة)! فيخرجون علينا بنظريات مشكوك فيها، تصب بالدرجة الأولي في رسم مؤامرة تخدم بقاء الممسكين بالسلطة حاليا. وتجعل الشعب بذاكرته القصيرة المدي ينسي ما قاسي و ما رأي. ان كثرة استعمال الحجج الخادعة يؤدي في النهاية الي الاستدلال الباطل و من ثم وجهات النظر الخاطئة.. لذلك من الضروري أن يعى كل واحد منا المزالق التى يمكن أن تؤدي به الي الوقوع في هذا المنحدر، و استرشد في ذلك بكتاب "المنطق و علم البلاغة الحديث – كيف نستعمل المنطق في حياتنا اليومية" لمؤلفه هوارد كاهان.. و اليكم بعض ملاحظاته الشيقة على محترفى التضليل: الخبراء في بعض المجالات ليسوا بالضرورة خبراء في مجالات أخري فمثلاً في وقت الانتخابات الرئاسية رأينا من يصوت لمرشح ما لأن النجم أو الشيخ الفلاني سيصوت له . وهناك من سيقاطع التصويت كلية لأن الشخصية الفلانية رأت هذا. فكون هذه الشخصيات خبراء في مجالاتهم لا يعني بالضرورة أنهم خبراء في أمور السياسة.. هذا بالاضافة الي ان قرارتهم قد يكون منبعها المصلحة الشخصية أو رؤية قاصرة لا تصب في مصلحة الوطن بالضرورة. ان ولاءنا يجب ان يكون للحق بالدرجة الأولي و ليس الي جماعة أو حزب أو شخص، مصداقاً لقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "لا تعرف الحق بالرجال، و لكن اعرف الحق تعرف أهله". علينا أن نعمل عقولنا ونستفتى قلوبنا بالتفكير العلمي الممنطق المبني علي أكبر قدر من الأدلة.. بعض الخبراء أجدر بالثقة من الآخرين فلا تسال خبيرا منتفعا. تحقق من سوابق المدعوون "خبراء" أولاً ان الخبراء الذين كانوا علي صواب في الماضي سيكونون فى الأغلب علي صواب في المستقبل. الرأي الشعبي ليس بالضرورة الأصوب هي طبيعة بشرية دافعها الاستسهال وهى أن تفكر كما يفكر الآخرون و تصدق ما يصدقون – و هو ما يدعي أيضاً خدعة الديموقراطية أو خدعة الأرقام. و عند بعض الناس فان مجرد انتشار وجهة النظر يجعلها جديرة بالاعتبار! و هو أمر مقلق، لأن هذا يعني بالضرورة التسليم لخرافات لمجرد أنها منتشرة.. الحكمة التقليدية ليست بالضرورة حكمة و الحكمة التقليدية تعني اللجوء الي الماضي كسلطة معتبرة:أى أن اتخاذ موقف ما تجاه حدث مافي الماضي، يعتبر سبباً كافياً لممارسته بنفس الشكل في الحاضر.. هل يصنع خطأين صواباً؟ و هذه حيلة مشهورة، تعتمد على أن يدافع الواحد عن خطأه بأن يشير الي أن خصمه قد فعل مثله، فالكل اذن يمارس هذا الخطأ و كأن هذا مسوغ كاف لارتكابه.. و من امثلة ذلك فى واقعنا، الاتهامات المتبادلة بين مرشحي الانتخابات، كأن تتهم حملة أحد المرشحين حملة مرشح آخربانتهاكات انتخابية فترد الحملة المتهمة بأن الأولي قد مارست انتهاكات مماثلة، و السؤال هو، هل كوننا نمارس الخطأ بصفة جماعية يجعله أقل سوءاً أمام الله؟ استعمال أسباب غير ذات صلة بالموضوع لتبرير النتيجة و هذا ما أحب أن أسميه حيلة "انظر الي العصفورة"، و يميل السياسيون الي استعمالها حين تكون حجتهم ضعيفة أو مثيرة للجدل ليحولوا مجري الحوار الي أمر آخر. فمثلاً حين انتقد النشطاء السلطة بسبب غزارة المحاكمات العسكرية غير العادلة و عدم المحاكمة الجادة لرموز النظام السابق، مع استمرار استعمال العنف بشكل متزايد تجاه المتظاهرين السلميين، و استمرار الفساد، نجد العسكريين يتحدثون عن مخطط لحرق مصر و تقويض هيبة الدولة و خلافه و هو الأمر الذي لا علاقة له بالرد علي كل ما سلف من استمرار للقمع و الفساد لأن أيا من هذه التهم لم تثبت علي الضحايا من المصابين و الشهداء و المعتقلين! الغموض المتعمد يكون التعبير غامضاً حين يمكن حمله علي معنيين، و من ثم نحصل علي نتيجة خاطئة. و الغموض المدروس من أنجح الأساليب لحماية المتحدث من الهجوم الشرعي، فهو ببساطة يحول المعني في الوقت المناسب ليُحمل علي المعني الآخر الأليف.. الاحتكام غير السليم الي السلطة أو الخبرة ويحدث ذلك عند اللجوء الي "الخبراء" الخاطئين. و من الأمثلة الأقرب الي واقعنا- يوم أن طلب المجلس العسكري من القضاء العسكري التحقيق في انتهاكات الجيش بواقعة ماسبيرو في حين أنه كان من الأجدر الاحتكام الي جهة قضائية محايدة.. المنحدر الزلق و هي خطيئة التهويل و استنتاج عواقب غير مبررة بسبب قياس غير سليم، و من ذلك الحديث المتكرر الآن عن أن مصر مهددة بالبلقنة، وبث الخوف عبر الحديث عن تقسيم محتمل لمصر.. اذ يرى البعض أن مرور مصر بحالة الثورة و المطالبة بالتغيير، يقض مضجع الاستقرار (الزائف) الذي يدعونه و من ثم سيقودنا الى أن نصبح كلبنان أو العراق، في حين أن هذا التسطيح الشديد للأمور يغفل أموراً هامة كنوعية و تركيبة الشعب المصري، و اختلاف جغرافيته، و تاريخه و ظروفه. حين ننظر في كل ما سبق من أمثلة علي سوء الحكم و الاستدلال سنجد أن معظمها منبعه تخاذلنا في البحث عن الحق و ان نسعي له سعيه، فهي اما تأتي من الاعتماد علي حكم آخرين مسيسين أو منتفعين، أو هو الاستسهال والتسرع في اصدار الأحكام و الأقوال كما قال كفار قريش "هكذا وجدنا آباءنا يفعلون" كل هذا يصب في باب الظن الذي نهي عنه الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله "اياكم و الظن فان الظن أكذب الحديث".
علينا أن نتساءل عن الخلل النفسي و الخلقي الذي جعلنا نصمت علي حكم مبارك ثلاثين عاماً الي أن اجتمعت الارادات الحرة علي رفض الخوف مع اخلاص نفوس حق عليها نصر الله و قامت بهذه الثورة.. علينا أن نعيد حساباتنا فيما نقرأ و فيما نستنتج و بالضرورة ما نردد من أقاويل كي لا نكون هذا الامعة، فمن المؤكد أن الثلاثين عاماً الفائتة لم تكن وساماً علي صدورنا..