يُعد إعلام الطفل عن مرضه أحد أصعب القرارات التي تواجه الأهل عقب التشخيص، و يقفون أمام السؤال المحير : ماذا سيخبرون الطفل ؟ ، في الماضي كانت هناك تقاليد صارمة بحجب الحقائق المؤلمة عن الأطفال، أما اليوم فقد أصبح ثمة عُرف عام بأن المريض ينبغي أن يعلم قدر الإمكان عن حالته، و بقدر ما يسمح به عمره من استيعاب، و في الحقيقة فإنه حتى حين لا يعلم الأطفال عن أمراضهم، فإنهم يتعلمون أسماءها و صعوباتها و تعقيداتها منذ الأسابيع الأولى من المعالجة، و من المستحيل أن تُحجب عنهم حقيقة مرضهم غير العادي، إذ أن وضعهم الراهن و المجتمع قد اخبرهم و بوضوح بأنهم : مرضى و يتناولون أدوية خاصة، و أن أهلهم و الجميع أصبحوا يهتمون كثيرا جدا بهم و يقلقون لحالهم. فالسؤال إذن ليس عن إعلام الطفل من عدمه، بل كيفية جعل الطفل يعرف أن الموضوع برمّته قابل للمشاركة و التفهم، و أنه غير معزول و انك ترحب بالتحدث معه عن كل ما يجرى، المبدأ الأساسي و المهم جدا هنا هو التواصل برقة و صدق مع الطفل، و الفشل في الإجابة عن أسئلة الطفل بطريقة صادقة يُفسد علاقة التواصل مع الآباء و الأمهات، في الوقت الذي يحتاج فيه الطفل و بشدة إلى هذا التواصل، و الوالدين هم أكثر من يمكنه فهم أمزجته، و لكن ينبغي دائما الأخذ في الاعتبار أن الطفل و إن لم يتحدث عن المرض، و المخاوف التي تنتابه و منها الموت بالطبع، فإن أحدا لا يستطيع الافتراض أن تلك المخاوف غير موجودة، فالطفل الذي يدرك أن مرضه أكثر خطورة من سائر أمراض الأطفال يكون بدون شك أكثر خوفا، و ستجسد السريّة تلك المخاوف و تضاعفها. ماذا ستقول بالضبط و متى، هذا يعتمد على عمر الطفل و نضجه، و مدى مقدرتك على ذلك، قد تفضل إخباره بنفسك دون حضور الطبيب أو أي شخص أخر، أو بمساعدة شخص آخر قريب من الطفل، و بصفة عامة، فإن الأطفال دون الخامسة يحتاجون لإخبارهم بأنهم مرضى فقط، لذلك فهم سيتناولون أدوية ليشفوا، و أن الإبر مؤلمة و لكن لدقيقة لا أكثر، العزلة و الوحدة تكون مخيفة خصوصا للأطفال دون الخامسة لذلك ينبغي أن تؤكد لهم أنك و إن تركتهم بمفردهم لفترة قصيرة، فإنك ستعود سريعا. بينما تكون لدى الأطفال ما بين السادسة و العاشرة دائما مخاوف من المعالجة و الضرر الجسماني، فهم يفهمون أن الأمر يتعلق بمرض غير عادي و جدّي و مُهدّد، لذلك يحتاجون لمعرفة أن لديهم سرطان و لكنه قابل للشفاء، و يمكن إعلامهم أن أسبابه غير معروفة، و أنهم سيخضعون لأفضل المعالجات، و سيتناولون الكثير من الأدوية حتى الشفاء، و انه سينقضي بعض الوقت قبل أن يعودوا لسابق عهدهم، بثّ روح التحدي للمرض قد تكون مفيدة أيضا، حسب نضج الطفل. الأطفال الأكبر سنا والمراهقون هم ناضجون بما فيه الكفاية ليتفهموا تشخيصهم، و العلاج و تعقيدات المرض، و قد يربط بعضهم بين السرطان و الموت، و يحتاجون لإعلامهم أن السرطان قابل للعلاج، و أن التطورات العلاجية الحديثة حققت معدلات شفاء عالية، و بالنسبة لهم فإن تأثيرات السرطان و معالجاته على نشاطاتهم العادية و مظهرهم الخارجي و علاقاتهم مع أقرانهم تُعد من المسائل المهمة جدا. و مهما يكن ما تقوله للطفل عن مرضه، فإنه سيذكر الموت و المخاوف المتعلقة به، فكنْ جاهزاً للتعامل مع أسئلته، حتى و إن كانت مؤلمة لك، و سيزيد رفض مناقشة المسألة من حدة مخاوف الطفل، و تفاقم من شعوره بالوحدة مما يحرمك من فرصة طمأنته و تقديم دعمك، و إضافة إلى التحدث عن مخاوف الطفل ينبغي أن تؤكد له دائما أنه يمكن الشفاء من المرض و التغلب عليه، و تجدر الإشارة إلى أن الأطفال بكل الأعمار معرضون للشعور بالذنب، و الغضب خلال وقت معاناة المرض، و ربما ينشأ الشعور بالذنب من الإحساس اللاواعي بأنهم أصيبوا بالمرض لأنهم كانوا سيئين أو خاطئين، لذلك ينبغي طمأنتهم مرارا بأنهم لم يفعلوا شيئا خاطئا، و أنهم محبوبون، و قد يوجه الطفل غضبه داخليا إلى نفسه، و قد يوجهه إلى الآباء أو الأهل كونهم سمحوا للمرض أن يصيبه، و من ناحية أخرى يخشى العديد من الآباء و الأمهات أن يتفوهوا أمام الطفل بقول خاطىء قد يغضبه، أو يسبب له شدّاً عصبيا دون داع، و ذلك نادرا ما يحدث إن نجح التواصل الصادق بين الطرفين، و إن حدث فهو سيفيد الطفل كونه يشارك الأهل في مشاعره و لا يكبتها. بمعالجة وضع الطفل بشكل مفتوح قدر الإمكان، يصبح من الممكن مواصلة الحياة الطبيعية قدر المستطاع، كما أن لمشاركة القلق و المخاوف و الاهتمامات ما بين الطفل و الأهل و الفريق الطبي المعالج، تأثير فعّال و ملطف، سيبدو الطفل أكثر سعادة لأن معرفته لمعلومات أكثر عن المرض و العلاج خير من الخوف المستمر من المجهول، و ستكون العناية الطبية ناجحة أكثر لأن الطفل يشارك بنشاط و فعالية، و سيتخلص الآباء و الأمهات من أعباء زائدة في إخفاء الحقيقة، و على الرغم من الوضع ككل، سيكون الجميع أكثر راحة في التعامل مع المرض و مع المستقبل. و في الفقرات التالية لمحة عن كل فئة عمرية في هذا السياق : الأطفال بسن دون الثانية لا يدرك الأطفال بهذه السن معنى السرطان، حيث أنهم يفهمون ما يمكنهم رؤيته و لمسه فحسب، و يدور أكثر قلقهم حول ما يحدث معهم الآن، و يقلقون أكثر لابتعادهم عن والديهم، و حين يكون الأطفال في السنة الأولى من العمر يفكرون بإحساسهم بالأشياء المحيطة بهم، و كيف يتحكمون بها، و أكثر ما يخيفهم هو التحاليل الطبية، فبعضهم يبكي أو يجري مبتعدا، أو يتلوى بشدة في محاولتهم للسيطرة على ما يجري، و لأن الأطفال عند بلوغهم سن الثامنة عشر شهرا يبدأون بالتفكير بما يجري حولهم، فمن الأفضل أن يكون المرء صادقا و صريحا معهم، حول الزيارات المتكررة للمستشفى مثلا، و محاولة شرح أن بعض الإجراءات الطبية تكون مؤلمة، يمكن القول مثلا أن نخزات الإبر ستكون مؤلمة لدقيقة و لا بأس من البكاء، فهذا يجعل الطفل يعرف انك تفهم مشاعره و تتقبلها و يساعده في الثقة بك، و من المفيد أيضا إعطاء الطفل بعض الخيارات حيث أمكن، فمثلا إن كان الدواء يؤخذ عن طريق الفم، يمكن سؤال الطفل عما إن كان يرغب في تناوله مع عصير ما، أو تركه يختار بنفسه موضع الحقن. الأطفال بسن الثانية إلى السابعة عادة يقوم الأطفال بالسن ما بين الثانية و السابعة من العمر بالربط بين الأحداث، و ينسبونها لشيء محدد، فمثلا يربطون بين المرض، و البقاء بالسرير و تناول الأدوية أو أطعمة معينة، و هم في هذه السن يظنون غالبا أن مرضهم حدث بسبب فعل محدد، لذا فهم يفكرون أن الشفاء سيحدث تلقائيا أو بإتباعهم قواعد محددة. المقترحات التالية قد تساعد عند مخاطبة الطفل بهذه الفئة العمرية : استخدام طرق مبسطة لشرح المرض، مثلا محاولة شرح أن السرطان ما هو إلا معركة بين الخلايا الطيبة و الخلايا الشريرة، و أن تناول العلاجات سيساعد الخلايا الجيدة لتكون قوية حتى تتمكن من التغلب على الخلايا السيئة. شرح أن المرض و معالجاته ليست عقاباً للطفل، عمّا قد يكون فعله أو قاله أو فكر به. شرح أن العلاج ضروري لإبعاد الألم، أو للتحسن و استئناف اللعب بدون الشعور بالتعب. شرح المعالجات و التحاليل بأكبر قدر ممكن من الصراحة، و تذكير الطفل أن عمل كل هذه الأشياء هو للتخلص من المرض، و أنها تساعد في تحقيق الشفاء. الأطفال بسن السابعة إلى الثانية عشر يبدأ الأطفال بهذه الفئة العمرية بفهم الروابط ما بين الأشياء و الأحداث، فمثلا يرى الطفل بهذه السن مرضه كمجموعة من الأعراض، و لا يربطه كنتيجة لشيء فعله أو قاله، و يفهم أن الشفاء مرتبط بتناول الأدوية و فعل ما يقوله الطبيب، و يكون قابلا للتعاون مع إجراءات المعالجة، و يمكن إعطاء تفاصيل أكثر عند التحدث عن السرطان، و لكن ينبغي أيضا استخدام طرق للشرح مما تعود عليه الطفل، فمثلا يمكن شرح أن الجسم يتكون من مجموعات مختلفة من الخلايا، و لهذه الخلايا وظائف و أعمال مختلفة، و كما يحدث بين الناس، فهذه الخلايا يجب أن تعمل مع بعضها لإنجاز الأعمال، و يمكن وصف الخلايا السرطانية كخلايا مشاغبة تعترض عمل الخلايا الجيدة، و العلاج يساعد في التخلص من هذه الخلايا حتى تعمل الخلايا الجيدة مع بعضها بشكل ممتاز. الأطفال بسن تزيد عن الثانية عشر غالبا يفهم الأطفال ما فوق سن الثانية عشر العلاقات المعقدة و المتشابكة ما بين الأحداث، و يتجه المراهقون للتفكير بالمرض من زاوية أعراض محددة مثل الشعور بالتعب، و من زاوية تحديد نشاطاتهم اليومية المعتادة أو تغيّرها، كما أنهم يستطيعون فهم أسباب الأعراض التي يعانونها، و يمكن شرح السرطان على أنه مرضٌ يجعل القليل من خلايا الجسم تُسرع في نموها، و تجتاح أجزاء أخرى بالجسم، و تعيق الطريقة المعتادة لعمل الجسم، و هدف العلاجات هو القضاء على هذه الخلايا أسئلة شائعة من الأطفال الأطفال بطبيعتهم فضوليون فيما يتعلق بمرضهم، و لديهم العديد من الأسئلة حول السرطان و معالجاته، و من الطبيعي أن يتوقع الطفل إجابات واضحة من أبويه، و قد يبدأ الأطفال بالسؤال مباشرة بعد التشخيص، أو في فترات لاحقة، و فيما يلي بعض الأسئلة المعتادة، و بعض المقترحات حول الإجابات الممكنة: لماذا أنا ؟ يتساءل الطفل، مثل البالغين، لماذا أصبت أنا دون غيري بالسرطان ؟ ، و قد يظن أن هذا حدث بسبب خطأ منه، و أنه بشكل ما قد تسبب لنفسه بالمرض، و ينبغي التوضيح بشكل واف أن الأطباء أنفسهم لا يعرفون بالتحديد ما الذي يُسبب السرطان، و أن لا أحد قد فعل أو قال شيئا سبب هذا المرض بما في ذلك الطفل نفسه، كما ينبغي التأكيد أن المرض ليس معديا، و أن الطفل لم يلتقطه من شخص آخر. هل سأشفى ؟ يحدث غالبا أن يسمع الأطفال عن أشخاص قريبون من العائلة قد ماتوا بسبب السرطان، و نتيجة لذلك فالعديد منهم يرهبون السؤال عما إن كانوا سيشفون مخافة سماع الإجابة بالنفي، و لذا يمكن التوضيح للطفل أن السرطان مع أنه مرض جدي و خطير، إلا أن المعالجات المختلفة مثل الأدوية أو العلاج الإشعاعي أو العمليات الجراحية، قد ساعدت في التخلص منه، و نجحت في شفاء أطفال كثيرون، و أن الأطباء و الفريق الطبي يبذلون أقصى الجهد لشفائه، فمعرفة الطفل أن تواجد الناس المهتمين به قربه، مثل العائلة و الأطباء و الفريق الطبي ستساعده في الشعور بالأمان بصورة أكبر. ما الذي سيحدث لي ؟ حين يتم تشخيص الطفل بالسرطان، ثمة الكثير من الأشياء المستجدة و المخيفة و المقلقة، تحدث في وقت واحد، فوجوده في المستشفي و مشاهدته أو لعبه مع الأطفال المرضى الآخرين، الذين فقدوا شعرهم أثناء العلاجات أو أجريت لهم عمليات جراحية ظاهرة الآثار، كل ذلك سيدفعه للتساؤل: ( هل سيحدث هذا لي أيضا )، و نشير إلى أن الطفل قد يكون خائفا لدرجة تمنعه من السؤال، و من المهم محاولة دفع الطفل إلى الحديث عن هذه المخاوف، و أي شيء مما قد يثير قلقه أو جزعه، و كذلك الشرح المسبق للسرطان و معالجاته و تأثيراتها الجانبية المتوقعة و المحتملة، إضافة إلى ما سيفعله الطبيب للمساعدة عند حدوث مثل هذه التأثيرات الجانبية، و حسب المستوى الإدراكي للطفل يمكن أيضا شرح أنه ثمة عدة أنواع من السرطان، و أنه حتى حين يُصاب طفلين بنفس النوع فليس بالضرورة أن يحدث لأحدهما نفس ما يحدث للآخر، كما ينبغي إعلام الأطفال مسبقا عند تغيّر المعالجات، أو تغير مواعيدها، مما يساعدهم في التحضير للزيارات العيادية و للمعالجات أو للتحاليل المختلفة، غير أنه ينبغي عدم إعلام الأطفال الصغار عن المواعيد القادمة قبل فترة طويلة، إن كان ذلك يسبب لهم التوتر العصبي و يجعلهم قلقين. لماذا يتوجب علي أن أتناول الأدوية بينما لا اشعر بالمرض ؟ مع السرطان قد يشعر الطفل بالتحسن معظم الوقت، و لكنه يحتاج لتناول الأدوية باستمرار، و لا يجد الأطفال سببا لتناول الأدوية ماداموا يشعرون بأنهم غير مرضى و أنهم بحالة جيدة، و قد يتوجب تذكيرهم بالسبب الأصلي لتناول هذه الأدوية، بالقول مثلا: ( على الرغم من انك بحالة جيدة و تشعر بالشفاء إلا أن الخلايا الشريرة لا تزال مختبئة، و يتوجب تناول الدواء لفترة أطول قليلا لإيجاد هذه الخلايا، و منعها من العودة مرة أخرى ).