ابتكر د. محمود سامي الزهار، أستاذ جراحة العظام المصري، جراحة حديثة لعلاج خشونة الركبة دون استئصالها وحصل بها على براءة الاختراع. ويشير د. الزهار إلى أنه في مقدمة الأسباب المؤدية لآلام الركبة نجد تمزق الغضاريف الهلالية، لأن مفصل الركبة يتميز عن غيره من المفاصل الأخرى بوجود غضروفين هلاليين “خارجي وداخلي” علاوة على الغضاريف المفصلية المبطنة لنهايات العظام لكل مفصل. وتتمثل مهمة هذه الغضاريف الهلالية في أنها تكسب المفصل مرونة الحركة وعند حدوث تمزق في أي جزء من أجزاء الغضروف الهلالي، فإنه يسبب آلاما بالركبة، إضافة إلى عدم القدرة على ثني المفصل. إهمال العلاج في هذه الحالة يؤدي إلى التمزق والمضاعفات الخطيرة، ويظل التدخل الجراحي الاختيار الأمثل لمنع تدهور الحالة الصحية للركبة لأن اللجوء إلى المسكنات ومضادات الالتهاب أثبت عدم جدواه في النهاية، على المدى الطويل.يؤكد الخبراء أن الجراحة هي الفيصل النهائي للعلاج، حفاظاً على مفصل الركبة، وذلك لأن الغاية من العملية ليست إزالة الألم فحسب، وإنما تلافي التطورات التي تحدث نتيجة لتمزق الغضروف الهلالي، لأن تمزق الغضروف يؤدي إلى تحويل السطح الناعم له “الذي يساعد على انسيابية الحركة ومرونتها أثناء ثني المفصل” إلى سطح خشن. مما يؤدي إلى زيادة حدة الآلام، وأيضا تآكل الغضاريف المفصلية، وهنا يصبح العلاج صعبا ومعقداً، وقد يتطور إلى درجة تتطلب تغييراً كليا للمفصل. ومع التطور الهائل في جراحة المناظير تمكن الأطباء من إجراء أعقد الجراحات، من خلال فتح جراحي لا يتعدى أكثر من 3 ميليمترات تقريبا، كما يجنب هذا الأسلوب المريض جميع الآلام التي كانت تتبع الجراحة التقليدية. بالإضافة إلى أنه أدى إلى استغناء الطبيب عن استخدام الجبس، الذي كانت تتطلبه الجراحة التقليدية في الماضي، لأن المريض لا يحتاج بعد إجراء الجراحة إلا إلى رباط ضاغط. ويمكن الآن من خلال المنظار إجراء الجراحة المطلوبة، سواء كانت إحاطة أو استئصالاً جزئيا، أو كليا للغضروف تبعاً لحالة المريض، ويتوقف ذلك على التشخيص السليم والدقيق للحالة. وفي حالة التمزق الجزئي الطرفي الخارجي من الغضروف، فإن إجراء جراحة لإحاطة الغضروف بتلك المنطقة تكون ناجحة، لأن هذا الجزء هو الوحيد الذي يتغذى بالأوعية الدموية. وبالتالي فإنه عند إحاطة هذا الجزء يمكن التئامه ويصبح الغضروف طبيعيا. أما إذا كان التمزق على شكل طولي، أي أن التمزق يشمل الجزء الخارجي والجزء الداخلي، فيتم استئصال جزئي للجزء الداخلي للغضروف وذلك لاستحالة التئامه، بعكس ما إذا كان التمزق في عدة أنحاء من الغضروف الهلالي، والذي يحدث نتيجة للإهمال أو التأخر في العلاج، وفي هذه الحالة يجب الاستئصال الكلي للغضروف. حدث مرض خشونة الركبة نتيجة لوجود التهاب بالسطح الخلفي لصابونة الركبة، أو وجود خشونة في عظمة “الردفة” – عظمة صابونة الركبة – والتي تقع بالمنطقة الأمامية لمفصل الركبة وتعرف باسم “كاب الركبة”، أو “طاقية الركبة”. وتتم تغطية السطح الخلفي لتلك العظمة بطبقة غضروفية ناعمة جداً تساعد على ليونة أو مرونة حركة الركبة أثناء السير أو أية حركة فيها ثني للمفصل أو فرد كصعود السُلّم على سبيل المثال. وعند حدوث التهابات بتلك الطبقة الغضروفية أو عندما تفقد هذه الطبقة ليونتها ونعومتها، يشعر المريض بالألم. ولمعالجة خشونة الركبة، ظهر، خلال العقد الماضي، أكثر من أسلوب للتدخل الجراحي، لكنها أساليب كانت كلها تشكو من عيوب ومضاعفات على المريض. فكان بعض الجراحين يعتمدون على استئصال تلك الخشونة من السطح الخلفي لعظمة الردفة – أي صابونة الركبة – وبمتابعة هؤلاء المرضى، تبين أنه سرعان ما يعود الألم وأيضاً سرعان ما تتكون الخشونة مرة ثانية ليعود حال المصاب، كما كان عليه من قبل إجراء الجراحة.. ولذا اتجه فريق طبي آخر إلى تغطية السطح الخشن من عظمة الردفة بمادة من الجسم نفسه، أي من بعض الأغشيية القوية، التي تستأصل من حول عضلات الفخذ ولكن هذه الأغشية سرعان ما تتآكل وذلك بسبب الاحتكاك المستمر أثناء السير. بينما اتجه فريق ثالث من الجرّاحين إلى استئصال السطح الخلفي لعظمة الردفة، واستبدالها بمواد صناعية، مثل: سبيكة البلاتين (الإستانلس ستيل)، وكانت المشكلة في هذه الطريقة، أنه خلال فترة ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، تفقد هذه “الصابونة” قوة تماسكها. ومن الأساليب التي دأب الكثير من الجراحين على إجرائها هو الاستئصال الكامل لعظمة الردفة بما فيها من خشونة والتخلص منها نهائياً. ويتطلب هذا الأسلوب وضع ساق المريض في الجبس لمدة لا تقل عن 6 أسابيع، بعد إجراء الجراحة، وتتبع هذه المدة إجراء جلسات العلاج الطبيعي بشكل مكثف لمدة ستة أشهر على الأقل. وبمتابعة هذه الحالات أيضاً، كشفت النتائج عن عودة الآلام مرة أخرى إلى المرضى، لأنه قد ثبت أن استئصال هذا الجزء من الجسم يؤدي إلى زيادة الضغط في مناطق أخرى من المفصل. وبالتالي فإن الاستئصال الكامل لعظمة “الردفة” ظل حلا مؤقتا لمشكلة الألم بالمفصل ويؤدي على المدى البعيد إلى التآكل والخشونة بأماكن أخرى في مفصل الركبة. ويبين د. الزهار أنه بدأ التفكير في البحث الجدي للوصول إلى حل حقيقي لهذه المشكلة التي تؤرق الكثير من المرضى الذين يعانون من خشونة الركبة، بعد اكتشاف هذه العيوب الخطيرة في الجراحات السابقة التي أجريت في مناطق مختلفة من العالم. وأضاف أنه اتجه في أبحاثه العلمية إلى تحديد أسباب المرض، والذي يفقد الركبة ليونتها وحيويتها في الحركة الطبيعية، بشكل تدريجي أثناء ثني المفصل أو الحركة البسيطة أثناء أداء الصلاة أو صعود السُلّم. ولاحظ صعوبة حركة “صابونة الركبة” لمصابي هذا المرض، مما كان يؤدي إلى زيادة الاحتكاك الداخلي، وينتج عن ذلك تآكل الغضاريف وتزايد ألم وورم الركبة. ومع المزيد من الدراسة والبحث ثبت، أن السبب الرئيسي في الإصابة بالخشونة، يرجع إلى ضغوط عظمة “الردفة” على عظمة الفخد، وأن تلك الخشونة تؤدي إلى ازدياد ضغط العظام داخل عظمة الردفة الذي ينتج عنه ازدياد الخشونة. ومن هنا كانت نقطة البداية لابتكار أسلوب جراحي جديد يعالج السببين الرئيسيين في ظهور وزيادة خشونة عظمة الردفة، وهما زيادة ضغط المفصل وارتفاع ضغط العظام داخل الردفة، وذلك عن طريق استئصال منشور طولي في السطح الأمامي للردفة ثم إحاطة الردفة لتأخذ شكلها الطبيعي، فيؤدي ذلك إلى انخفاض الضغط داخل المفصل وداخل العظام. وبذلك يتم التغلب على السببين الرئيسيين في ظهور وزيادة خشونة عظمة الردفة في آن واحد. وبعد كثير من التجارب المعملية، تم التطبيق العلمي على بعض المرضى، الذين يعانون خشونة شديدة بعظمة الردفة، م ع تآكل بالغضروف المفصلي المبطن لها، وكان من المقدر لهم إجراء جراحة استئصال كامل لعظمة الردفة وكانت النتائج مذهلة. ومع اتباع هذا الأسلوب في الجراحة انتهت آلامهم وبمتابعة هؤلاء المرضى تأكد أنه لم تعاودهم أية أوجاع. وأطلق على هذه الجراحة “عملية الزهار”. وأقرت الجمعية المصرية لجراحة العظام تلك الجراحة، كأسلوب جراحي يعالج خشونة الركبة. كما أقرت الجمعية الأوروبية لجراحي الركبة هذا الأسلوب الجراحي الجديد خلال أحد مؤتمراتها في استوكهولم بالسويد. وتمت مناقشة الابتكار الجديد في العديد من المؤتمرات العالمية في أميركا بعدة جامعات، وحصل هذا الأسلوب الجراحي على أحسن بحث علمي، واعتمدت هذه الجراحة كعلاج أساسي ونهائي لخشونة الركبة.