الجامعة العربية المفتوحة بمصر تحتل المركز السادس في التصنيف الدولي للجامعات    طارق سعدة في عيد الإعلاميين : الإعلام المصرى يلعب دورا كبيرا لتشكيل وعى المواطنين    تخفيضات 40%.. "المصرية للحوم والدواجن" تزف بشرى سارة للمواطنين قبل عيد الأضحى    المؤشر الأوروبي يحقق أكبر مكاسب شهرية منذ مارس الماضي    المشاط: تقرير التوقعات الاقتصادية في إفريقيا صوت قوي أمام المجتمع الدولي    رغيف عيش    عمرو أديب: أمل ترامب في العودة رئيسا لأمريكا قد تضيّعه علاقة مع سيدة    بايدن: يجب تكثيف الأعمال مع مصر وقطر وإسرائيل لإنهاء الحرب في غزة    مرصد الأزهر يدين الهجوم الذي وقع صباح اليوم في ألمانيا    كارلوس: على المدربين اتباع أنشيلوتي    دوري أبطال أوروبا.. اللقب الخامس عشر لريال مدريد أم الثاني ل بروسيا دورتموند ؟    الأرصاد تحذر: طقس غد السبت شديد الحرارة نهارا    الصحة تحذر.. سم سمكة الأرنب ليس له مصل ويتسبب في الوفاة خلال 8 ساعات    يوسف يكشف حقيقة خلافه مع حميدة.. ويصف الفخراني ب"غول تمثيل"    الاتحاد الأوروبى: ندعم خطة بايدن لوقف دائم لإطلاق النار وإطلاق المحتجزين    صوت بلدنا    خالد يوسف يكشف حقيقة خلافه مع محمود حميدة    المفتي: عدم توثيق الزواج الجديد للأرامل للإبقاء على معاش المتوفى يُعد أكلاً للمال بالباطل    أسامة الأزهري: لو أخذنا الإسلام من القرآن فقط فلا وجود للإسلام    حسام موافي يوضح خطورة انسداد قناة البنكرياس    النيابة تامر بأخذ عينة DNA من طالب التجمع الأول المتهم باغتصاب زميلته وإنجابها منه    تغطية.. نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين 2024    المصرى للشؤون الخارجية: زيارة الرئيس السيسى لبكين تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون    عصام خليل: الحوار الوطني يناقش غدا آليات تحويل الدعم العيني لنقدي    الصحة: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة تحت شعار 100 مليون صحة    780 شاحنة مساعدات في انتظار الدخول عبر رفح    21 الف طن قمح رصيد صوامع الغلال بميناء دمياط اليوم    بعد علمه بمرضه... انتحار مسن شنقًا بالمرج    "الأونروا" تحذر من اكتظاظ مخيمات النازحين بغزة ونقص اللقاحات والأدوية    عربية النواب: تصنيف إسرائيل ل أونروا منظمة إرهابية تحد صارخ للشرعية الدولية    حصاد وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في أسبوع    إعادة افتتاح مسجد نور الإسلام في إطسا بعد صيانته    "يتضمن ملاعب فرعية وفندقا ومستشفى".. الأهلي يضع اللمسات الأخيرة لحفل توقيع عقد إنشاء الاستاد    ضبط المتهم بتسريب أسئلة الامتحانات عبر تطبيق "واتس آب"    وصول جثمان والدة المطرب محمود الليثي إلى مسجد الحصري بأكتوبر "صور"    عمرو الفقي يعلق على برومو "أم الدنيا": مصر مهد الحضارة والأديان    طقس غد.. ارتفاع بالحرارة على كل الأنحاء والعظمى بالقاهرة 37 درجة    ضمن مبادرة كلنا واحد.. الداخلية توجه قوافل طبية وإنسانية إلى قرى سوهاج    مرة واحدة في العمر.. ما حكم من استطاع الحج ولم يفعل؟ إمام وخطيب المسجد الحرام يُجيب    بعثة المواي تاي تغادر إلى اليونان للمشاركة فى بطولة العالم للكبار    طارق فؤاد والفرقة المصرية يقدمان روائع موسيقار الأجيال على مسرح السامر    "العاصمة الإدارية" الجديدة تستقبل وفدا من جامعة قرطاج التونسية    وزير الإسكان يُصدر قراراً بإزالة مخالفات بناء بالساحل الشمالي    في اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين.. احذر التبغ يقتل 8 ملايين شخص سنويا    اعتماد 34 مدرسة بالإسكندرية في 9 إدارات تعليمية    ماذا يقال عند ذبح الأضحية؟.. صيغة مستحبة وآداب يجب مراعاتها    الاعتماد والرقابة الصحية: برنامج تدريب المراجعين يحصل على الاعتماد الدولي    محافظ أسوان يتابع تسليم 30 منزلا بقرية الفؤادية بكوم أمبو بعد إعادة تأهيلهم    وزارة الصحة تستقبل سفير كوبا لدى مصر لتعزيز التعاون في المجال الصحي    ميرور البريطانية تكشف عن بديل نونيز في ليفربول حال رحيله    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    «حق الله في المال».. موضوع خطبة الجمعة اليوم في مساجد مصر    تعرف على موعد إجازة عيد الأضحى المُبارك    خالد أبو بكر يقاطع وزير التعليم: بلاش عصا إلكترونية باللجان.. هتقلق الطلاب    الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف محيط مسجد في مخيم البريج وسط قطاع غزة    تامر عبد المنعم ينعى والدة وزيرة الثقافة: «كل نفس ذائقة الموت»    اتحاد الكرة يكشف أسباب التأخر في إصدار عقوبة ضد الشيبي    منتخب مصر يخوض ثاني تدريباته استعدادًا لمواجهة بوركينا فاسو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأملات الثانية في الفلسفة الأولى "4".. هو الأول وهو الآخر
نشر في البوابة يوم 23 - 05 - 2014

عندما يبدأ العقل في أخذ نقطة ما أخذًا عشوائيًّا، ثم يفترض أنها نقطة بداية تتبعها نهاية، فإن هذا الفرض يكون من بدئه خاطئًا، لأن النقطة التي افترضها العقل كبداية ليست كذلك، إنما هي نهاية لبداية سابقة عليها، فإذا انتقل إلى نقطة أخرى غير تلك السابق اختيارها، وافترض أنها نقطة بداية، كان ذلك تكرارا للخطأ الأول، لأن جميع النقاط ليست بداية، لأن وجود النقطة كمرحلة بداية تتبعها نهاية أو علة تتبعها نتائج ونهايات ومعلول، يعنى أنها ما دامت ملحوقة فلا بد أنها كانت مسبوقة.
على المستوى الكوني لا يمكنك الوصول إلى نقطة بداية دوران الأرض حول الشمس فإن تمكنت من ذلك ستكون فرضيتك للبداية وللنهاية صحيحة وصوابًا في آن واحد، وهذا هو المستحيل، لأن الفرض بوجود بداية في كون دائم الحركة والتخلق المستمر يحتم علينا معرفة سرعة حركته الملازمة لتفاعله، لذلك يلزم أيضا معرفة بداية حركة الكون وتفاعله، وقدمت هذه المعرفة باكتشاف الحدث الكوني الهائل المعروف بالبيج بانج أو الانفجار العظيم، وهو الاكتشاف الذي أفادنا أن الكون في تحرك وتفاعل وتمدد مستمر غير ثابت ولا مستقر، لذلك فليس لهذا الكون بداية إنما له حركة وعلاقات تفاعلية متبادلة نشطة، يتم فيها دوما تبادل البداية مع النهاية فالبداية فيه هي نهايته.
صبرا جميلا لنتفهم معا بضرب المثل: لو نظرت إلى الزوبعة الإعصارية وهي تلف وتدور حاملة في داخلها كل ما يصادف طريقها، لن تستطيع أن تحدد أين تقع نقطة بداية هذا المخروط المتحرك دائريًّا حول ذاته، ولا يمكن أن تشير إلى نقطة بذاتها على أحد جوانب الإعصار لتقول إن هذه النقطة هي بداية الإعصار، وأن تشير إلى نقطة أخرى وتقول إن هذه هي النقطة التي تلت البداية، وعدم الاستطاعة، لأنها متحركة لا تتوقف، وكذلك هو حال الكون بعد الانفجار العظيم، فهو إعصار كل نقطة فيه تصلح بداية ونهاية في الوقت نفسه.
هو ذات حال العالم الذري المتناهي في الصغر، فالإلكترونات دائبة الحركة الدائرية الأهليجية حول النواة في مدارات لا يمكن أن تحدد فيها نقطة بداية الدوران، أو أي إلكترون منها كان بداية للحركة التي لا تتوقف، لذلك فإن تحديد البداية هو شأن مستحيل مع متحرك إهليجي لا يتوقف، وإن أمكن معرفة بداية للكون الحالي تحديدا مؤقتا وغير كامل السلامة، مع لحظة الانفجار العظيم.
يمكننا فهم وإدراك أن الأول هو ذات نفس الأخر بالنظر إلى عالم الكواكب الكوني ومثاله دوران كوكب الأرض حول الشمس بمدار محسوب ومسجل ومرصود في عملية دوران عظيمة القدم، فهل يمكن افتراض نقطة بداية لهذا المدار تكون هي الأول، وعندما تتم الأرض دورة كاملة في سنة تكون قد وصلت إلى الآخر. إن الأرض لن تتوقف عند نقطة الآخر وتمتنع عن الدوران، بل تستمر لتتابع الدورة التالية، فتكون بداية الدورة التالية هي (أول) جديد لدورة جديدة، وهي في الوقت نفسة هي (آخر) للدورة السابقة، فتكون النقطة التي افترضناها بداية هي أول وآخر معا، وهي بداية لدورة كاملة قادمة وهي آخر لدورة سابقة، فيكون أول الدورة الأولي هو آخرها فتتطابق النقطتان ويكون الأول هو الآخر.
مثال آخر دورة الماء على الكوكب الأرضي إذا افترضنا بدايتها بعملية البخر، فإن هذا البخر يتجمع على شكل سحاب تحركه الرياح ليسقط على اليابسة مطرًا، ليمتص النبات بعضه وتشرب منه الكائنات الحية ثم يخرج النبات ما امتصه في عملية بخر جديد يسمونها النتح، والحيوانات تعيد إخراج الماء في شكل بول وعرق ولعاب يتبخر، وما يسقطه المطر على الجبال يعود عبر النهر إلى المحيطات المكان الذي منه جاء، فدورة المياه الطبيعية على كوكب الأرض أولها هو آخرها، من حيث تبدأ السير من هذه الدورة، معتبرا أنها نقطة بداية (أول)، فإنك في النهاية تعود إلى حيث بدأ (الآخر)، ويكون هذا الآخر هو الأول للدورة التالية.
البشر قبل الكشوف العلمية كانوا يظنون أن الأول شيء بذاته وأن الآخر هو شيء آخر مخالف للأول، وأن هناك نقطة بداية ونقطة نهاية لكل شيء، فعندما كان الإنسان البدائي ينظر حوله في العالم البيولوجي نبات وحيوان وحشرات ويرى ولادة وموتًا، ويرى العالم الكوني، فالقمر يظهر ثم يغيب والشمس تشرق وتغرب، فشكل ذلك لدية مفهوما تراتبيا للأول والآخر، لكن خارج العقل الإنساني ليس الأول هو حالات الولادة وليس الآخر هو حالات الموت، لأنه في العالم البيولوجي هو الخلية الأولى الأميبية، والتي كانت مسبوقة مرحلة التخلق اللاحيوي الذي تنشأ فيه المادة الحية الأولى بتفاعلات كيميائية بين apiogenesis بالمواد، وتمكن العلماء من تخليق المادة العضوية من مواد لا عضوية بتجربة ميلر/ يوري سنة 1953 بجامعة شيكاغو، مما أكد أن ظهور الحياة مرتبط بظهور هذه المادة، ونشوء الحياة على الأرض حدث نتيجة توفر شروط ضرورية وشديدة الخصوصية بما يتناسب وكوكبنا الأرضي، فكانت الحياة مع البكتيريا عديمة النواة ثم وحيدة الخلية، وبعد ملايين السنين وظهور اليابسة والبحار، كما أثبت الأركيولوجي البيولوجي الأمريكي وليام شويف عام 1993 بعد عثوره على وجود الحياة الأولي بالصخور القاحلة غربي منطقة ماربيل بار بغربي أستراليا، وكان هذا هو الأول البيولوجي الذي أخذ بالتكون في شكل بروتين ال"دي إن آي" والخلية عديمة النواة، لكن هذا الأول لم يكن أولا إنما كان مسبوقا بالبيج بانج.
علمنا أن الكون هو مجموعة من الدورات المتحركة منها دورة النيتروجين ودورة ثاني أكسيد الكربون وغيرها، ولا وجود فيها لأول أو آخر، فالأول والآخر تصور عقلي افترضه العقل البدائي لتسهيل الحياة لنفسه وإعماره للكون وإقامة أعماله وصناعاته وزراعاته، فالأول والآخر ليس شيئًا موجودًا في الكون المحسوس، إنما هو يرتبط بتصورات ذهنية وبالإرادة الواعية المدركة، فهو فعل إنساني خالص قائم على تصور عقلي ولا علاقة له في الواقع بعلة ولا بمعلول، ولا بأول ولا بآخر، إنما يتعلق بأفعال الكائن الحي الذي هو عالم بذاته تحكمه إرادة الكائن الحي.
وقبل ظهور نسبية أينشتين كانت قوانين الحركة النيوتونية هي المعتمدة في العمل على الأرض ولم تزل، وكانت الهندسة الإقليدية التي تقول بخط مستقيم ومثلث ومربع هي عماد الحضارة والعمار، لكن على المستوى الكوني ستجد الضوء لا يسير في خط مستقيم، لأنه في الكون لا يوجد شيء اسمه مستقيم، لكن على الأرض، وهي مساحة صغيرة كانت الهندسة الإقليدية ضرورة لإدارة حياة البشرية. كان ذلك خطًا ضروريا للبشرية!! فإن يتصور العقل ويفترض فروضا تناسب حياته وضرورتها، ويستعمل هذه الفروض، بما يقيم حياته، ويحفظ نوعه ويؤسس حضاراته، فهذا كلة شيء، وفرض هذه التصورات على الكون شيء آخر، فالإنسان يفرح ويحزن ويغضب ويحيا ويموت، وهذا كله لا علاقة له بالكون، ويظل كل هذا على مستوى فيزياء الكون خطأ، والخطأ على مستوى الكون يظل خطأ فالكون لا يقبل الخطأ، فلا يمكننا إطلاق الصواريخ للفضاء وفق الهندسة الإقليدية وقوانين الحركة النيوتونية وإلا انطلق الصاروخ من أمريكا ليسقط في الصين.
إذن فالأول والآخر هما نسبيان يرتبطان بحيزهما، لأن الأول والآخر على الحيز الأرضي لا معنى له على المستوى الكوني.
وإن قلنا إن نقطة بداية وجود الكون هي لحظة الانفجار العظيم الناشئ من وضعية عظيمة للحرارة وعظيمة الكثافة، الذي علمنا به من ألفريد هابل عندما تيقن من تباعد المجرات عن بعضها البعض، ما يعني أن حجم الكون كان في السابق أصغر، وبعد حسابات سرعة التمدد والزمن الذي احتاجه الكون ليصل إلى حجمة الراهن كان قبل 13.7 مليار سنة أرضية. انطلق الانفجار في تمدده وتباعد مجراته عن بعضها وعن مركز الانفجار، ولا يزال هذا التباعد مستمرًا حتي اليوم، وفي تسارع يشير إلى أننا حتى الآن نعيش لحظة الانطلاق الانفجاري الكبير، وعندما تبدأ قوة الدفع الانفجاري تقل فإن المجرات سوف تتوقف عن الابتعاد، ويتوقف الكون عن التمدد، ومع تباطؤ سرعة القذف الانفجاري تأخذ عملية التوسع في التوقف، وتبدأ قوة الجاذبية تتفوق على قوة الدفع نحو الخارج، فتأخذ المجرات بالاندفاع عودًا على بدء نحو مركز الكون، ويعود الكون إلى الانكماش والتكدس على ذاته، ويجتمع المكان والزمان وتتلاشى الأماكن والأبعاد والزمان، لتجتمع كل صور المادة والحركة والطاقة داخل نقطة متناهية الصغر تكاد تصل إلى العدم أو الصفر، وفي نفس الوقت لا متناهية في الكتلة والكثافة والحرارة، عندها تتوقف كل القوانين الفيزيائية عن العمل، وتبقى نقطة عظيمة الكتلة عظيمة الحرارة عظيمة الكثافة، تكون هي الآخر. هي نقطة نهاية الكون، التي ستكون نقطة بداية جديدة مع تزايد الضغط والحرارة والكثافة اللانهائي ليبدأ الانفجار العظيم التالي ليكون (الآخر) هو (أول) لانفجار عظيم جديد، يصنع كونا آخر مغايرا تماما لما سبق وشكلة الانفجار العظيم الحالي والانفجار العظيم السابق والانفجار العظيم الأسبق، فكل انفجار يشكل كونه ومجراته وكواكبه وأقماره ومنظومة الحياة فيه.
إعمالا لما سبق يتأكد لدينا أن الأول والآخر هي مجرد تصورات عقلية من صنع العقل البشري، ولا وجود لها خارج هذا العقل، هو تصور يتعلق بالإرادة البشرية، لأنه كي يصنع ويبني لا بد أن تكون لصنعته أول وآخر، هو تصور إرادي مصنوع يخص العقل البشري ولا يخص الواقع الكوني، لأنه يرتبط بحيز ومساحة ومكان لا وجود لهما على مستوى الحراك الكوني الأهليجي الدائري والدوري المستمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.