على ضفاف البحر الأسود يستعد منتجع سوتشي، الروسي الأشهر والأدفأ والأكثر صيتاً، لاستقبال أكثر من 50 زعيماً ورئيساً أفريقيا، في أول قمة روسية- أفريقية يستضيفها المنتجع بعد ساعات، بما يؤشر إلى مرحلة جديدة وغير مسبوقة من التعاون والشراكة التي مهدت روسيا لها خلال السنوات الخمس الأخيرة، إذ كثفت من علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع القارة "الدافئة" التي تسابق على كسب ودها قوى عظمى وشركاء عالميون. لم تأت قمة سوتشي المرتقبة كسياسة مفاجئة ولم تنشأ فكرتها من فراغ، بل سبقتها سنوات شهدت منذ عام 2005 توقيع موسكو لاتفاقات عسكرية مع 21 دولة أفريقية، كما أن روسيا خلال العقد الماضي قفزت بحجم تجارتها مع القارة من 7ر5 مليار دولار في عام 2009 لتصل بها إلى ما اقترب من 4 أمثال مسجلة 4ر20 مليار دولار في عام 2018. وسعت روسيا سعيا حثيثا لإيجاد شركاء دبلوماسيين جدد علاوة على أسواق جديدة وبضائع، ولاسيما بعدما فرضت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي عليها في أعقاب ضم إقليم القرم وقرعت معدلات النمو المتسارعة لشراكات روسيا في القارة الأفريقية أجراس تحذيرات في واشنطن وباريس. ويرى الباحث في "وكالة بحوث الدفاع السويدية"، جاكوب هيدينسكوج، أن روسيا لديها مصالح، شأنها شأن القوى العظمى الأخرى، داخل أفريقيا "وتتضمن تصدير السلاح، واستيراد الموارد الطبيعية، والإسهام في مشروعات الطاقة." ، ورغم توقيع روسيا لاتفاقات عسكرية مع عدد لا بأس به يزيد على العشرين دولة أفريقية، فإن وجودها في القارة على أرض الواقع لا يزال محدودا إذا قورن بفرنساوالولاياتالمتحدة الأميركية وهو ما تحاول موسكو علاجه. ويجمع كثير من المراقبين على أن دخول روسيا إلى حلبة المنافسة لكي تخطب ود القارة السمراء لن يكون هيناً، فقد سبقها كثيرون سعوا منذ سنوات، بل عقود، واكتسبوا خبرة "مشاغلة" قلب "الثرية الفقيرة"، التي تمتلك 30 في المائة من احتياطيات الثروات المعدنية على مستوى العالم، و10 في المائة من احتياطيات النفط المؤكدة، و8 في المائة من احتياطيات الغاز الطبيعي، ويقطنها 2ر1 مليار إنسان في 55 دولة، وتحقق معدلات نمو هي الأسرع على مستوى أقاليم وقارات العالم بنسبة 4ر3 في المائة في عام 2018، ويتوقع أن تصل إلى 9ر3 في المائة في نهاية 2019، ووصل حجم ناتجها المحلي الإجمالي 5ر2 تريليون دولار، ويقترب حجم تبادلها التجاري مع العالم من كسر حاجز التريليون دولار سنوياً. ويكفي من بين طابور الخاطبين أن نرصد المنافس الصينى الشرس الذي تربع على عرش التجارة والاستثمارات في القارة السوداء، كأكبر شريك تجاري لأفريقيا للعام التاسع على التوالي، بحجم تبادل تجاري اقترب من 205 مليارات دولار في عام 2018 بما يعادل 10 أمثال حجم التبادل التجاري الروسي الأفريقي. ويترأس جلسات قمة سوتشي التي ستعقد يومي 23 و24 أكتوبر الجاري، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كثف خلال السنوات الخمس الماضية من علاقات بلاده الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع القارة السوداء، في مسع لإعادة دخول بلاده باعتبارها قوة عالمية مهمة ومهيمنة إلى أفريقيا. وفي هذا الصدد تسير روسيا في مقاربة مشابهة لما أنجزته الصين بمنتداها التعاوني الصيني الأفريقي الذي أصبح له نفوذ مؤثر كمصدر من مصادر دعم الدول القارة الأفريقية، فالمنتدى الصيني الأفريقي في دورته الأخيرة حضره عدد من القادة الأفارقة بلغ ضعف اولئك الذين شاركوا في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. لذا فإن كثيراً من المراقبين يرون أن روسيا لا يساورها أدنى شك في أنها تستطيع تحقيق علاقات متميزة ومؤثرة مع القادة الأفارقة تضاهي ما حققه الصينيون في القارة السوداء، وإن كان المراقبون يرون أن تلك العلاقات ستتميز لأسباب أخرى ومتباينة، إذ أن روسيا تتطلع لإبرام المزيد من الصفقات العسكرية مع البلدان الأفريقية، على غرار ما وقعته أخيراً مع نيجيريا لقتال منظمة "بوكوحرام"، علاوة على المزيد من صفقات النفط والغاز الطبيعي والمناجم ومشروعات طاقة نووية، وتشمل الدول المرشحة لمثل تلك الاتفاقات مدغشقر وموزمبيق وزيمبابوي والسودان وجنوب السودان. ورغم المساعي المكثفة الأخيرة، فإن حضور روسيبا في القارة الأفريقية لا يزال هامشياً إذا قورن بالقوى العظمى الأخرى كما أنها لا تهدد مصالحها الجوهرية، بيد أن ذلك قد يتبدل مستقبلاً، بينما تعتلي روسيا قائمة الدول المصدرة للسلاح إلى أفريقيا، غير أن 80 في المائة من صادراتها من الأسلحة للقارة تذهب إلى حليفتها طويلة الأمد الجزائر التي تعتمد على السلاح السوفييتي منذ استقلالها عن فرنسا في أواخر الخمسينيات.