متزوجان ويعيشان حياة هادئة وسعيدة، ولهما ثلاثة أطفال يملؤون عليهما الدنيا نشاطا وحيوية، لكن صاعقة خطيرة ضربت عشهما قلبته رأسا على عقب. فزوجها عاد يعيش مراهقة ثانية في عقده الخامس، اتضح هذا بعد أن اكتشفت صفاء علاقة آثمة لزوجها مع إحدى صديقاتها ؟؟ أريد اليوم أن أقوم بتشخيص دقيق لهذه الاضطرابات التي تدفع بالرجل بعد الأربعين إلى البحث عن حب خارج عش الزوجية.كيف ينشأ، وكيف يتطور، وكيف ينتهي؟ والحق أنه لما يتزوج الرجل والمرأة يستقران في بيت واحد لا يشغلهما عن بعضهما البعض شيء، ويراعيان إحساس بعضهما البعض واحتياجاتهما وطموحاتهما وإشباعاتهما، وهناك أيضا حوار متبادل يخصهما يتهامسان به وهما ملتصقان لا يفصلهما شيء، لكن هذه المرحلة الحلوة قصيرة، فغالبا ما يبدأ الأمر يختلف عند مجيء الأطفال، فبعدما كانا ملتصقين حال بينهما الضيوف الصغار، حتى في الفراش صار كل حديثهما أكل الأطفال، صحة الأطفال، دراستهم، مستقبلهم، وتبدأ المساحة المخصصة لخصوصيتهما وحميميتهما تتقلص شيئا فشيئا حتى تندثر وينعزل كلاهما عن الآخر، فيبدآن في الانفصال والنمو الانفرادي، ومع الوقت، يخبو الحوار فيغفلان عن بعضهما البعض. إن بلورات الثلج لما تبدأ في التكتل في البيت حين يغيب الدفء، يحدث انقطاع في الاتصال بين الزوجين رغم كونهما يأكلان معا وينامان ملتصقين, فتنعدم العلاقة ولا يوجد حوار مشوق وخاص؛ حينها قد ينبثق من المحيط القريب من يروي هذا العطشان لعلاقة حوارية, فنجد الرجل يخلق حوارا مع زميلته في العمل أو بائعة في محل أو مضيفة على متن طائرة، فهو حوار خاص به هو, يهتم به هو ويحس به هو. لا يريد حديثا عن البيت والأولاد والمصاريف. تجد بعض الأحيان رجالا في حوارات مع نساء تجمعهم الصدفة بهن لا يريدون مبارحة المكان في ارتواء تام. في هذا الحوار يطرحون ما يعجبهم وما لا يعجبهم. يريدون أن يكونا اثنين وليس بينهما رزمة أطفال. المرأة تصدم كما حصل مع ن ن فتضع المرأة الأخرى في ميزان المقارنة فلا تجد فيها أفضلية في الجمال ولا في القوام ولا الشخصية ولا التعليم ولا المال. وقد يعترف بهذا الزوج أيضا، لكنه يرتاح للأخرى ولا يدري لماذا, وبعض النبهاء يذكرون تماما أن السبب هو حديثها... فيهمسون لك: «إنها تفهمني تماما» «أنسى نفسي معها!».. «أشعر بالراحة بعد الحديث معها». إن الرجل في العقد الخامس يحس أن الأمور تسير إلى النقصان: الصحة، الشكل، الجاذبية، وفُرص الحياة. فيعتريه الإحساس بأن كل ما مضى كان أدنى مما أراد. وكل ما هو آت أقل مما يريد... هذه القناعات هي نابعة من القلق الدفين وفقدان الأمان والأمن. الرجل هكذا يريد الارتماء في حضن يمسح رأسه ويخبره بأن كل شيء على ما يرام، ويبعث فيه الطمأنينة ويلهب فيه الأمل. إن حالة حب كهذه ليست حقيقية، بل مجرد نتاج لحاجة التنفيس والبحث الفوري عن الأمن، وغالبا، هذه الحالات ليست لها علاقة بفشل الزوجة أو انهيار البيت أو مشاكل مادية أو غيرها. هنا أريد أن أهمس في أذن ن ن بأن هناك حلا سهلا ومهما جدا وهو الاحتضان، فاختفاؤه بعد سنوات قليلة من الزواج هو الأصل في كثير من البيوت، وكلما بادر به الرجل قالت الزوجة: «لقد كبرنا عن هذا الأمر...» لقد ترعرع الرجل منذ كان في بطن أمه على الاحتضان، فهو ملموم في أحضان كثيرة وسط أحشائها. وحين يخرج إلى الحياة تحضنه أمه باستمرار، ثم ينتقل الحضن إلى الجدة ثم الزوجة، وفجأة يبقى بلا حضن. إن المرأة الدخيلة تعرف جيدا أن الرجل عصفور لابد عائد إلى عشه الأصلي، فلا تجد إلا إغراق الرجل في كل احتياجاته؛ من احتضان وغزل ومدح، ففي الجنس مثلا يستعيد الرجل الثقة في نفسه لما تتعامل معه الدخيلة بتمثيل متقن وهي مشدوهة قائلة بشهيق: «كيف فعلت ذلك؟».. «ولا شباب العشرين يستطيعون ما تستطيع»... وحتى إن ترهلت بطنه وتجعد جبينه وعلت شيبته يصدق ثناءها عليه فتنقلب صورته في المرآة حتى يرى وجهه كأنه مهند. بالإضافة إلى أمر آخر, هو روح المغامرة التي تعتري بعض الرجال الذين تملي عليهم نفوسهم الأمارة بالسوء بخوض تجربة حب المراهقة على قدرتهم على اختلاق الأكاذيب والسيناريوهات الخيالية للعيش بشخصيتين مختلفتين، شخصية الرجل الناجح الجدي صاحب الزوجة الوفية والأبناء الناجحين والمركز المحترم؛ وشخصية المغامر المراهق اللاهث وراء متعة الليالي الحمراء والهروب من الأسرة بأعذار مختلفة للسقوط في أحضان العشيقة والخليلة. وكل هذا لإشباع نزوة الخداع والإفلات من المراقبة والضبط بحثا عن المزيد من الإثارة والتغيير وكسر الروتين والرتابة. ولكن الأزمة الحقيقية التي يصعب حلها هو لما يقع الرجل في الحب الحقيقي الصادق, الحب القوي الجارف. والحق يقال إن هناك بعض الزيجات التقليدية التي تتم بلا حب ولا تفاهم وتَعجز العشرة والزمن عن خلق هذا الحب، ولا أنكر أن هناك بعض الزيجات فيها خطأ واضح لا يصححه شيء. ولكن المشوار الحياتي يستمر فقط لوجود الأطفال. الحب جميل ورائع في كل مراحل العمر, لكنه في العقد الخامس له ضحايا كثر, فالرجل مرتبط بأسرة وأولاد. وهذا محك حقيقي لابد للاستمرار فيه من حساب للخسائر والجروح التي سيخلفها. وهنا أقول ل ن ن إذا كان هذا هو حال علي فلك أن تختاري أحد الحلول لأنك ستكونين إما زوجة أولى مع ثانية، أو زوجة مع عشيقة، أو مطلقة مع زوجة جديدة. احسبي أمورك وفكري واختاري... لا أغبطك. الأمر حقا صعب!!!