تسببت سياسة التشدد النقدي للبنك الفيدرالي الأمريكي ورفعه الفائدة بشكل متكرر منذ 2022، في ضعف عملات الأسواق الناشئة وارتفاع تكلفة الحصول على العملة الأميركية وضعف مدفوعات التجارة الخارجية لهذه الأسواق وبالتالي ارتفاع التضخم والاسعار ورفع تكلفة الديون المقومة بالدولار لديها فيما يبدو وكأنه تصدير للتضخم الأمريكي الي العالم. ومن المعروف أن زيادة أسعار الفائدة على الدولار تزيد من قوته أمام بقية عملات العالم ما يضعف القوة الشرائية للأخيرة في ظل اعتماد الاقتصاد العالمي على الدولار كعملة مدفوعات تجارية واحتياطات أجنبية كما يمثل الدولار 58.3% من احتياطات الدول لدى صندوق النقد الدولي وان ما يقارب ال 90% من التجارة الدولية تتم بالدولار وهو الأمر الذي يمكن أن يتسبب في وقوع أزمة مالية تدفع بالاقتصاد العالمي إلى الركود. ورغم قيادة الصينوروسيا والهند جهودا مع اقتصادات أخرى كالارجنتين لتنفيذ مدفوعات التجارة بعيدا عن الدولار لا هذه الجهود مازالت في مهدها ولم تؤت نتائجها بعد. وتحاول البنوك المركزية في العالم الناشئ ببيع الدولار لدعم العملة والأسواق وهي خطوة قياسية منذ عام 2000.. وبعد التخارج الكبير للدولار من الأسواق الناشئة في مطلع 2022، فيما عرف بهروب الأموال الساخنة حاولت العديد من الدول بناء احتياطاتها مرة أخرى من الدولار لدعم قوة عملاتها الوطنية لكنها ليست كافية للصمود أمام سعي الاحتياط الفيدرالي الأمريكي لرفع الفائدة على الدولار وسط تحذيرات من أن عددا كبيرا من الأسواق الناشئة ربما تضطر إلى الاستسلام أمام الدولار القوي في وقت تعاني فيه عديد من تلك الأسواق من مشكلات هيكلية. ورغم هذه البلطجة للعملة الأمريكية علي العالم هناك من يتنبأ بأفول عصر الدولار وان هيمنة الدولار الحالية هي فترة مؤقتة متوقعة انهياره كعملة رئيسية في غضون عقد أو عقدين ما يؤثر إيجابيا علي الاقتصادات الناشئة وديونها المقومة بالدولار مستقبلا وبستندون في ذلك علي زيادة الاعتماد الدولي على العملات المحلية في التبادلات التجارية. ويساعد في خضوع بعض الدول لهيمنة الدولار اختلال الهيكل الاقتصادى وزيادة الاعتماد على الخارج فى استيراد الكثير من السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج وارتفاع مستويات الديون الخارجية لذا يجب علاج هذه العيوب من خلال الاهتمام بالصناعة وزيادة الإنتاجية والصادرات وتقليل الواردات ودعم القطاع الخاص والإدارة الجيدة للسياسات النقدية وسعر الصرف الأجنبي والسياسات المالية وتصحيح الاختلالات الهيكلية في اقتصاداتها وتنويع وتقوية قواعدها الإنتاجية. وللاسف تسببت المخاوف المتزايدة من الركود الناجم عن الحرب الروسية والعقوبات الغربية من امريكا وحلفائها الأوروبيون علي روسيا في اندغاع المستثمرين نحو الدولار والهرب من أسواق الأصول الخطرة. وبدأتالعملة الأمريكية رحلة الصعود منذ بداية 2022 ومازال في طريقه ليصبح أكثر قوة خلال العام الجاري بفضل رفع أسعار الفائدة الأميركية في السابق وخلال الفترة المقبلة بهدف كبح التضخم ما يجذب رؤوس الأموال من بقية العالم إلى أميركا ويمنح الدولار تفوقا كبيرا على معظم العملات وللاسف ستدفع الدول الفقيرة التي تواجه بالفعل أزمات اقتصادية حادة وتراكم ديونها الدولارية الثمن بشكل باهظ. والسؤال الذي يطرح نفسه.. هل أصبح الدولار أقوى من اللازم.. وهل هذه القوة الكبيرة هي بداية الهبوط والتهاوي؟.. هذا ما ستكشف عنه السنوات القليلة المقبلة.