أسعار تذاكر واشتراكات مترو الأنفاق لمدة 3 شهور.. «طلاب وكبار سن»    موعد اجتماع البنك المركزي المصري الثالث خلال 2024.. اعرف الموعد والتفاصيل    حدث ليلا.. زعيم كوريا الشمالية يستعد للحرب والحرائق تشعل تل أبيب | عاجل    فلسطينيون في إسرائيل يطالبون بحق العودة في ذكرى النكبة    عاجل.. وفاة والد نجم الزمالك قبل أيام من نهائي الكونفدرالية    «تغيير تاريخي واستعداد للحرب».. صواريخ زعيم كوريا الشمالية تثير الرعب    أبرزها تبكير صرف المرتبات.. بشائر تنتظر المواطنين الشهر المقبل قبل عيد الأضحى    حكم طواف بطفل يرتدي «حفاضة»    بسبب الدولار.. شعبة الأدوية: نطالب بزيادة أسعار 1500 صنف 50%    مرصد الأزهر يستقبل وزير الشؤون السياسية لجمهورية سيراليون للتعرف على جهود مكافحة التطرف    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    تقسيم الأضحية حسب الشرع.. وسنن الذبح    هدوء حذر.. سعر الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة وعيار 21 الآن يسجل هذا الرقم    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    الإعلان عن أول سيارة كهربائية MG في مصر خلال ساعات    اليوم، الحكم على المتهم بدهس طبيبة التجمع    "بنكنوت" مجلة اقتصادية في مشروع تخرج طلاب كلية الإعلام بجامعة جنوب الوادي (صور)    امرأة ترفع دعوى قضائية ضد شركة أسترازينيكا: اللقاح جعلها مشلولة    عرض فيلم Le Deuxième Acte بافتتاح مهرجان كان السينمائي    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15 مايو في محافظات مصر    «تنمية وتأهيل دور المرأة في تنمية المجتمع».. ندوة لحزب مستقبل وطن بقنا    أفشة: سأحقق البطولة الرابعة إفريقيا في تاريخي مع الأهلي.. واللعب للأحمر نعمة كبيرة    أمير عيد يكشف موعد ألبومه المُقبل: «مش حاطط خطة» (فيديو)    أحمد حاتم بعد انفصاله عن زوجته: كنت ظالم ونسخة مش حلوة مني (فيديو)    نانسي صلاح تروج لأحدث أعمالها السينمائية الجديدة "جبل الحريم"    سمسم شهاب يترك وصيته ل شقيقه في حال وفاته    وليد الحديدي: تصريحات حسام حسن الأخيرة غير موفقة    اجتياح رفح.. الرصاصة الأخيرة التي لا تزال في "جيب" نتنياهو    عاجل - مبTHANAWYAاشر.. جدول الثانوية العامة 2024 جميع الشعب "أدبي - علمي"    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    3 قرارات عاجلة من النيابة بشأن واقعة "فتاة التجمع"    بسبب الخلاف على إصلاح دراجة نارية .. خباز ينهي حياة عامل دليفري في الشرقية    الهاني سليمان: تصريحات حسام حسن تم تحريفها.. والتوأم لا يعرف المجاملات    شوبير: الزمالك أعلى فنيا من نهضة بركان وهو الأقرب لحصد الكونفدرالية    مصطفى الفقي: معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة تغيرت لهذا السبب    نشرة أخبار التوك شو| تصريحات هامة لوزير النقل.. وترقب لتحريك أسعار الدواء    الأزهر يعلق على رفع مستوطنين العلم الصهيوني في ساحات المسجد الأقصى    وزير الرياضة: نمتلك 5 آلاف مركز شباب و1200ناد في مصر    كاف يهدد الأهلي والزمالك بغرامة نصف مليون دولار قبل نهائي أفريقيا | عاجل    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 15-5: نجاحات لهؤلاء الأبراج.. وتحذير لهذا البرج    تحرير 31 محضرًا تموينيًا خلال حملة مكبرة بشمال سيناء    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    اليوم.. التضامن تبدأ صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    أثناء عمله.. مصرع عامل صعقًا بالكهرباء في سوهاج    مواعيد الخطوط الثلاثة لمترو الأنفاق قبل ساعات من بدء التشغيل التجريبي للمحطات الجديدة    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    تعليق يوسف الحسيني على إسقاط طفل فلسطيني لطائرة مسيرة بحجر    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    «أفريقية النواب» تستقبل وفد دولة سيراليون في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعنة الثأر فى صعيد مصر..نساء تحمل السلاح وأطفال يعشقون الموت وتقاليد لاترحم..
نشر في البوابة يوم 20 - 02 - 2014

شهدت محافظة أسيوط منذ ساعات مذبحة بشرية بشعة حيث لقي أربعة أشخاص من عائلة واحدة مصرعهم بينهم أب وابناه، وأصيب خامس بقرية صنبو بمركز ديروط.
كانت مجموعة من عائلة أولاد عمر قد قامت بالتربص لمجموعة من عائلة الشوافع أثناء عودتهم من الحقل وأمطروهم بوابل من الرصاص ليلقى أب وولديه وقريبهم مصرعهم جميعا، وأصيب الأبن الثالث للمجني عليه الأول، وذلك انتقاما لمقتل أحد أفراد عائلة أولاد عمر منذ شهرين.
تغير خريطة الثأر بعد 25 يناير
وفي الواقع فإن عادة الثأر ظلت لسنوات طويلة مشكلة في الصعيد لاعتبارات متعلقة بالفقر والجهل والتهميش والعصبية القبلية.. لكنه تحول الي ظاهرة ملفتة في الوجه البحري حتي أن معدلاته هناك أصبحت الأعلى ليصبح مرتبطا بعد25 يناير بالسياسة وفرض السطوة والانتقام.
حيث تغيرت خريطة الثأر في بلادنا، فبعد أن كان الثأر محصورا في المثلث الدموي بالصعيد والذي يشمل محافظات أسيوط وسوهاج وقنا اصبح الآن ظاهرة في الشرقية والمنوفية والإسكندرية والغربية والدقهلية.
البعد الاخطر في ظل الفوضي والانفلات الامني ان كل شخص يريد الآن أن يأخذ حقه بيده بدلا من اللجوء الي القانون بل إن الثار في الوجه البحري وكما تقول الدكتورة سامية الساعاتي أستاذ علم الاجتماع ارتبط بالحراك السياسي ولم يعد ناتجا عن العصبيات العائلية او القبلية..كما هو الحال في الصعيد..نتيجة الأعراف والعادات والتقاليد التي لا يمكن التنازل عنها.
عقيدة اجتماعية
"" كنت فين يا وعد يا مقدر .. دي خزانة وبابها مسدر " .. بكائية من مئات بل آلاف المواويل الحزينة التي يهرع إليها أهالي الصعيد في جنوب مصر في أحزانهم العديدة والمتوالية ، كلمات قصيرة لكنها قاتلة تصبغ القلب بالسواد ، وتفوح منها رائحة الموت الممزوجة بالدم ، جمل لا تخلو من الموسيقي والشجن ، لكنها موسيقي سوداء ، عزفها كل نساء الصعيد بعدما التهمت " محرقة " قطار الموت أكثر من 350 شخصا قبل سبعة أشهر ، في سيمفونية جنائزية قلما تتكرر . ولكن يبدو أن طائر الموت الحزين قد عشش في بيوت الصعايدة ، بعدما أعجبته تلك الأنشودة اليومية التي يعزفها الإنسان والطبيعة في صعيد مصر .
التار ولا العار يا بوي".. عبارة يعرفها كل من ينتسب لصعيد مصر وهي تعبر إلى حد كبير عن فلسفة جريمة الثأر وتكشف أيضا عن أسرار صناعة الإجرام في الصعيد وهي في هذا لا تعرف تمييزا بين غني وفقير أو متعلم و جاهل، فهناك الكل يحمل السلاح دون أن يخفي حاله بل في معظم الأوقات لا يكلف القاتل الشرطة عبأ البحث عنه ويقوم هو بتسليم نفسه و يعترف بافتخاره بدون ضغط أو إنكار بقيامه بالقتل ويعلنها بكل ارتياح "أخذت تاري يابيه".
الصعيد فوق النار
صعيد مصر.. ياله من منطقة حالكة الظلام، فبين سواد الفقر وهوان الجهل والمرض الذي تقبع فيه أكثر القرى في جنوب مصر، تنفجر الأوضاع من آن لآخر لنفتح عيوننا على حادث غدر يسمونه الثأر، وأخطر مكامن زائر الموت هذا أنه يأتي من حيث لا تحتسب، كما أنه يقتل من لا يستحق القتل، ومن آن لآخر تنعقد جلسات صلح هنا وهناك لتصفية الخصومات الثأرية لكنها غالبا تكون عبارة عن "فض مجالس" بحسب اللتعبير المصري الدارج.
ويشكل عام فإن الحزن لدى سكان الصعيد ليس بالأمر الطارئ أو العابر ، بل انه نسق حياة متكامل ، ويحتل الثأر بما يخلفه من موت وخراب مكان القلب منه ، والمرأة الصعيدية تكاد لا تخلع السواد طوال عمرها ، ولا تقتصر مراسم الحداد على الملبس فقط ، بل يمتد إلى المأكل وكل اوجه الحياة المتعددة ، فتغلق أجهزة التليفزيون ويتوقفون عن أكل اللحوم وعمل الكحك في الأعياد ، وتتوقف حفلات الزفاف وتختفي كل ملامح الفرح .
ولا تقل فترة الحداد لدى المرأة الصعيدية عن عام كامل وربما يمتد الحزن مدى الحياة إذا كان الفقيد زوجاً في منتصف العمر أو ولداً في مقتبل الحياة ، وإذا ما حاول أحد الخروج عن تلك التقاليد الصارمة أعتبر ذلك خيانة لذكرى وروح الفقيد . والمرأة الصعيدية هي الحارس على خزانة الأحزان ، والمقاوم بعنف لأي محاولة لخرق تلك المراسم العتيقة .
القتل عادة يومية
وعلى الرغم من انتشار التعليم في محافظات الصعيد في السنوات الأخيرة ، ووصول معظم الخدمات من مياه وكهرباء واتصالات ، إلا أن عادة الثأر لم تتراجع عن واجهة الحياة في تلك المنطقة القاسية والمقفرة من جنوب مصر ، بل إن هذا التعليم وتلك الخدمات تم توظيفها لتطوير عملية الأخذ بالثأر ، وتحول المتعلمون إلى ما يمكن أن نسميه "جناحا سياسيا" لعائلات وقبائل الصعيد ، حيث يقوم هؤلاء بالتخطيط وإدارة عملية الثأر وما يعقبها من إجراءات قضائية أمام المحاكم.
بينما يتولى الأفراد الأقل تعليما في العائلة دور "الجناح العسكري" ، حيث يقومون بشراء الأسلحة وإخفائها حتى تحين ساعة "أخذ الحق" والانتقام لقتلاهم ، في حين يتولى التمويل أثرياء العائلة من التجار وملاك الأراضي ، كما يقوم هؤلاء بالإنفاق على أسر من يقتلون أو يسجنون في مسلسل الثأر الدامي.
وتعطي أعراف الثأر حصانة خاصة للضيوف ، فلا يجوز مهاجمة الخصم إذا كان بصحبته أحد الضيوف ، ويتشدد أهالي الصعيد إذا تعرض ضيوفهم للإيذاء ، ويعتبرون دم الضيف مضاعفا ، فالضيف برجلين ، وكذلك الأمر بالنسبة للنساء ، فالمرأة برجلين ، وان كان من النادر للغاية سقوط قتلي من النساء في حوادث الثأر ، خاصة انه ربما تكون المرأة من عائلة أخرى غير عائلة زوجها ، وهنا تتسع مساحة الخصومة لتشمل عائلة جديدة وهو ما يحرص الصعايدة على تجنبه.
موت وخراب بيوت
والمطالبة بالثأر لها ضوابط معروفة في الصعيد ، فالأبناء هم الأحق بالقصاص لدم أبيهم ، يليهم الأخوة الأشقاء ، فالأخوة غير الأشقاء ، وإذا لم يكن للقتيل أبناء أو أخوة ، فحق المطالبة بالدم ينتقل إلى أبناء العم الأشقاء ، ومنهم إلى أبناء العمومة غير الأشقاء ، والثأر في الصعيد لا يلزم سوى أقارب "الدم" أي من ناحية الأب ، ولا علاقة لأقارب الأم بعملية الثأر ، وان كان الأمر لا يخلو من الدعم والمساعدة.
أما فيما يتعلق بمن يتم أخذ الثأر منه ، فالأمر أكثر تعقيدا ، ففي الغالب يتم استهداف القاتل باعتباره المسئول عن اندلاع الخصومة ، ولكن في بعض الأحيان تحرص بعض العائلات على قتل من يوازي في أهميته وعمره رجلها المقتول ، فإذا كان المقتول أحد كبار العائلة تم قتل من يساويه مقاما في العائلة الأخرى ، وإذا كان القتيل شابا يتم اختيار أحد شباب الخصوم ، وفي كل الأحوال يتم الحرص على أن تقتصر دائرة الثأر على القاتل أو الدائرة الضيقة من أقاربه ممن يشتركون معه حتى الجد الخامس .
وتختلف عائلات الصعيد في تعاملها مع قضية الثأر بحسب قربها أو بعدها عن المناطق الجبلية ، فالقرى القريبة من المدن تقتصر عملية الثأر داخلها على الدائرة الضيقة القريبة من القاتل ، ولا يخرج الأمر عن القاتل أو أحد إخوته أو أبنائه ، وكذلك الأمر بالنسبة ل " أولياء الدم " ، فمن يقوم بالثأر هو ابن أو أخو القتيل أو أحد أبناء عمومته الأشقاء ، ويطلق الصعايدة على هذا الأمر مقولة " المعركة عيلة .. والقتيل بيت " ، بمعنى أن العائلة تشارك بأكملها في التشاجر ، ولكن حين يقع القتيل يقتصر الأمر على بيت القاتل والقتيل فقط ، وينحصر دور باقي أفراد العائلتين في الدعم والتعضيد.
وراء كل ثأر .. امرأة
على الرغم من أن الدراما التليفزيونية والسينمائية أظهرت المرأة الصعيدية في صورة المقهورة والمظلومة التي تحرم من طفولتها ومن حقها في التعليم ومن ميراثها الشرعي .. وغيرها من الصور السلبية التي ترسخت في الأذهان عن نساء الصعيد ، إلا إن الواقع يختلف كثيرا ، فالمرأة ربما تكون مقهورة ومحملة بالكثير من الهموم والأعباء ، ولكن هذا الأمر ينطبق - أيضا - على الرجل الصعيدي ، فالطبيعة القاسية في جنوب مصر من فقر وبطالة وجهل ونقص في الخدمات لا تفرق بين رجل وامرأة ، فالكل تحرق بشمس الصعيد اللاهبة وعاني من تقاليده الجامدة الصارمة ، ولا يملك أحد التملص من تلك التقاليد إلا اتهم بالجبن والعقوق .
ومن المفارقة أن المرأة الصعيدية تلعب دور الحارس على تلك التقاليد ، وعلى رأسها بالطبع الثأر ، فالمرأة تكاد توهب حياتها بالكامل للثأر لأب أو زوج أو أخ أو ابن قتل غدرا ، وتتصدي لأي محاولة من أفراد أسرتها للتهرب من " الدم " ، وشهد الصعيد عشرات النسوة اللاتي بتن يدعين الله ليل نهار أن يحفظ لهن الابن والأخ ، لا لشيء إلا ليأخذ ثأر عائلته ، فالمرأة الصعيدية ترضع ابنها وتربي شقيقها على أن الثأر مرادفا للرجولة ، وانه قدر محتوم لا مفر منه ، وفي أحد حوادث الثأر استدرج شقيقان قاتل أخيهما لتناول العشاء ثم ذبحوه وقدموا رأسه هدية لأمهم.
ولا تتردد المرأة الصعيدية في تهديد ذويها بأنها سوف تأخذ ثأر العائلة بنفسها إذا ما لاحظت تباطأ من جانب الرجال ، وكثيرا ما تقدم على "حلق شعرها" بالكامل ، وناهيك عن تريدها الدائم لتلك المواويل البكائية الممزوجة بالدم المعروفة بالعويل أو المندبة، فهي تستحث الأعمام على أخذ ثأر أخيهم على لسان ابنه الرضيع "وصيت يا بايا علينا مين.. قلب قاسي ولا قلب حنين" ، ثم ننتقل إلى الأخوال "يا خال ربيني ووديني حداك.. لابد أبويا يوم الرحيل وصاك".
وإذا لاحظت المرأة الصعيدية تباطؤً من جانب الأقارب فإنها تتوجه إلى طفلها الصغير باعتباره الأمل الأخير "يا بويا هات لي توب مايدوبشي .. ده العم ولا الخال ما يدومشي"، فتغرس في نفس الطفل عشق القتل بهدف الثأر وإن كانت تعلم أن ثمن هذا سيكون ضياع فلذة كبدها نفسه الذي حتما سينتهي مصيره إما بالقتل أيضا أو بالإعدام أو حتى بالأشغال الشاقة على أقل تقدير وفي جميع هذه الأحوال فإنها لن تراه ثانية لكنها رغم هذا لا تتخلى عن عقيدة الثأر أبدا.
والمرأة الصعيدية لا تقف عند حد التحريض فقط ، بل إنها في بعض الأحيان تحمل السلاح ، وهو ما حدث بالفعل في إحدى قرى محافظة قنا ، فبعدما التهم الثأر من الرجال من التهم ، وابتلع السجن الباقين ، تدربت المرأة على استخدام السلاح وحملت البنادق الآلية ، وأخذت على عاتقها رعاية الأرض والأطفال .
وقد شهدت قنا أشهر حوادث الثأر التي نفذتها امرأة ، حيث أقسمت امرأة اسمها "ليلى" على الثأر لإخوتها الثلاثة الذين قتلوا غدرا ، خاصة أن أبناءها وأبناء إخوتها مازالوا أطفالا ، وأصرت على أنها ستأخذه مضاعفا ، وحلقت شعرها ، وارتدت ملابس الرجال ، وحملت مدفعا رشاشا ، وانتقلت للإقامة في الكهوف ووسط زراعات القصب ، وظلت تراقب أعداءها سنوات طويلة حتى حانت اللحظة الحاسمة ، وعلمت أن قاتلي إخوتها يستقلون سيارة ميكروباص لتأدية واجب العزاء بإحدى القرى ، فانتظرتهم عند مدخل القرية، وأوقفت السيارة وطلبت من السائق النزول لأنه ليس من نفس العائلة ، وحصدت 12 شخصا من خصومها.
ولعل القاسم المشترك الذي يجمع كافة حوادث الثأر هو الدموية والتشدد والتباس مفاهيم الشرف بالدم ، وعدم تغليب مبادئ العفو والتسامح بين البشر ، ويكاد يقع أغلب من تنزلق قدماه لهوة الثأر أسيرا لعادات اجتماعية ومفاهيم بالية تدفعه دفعا لسفك الدم ، فيروي أحد المكروبين بالثأر أنه حين يذهب لشراء علبة سجائر ويعطي التاجر عشرين جنيها مثلا ( أقل من 4 دولارات ) وينتظر باقي نقوده فإن البائع ينهره قائلا : "لا حق لك عندي ، انت جاي تاخد حجك مني ما تروح تاخده من فلان اللي قتل واد عمك".
وعلى هذا النحو تظل مناورات الدفع نحو ما يعتبرونه القصاص وهو انتقام أعمى ، فلعلك تعجب إذا علمت أن جريمة الأخذ بالثأر لا توجه في الغالب للقاتل بل أن الأسرة التي لها ثأر عليها أن تختار أقوى وأعلى شخصية من عائلة الخصم حتى يحترق قلب العائلة عليه وتكون خسارتهم فادحة ، وعلى هذا النحو يدفع الصالحون الناجحون "اللي عليهم العين" كما يقال ، ثمن جريمة لم يقترفها بل ربما ارتكبها أحد أقاربه المنبوذين المحسوبين عن طريق الخطأ لعائلته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.