هل يملأ الأدب والفن والإبداع الفراغ السياسي ؟ هذا هو السؤال الأصعب الذي لا يطرحه أحد، والذي اختار ملتقى الشربيني الثقافي أن يفتتح به أعماله في انطلاقته القاهرية مؤخراً، الملتقي حشد لنفسه عدداً من القامات الفكرية والأدبية والإعلامية والفنية ،أثرت ليلته الأولي في المحروسة، بعد أن أضاءت ليالي ملتقياته السابقة العتمة الثقافية في المحافظات ، وفي القلب منها القليوبية ،حيث ينطلق الملتقى من مدينة شبين القناطر. بدأالملتقي ليلة إضاءته الأولي في القاهره بعزف السلام الوطني، وتخلله عزف منفرد علي الناي، واختتم بغناء جماعي من فرقة الجميزة (ناصر النوبي ويم سويلم )بمصاحبة عازف الناي الفنان سعيد العسيلي، وتخللها محاولات الإجابة علي السؤال الذي طرحه مؤسس الملتقي الكاتب الصحفي محمود الشربيني علي ضيوفه والمفكر كمال زاخر المفكر، والكاتب الصحفي والمؤلف المسرحي والناقد الأدبي محمد فرج أمين العمل الجماهيري بحزب التجمع، والشاعر الكبير والكاتب ورئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة مسعود شومان ، والشاعر والناقد الدكتور محمد السيد إسماعيل والشاعر والإذاعي الكبير السيد حسن والكاتب الصحفي نبيل عمر. في البداية وفي محاولته للإجابة عن هذا السؤال تحدث الكاتب الكبير كمال زاخر في ملتقى الشربيني الثقافي وقال أنه ينتمي إلى جيل التجارب، منوهاً بأهمية الصالونات الأدبية وتأثيرها الكبير في إشعال ذروة الوعي في المجتمع، كما تحدث عن الثورة التي صنعها العالم الافتراضي وتأثيرها على جيل الكتابة التقليدية، مشدداً علي أن الزمان اختلف، وفرض التطور التكنولوجي نفسه بقوة، وطرح تساؤله حول كيفية بناء الثقة بين الحاكم والمحكوم ، مؤكدا على أن بناء الثقة يحتاج إلى آليات لابد من اقتحامها أولى هذه الآليات هي الثقافة والحوار مشيرا إلى أن قصص يوسف إدريس واحسان عبد القدوس كانت مليئة بالرسائل وعادة ما تظهر الرسائل في الأدب عندما يقل سقف الحرية. وقال الكاتب والسياسي محمد فرج أنه قد دخل السياسة من خلال الثقافة وذكر أنه يوجد حالة من الفراغ السياسي ولابد من سد فجوة هذا الفراغ، وحول كيفية الدور الذي يقوم الأدب والفن في سد هذا الفراغ. وأضاف : لابد من تعديل صيغة السؤال، فنحن نعيش فراغ ثقافي هو المتسبب في الفراغ السياسي ويجب علينا التوصيف بدقة ورد المسألة لأصلها، ويجب أن نعترف أن النخب لديها مشكلة وأننا لم نطرق بعد باب الحداثة، وأن الثقافة السائدة ليست ثقافة الدولة المدنية بقدر ما هي ثقافة الطائفية، فالمواطن يغفل القانون. وأكد فرج على أن المثقف والنخبة الثقافية تأتيها فرص كثيرة ولكنها تهدرها بحرص المثقف على لعب الدور السياسي لا الثقافي، فبعض المثقفين يريدون أن يصبحوا قادة سياسة، وأشار للدور الثقافي الذي يجب أن تلعبه الأحزاب السياسية، وأعطى نموذجآ لحزب التجمع الذي يعد نموذجآ لهذا التطبيق مشيرا إلى أنه على مدى سنوات طويلة إهتم بالجانب الثقافي وكان دائماً مدركاً لأهمية هذا الدور، لذلك يصدر عنه مجلة أدب ونقد المعروفة، مشددا على ضرورة طرق أبواب الحداثة وترسيخ مفهوم ثقافة المواطنة وقبول الآخر، ووجوب ملء الفراغ الثقافي لأن ترك هذا الفراغ سوف يتسبب في إعادة "جماعة الإخوان" إلي المشهد. ومن جانبه أكد الشاعر مسعود شومان رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة على أهمية القضايا التي طرحت وتناولها من منظوره العلمي التخصصي، ولا جدوى من رؤية لا تلتفت لمنظومة قيم الجماعة، وتعجب من إهمال الرؤي التي تستبعد التراث والمأثور الشعبي، وطالب في كلمته بضرورة الوعي بعادات وتقاليد الناس وضرورة ربط الناس بثقافة المكان وأنه بمقدورنا حل كثير من المشكلات بفهم ثقافة الناس. وتساءل شومان: متى ندرس العادات والتقاليد المصرية في مدارسنا؟ ومتى يدرس الطلاب الأنواع الشعرية الشعبية؟ معقبآ يالها من مأساة كبرى ألا ندرس ما نمتلك، كما طالب بضرورة إعادة وصف مصر الآن ،وان تضع الدولة المصرية خطة لزيارة المتاحف المتنوعة في مصر وما أكثرها لتنمية الوعي لدى أولادنا. وختم شومان كلمته بقوله بأن الدين المصدر للعنف ليس دينآ..متعجباً من إصرار الدوله علي الإبقاء علي التعليم الأزهري بكل فروعة ومشتقاته ..مطالباً بالامتناع عن تدريس أي علوم-كالطب والهندسة وغيرها- في الأزهر إلا علوم القرآن والحديث والشريعة ثم أمتع الحضور بعدد من قصائده الشعرية. ومن جهته قال الدكتور محمد السيد إسماعيل في ملتقى الشربيني الثقافي، : إن القبيلة كانت في العصر الجاهلي أشبه بالدولة التي تحتوي شعراءها المدافعين عنها وتقصي الشعراء الخارجين عليها، مثل الصعاليك الذين شكلوا - إبداعا ونضالآ- أول حركة تمرد اجتماعي في مواجهة سادة القبائل. وأضاف د / محمد إسماعيل أن محمد عفيفي مطر اهتم بثقافة القرية المصرية وتقاليدها وعاداتها، وقد خلص الدكتور محمد السيد إسماعيل من ورقته على أن علاقة الشعر بالسلطة تأخذ أنماطاً خمسة : نمط الصمت، ونمط التعريض، ونمط الغزل الكيدي، ونمط الهجاء الصريح) مختتماً رؤيته بضرورة تفعيل كل أشكال الدولة المدنية. -من جهته كانت الحضارة المصرية القديمة حاضرة بقوة في مداخلة الكاتب الصحفي نبيل عمر ،والذي استهل حديثه بالتأكيد علي أن فرعون مصر لم يكن مصريا وأن مصر القديمة لم يكن بها أمي واحد لأن التعليم لديهم كان جزءا أساسيآ وضرورة للانتقال للحياة الآخرة وأضاف أن المصري القديم كان أكثر الناس عدلآ. وهل نعاني من فراغ ثقافي؟ وجاءت إجابة الشاعر والإذاعي السيد حسن : يقينآ لا، فلدينامثقفون وشعراء وكتاب على أعلى مستوى ولكننا نعاني من إزاحة المثقف من المشهد بصفة شبه دائمة، وأننا نعاني تهميش فكرة الثقافة من المعادلة المصرية في هذه المرحلة. وشهد الملتقي جانبا فينا للفنان وعازف الناي سعيد العسيلى لأجواء محلقة بعزفه المنفرد ثم مشاركته الفنان ناصر النوبي في العزف لحظة إلقاء فقرة الشعر الجماعي. وعلي أنغام الناي استهلت "فرقة الجميزة "- الفنانة البديعة "يم سويلم" والفنان والملحن والشاعر ناصر النوبي غناءهما في ختام الملتقي ،حيث عزف ناصر النوبي على جيتاره بمهارة كما عزفت يم سويلم بحنجرتها الجميلة على نبضات القلوب، وشاركوا شعراء الملتقى الكبار في وصلات غنائية جماعية بأداء راق ومبهر للجميع بمصاحبة عازف الناي سعيد العسيلي ومشاركة الشعراء الكبار وهم ( مسعود شومان، السيد حسن، السيد الخمار) بقيادة ذكية النوبي" مؤسس الجميزة، وبأداء غنائي ولا أروع من صاحبة الصوت المتميز يم سويلم التي وصفها ناصر النوبي بتميزها الإنساني أيضآ ووصفه لها بأنها " ست جدعة جدآ"