استخراج اسماء المشمولين بالرعاية الاجتماعية الوجبة الاخيرة 2024 بالعراق عموم المحافظات    تمويل السيارات للمتقاعدين دون كفيل.. اليسر    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    نيفين مسعد: دعم إيران للمقاومة ثابت.. وإسرائيل منشغلة بإنقاذ رأس نتنياهو من المحكمة    رئيس إنبي: من الصعب الكشف أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال للزمالك    «هساعد ولو بحاجه بسيطة».. آخر حوار للطفلة جنى مع والدها قبل غرقها في النيل    رابط نتائج السادس الابتدائى 2024 دور أول العراق    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    بيكلموني لرامي جمال تقترب من 9 ملايين مشاهدة (فيديو)    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    نائب محافظ بنى سويف: تعزيز مشروعات الدواجن لتوفيرها للمستهلكين بأسعار مناسبة    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    حلمي طولان: حسين لبيب عليه أن يتولى الإشراف بمفرده على الكرة في الزمالك.. والفريق في حاجة لصفقات قوية    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    ملف يلا كورة.. إصابة حمدي بالصليبي.. اجتماع الخطيب وجمال علام.. وغياب مرموش    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    شارك صحافة من وإلى المواطن    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



28 عامًا على رحيل شاعر القمر والطين صلاح جاهين.. الضاحك الباكي
نشر في البوابة يوم 21 - 04 - 2014


فارس وحيد جوه الدروع الحديد
رفرف عليه طير وقاله نشيد
منين منين ولفين لفين يا جدع؟
قال من بعيد ولسه رايح بعيد!
وعجبى!!"
يوافق اليوم 21 أبريل ذكرى رحيل صاحب هذه الكلمات، المبدع الرائع محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي، المعروف ب"صلاح جاهين"، وبالتحديد في عام 1986م، كان الراحل فنانًا بكل ما تحمله الكلمة من معان، شاعر ورسام كاريكاتير وممثل.
في ذكرى رحيل المبدع الكبير، نتذكر ما كتبه عنه الشاعر الكبير محمود درويش، فقد وصفه في مقاله بأنه "شاعر القمر والطين"، قائلًا: هو واحد من معالم مصر. يدل عليها وتدل عليه. نايات البعيد وشقاء الأزقة ودفوف الأعياد. سخرية لا تجرح، وقلب يسير على قدمين.
صلاح جاهين يجلس على ضفة النيل تمثالا من ضوء، يعجن أسطورته من اليومي، ولا يتوقف عن الضحك إلا لينكسر. يوزع نفسه في نفوس كثيرة، وينتشر في كل فن ليعثر على الشعر في اللا شعر. صلاح جاهين يأكل نفسه وينمو في كل ظاهرة، ينمو لينفجر..
ويواصل درويش: صلاح جاهين الشاعر الذي قال نيابة عنا ما عجزنا عن قوله بالفصحى، هو الشاعر الذي قال لنا ما عجزت عن قوله العامية، الشاعر الذي حل لجمالية الشعر ولفاعليته العقدة الصعبة.. وعورة المسافة بين لغة الشعر ولغة الناس وما بينهما من تباين والتحام.
انتهت كلمات محمود درويش عنه، والتي سجلها في مقالة طويلة، جاءت كلماته لتؤكد لنا أن صلاح جاهين سيظل شابًّا رغم الموت وغيابه، فهو الغائب الحاضر صاحب اللغة الثالثة، كما قال عنه يحيى حقي.
قالوا عنه
وصفه الكاتب والمفكر أحمد بهجت بأنه كان "شمسًا تشع بالفرح، رغم أن باطنه كان ليلًا من الأحزان العميقة، وكان يداري أحزانه، ويخفيها عن الناس، ويصنع منها ابتسامة ساخرة، ويظهر على الناس بوجهه الضاحك كل يوم".
بينما قال الفنان سيد مكاوي: "صلاح جاهين هرم من الفن، وذلك لأن صلاح جاهين شخصية لا يمكن أن تتكرر في الشعر، أو الرسم، أو الأغنية".
الشاعر فاروق جويدة قال: "لقد أحدث انقلابًا في الأغنية المصرية فخلع عنها الكثير من أناقتها المزيفة، وجعل منها ثوبًا واسعًا جميلًا يرتديه كل الناس، على اختلاف مواقعهم، وأفكارهم، ولون جلودهم، لقد عاش صلاح جاهين للفن.. لمصر في كل محنها، وانتصاراتها، وأمانيها، فكان صوتًا مصريًا، وطنيًا، صانعًا، مليئًا بكل ما حمل نهر النيل من صدق وعطاء".
ويقول الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس: "إن إحساسي بصلاح جاهين يوازى إحساسي بعبد الحليم حافظ، فالاثنان اشتركا في اندفاعهما نحو متطلبات فنهما على حساب الاستجابة للمتطلبات الصحية.. لقد ذهب عبد الحليم حافظ وذهب صلاح جاهين، ذهبا، وكأنهما ألقيا بنفسيهما بين براثن الفن، كأنهما قررا الانتحار، وكل منهما لم يكن مجرد شخص، ولكنه كان أكبر أمل في مستقبل مصر الفني، وقد فقدنا أملًا أصبحنا نعيشه كماض، وهو ماض لن يضيع، ولن ننساه أبدًا، لقد أخذنا كلنا لنعيش الماضي، لا المستقبل".
ووصفه ابنه الشاعر بهاء جاهين قائلًا: "كان معجونًا بطين البشرية، كان شديد الحب لكل من حوله، سريع التأثر، حينما يعشق.. يعشق حتى النخاع، وحينما يكره لا يمكن أن يعود لسابق عهده".
وقال عنه الإعلامي مفيد فوزى: "جاهين هو -بمعايير العطاء- مصلح اجتماعي يطأ بريشته أو بقلمه ما لم تجرؤ عليه ريشة أو قلم، كان جاهين يغمس ريشته في مداد البصيرة، وينتقي بقلمه من بساتين الفطنة، أجمل الزهور ثم يهديها لنا حتى لو أدمت أصابعه الأشواك. كان صلاح جاهين اعتذارًا رقيقًا عن كآبة الحياة وجروحها".
وقال عنه فؤاد حداد: "لو لم يكتب جاهين أي شيء فيكفيه أنه كتب قصيدة على اسم مصر".
ووصفه الكاتب الكبير خيرى شلبي قائلًا: "شاعرنا الكبير لا يكف عن محاكمة نفسه لشدة حساسيته ويقظة مشاعره وضعف همومه".
ولادة متعثرة
كانت ولادة صلاح جاهين متعثرة تعرضت في أثنائها والدته للخطر، فوُلد شديد الزرقة دون صرخة حتى ظن المحيطون أن الطفل قد ولد ميتًا، ولكن جاءت صرخة الطفل منبهة بولادة طفل ليس ككل الأطفال.
وكانت لهذه الولادة المتعثرة تأثيرها، فمن المعروف أن الولادة المتعثرة تترك آثارها على الطفل فتلازمه طول حياته وقد تتسبب في عدم استقرار الحالة المزاجية أو الحدة في التعبير عن المشاعر، سواء كانت فرحًا أو حزنًا، وهو ما لوحظ في صلاح جاهين الذي يفرح كالأطفال ويحزن لدرجة الاكتئاب عند المصائب.
ولد في شارع جميل باشا في شبرا في 25 ديسمبر 1930. كان والده المستشار بهجت حلمي يعمل في السلك القضائي، حيث بدأ كوكيل نيابة وانتهى كرئيس محكمة استئناف المنصورة.
صلاح جاهين طفلًا
عُرف عن صلاح جاهين في طفولته الهدوء رغم كونه الابن الأكبر والأخ الأكبر لثلاث شقيقات هن: بهيجة، وجدان، وسامية، وتصغره الأخيرتين بفارق زمنى كبير، لذا توثقت علاقته بشقيقته السيدة بهيجة، فكان شديد الحنان والتسامح مع أخته، حتى إنه كان يتطوع للدفاع عنها عند عقابها إذا ما أخطأت في حقه.
ورث جاهين هواية القراءة عن والدته -السيدة أمينة حسن- التي كانت تروى له القصص العالمية والأمثال الشعبية بأسلوب سلس لطالما عشقه، فعملت على غرس كل ما تعلمته من دراستها في مدرسة السنية، ثم عملها كمدرسة للغة الانجليزية في طفلها النبيه الذي تعلم القراءة في سن الثالثة. كما لعبت مكتبة جده السياسي والكاتب أحمد حلمي (شارع أحمد حلمي بشبرا يحمل اسمه) زميل ورفيق الزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد لعبت تلك المكتبة دورًا كبيرًا في إتاحة مجموعة كبيرة من الكتب في شتى المجالات أمام القارئ الصغير.
ومن هذه المكتبة المنزلية نشأ ولعه بالمكتبات التي كانت أول ما يبحث عنه في كل محافظة تنتقل إليها الأسرة برفقة الوالد الذي حتمت عليه وظيفته كثرة الانتقال.
تمتع صلاح جاهين منذ صغره بموهبة "الحكي" فكان يقرأ كل ما تقع عليه عيناه ثم يعيد روايته لشقيقاته بأسلوب شيق ومميز يحرص فيه على إيقاع الكلمات. في سن الرابعة -أو ما دونها- نظم بعض الجمل مرحبًا بضيف أبيه د. على العناني فقال: "كاني ماني... دكان الزلباني... د. علي العناني"، فبهرت هذه الكلمات البسيطة الطفولية د. علي العناني حتى أنه سجل إعجابه وتنبؤه له بمستقبل باهر على ظهر صورة أهداها للطفل الفصيح. كما قام بنظم بعض الكلمات على إيقاع دقات القطار على القضبان.
ولكن أول قصيدة حقيقية كتبها كانت وهو في السادسة عشرة من عمره يرثي فيها الشهداء الذين سقطوا في مظاهرات الطلبة بالمنصورة عام 1946 قال فيها:
كفكفت دمعي ولم يبق سوى الجَلَد
ليت المراثي تعيد المجد للبلد
صبرًا... فإنا أسود عند غضبتنا
من ذا يطيق بقاءً في فم الأسد.
موهبة الرسم
يرجع الفضل في تفجير موهبة صلاح جاهين في فن الرسم إلى مدرس الرسم في هذه الفترة من حياته الأستاذ الأرناؤوطي الذي بوعيه وتفهمه منح للأطفال الحرية في التعبير عن بعض القصص الخيالية وقصص من الأدب العالمي -مثل الكوميديا الإلهية- التي كان يقرأها عليهم لكسر قيود التقليدية، وهنا وجد الطفل صلاح جاهين متنفسًا لقدراته الفنية الحرة في الخروج والتعبير، فتفوق في الرسم وشارك في العديد من المسابقات الدولية لرسم الأطفال.
بشكل عام كان صلاح جاهين طالبًا مجتهدًا رغم اهتماماته العديدة وعدم رضاؤه عن الأساليب التقليدية في التعليم وترحال الأسرة الدائم، فقد حصل صلاح جاهين على الابتدائية من أسيوط وعلى الثقافة من المنصورة، والتوجيهية من طنطا. كان إيمان صلاح جاهين راسخًا بعدم جدوى التعليم بالأساليب التقليدية، ورغبته في دراسة ما يهوى؛ فكان رفضه الشديد لضغط والديه عليه بدراسة القانون ليكمل مسيرة الوالد، ولكنه انصاع في النهاية لرغبتهما والتحق بكلية الحقوق.
وكان من نتيجة عدم رضائه عن الالتحاق بكلية الحقوق أن تعثر في دراسته، حتى إنه قضى في السنة الأولى ثلاث سنوات متتالية حتى لحقته أخته ونجحا معًا في السنة الأولى والثانية. ولكن لم يستطع صلاح جاهين أن يكبت بركان الفن داخله أكثر من ذلك، فكان رفضه هذه المرة قاطعًا لمحاولات والديه إقناعه بالعدول عن قراره، وهو ما أسفر عن مشادة عنيفة بينه وبين والده غادر صلاح جاهين المنزل على إثرها دون اطلاع أحدًا على مقصده. فتوجه لبيت الفنانين بوكالة الغوري ثم سافر لعمه بغزة، وقضى فترة هناك عاد بعدها إلى القاهرة، حيث قرأ إعلانا عن وظيفة مصمم مجلات بالمملكة العربية السعودية، فتقدم لها ثم سافر دون أن يخبر أحدًا، ولم يعلم والديه إلا بعد سفره بالفعل، لكنه عاد مرة أخرى لمصر بعد أن تلقى خطابًا من والده يحثه فيه على العودة. ورغم التحاق صلاح جاهين بكلية الفنون الجميلة بعد ذلك إلا أنه لم يكمل الدراسة بها أيضًا.
كلمة سلام
بدأ صلاح جاهين حياته العملية في جريدة "بنت النيل"، ثم جريدة "التحرير". وفي هذه الفترة أصدر أول دواوينه "كلمة سلام" في عام 1955.
في منتصف الخمسينيات بدأت شهرته كرسام كاريكاتير في مجلة "روزاليوسف"، ثم في مجلة "صباح الخير" التي شارك في تأسيسها عام 1957، واشتهرت شخصياته الكاريكاتورية مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، وغيرها من الشخصيات.
أصدر ديوانه الثاني "موال عشان القنال" عام 1957 وفي نفس العام كتب "الليلة الكبيرة" أحد أروع إبداعاته والتي لحنها له سيد مكاوي أحد أقرب أصدقاؤه. أصدر ديوانه "الرباعيات" عام 1963، وفي عام 1965 أصدر ديوانه "قصاقيص ورق"، وخلال تلك الفترة كتب صلاح جاهين أروع أعماله الوطنية التي تغنى بها العديد من المطربين ومنهم عبد الحليم حافظ مثل "صورة"، "بالأحضان"، "والله زمان يا سلاحي" الذي اتخذ النشيد الوطني المصري إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وغيرها من الأعمال الوطنية التي بقت راسخة في ذاكرة الشعب المصري.
وفى الفترة ذاتها كون صلاح جاهين جماعة "محبي ضوء القمر" عام 1961، كما قدم العديد من المسرحيات مثل "القاهرة في ألف عام"، وكتب الأغاني والأشعار للعديد من المسرحيات مثل "إيزيس"، و"الحرافيش"، ولم يتوقف إنتاجه عند الأعمال المحلية، بل قام بالترجمة والإعداد مسرحيًا لبعض المسرحيات الأجنبية مثل "الإنسان الطيب"، "دائرة الطباشير القوقازية". كما قدم الأغاني والأشعار للعديد من الأعمال الإذاعية مثل أغاني مسلسل "رصاصة في القلب".
وعرفانًا منها بأعماله المتميزة للأطفال مثل مسرحيات "الفيل النونو الغلباوي"، "الشاطر حسن"، "صحصح لما ينجح"، "حمار شهاب الدين"، والعديد من الأغاني والصور الغنائية للأطفال اختارته وزارة الثقافة -عام 1962- ليكون مسئولًا عن كل ما يتصل بتوجيه الطفل وثقافته.
وانضم صلاح جاهين في مارس 1964 لأسرة جريدة الأهرام ليكمل مسيرته فيها. كما نال صلاح جاهين وسام الفنون في عيد العلم عام 1965. وعن هذه الفترة يقول صلاح جاهين عندما سُئل عن أجمل فترات العمر: "هي الفترة ما بين عام 1963-1967... الفترة دي كانت الذروة في حياتي".
ولكن جاءت هزيمة 1967 لتكون بمثابة الضربة القاسمة لصلاح جاهين، فأصيب بعدها بالاكتئاب الذي لازمه حتى وفاته. وخلال هذه الفترة توقف عن كتابة الأغاني الوطنية؛ حيث اعتبر نفسه مشاركًا في الهزيمة بأغانيه وأشعاره شديدة التفاؤل والحماس للثورة ولزعيمها جمال عبد الناصر، فلم يكن صلاح جاهين محبًا لعبد الناصر فقط، بل كان مبهورًا به يراه قادرًا على تحقيق مالم يستطع أي زعيم وطنى آخر تحقيقه. وعن حبه لعبد الناصر يقول: "أنا وقعت تحت مغناطيسية الكاريزما الموجودة في شخصية عبد الناصر، ولكنى تعلمت أن انظر إليه بموضوعية..".
سحر السينما
رغم الحالة النفسية التي كان يمر بها صلاح جاهين، إلا أنه تغلب على آلامه، فقدم للسينما سيناريوهات أفلام "خللى بالك من زوزو"، "أميرة حبى أنا"، "عودة الابن الضال"، و"شفيقة ومتولى". كما قدم للتليفزيون سيناريو وحوار مسلسل "هو وهى"، فوازير "الخاطبة" و"عروستى"، استعراض "الأسانسير"، "هاشم وروحية"، وغيرهم الكثير.
وقام صلاح جاهين بالتمثيل في بعض الأفلام مثل "جميلة بو حريد"، "اللص والكلاب"، "شهيدة العشق الإلهى"، "لا وقت للحب"، وآخرها "المماليك". ولكنه لم يكمل في هذا المجال. وعن أدواره في السينما يقول: "كل الأدوار اللى عرضت على، كانوا بيختارونى عشان وزنى فقط... أنا دخلت مجال التمثيل من باب الفضول".
سياسة رغم الهلاك
قالوا السياسة مهلكة بشكل عام
وبحورها يا بني خشنة مش ريش نعام
غوص فيها تلقى الغرقانين كلهم
شايلين غنايم.. والخفيف اللي عام
رغم اعترافه بأنها مهلكة، إلا أنه لم يستطع الابتعاد عنها، كتب للضباط الأحرار وآمن بثورة يوليو، وانكسر مع نكستها.
قام بتأليف ما يزيد على 161 قصيدة، منها قصيدة "على اسم مصر" وأيضا قصيدة "تراب دخان" التي ألفها بمناسبة نكسة يونيو 1967. وهو مؤلف أوبريت "الليلة الكبيرة" أشهر أوبريت للعرائس في مصر.
كانت حركة الضباط الأحرار وثورة 23 يوليو 1952، مصدر إلهام لجاهين حيث قام بتخليد جمال عبد الناصر فعليا بأعماله، حيث سطر عشرات الأغاني.
لكن هزيمة 5 يونيو 1967م، خصوصا بعد أن غنت أم كلثوم أغنيته "راجعين بقوة السلاح" عشية النكسة، أدت إلى إصابته بكآبة، هذه النكسة كانت الملهم الفعلي لأهم أعماله الرباعيات والتي قدمت أطروحات سياسية تحاول كشف الخلل في مسيرة الضباط الأحرار، والتي يعتبرها الكثير أقوى ما أنتجه فنان معاصر.
وكانت أشعاره تعبر عن حال المصريين فكتب تحت عنوان "عناوين جرانين المستقبل" إثر الهجوم الإسرائيلي على مصنع أبو زعبل.
إحنا العمال اللي انقتلوا
قدام المصنع في أبو زعبل
بنغني للدنيا ونتلو
عناوين جرانين المستقبل:
"وحدة صف الأحرار"
"جبهة لكل الثوار"
"عبور الجيش لسينا"
"الزحف من الأغوار"
"جيش العدوان يتقهقر"
"الأرض قايدة نار"
"والبحر قايد نار"
"الاستعمار أثبت فشله"
"البيت الأبيض لا يخجل"
"إحنا العمال اللي انقتلوا"
"قدام المصنع في أبو زعبل"
بنغني للدنيا ونتلو
وكتب "الدرس انتهى" بعد الهجوم الإسرائيلي على مدرسة بحر البقر، وكتب عن التعذيب قائلًا:
أنا كل يوم أسمع..... فلان عذبوه
أسرح في بغداد والجزاير واتوه
ما أعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب
واعجب من اللي يطيق يعذب أخوه
عجبي!!!
ثم توقف عن الكتابة فترة طويلة كتب بعدها "المصريين أهمه" وكانت آخر أعماله الوطنية.
معاركه
خاض صلاح جاهين معارك كثيرة لعل أشهرها معركته مع الشيخ الغزالي، حيث اختلف مع الشيخ الغزالي بالكاريكاتور عند مناقشة مشروع الميثاق في عام 1962، فاستباح طلاب الأزهر دمه وتظاهروا وتجمهروا أمام جريدة "الأهرام"، وكان جاهين قد رسم الشيخ الغزالي وهو يخطب في عدد غفير من الجماهير وكتب "جاهين" على لسان الشيخ الغزالي: "يجب أن نلغي من بلادنا كل القوانين الواردة من الخارج.. كالقانون المدني وقانون الجاذبية الأرضية!".
وتوالت الكاريكاتيرات الساخنة اللاذعة، إلى أن جاء يوم جمعة نشر فيه "جاهين" ستة رسوم كاريكاتيرية دفعة واحدة جميعها سخرية من الشيخ الغزالي ثم ذيلهم بقصيدة زجلية قصيرة أكثر سخرية، يومها ألقى الشيخ الغزالي خطبة قوية في الجامع الأزهر وشن هجومًا قويًّا ضد "صلاح جاهين"، الأمر الذي دفع الكثير من الحاضرين إلى أن يحملوا الشيخ بعد الصلاة على الأعناق وذهبوا إلى مبنى "الأهرام" ورشقوه بالحجارة احتجاجًا على رسومات "جاهين".
تم عقد لقاء مصالحة في مبنى "الأهرام" بين الشيخ الغزالي و"صلاح جاهين" برعاية "هيكل"، وتم التصالح بين الطرفين وطويت صفحة خلاف عنيفة تشابك فيها الدين والكاريكاتير.
كما أجرى معه المدعى العام الاشتراكي تحقيقًا بسبب كاريكاتير انتقد فيه تقريرًا حول نتيجة التحقيق في شأن تلوث مياه القاهرة.
كذلك كان صلاح جاهين على شفا دخول المعتقل، فقد وُضِع اسمه على رأس قائمة المعتقلين أكثر من مرة -نظرًا لما يعرف عنه من ميول يسارية والنقد للنظام- لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر شخصيًا لحذف اسمه خمس مرات من هذه القائمة.
جاهين والحب
"الحب سواء كنت متزوجًا أم لا؟!، في حالة عدم الزواج، هناك الحب الحر الذي تستطيع فيه أن تحب كل يوم واحدة. أما الزواج فهو أن تستقر وتختار واحدة تبنى معها الحب يوميًا، فعندما تنقطع هذه الصلة وتفقدها تشعر أن هذه فترات ضاعت عليك!".
هكذا كان رأى صلاح جاهين في الحب والزواج، فالزواج هو الاستقرار، لذلك تزوج صلاح جاهين مرتين، باحثًا عن الاستقرار والحب. فتزوج للمرة الأولى من "سوسن محمد زكى" الرسامة بمؤسسة الهلال عام 1955 وأنجب منها بهاء وأمينة جاهين.
وعما جذبها في صلاح جاهين تقول السيدة سوسن زكي: "كان رقيقًا في معاملاته على كل المستويات... إنسانًا مهذبًا... نبيلًا في كل تصرفاته... كان متقدمًا في تفكيره... بسيطًا في كل المواقف... بهرتني طريقة تفكيره... وأدهشني أنه لم تكن لديه طباع متشددة مثل كل الرجال المصريين في ذلك الوقت... لكن أهم صفة كان يتمتع بها هي البساطة في كل شيء".
وعن مرحه والطفل داخله تقول: "لما يبقى فاضي ومفيش حاجة يرسمها أو يكتبها، كان يغنى ويرقص ويتنطط في البيت". كما رقص صلاح جاهين في المستشفى عند ولادة أول أولاده بهاء!.
تزوج صلاح جاهين للمرة الثانية من السيدة "منى جان قطان"، الفلسطينية الأصلابنة الصحفية والأديبة جاكلين خوري التي هاجرت لمصر بعد حرب 1948، أما عن المرة الأولى التي قابلت فيها صلاح جاهين فكانت في صيف 1963، وكان مسرح العرائس يعرض مسرحية "صحصح لما ينجح". فعشقت روح الطفولة الكامنة في هذا الطفل الكبير، وهو ما افتقدته منى في طفولتها.
وهكذا كان صلاح جاهين مرآة منى قطان للمجتمع المصري الشعبي، فرافقته في رحلاته لهذه الأماكن دون ضيق، فلقد أحبت هذه الأماكن من عشقه لها وتفاعله مع روادها البسطاء.
وعن طبيعة العلاقة بينهما تقول منى قطان: "الإحساس بالالتزام هو الذي جعله يدخل كلية الحقوق ولا يكمل دراسته بها، ويدخل كلية الفنون ولا يكمل الدراسة أيضًا... ولذا فالعلاقة بيننا لم تكن علاقة زواج والتزام، بل كانت علاقة صداقة قبل كل شيء".
وعن تعلقه بها يقول صلاح جاهين: "ماذا جعلني أتعلق بزوجتي؟! ربما فيها الكثير من أمي، حتى بعض العادات السيئة مثل الكلام الممزوج بلغة أخرى.. فأمي حتى الآن نصف كلماتها بالإنجليزية، وعندما قابلت منى قطان وجدت فيها هذه الخصال الأنثوية المتعبة... والدتي أروع امرأة قابلتها وأحببت زوجتي لأنها تشبهها".
وشدا بها قائلًا:
منى... منى
منى قلبى وروحى
يا بلسم الجروح
بوجهك الصبوح.. يا منى
منى.. منى
منى و... يا منايا
يا أجمل الصبايا
وعن الحب كتب في رباعياته:
ياللي عرفت الحب يوم وانطوي
حسك تقال مشتاق لنبع الهوي
حسك تقول مشتاق لنبع الغرام
ده الحب.. مين داق منه قطره.. ارتوى
عجبي!!!
رباعيات جاهين
حقق صلاح جاهين في رباعياته ببساطته وتلقائيته التعبير عن كل ما يشغل البسطاء بأسلوب يسهل فهمه واستيعابه، كما أنها تحمل بين حروفها حالات نفسية عديدة، توغل فيها دكتور يحيى الرخاوي عالم النفس الشهير، حيث قام في كتابه "رباعيات ورباعيات" بتسليط الأضواء على أعمال جاهين من منطلق شخصيته وارتباط ما جاء في الرباعيات بما سماه حالة "الفرحانقباضية"، بين طور الاكتئاب وطور الفرح، أنه في رباعيات جاهين تكاد تظهر كل أعراض الاكتئاب بلا استثناء من أول عدم الاكتراث والملل، إلى الشعور بالضياع وفقدان المعنى، إلى الإحساس بتغير الكون وتغير الذات، ثم الميل إلى الانتحار أو العجز عن الانتحار.
يواصل: كل ذلك يتتابع في صور -رغم مرارتها- جميلة، حتى تجعلنا نحب ما لا يحب، أو على الأقل نقترب من صدق معاناة من يعايشها في تعاطف متألم قد يخفف عنه، وقد يشجعنا على خوض ما نخشى.
يا حزين يا قمقم جوه بحر الضياع
حزين أنا زيك وإيه مستطاع
الحزين ما بقالهوش جلال يا جدع
الحزن زي البرد زي الصداع!
ويرى الرخاوي أن هناك في الرباعيات مزيد من عينات أعراض الاكتئاب المتنوعة، فنرى السلبية والتسليم. لكنه إذ يعلن الاستسلام بهذه الصورة القصوى، يكاد يمهد للإيحاء برفضه.
الدنيا أوضة كبيرة للانتظار
فيها ابن آدم زيه زي الحمار
الهم واحد والملل مشترك
ومفيش حمار بيحاول الانتحار
النهاية
في يوم الحادي والعشرين من شهر أبريل توفي صلاح جاهين، كان سبب الوفاة كما قال ابنه الشاعر بهاء جاهين هو تضارب استخدام العقاقير، لأنه كان يعاني من عدة أمراض في القلب والضغط والسكر وغيرها، والحقيقة أن كل طبيب كان يعطيه عقارا للقلب دون مراعاة مدى صلاحية هذا العقار لمرض السكر أو العكس، أدى ذلك إلى نتائج سلبية سببت وفاته في 21 من أبريل عام 1986 عن عمر يناهز الخامسة والخمسين.
أنا كنت شيء وصبحت شيء ثم شيء
شوف ربنا.. قادر على كل شيء
هز الشجر شواشيه ووشوشني قال:
لا بد ما يموت شيء عشان يحيا شيء
عجبي!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.