إن الإسلام احترم اليهودية كدين سماوي أوحى به الله إلى موسى عليه السلام ليخرج بني إسرائيل من الظلمات إلى النور ، وليصل بهم إلى المستوى الإنساني الرفيع . ولكن بني إسرائيل - باستثناء عدد قليل منهم - لم ينهضوا بهذا الدين ، ولم يقيموا تعاليمه ، بل كان موقفهم منه دائمًا موقف المتأبي عن الحق المعارض له . ومن ثم ذمهم القرآن كما ذمتهم التوراة والإنجيل ، وسجل الله عليهم ذلك ؛ ليتقي الناس شرهم من جهة ، وليكونوا عبرة لغيرهم من جهة أخرى . كانت مواقفهم هذه بارزة في عهد موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم جميعًا .وهذه المواقف كشفت عن الكثير من جرائرهم وجرائمهم ، وأبانت عن خبث طبيعتهم وسوء طويتهم ، وقضت على الخرافة التي يؤمنون بها من أنهم شعب الله المختار ، وكانت شرورهم ومفاسدهم موزعة في الجهات التي يعيشون فيها . أما وقد تجمعوا أخيرًا في دولة إسرائيل ، وأرادوا من وراء تجمعهم هذا أن يضربوا العالم العربي الضربة القاضية ، ثم يتخذوا منه نقطة الانطلاق للاستيلاء على العالم كله ، كان من الواجب التنبيه إلى خطورة هذا التجمع . وهذه نظرات عابرة تكشف عن تاريخ اليهود وأخلاقهم وتعاليهم وموقفهم من أنبياء الله ورسله في العهد القديم ، كما تكشف عن مدى أطماعهم وعن خطورة تجمعهم في العهد الحديث ، ولم نود التوسع في هذا لأن التوسع يقتضي سفرًا كبيرًا ، ولكن أردنا إلقاء بعض الضوء على هذه الجوانب لكي تكون نبراساً يضيء لنا السبيل ، ويكشف لنا عن مدى الأخطار التي تهددنا وتهدد هذا العالم من أن يترك هؤلاء يسيرون في تنفيذ خطتهم وتحقيق سياستهم . من هم اليهود ؟ اليهود هم بنو إسرائيل ، وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وكان قبل المسيح بأقل من ألفي عام ، ويسمون أيضًا بالعبرانيين . وكلمة إسرائيل مركبة من " إسرا " أي عبد أو صفوة أو مهاجر " وإيل " بمعنى الله . وهو لقب يعقوب عليه السلام ويذكرسفر التكوين [ 32 ] أن الله تعالى ظهر في شكل إنسان ...ولم يقدر على التفلت منه حتى باركه ، فأطلقه وقال : لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت . وأبناؤه الأسباط هم سلائل أولاد يعقوب العشرة ، وسلائل ولدي ابنه يوسف ، فيكون عددهم اثني عشر . وأصلهم من الساميين ويبدأ تاريخهم بهجرة إبراهيم عليه السلام من مدينة أور إحدى مدن " الكلدان " القديمة في العراق وهي الآن تعرف باسم " مغير " ، وكان سبب هذه الهجرة الفرار من الأرض التي تعبد فيها الأصنام ، والتي كان يقدسها أبو إبراهيم وأسرته . واستقر إبراهيم أخيراً بحبرون - التي تسمى الآن بالخليل - وقد مات بها ودفن فيها ، وإبراهيم عليه السلام أنجب إسماعيل ، وكان من نسله العرب المستعربة ، كما أنجب إسحاق وهو والد يعقوب الملقب بإسرائيل وإليه ينسب الإسرائيليون . وقد رحلوا إلى مصر في عهد يوسف ، ومكثوا فيها أربعة قرون ، وتناسلوا وكثروا ، وقد لقوا من ملوك مصر اضطهادًا ، فأرسل إليهم موسى عليه السلام فأنقذهم من فرعون ، وهو على الأرجح رمسيس الثاني ، وابنه منفتاح الذي غرق . ولما خرج موسى مع الإسرائيليين إلى الطور مكثوا فيه أربعين سنة ، وهناك أوحى الله إليهم شريعة التوراة إلا أنه لم يلبث أن مات موسى في التيه ، وبعد وفاته تولى أمرهم فتاه يوشع بن نون وهو الذي دخل بهم أرض كنعان وهي الأرض المقدسة . وكان يتولى أمورهم قضاة منهم ، ثم حدثت فتن أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم بما استدعى أن يولوا عليهم ملوكاً منهم . فكان أول ملك منهم طالوت ، ثم خلفه داود ، ثم جاء بعده ابنه سليمان ، وبعد سليمان انقسمت المملكة إلى دولتي إسرائيل ويهوذا . وقد عاشت إسرائيل حوالي 255 سنة ، كما عاشت يهوذا حوالي 389 سنة . ثم جاء البابليون والآشوريون فدمروها تدميرًا فلم تقم لهم دولة بعد . من اخلاقهم : لليهود أخلاق وصفات تميزوا بها عن غيرهم من الأمم والشعوب . وهذه الأخلاق كانت السبب في سلوكهم الشائن ، وأعمالهم الذميمة مما ترتب عليه مقت الناس لهم ، بل اضطهادهم إياهم عبر القرون والأجيال ، ونذكر جملة من هذه الأخلاق فيما يلي : اولا : الزهو والاستعلاء .. أصل هذا هو اعتقادهم أنهم شعب الله المختار ، وأن عنصرهم أسمى من العناصر الأخرى على حسب ما جاء في تعاليم تلمود ، وقد رد القرآن الكريم عليهم هذا الزعم وأنهم بشر كسائر البشر ، وأن التمايز إنما يكون بالعمل النافع والصالح والأدب العالي ، وحسن الصلة بالله وتقديم النفع للناس . يقول الله سبحانه وتعالى : ( وقالتِ اليهُودُ والنصارى نحْنُ أبناءُ الله وأحباؤُهُ قُل فَلِم يُعذبكم بذنوبكم بل أنتُم بشرٌ ممّن خَلَق يغفرُ لمن يشاءُ ويُعذِّب من يشاءُ ) . أي لو صح ما تقولون لما عذبكم ، وقد ثبت أن عذابه واقع بكم كغيركم من الناس . ثانيا : كذبهم وتعلقهم بالامانى والاحلام ... : وهذا الخلق مبني على الاعتقاد الأول ؛ فهم يزعمون أن الله سيغفر لهم جميع السيئات والمنكرات ، وأنهم ليسوا كغيرهم يحاسبون على الصغير والكبير . يقول الله سبحانه : ( وقطَّعناهم في الأرض أُمما منهم الصّالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلّهم يرجعون .فخلف من بعدهِم خلف ورثُوا الكتاب يأخذون عَرَض هذا الأدنى ويقُولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مثله يأخُذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقُولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدّارُ الآخرة خيرٌ للذين يتقون أفلا تعقلون ) ( الأعراف : 168 - 169 ) . والله سبحانه يقف من هذه الأماني موقفاً حاسماً إذ يقول : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هُوداً أو نصارى تلك أمانيهُم قُل هاتوا برهانكم إن كُنتُم صادقين ، بلى من أسْلم وجهه لله وهُو مُحسن فلهُ أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ( البقرة : 111- 112 ومثل هذا ما جاء في الآية : (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سُوءًا يجز به ولا يجد له من دُون الله ولياً ولا نصيراً . ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهُو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة ولا يُظلمون نقيرًا ) ( النساء : 123 - 124 ) . ثالثا : الجبن وتمسكهم بالحياة ... وأساس هذا الخلق ضعف العقيدة واضطرابها ، والاستغراق في النزعة المادية استغراقاً ملك عليهم نفوسهم وقلوبهم ، وجعلهم يحبون الحياة مهما كانت ويجبنون عن التضحية ولو قلّت . يقول الله سبحانه وتعالى : ( ولتجدنًّهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يودُّ أحدهم لو يعمَّر ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يُعمر والله بصير بما يعملون ) ( البقرة: 96 ) . وهذا لا يمنع من أن يكون اليهود مهرة في إثارة وتدبير المؤامرات والعمل من وراء ستار ، لأن ذلك لا يكلفهم أي تضحية . وهذا الخلق هو السبب المباشر في أن الله سبحانه ضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما كانوا إلا إذا كانوا في حماية غيرهم من الأقرباء . يقول سبحانه : ( ضُربت عليهم الذلةُ أينما ثُقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس . وباءوا بغضب من الله وضُربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفُرون بآيات الله ويقتُلُون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) . رابعاً : الإجرام والإفساد في الأرض بالغدر وإفساد الخلق وإشعال الحروب وقتل الأنبياء والمصلحين . يقول الله سبحانه : ( كُلما أوقدُوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادًا والله لا يُحب المُفسدين ) ( المائدة : 64 ) ويقول : ( أوَ كلما عاهدوا عهدًا نبذهُ فريق منهم ) ( البقرة : 100 ) ويقول : ( إن شرّ الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون . الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ) ( الأنفال : 55،56 ) . ويقول : ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون ) ( المائدة : 70 ) . هذه هي الرذائل التي توارثتها اليهود جيلاً عن جيل ، وهي الرذائل التي جعلتهم ملعونين على ألسنة الأنبياء والرسل : ( لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوُد وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهَون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون . ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون . ولو كانوا يُؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون . لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) ( المائدة : 78 : 82 )