انخفاض سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 3070 جنيهًا    المؤتمر الدولي للنشر العربي يناقش تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على البشرية    رؤساء شركات التوزيع يستعرضون خطط القضاء على سرقة التيار باجتماعات القابضة    الأعاصير تتسبب في مقتل أربعة أشخاص بولاية أوكلاهوما الأمريكية    اسقاط 5 طائرات جوية بدون طيار فوق البحر الأحمر    الجيش الجزائري: القضاء على إرهابي في عملية عسكرية غربي العاصمة    شبانة: الزمالك يحتاج للتتويج ببطولة تشعر لاعبيه بجماهيرية النادي وحجم الانتصارات    السعودية تصدر بيانا بشأن حادث مطار الملك خالد الدولي    الجيش الأمريكي "يشتبك" مع 5 مسيرات فوق البحر الأحمر    يعيش في قلق وضغط.. هل تُصدر المحكمة الجنائية مذكرة باعتقال نتنياهو؟    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 29 إبريل 2024 بالمصانع بعد التحديث الأخير    مواعيد مباريات اليوم لمجموعة الصعود ببطولة دوري المحترفين    أسماء.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدًا الجمعة المقبل    ما المحظورات التي وضعتها "التعليم" لطلاب الثانوية خلال الامتحانات؟    تكلف 3 ملايين دولار.. تفاصيل حفل زفاف الملياردير الهندي في الأهرامات    مواعيد مباريات اي سي ميلان المتبقية في الدوري الإيطالي 2023-2024    ميدو: هذا المهاجم أكثر لاعب تعرض للظلم في الزمالك    صحف السعودية| مطار الملك خالد الدولي يعلن تعطل طائرة وخروجها عن مسارها.. وبن فرحان يترأس اجتماع اللجنة الوزارية العربية بشأن غزة    أمير هشام: تصرف مصطفى شلبي أمام دريمز الغاني ساذج وحركته سيئة    المندوه: كان يمكننا إضافة أكثر من 3 أهداف أمام دريمز.. ولماذا يتم انتقاد شيكابالا بإستمرار؟    بعد وفاة والدتها.. رانيا فريد شوقي فى زيارة للسيدة نفسية    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    علييف يبلغ بلينكن ببدء عملية ترسيم الحدود بين أذربيجان وأرمينيا    إصابة 13 شخصا بحالة اختناق بعد استنشاق غاز الكلور في قنا    عمره 3 أعوام.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل خطفه جاره لطلب فدية    ختام فعاليات مبادرة «دوّي» بكفر الشيخ    خالد الغندور يوجه انتقادات حادة ل محمد عبد المنعم ومصطفى شلبي (فيديو)    سامي مغاوري يكشف سبب استمراره في الفن 50 عامًا    شاهد صور زواج مصطفى شعبان وهدى الناظر تثير السوشيال ميديا    شقيقة الفلسطيني باسم خندقجي ل«الوطن»: أخي تعرض للتعذيب بعد ترشحه لجائزة البوكر    سامي مغاوري عن صلاح السعدني: «فنان موسوعي واستفدت من أفكاره»    تموين الإسكندرية: توريد نحو 5427 طن قمح إلى الصوامع والشون    برلمانية: افتتاح مركز البيانات والحوسبة يؤكد اهتمام الدولة بمواكبة التقدم التكنولوجي    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    بعد طرح برومو الحلقة القادمة.. صاحبة السعادة تتصدر ترند مواقع التواصل الاجتماعي    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    تحرك عاجل من الخطيب ضد السولية والشحات.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    فراس ياغى: ضغوط تمارس على الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية للوصول لهدنة في غزة    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    فيديو.. سامي مغاوري: أنا اتظلمت.. وجلينا مأخدش حقه    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    إخلاء سبيل سائق سيارة الزفاف المتسبب في مصرع عروسين ومصور ب قنا    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    ضربة للمحتكرين.. ضبط 135 ألف عبوة سجائر مخبأة لرفع الأسعار    هل يؤثر تراجع الطلب على الأسماك في سعر الدواجن.. مسئول بالاتحاد العام للدواجن يجيب    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    وزير الاتصالات: 170 خدمة رقمية على بوابة مصر الرقمية    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجن والمرض النفسى ملف شامل
نشر في البداية الجديدة يوم 17 - 08 - 2013

الوصمة المدموغ بها المرض النفسي تعود أساساً للاعتقاد السائد لدى عامة الناس ونسبة غالبة من علماء الدين الإسلامي إلى أن المريض النفسي متلبس بالجن، أي يسكنه جن أو شيطان، أو على الأقل تحت تأثير السحر أو العين أو الحسد. وقد ساعدت وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة بدون أن تدرى في دعم هذا الاعتقاد بإفساحها المجال لمن يؤمنون بهذا الاعتقاد لإبداء آرائهم بقوة مدعمين هذه الآراء بآيات قرآنية و أحاديث نبوية وروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم. والجدير بالذكر أن هنالك عدد ليس بالقليل من علماء المسلمين لا يؤيدون هذا الاعتقاد وهو دخول الجن بدن المريض إلا أنهم يحجمون عن إبداء آراءهم خوفاً من نعتهم بالكفر أو الزندقة.
نسبة لهذا الاعتقاد السائد فإن هنالك أعداد كبيرة من المرضى النفسيين يقصدون الشيوخ والمطوعين الذين اشتهروا بعلاج التلبس وإزالة اثر السحر والعين والحسد ويدفعون أموالاً طائلة توقعاً للشفاء بأساليب متنوعة اشتهر بها هؤلاء المعالجين سنأتي على ذكرها لاحقاً. الغريب في الأمر أن هؤلاء المعالجين ليس لديهم وسائل تشخيص محددة، بل يؤكدون لكل مريض يقصدهم بأي نوع من الأعراض النفسية المتعارف عليها عالمياً بأنها من فعل السحر أو العين أو الحسد أو الشيطان. وأغلبية المرضى الذين يراجعون الأطباء النفسيين يذكرون أنهم تعالجوا لفترة عند هؤلاء الشيوخ وآثروا في النهاية مراجعة الطبيب النفسي بعد أن ساءت حالتهم الصحية أو لأنهم فطنوا أنهم ضلوا الطريق.
في مجتمعنا الشرقي والإسلامي اعتقد أن أغلبية الأطباء النفسيين لا يمانعون إطلاقا عندما تسمح حالة المريض من أن يقرأ عليه قرآنا أو أدعية لأن من المؤكد أن هذه الوسائل التي هي جزء من مكونات المريض العقائدية تساعد على دعم وتسريع العلاج الطبي من ناحية الإيمان بقضاء الله وتقبل أرادته مع توقع استجابته لصلواتهم وادعيتهم لرفع البلاء عنهم. ولكن من المهم أن لا يتدخل المطوع أو الشيخ في العلاج الطبي أو محاولة تنفير المريض أو أهله من متابعة العلاج لأن عددا كبيرا منهم لا يؤمن بأي دور للطب في العلاج .
الاعتقاد بتلبس الشيطان للإنسان كان سائدا في ما نطلق عليه الدول المتقدمة الآن في القرن الماضي نسبة لاعتقاد الكنيسة في الأمر، إلا أنه نتيجة للنهضة العلمية وانحسار تأثير الكنيسة فأن هذا الاعتقاد يكاد يكون قد اندثر، ومن يقول به الآن يعتبر كمن يؤمن بالخرافات.
نبذة تاريخية
لوحة تعود الى القرن الخامس عشر تظهر الجن وهم يحاولون اغواء احد القديسين
الاعتقاد بمسؤولية الأرواح الشريرة عن الأمراض مهما كان نوعها قديم من الأزل وقد كانت القبائل البدائية في التاريخ الأول تعزى أي مصيبة تحل بالقبيلة من أوبئة وكوارث طبيعية وقحط ومجاعات إلى هذه الأرواح الشريرة إن لم تكن من فعل آلهتهم الغاضبة والمعاقبة لهم. وبالمقابل توجد أرواح طيبة مثل أرواح أسلافهم يلجأ إليها أطباؤهم لإلهامهم ومساعدتهم في التخلص من عبث الأرواح الشريرة مع درأ آثار الكوارث والأوبئة ومساعدتهم في التغلب على أعدائهم.
كانت هذه الأرواح تفوق الخيال في" مسيبوتيميا القديمة" وكذلك كان الحال في" بابيلونيا القديمة" وقد كان للكهنة طقوس معينة يطردون بها هذه الأرواح من أبدان المرضى تشمل الصلوات وإطلاق البخور والأدعية للآلهة وفي بعض الأحيان تحدى هذه الأرواح وأمرها بالخروج.
كتب الهندوس المقدسة" فيدا" التي وضعت سنة ألف من قبل الميلاد تحدثت كذلك عن هذه المخلوقات الشريرة وكذلك كان الحال في بلاد فارس في القرن السادس قبل الميلاد. الكتب التي ترجع لهذه الحضارات تتحدث أيضا عن طقوس لطرد هذه الأرواح بواسطة الصلوات والمياه المقدسة.
ذكر أن" هومر" قد تحدث مع الشيطان، أما" سقراط" فقد وصف المجنون بالذي تحت تأثير الشيطان. وكذلك أكد " أفلاطون".
اشتهر الرومان بطقوس خاصة يلعب الجنس والخمر دورا كبيرا فيها وذلك لتلبيس أنفسهم بالشيطان عن طريق دخوله أبدانهم وذلك في حفلاتهم الصاخبة. وانتقلت هذه إلى اليونان القديمة لاحقاً.
التقاليد" الشامانية" تعتقد أن الأرواح الشريرة والشيطان مسئولة عن سرقة أرواح المرضى والحلول محلها محدثة مرضه، ويترتب على المعالج الذي يطلق عليه اسم "الشامان" البحث عن هذه الروح المسروقة واستعادتها لصاحبها بعد طرد الروح الشريرة لكي يشفي المريض.
إلى يومنا هذا نجد هذا الاعتقاد" الاستحواذ بالأرواح" منتشرا ليس فقط في دول العالم الثالث بل بين مجموعات في الدول الغربية المتقدمة التي فيها من يؤمن بتناسخ الأرواح، اى أن بعض أرواح الموتى التي كانت تعانى في حياتها أو لحظة مفارقتها للحياة بدلا من أن تصعد إلى السماء تحوم حول الأرض لتحل في جسد جديد محدثة لصاحبه معاناة نفسية وجسدية هائلة. ونتيجة لهذا الاعتقاد فقد انبرى عدد كبير من المعالجين الروحانيين لتخليص هؤلاء المرضى من هذه الأرواح بطقوس خاصة بهم. والجدير بالذكر أن بعض المعالجين النفسيين المعاصرين ابتكروا أسلوباً من العلاج النفسي أسموه "علاج الخلاص من الأرواح". وهذا العلاج غالبا ما يكون تحت التنويم. وهو مشابه لحد كبير لأساليب المعالجين الروحانيين والتي تعتمد لحد كبير على استغلال المعتقدات الخاصة بالمريض.
كتاب العهد الجديد
لوحة تظهر قسا يقوم بطقوس طرد الجن
تحدث العهد الجديد، كتاب المسيحيين المقدس عن أن سيدنا عيسى عليه السلام كان يمارس طقوس طرد الأرواح الشريرة من أبدان المرضى تأكيدا لنبوته وكان النبي يأمر هذه الأرواح بالخروج من بدن المريض وان لا تعود مرة أخرى. وقد ذكر بأنه قام بطرد أرواح من بدن مريض دخلت بدورها قطيع من الخنازير التي أسرعت إلى حافة هاوية وسقطت في الماء لتموت. وذكر أن النبي عيسى علم تلاميذه طرد الأرواح من أبدان المرضى. وليومنا هذا تتولى الكنيسة وخاصة الكاثوليكية هذه المهمة. وكتب العهد القديم تحدثت عن تعرض بعض أنبيائه للشيطان.
القرآن الكريم أكد أن من معجزات النبي عيسى عليه السلام شفاء المرضى بإذن الله بصلواته ودعائه.
إلى عهد قريب كان المريض العقلي في أوروبا يعتقد انه شيطان أو ساحر وقد تمت مطاردتهم وقتلهم حرقاً للتخلص منهم. وأخيراً باختفاء هذا الاعتقاد تم التعامل معهم كمرضى وأصبحوا يجمعون في مصحات خاصة لرعايتهم وحمايتهم.
الجن في الإسلام
من المعروف أن سكان الجزيرة العربية قبل الإسلام من أهل الكتاب يهود ونصارى والمشركين من العرب أولاد سام وحام كانوا يعتقدون في وجود الجن وأثره على الإنسان من مكروه ومرغوب إذ كان الموهوبون كالشعراء يعتقد أن بهم جن وهو الذي يلهمهم بقول البديع من الشعر. وكانوا يستعينون بالجن في إحداث الضر والخير ومعرفة المجهول. أما وادي عبقر فكان وادي في الجزيرة العربية كان يعتقد أن الجن تسكنه. وكلمة عبقري مشتقة من ذلك الاسم.
القرآن الكريم أكد وجود الجن كما جاء في شأن إبليس الذي كان من الجن، ومن بعض الآيات التي تدل على وجودهم كقوله تعالى " والجان خلقناه من قبل من نار السموم"، وقوله تعالى " وخلق الجان من مارج من نار." ويقال أنهم خلقوا قبل آدم بألفي سنة.
تعرض النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه لهم مثلا قوله "عرض لي الجان في صلاتي فخنقته" وكذلك قوله " ما منكم من احد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة."
تذكر المراجع أن الجن مخلوقات رقاق الأبدان كالهواء لا يبصرها الإنسان ولكنهم يبصرونه ويستطيعون التشكل في صورة الأنس والبهائم والحيات والعقارب والطير. ومنهم المؤمن والكافر ويدخلون الجنة والنار يوم القيامة على حسب أعمالهم.
إبليس عصى ربه إلا أن الله سبحانه وتعالى أمهله من العقاب إلى يوم يبعثون، وإلى ذلك اليوم تعهد أن يغوي الإنسان ضعيف الأيمان ويبعده عن فعل الخير ليدخله معه النار.
كما ذكر في القرآن تسخير الله الجن لسيدنا سليمان يأتمرون بأمره، " من الجن يعمل بين يديه بأذن ربه." وذكر أيضا أن الجن يعلم الناس السحر والطب.
المسلم لا ينكر وجود الجن ولكن الخلاف في تفسير هذه الآية "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس." هذه الآية اتخذت كدليل على أن المصر وع يدخل في جسده الشيطان فيجعله يتخبط. أي أن ما يأتي به المصر وع من تشنجات وحركات لا إرادية غريبة وما يتفوه به من كلمات مبهمة أو بذيئة من فعل التلبس. .وكذلك يدللون بحادثة المرأة التي لها ابن به جنون يأخذه عند الغداء والعشاء، فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن مسح على صدر الابن فخرج الجني من جوفه "مثل الجرو الأسود". وفي حالة ثانية أمره الرسول بقوله" اخرج عدو الله" فخرج.
وسوسة الشيطان للإنسان
يوجد اعتقاد كبير لدى المسلم بوسوسة الشيطان للإنسان لإغرائه لمخالفة ربه ويدلل على ذلك بقوله تعالى "من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس". فالوسوسة فسرت على أنها الصوت الخفي الذي لا يحس فيحترز منه أو الإلقاء الخفي في النفس. وقيل أن الوسوسة غالبا ما تكون كلاما يكرهه الموسوس و ذلك يؤدى إلى صرعه. وقد تكون الوسوسة كلاماً تميل إليه النفوس والطبع، كالرغبات والأماني المكبوتة التي لا يستسيغها العقل. وقد قيل في بعض كتب التفسير أن الشيطان يدخل جسم ابن آدم لأنه جسم لطيف أو رقيق ليوسوس له اى يحدث النفس بالأفكار السيئة التي تقود إلى المعصية. ويستدل على ذلك بالحديث الشريف " أن الشيطان يجرى في الإنسان مجرى الدم."
العلم الحديث يعطى شرحاً آخر لهذه الوسوسة التي يعانى منها كثير من المرضى النفسيين لا دخل للشيطان فيها وسنأتي على ذكرها لاحقاً بمزيد من التفصيل في الجزء الثاني من هذا المقال.
طرد الشيطان بواسطة المشايخ
الاعتقاد بأن الجن أو الشيطان يؤدى إلى الصرع أو الجنون لدى الإنسان أدى إلى ظهور معالجين كثيرين من المشايخ والمطوعين بعضهم عن نية صادقة والبعض كوسيلة للكسب السريع. غالباً ما يكون التشخيص بالتلبس بالجن إذا كانت تبدر من المصاب حركات وتشنجات وكلاما مبهماً أو بذيئاً أو نوبات إغماء تشبه النوبات الصرعية. أما إذا ما كان المريض يشتكي من اضطرابات نفسية تلعب العاطفة دورا بارزا فيها مثل الحزن أو القلق أو الغضب أو المخاوف الشديدة أو الشعور بالذنب أو عدم الثقة أو فقدان الشهية للأكل أو الجنس أو المتعة في الحياة أو العمل، فالتشخيص غالبا ما يكون المرض نتيجة لعين أو سحر أو عمل أو حسد.
إخراج الجني عند المشايخ الملتزمين بالدين يكون بأساليب مختلفة كالدعاء والذكر وقراءة المعوذات وآية الكرسي، و هذه الأساليب يعتقد أنها تؤثر سلباً على الجني أو الشيطان و تؤدي إلى طرده من جسم المريض. بعض المعالجين يلجئون إلى أساليب مباشرة للتعامل مع الجني العنيد وذلك بانتهاره وسبه ولعنه و أمره بالخروج فأن لم يأتمر كان نصيبه الضرب بالعصي غالبا تحت الأرجل حتى يصيح ويصرخ. والاعتقاد هنا أن المصر وع لا يحس بالألم بل الجني هو المتألم والذي غالبا ما يترك المصر وع قهرا ولكن قد يعود مرة أخرى ويتطلب ذلك مراجعة المعالج مرة أخرى.
الحقيقة أي عمل مؤذي كالضرب يعاني منه المريض شخصياً فهو يبكي ويطلب الرحمة ولكن الشيخ لا يبالي لأنه يعتقد أن الذي يعانى ويصرخ هو الجني ويستمر في الضرب إلى أن يغمى على المريض أحيانا أو يسعفه ذكاءه فيستجيب لما يطلبه منه الشيخ. وكم من مريض مات نتيجة الضرب أو التجويع أو التعرض لعوامل طبيعية ضارة بالصحة.
المعروف أن بعض المرضى عندما يكونون في حالة غيبة أو تغيير في الوعي نتيجة لنوبة" اضطراب تفككي أو تلبسي " قد لا يستجيبون للمؤثرات الخارجية مثل الشعور بالألم فيعتقد عندها خطأ أن عدم استجابتهم تعنى أن الجني هو الذي يحس بالألم وليس المريض الذي لا يبدي أي تأثر واضح بما يحدث له في تلك اللحظة ولكن قد يلاحظ عليه اثر الأذى عندما يستعيد كامل وعيه.
هل هنالك اتفاق ديني على التلبس؟
طائفة المعتزلة وبعض الطوائف المسلمة تنكر دخول الجن بدن الإنسان المصر وع لاستحالة دخول روحين جسداً واحداً. ويوجد بيننا الآن عدد من العلماء المسلمين المعاصرين الذين يجاهرون برأيهم هذا غير عابئين بوصفهم زنادقة أو كفار.
في هذا الموضوع يقول احدهم: "إن كلمة لبس أو لمس لم ترد في القرآن أو السنة. والمس كما جاء في قوله سبحانه وتعالى "كالذي يتخبطه الشيطان من المس." وكذلك قوله تعالى " أنى مسني الشيطان." لا يعنى دخول الجني جسم الإنسان وإنما هي وسوسة زائدة منه تسبب التخبط أو الصرع. فالإنسان لضعفه يصرع عند سماعه للوسوسة التي هي همس بما تكرهه النفس أو ما يغضب الله".
الملاحظ هنا أن في كلا الحالتين يكون الشيطان مسئولا عن المس أو التخبط إلا أن الاختلاف في الكيفية فالفئة الأخيرة تعتقد أن الصرع نتيجة وسوسة الشيطان وليس دخول الشيطان فعلياً بدن المريض.
شاهد من أهلها
قبل عدة سنوات كتب احد المعالجين بالقرآن مقالاً في إحدى الصحف أنه لسنوات كان يعالج المرضى بالقرآن مرجعاً أغلبها للتلبس بالجن أو الحسد أو العين أو السحر، ولكنه عندما اطلع على كتب علم وطب النفس تأكد لديه أن الحالات التي كان يعالجها موصوفة بدقة أكبر في تلك الكتب وأنها تستجيب للعلاج عند الطبيب النفسي بصورة أشمل وأسرع. و من يومها ودّع مهنته للأبد وصار ينصح مراجعيه بمراجعة الأطباء لأنهم يستطيعون أن يشخصوا الحالة ويعالجونها أحسن منه. ولو كان العلم متقدما في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لوجّه المرضى نفس الوجهة مع تدعيم للعلاج الطبي بالقرآن والدعاء . والرسول نفسه ذكر أن" لكل داء دواء إلا الهرم"
أعداد متزايدة من علماء المسلمين الآن يؤمنون بالمرض النفسي والعقلي بجانب المرض العضوي ويؤمنون كذلك بالعلاج الطبي لهذه الأمراض وفي السودان كثير من المشايخ الذين يقصدهم المرضى النفسيين لهم علاقة قوية مع الأطباء النفسيين المحليين إذ أنهم يرسلون الحالات المرضية إلى هؤلاء الأطباء ومن ثم الدعاء على هذه الأدوية وأمر المريض أن يتعاطاها على حسب نصائح الطبيب. وهذا الأسلوب فعّال للغاية إذ أن العلاج الطبي مدعم بالعلاج الديني مع التأكد من التزام المريض بالعلاج.
التقدم العلمي الكبير في نهاية القرن الماضي في العالم الغربي أسهم كثيراً في انحسار الاعتقاد الذي كان سائداً هناك بتلبس الشيطان للإنسان وإصابته بالمرض عقلياً كان أم عضوياً وانحصر هذا الاعتقاد في الكنيسة وأتباعها وقلة في المجتمع. الآن يوجد تصنيف معترف به عالمياً لوصف وتسمية لغالبية الحالات المرضية التي كان يعتقد أن للشيطان دور في إحداثها كما انه الآن توفرت المعالجات الطبية المتنوعة للسيطرة عليها.
بالمقابل استمر هذا الاعتقاد في دول العالم الثالث ليومنا هذا نسبة لتعمق التأثير الديني والتراث الاجتماعي/ الثقافي ولعدم مواكبة النهضة العلمية وضعف التثقيف العلمي والطبي.
الوصف الشائع للمتلبس بالجن أو الشيطان هو أنه شخص غريب الأطوار والهيئة تبدو عليه تشوهات أو التواءات جسدية وقد يتفوه بكلمات غريبة أو غير مفهومة أو بذيئة أو يتحدث بلغة أجنبية وله قوة خارقة. وهو لا يأنس بالإنسان وتخيفه الرموز الدينية. وذكر أيضاً أنه يستطيع أن يسكن جسده بحيث يبدو كأنه ميت أو فاقداً للوعي نسبة لإبطائه لتنفسه وضربات قلبه وشل حركة جسمه وعدم استجابته للمؤثرات الخارجية. وذكر عنه انه قد تعتريه تشنجات أو انتفاضات عضلية حركية مفاجئة أو تنتابه نوبات من العواطف القوية كالغضب فيثور ويؤذي ويدمر ما حوله.
الغريب في الأمر أن أغلبية هذه الأعراض يمكن معاينتها لدى المريض النفسي أو العصبي أو العقلي ولكن ليس بالضرورة كلها مجتمعة ولكن على حسب التشخيص الطبي الذي يمكن الوصول إليه بعد الاضطلاع على التاريخ المرضي والكشف ألسريري وإجراء الاختبارات النفسية أو المعملية اللازمة. وسوف أذكر أهمها تحت ثلاث تصنيفات باختصار شديد.
a - أمراض عصبية:
"neurological illnesses
مرض الصرع:
مرض شائع بين الأطفال ومن أشهره الذي يتصف بالنوبات الكبرى الفجائية التي يفقد فيها المريض وعيه ثم تنتابه تشنجات عضلية عامة تعقبها انتفاضات عضلية شاملة وقد يخرج الزبد أثناءها من فمه أو يتبول على نفسه أو يقطع لسانه بأسنانه قبل أن يسكن جسده ليفيق بعدها المصاب بدقائق بدون أن يعي ما حدث له أثناء النوبة.
هذه النوبات يمكن رصدها بوضوح عن طريق تخطيط الدماغ ويمكن السيطرة عليها بمضادات الصرع.
وقد تحدث هذه النوبات في وقت لاحق من العمر نتيجة لإصابة في الدماغ ويمكن تشخيصها ومعالجتها طبياً.
مرض دي لا توريت "de la tourtte ":
هنا تنتاب المريض نوبات من النعرات الصوتية والحركية بشكل مفاجئ تسبب له كرباً شديداً. النعرة هي صوت أو انتفاضة حركية فجائية تنبعث بصورة غير إرادية قد تربك أو تخيف الحاضرين. أحيانا تكون الأصوات ألفاظ بذيئة أو سب يعتقد المجاور للمريض انه المقصود بها.
لذلك قد يعتقد أن الشخص به مس من الشيطان.
b- أمراض عقلية:
"mental illnesses"
مرض الفصام:
مرض عقلي معروف عالمياً ويمكن تشخيصه بسهولة والسيطرة على إعراضه بمضادات الذهان.
المريض باختصار يفتقد إلى البصيرة والاتصال بالواقع وتتكون لديه معتقدان خاطئة أو توهمات قد يكون منها انه نبي مرسل لهداية البشرية أو ملك أو أن جنياً يسيطر على جسده ويتحكم في حركاته وتصرفاته. وقد تنتابه هلاوس سمعية أو بصرية يدرك معها أشياء لا وجود لها. بعض المرضى يظهرون أعراضاً كتتونية منها وضع أجسادهم في أوضاع غريبة وشاذة لفترات طويلة أو تتخشب أجسامهم. وفي بعض الأحيان يدخلون في حالة غيبة لا يتحركون أثناءها ولا يستجيبون لأي مؤثر خارجي، أي حالة سكون بدني كامل. وفي بعض الأحيان يكونون في حالة إثارة هوجاء قد يدمرون أو يؤذون من حولهم.
التصرفات هذه غالباً ما يعتقد أنها من فعل الشيطان. وكل حالات الفصام تعتبر مسا بالجن.
مرض الهوس والاكتئاب الذهاني:
كما ذكرت في مرض الفصام قد يظهر المريض توهمات أو هلاوس بالإضافة للأعراض الكتتونية. ويكون المريض مكتئباً بشدة أو متهيجاً يصعب السيطرة عليه.
c- أمراض نفسية:
"psychological illnesses"
اضطراب الكيان ألتفككي "identity disorder ":
كان يعرف سابقاً باضطراب الشخصية المتعددة.هنا يتكون للمريض كيانان أو شخصيتان أو أكثر تبدوان من وقت لآخر عندما يكون المريض تحت ضغوط نفسية شديدة أو يعاني من حالة صراع مؤلمة. كل شخصية قائمة بذاتها من ناحية الإدراك والتفكير والذاكرة والذات ولا تدرك شيئاً عن الشخصية الأخرى وهنا قد يعتقد أن الشخص متلبس بالجن عند تقمصه الشخصية غير المتعارف عليها.
الاضطراب التحولي "conversion disorder ":
في هذا الاضطراب يوجد قصور في الوظيفة الحركية أو الحسية توحي بوجود مرض طبي عام أو عصبي. يحدث ذلك عندما يعاني المريض من ضغوط أو صراع قوي.
الأعراض الحسية تشمل فقدان الإحساس أو النظر أو السمع، أما الحركية فتشمل نوبات اختلاجية أو شبه صرعيه قد تفسر على أنها من فعل الجن أو الشيطان.
الاضطراب ألتفككي "dissociative disorder ":
هنا تحدث للمريض نوبات انشطارية حيث تتفكك القدرات العقلية من إدراك وذاكرة وتفكير والإحساس بالذات والوعي قد تكون مصحوبة بحركات أو تشنجات لا إرادية وتفوهات مبهمة يكون أثناءها المريض مضطرب الوعي. لذلك تعتبر الحالة مسا من الجن.
مثال: شابة جالسة بين أهلها فجأة تسقط على الأرض وتبدو عليها تشنجات أو اختلاجات حركية وتتفوه بكلمات غير مفهومة إلا أنها ليست غائبة الوعي تماما بل مشوشة ولا تستجيب لمن حولها. قد تسكن الحركات العضلية إلا أن المعنية قد تستمر في حالة تشويش في الوعي والتفكير لفترة. وقد تتكرر هذه النوبات في مواقف مختلفة.
قد يعتقد أن هذه الحالة نتيجة المس أو الصرع بالجن. والحقيقة أن هذه الشابة كلما تعرضت لصراع أو ضغط نفسي غير محتمل بالنسبة لها أو غير قادرة على حله أو التعامل معه تدخل في هذه النوبة هرباً من الموقف وحلاً مؤقتاً للصراع.
أرجو أن انوه أن هذه ليست حالة صرع عصبية كبرى ويمكن التفريق بين الاثنين بسهولة بواسطة المتخصص


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.