برلماني ليبي: لا حوار قبل جلاء المستعمر التركي ولا مجال للحديث عن منطقة عازلة في سرت والجفرة بعد الرفض المصري والليبي محلل سياسي: القاهرة لن تتنازل عن شروطها ببدء العملية السياسية خبير أمني: لا تراجع عن الخط الأحمر للأمن القومي المصري تشهد الساحة الليبية خلال هذه الآونة تصعيدا عسكريا غير مسبوق عبر قيام أطراف الصراع بحشد قواتها وقدراتها العسكرية على تخوم مدينتي سرت والجفرة خطوط التماس التي باتت خطًا أحمر، وضعت مصر بهدف حمايته عددًا من الشروط أو الخطوط الحمراء الجديدة لبدء عملية سياسية جادة تصيغ مستقبل ليبيا. فبعد أن كانت الأزمة الليبية تنحصر في كونها أزمة أمنية بحته،بسبب سيطرة مجموعات ومليشيات مسلحة وإرهابية على ما تسمى بحكومة الوفاق،أخذت بعدًا سياسيًا واستراتيجيًا على المستويين المحلي والإقليمي،بسبب التدخل العسكري التركي الذي مالبث وتحول إلى استعمار واحتلال عسكري عبر ألآف المرتزقة والعناصر الإرهابية التي يقودها ضباط الجيش التركي. عندما ذهب الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر إلى طرابلس في 4 أبريل من عام 2019، أكد أنه جاء لتحرير العاصمة من سطوة المليشيات والجماعات الإرهابية وفك أسر فايز السراج وحكومته والذي عجز عن حل المليشيات ومحاربة المجموعات الإرهابية وفقا لإتفاق الصخيرات،بل أن المشير حفتر أعلن بوضوح أن تحرك الجيش لا يمنع بأي حال لفايز السراج وحكومته الذهاب إلى المؤتمر الوطني الجامع بمدينة غدامس لمواصلة الحوار السياسي بين مختلف القوى الليبية،وهو المؤتمر الذي كان مُقرر انعقاده في منتصف أبريل من نفس العام. بيد أن فايز السراج أبى إلا أن يستمر في الخضوع لسطوة المجموعات الإرهابية المسلحة،وبدلًا من أن ينأى بنفسه عنها،قام بمنح قادتها نحو 50 مليار دينار للدفاع عما أسماها بالدولة المدنية الديمقراطية الخاضعة تمامًّا لأمراء الحرب من عناصر القاعدة وداعش. وقد ارتكب المجتمع الدولي متمثلا في كل من الأممالمتحدة وأوروبا وأمريكا خطأ استراتيجيًا عندما أصر على التعامل مع الأزمة الليبية باعتبارها صراع سياسي على السلطة بين طرفين وتجاهل عمدًا حقيقة الأزمة، مما سمح لتركيا تطوير دعمها لمليشيات وعصابات السراج إلى غزو واحتلال بالمعنى العسكري،عبر ألآف المرتزقة إلى جانب الضباط والجنود الأتراك لتشرع في تنفيذ مخططها لتحويل ليبيا إلى بؤرة للإرهاب ونشر الفوضى لمد نفوذها في أفريقيا وتهديد الأمن القومي المصري والعربي والضغط على الاتحاد الأوروبي،ما يسمح لها بالسطو على ثروات الشعب الليبي من النفط والغاز والمعادن،وإجبار دول حوض المتوسط على تمكينها من الاستحواذ على حصة من غاز شرق المتوسط تملكها كل من قبرص واليونان وليبيا. تتبع المسار التاريخي للأحداث في ليبيا وتحديدًا حرب طرابلس من أبريل 2019 والتي لم تنته بعد،رغم انسحاب الجيش الوطني الليبي حتى حدود سرت والجفرة، من الأهمية بمكان للوقوف على تأثيرات وتداعيات الموقف المصري دوليًا وإقليميًا وهو الموقف الذي بدأ في السادس من يونيو 2020 حين أعلنت القاهرة بحضور رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح والقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر،المبادرة المصرية أو ما عُرف بإعلان القاهرة لتسوية الأزمة الليبية. وللتذكير شدد إعلان القاهرة على ضرورة انسحاب كافة العناصر الأجنبية والمرتزقة وتفكيك المليشيات لبدء حوار سياسي تشارك فيه حكومة الوفاق تحت مظلة الأممالمتحدة بهدف تشكيل كيانات سياسية جديدة عبر آلية انتخابات ديمقراطية تُمثل فيها أقاليم ليبيا الثلاثة. وفيما رحبت غالبية الأطراف الدولية باستثناء تركيا وقطر وعصابة السراج بإعلان القاهرة،استمرت أنقرة ومواليها في طرابلس حشد ألآف المرتزقة والعناصر الإرهابية لاحتلال مدينتي سرت والجفرة،بينما ظل المجتمع الدولي مُكتفيًا بالدعوة إلى التهدئة،وهو ما دفع القاهرة لتطور موقفها السياسي فكان إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، بأن مدينتي سرت والجفرة ومن خلفهما الهلال النفطي خطًا أحمر للأمن القومي المصري، وأخذ هذا الموقف المصرى يتدرج مع موافقة البرلمان الليبي على التدخل العسكري المصري،ثم إعلان شيوخ وأعيان جميع القبائل ترحيبهم بهذا التدخل ليصل ذروته بموافقة مجلس النواب المصري بالإجماع على إرسال قوات الجيش المصري إلى ليبيا دفاعًا عن الأمن القومي المصري والعربي. الدبلوماسية المقرونة بخطوط حمراء واستعداد عسكرى، التي اتبعتها مصر،نجحت في منع أردوغان من اقتحام مدينتي سرت والجفرة باستخدام طائراته وبوارجه الحربية،لكنها قد لا تمنعه من الاعتماد على هؤلاء الألآف من المرتزقة والإرهابيين التي حشدها شرق مدينة مصراته لإدراكه أن تدخل القطع الحربية التركية في تلك المعركة سيؤدي قطعًا لصدام عسكري مُباشر بين كلٍ من الجيشين المصري والتركي. هذا المنهج المصري الذي حمل صيغة الحل السياسي للأزمة بيد والسلاح في اليد الأخرى ساعد على تحريك الماء الراكد على سطح المتوسط،ففيما تقاعست أوروبا عن اتخاذ مواقف تصعيدية ضد أردوغان وسياسته خوفًا من ورقتي الهجرة غير الشرعية والإرهاب التي يملكها الأخير في سوريا وسواحل الغرب الليبي،بدأت القارة العجوز تلوح بورقة العقوبات الاقتصادية في وجه أنقرة وبدأت تصعد تصعيدًا فرنسيًا وألمانيًا وحتى ايطاليًا خاصة بعد أن لاحظت الأخيرة أن تركيا تسعى للاستحواذ على كل عقود إعادة الإعمار ومشاريع الطاقة واستخراج النفط والغاز دون أن تترك لروما حصة وربما بعض الفتات. مياه شرق المتوسط شهدت بدورها تصعيدًا آخر يستخدم ورقة التهديد العسكري المباشر تجسد في مناورة عسكرية بحرية تجمع فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص. دبلوماسية التصعيد العسكري المصرية جعلت القاهرة تملك أوراق ضغط من النوع الثقيل إن جاز التعبير حال جلس الجميع إلى طاولة التفاوض لكن أوروبا ومن خلفها الولاياتالمتحدة أرادت إضعاف هذه الورقة باقتراح إنشاء منطقة عازلة في سرت والجفرة على أن تتولى قوات أوروبية مسئولية الإشراف على الهلال النفطي. يقول عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي علي التيكبالي ل"البوابة نيوز" إنه لم يعد هناك مجال للحديث عن هذا المقترح،وأكد أن الحوارات الدائرة في الكواليس باتت خالية تمامًا من الحديث عنه بعد الرفض المصرى والليبي المطلق موضحا أن قبول هذا المقترح يعني ببساطة الموافقة على تقسيم ليبيا. وفي حديثه للبوابة شدد أيضًا على المعلومات الصحفية التي ذكرت أن القاهرة أبلغت واشنطن والعواصم الأوروبية بعدة شروط تعتبرها خطوط حمراء جديدة اضافة الى الخط الأحمر الذي ترسمه حدود سرت والجفرة وتمهيدًا للبدء لأي عمل سياسي أو تفاوضي. من هذه الشروط رفض فكرة استبعاد خليفة حفتر أو عقيلة صالح بناء على أي رغبة تركية، الإصرار على سحب الآليات العسكرية التركية من ليبيا قبل أي تفاوض او حوار،رفض فرض إرادة تركيا في المتوسط أو الحصول على جزء من النفط الليبي، رفض سيطرة الجماعات المتطرفة والإخوان على القرار الليبي، رفض فكرة إبعاد الجيش الليبي عن سرت والجفرة،رفض الاعتراف بأي اتفاقيات بين تركيا والوفاق، رفض تقسيم ليبيا، رفض إقامة أي قواعد عسكرية تركية في ليبيا، حصر السلاح الليبي بيد الدولة فقط،تفكيك الميليشيات المسلحة في ليبيا. هذه الشروط في مجملها تعكس بنود إعلان القاهرة كما أنها تتوافق مع مخرجات مؤتمر برلين،علاوة على المواقف المصرية المعلنة ضد القرصنة التركية في شرق البحر المتوسط ويؤكد البرلماني الليبي علي التيكبالي أنه لا حوار مع المحتل التركي ولا تفاوض مع ما تسمى بحكومة الوفاق غير الشرعية قبل جلاء جميع المرتزقة الأجانب وحل المليشيات. ويضيف التيكبالي أن شروط القاهرة ودبلوماسية التصعيد العسكري عملت على تحجيم تحركات أردوغان وجعلته يبدو متخبطًا بين تصريحات عدوانية متشددة تهدد الجيش الليبي وتحذر الجيش المصري،وبين تحركات سياسية مع موسكو يسعى من خلالها للبحث ربما عن مخرج دبلوماسي من المأزق الذي وجد فيه نفسه. إلى ذلك دفع التصعيد المصري السياسي والعسكري المتلاحق واشنطن إلى ادراك أن مصر وتركيا قد يدخلان في مواجهة عسكرية حاسمة وهو ما سيكلف الولاياتالمتحدة الكثير من مصالحها ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إجراء اتصالات مباشرة مع باريس والقاهرة وأبوظبي ليؤكد حرصه على الحل السياسي وضرورة خروج جميع المرتزقة والعناصر الأجنبية تحقيقًا للشرط المصري،لكن علي التيكبالي البرلماني الليبي لا يعول كثيرًا على ترامب قائلا هناك تباين واضح داخل الإدارة الأمريكية بين مواقف كلٍ من مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية موضحًا أن ترامب ليس بوسعه وقف الحرب وأن كل ما يملكه تقديم النصح لجميع الأطراف. الضغوط المصرية الهائلة والمعززة بموقف وقوة عسكرية لا قبل لبوارج أردوغان وطائراته الحربية ومرتزقته بها علاوة على الضغوط الأوروبية لن تدفعه إلى الانسحاب طالما ظل الموقف الأمريكي غير حاسم،لكنها تمنعه قطعًا من الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة ويعتقد المحلل السياسي والمختص في الشأن الليبي محمد فتحي الشريف أن الخيار الوحيد أمام أردوغان هو الاكتفاء بتقديم الدعم اللوجيستي على الأرض لحشود المرتزقة والإرهابيين دون مشاركة مباشرة من بوارجه الحربية أو طائرات اف 16 عبر البحر المتوسط ،خاصة وأن مصر مصرة على شروطها الجديدة ويتفق الشريف مع الخبير في مكافحة الإرهاب الدولي العقيد حاتم صابر في أن مصر لن تتدخل بشكل مباشر، إلا حال تدخل تركيا بشكل سافر في العدوان على سرت والجفرة وأنها ستكتفي بتقديم الدعم للجيش الوطني الليبي لصد هجمات المرتزقة والليبيين ويؤكد صابر أن التدخل العسكري المصري على الأرض سيحدث حال تعرض الجيش الليبي لهجمات مكثفة تهدد حدود مدينتي سرت والجفرة وشدد الخبير في مكافحة الإرهاب الدولي على أن الجيش الوطني الليبي يمتلك من الإمكانيات ما يساعده على هزيمة حشود المرتزقة والمليشيات المسلحة ما لم تتلقى دعمًا عسكريًا تركيًا مباشرًا. يبقى القول إنه حال اكتفى أردوغان بدعم مرتزقته وعصابات السراج تفاديًا للصدام مع مصر، فيؤدي هذا الخيار إلى إنهاء أي أمل لحل سياسي كما يقول عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي علي التيكبالي وستتحول المواجهة مع المرتزقة إلى حرب تحرير شاملة لن تتوقف الا عند رأس جدير المدينة الحدودية الليبية مع تونس،حيث انتفضت جميع القبائل الليبية وأعلنت الخميس 23 يوليو 2020 أن مليون من أبنائها مستعدين للانخراط فى صفوف القوات المسلحة الليبية لتحرير وطنهم من المستعمر التركي.