مع تكاثر التنظيمات والكيانات السلفية، أقدم بعض الشباب السلفيين على تكوين مجموعة خاصة بهم أطلقوا عليها اسم "سلفيّو كوستا" نسبة إلى مقهى اعتادوا اللقاء فيه، ويرجع ظهور هذه المجموعة إلى شهر أبريل 2011، عقب استفتاء مارس "الديني" على التعديلات الدستورية، حين تولت بعض القوى الساسية فرضه تحت شعارات دينية واضحة بدعوى أن الموافقة عليه تعني التمسك بالدين، ورفضه يقضي على الشريعة الإسلامية. رويداً، انتشرت الفكرة على مستوى محافظات مصر، ليصبح أعضاء المجموعة قرابة 20 ألف عضو، وتبلور دورها السياسي باعتبارها مجموعة ضغط إعلامي، يمكنها مستقبلا إنشاء حزب اجتماعي حتى يكون لديها الحق في المشاركة السياسية على نحو قانوني، وقد تكون هذه المجموعة - قياسا إلى التنظيمات والكيانات السلفية الأخرى -غير ذات ثقل، كونها لا تتمتّع بشرعية "الإكليروس" السلفي الذي يضم رموز السلفية الكبار ومشايخها، لدرجة يمكن تشبيهها بقطاع سلفي خاص. وفي محاولة منها لإيجاد فرصة تعايش تبتعد عن معاظلات الخلاف السياسي والمذهبي، يرحب هؤلاء الشباب بالحوار مع كل الأطياف الدينية والفكرية والسياسية - من مسلمين ومسحيين، محجبات ومنتقبات، ليبراليين واشتراكين - بهدف التقريب بين هذه الأطياف، في ظل احترام الآخر وإتاحة حقوق متساوية للجميع في حرية التفكير والتعبير. وفي محاولة منهم لتحقيق هذا الهدف، قاموا بإنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنتجوا فيلما يحكي لقاء شاب سلفي بآخر ليبرالي، ويتعرض لكل المخاوف والظنون لدى كليهما، وجرّبوا الإسهام في تنمية المجتمع عن طريق مساعدة بعض الفتيات على تعلّم مهن تكفيهن مؤونة الحاجة، وتغطي بعضا من تكاليف معيشتهن، وكذلك اهتم البعض منهم بفن الجرافيك، اتّساقا - ربما - مع انفتاح هذا الفن على أحداث ووقائع ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، استكمالا لإعلاء الفن إلى مصاف الإيمان، ومجالا للمحاورة مع الآخر ومشاركته أعباء الوعي بقضايا الثورة والتغيير. إننا إزاء تجمع سلفي يبدو جديداً في مظهره الذي يتناغم مع الحداثة، بكل ما تحمله من قيم التحرر العقلي والإبداع، مع التمسك - في الوقت نفسه - بحيّز الإيمان وسلامة القلب، من دون ازعاجه بصخب المشهد السجالي الفقير، علّ الجماعة السلفية تتحرر من خطابها الناجز، والذي لم يعد يتبقّى له إلا استعارات تخبو فيها قوة الإيحاء، فهل تراها - هذه المجموعة - تحاول أن تجهر بأسئلتها في وجه الإجابات السلفية المحفوظة كما صاغها دعاتها ورموزها ممن يسعون إلى "سلفْنة" الواقع والخيال؟!.