سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"العمل الخيري" للإخوان تاريخ ملوث من النشأة إلى أموال قطر.. مبدأ التنظيم "سم الخيانة في عسل العمل الخيري".. البنا أسس جماعته على "الاستغلال والنفعية ونفاق السلطة"
مثلت الإطاحة بجماعة الإخوان عن حكم مصر عام 2013، صدمة كبرى للتنظيم الدولى للجماعة، وعليه رأت حكومات أجنبية أن ثورة 30 يونيو ستغير شكل المنطقة لا مصر فحسب. وبمرور الوقت اتضح أن تلك الإطاحة كانت ناقصةً، ولكى تكتمل تحتاج إلى مزيد من الجهود لاستئصال أى حضور إخواني، بدليل أن التغلغل الإخوانى يعمل وفق آلية موجودة منذ لحظة تأسيس الجماعة الأم فى مصر، وحتى اليوم، وترك ذلك التغلغل أو الاختراق مئات الجمعيات التى تندرج تحت مُسمَّى العمل الخيري، إلا أنها تحمل أهدافًا سياسية مريبة، وبالطبع غير معلنة. حسن البنّا من هنا بدأت البداية تعود إلى المؤسس الأول للجماعة حسن البنّا، إذ أقر لجماعته مبدأ العمل الخيرى أو التكافلي، وهو ما يبدو ظاهريَّا أنه عملٌ إسلاميٌ صوفى؛ لكن الأحداث التى تلت التأسيس أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن الهدف كان ولا يزال سياسيًّا لا خيريًّا بالمرة، ولعل فكرة حسن البنا حول «أستاذية العالم» التى تزخر بها أدبيات الإخوان، أبرز دليل على سياسة الجماعة من النشأة بمدينة الإسماعيلية عام 1928م. ووفقًا لموقع إخوان ويكى (الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان) فأول ما دشنه البنّا بالإسماعيلية عقب التأسيس كان مسجدًا وناديًا ومعهدين إسلاميين أحدهما للبنين باسم «حراء»، وآخر للبنات باسم «مدرسة أم المؤمنين»، بهدف النفاذ أكثر داخل المجتمع المصري، والوصول لأعرض شريحة ممكنة فيه. ومن المنطلق الخدمى نفسه، كانت توجهات حسن البنّا، الذى اتخذ مواقف سياسية متباينة من الحكومات خلال الثلاثينيات والأربعينيات؛ فتّحت لجماعته الأبواب أمام برنامجها الاجتماعي. الملك فاروق ويؤرّخ المفكر السياسي، عمّار على حسن، فى دراسة بعنوان «الشبكة الاجتماعية والاقتصادية للإخوان والسلفيين» لهذه الفترة، فيقول: إن البنّا فضّل الوقوف إلى جانب الملك فاروق فى بعض الفترات، وأيد إسماعيل صدقى رئيس الوزراء، فى مواجهة حزب الوفد، الممثل السياسى الحقيقى للأمة المصرية آنذاك، ليحصل فى المقابل على منح من وزارة التربية والتعليم عام 1946، مكنت الجماعة من بناء مدارس تحملت الوزارة نفقاتها التعليمية والإدارية. ليس ذلك فحسب، إذ ينقل المُفكر السياسى عن أحمد حسين زعيم مصر الفتاة، أن الإخوان عقدوا مع السعديين صفقة، مطلع الأربعينيات، تسمح للجماعة بدعم السعديين مقابل أن تغض الحكومة الطرف عن مخالفة الإخوان للقانون المصرى بتأسيسها «نظام الجوالة». ويكمل على حسن، فيقول: إن الجماعة تمكنت من تكوين تفاهمات مع الحكومات المتتالية سمحت لها بتدشين المستشفيات والمدارس تحت رعاية وزارة الشئون الاجتماعية، لاسيما تأسيسها لجمعية الكشافة التى شاركت فى برامج اجتماعية وساهمت فى انتشار فكر الإخوان وتغلغله فى المجتمع. وإذ كان البنّا استهدف من تفاهماته مع الحكومة والملك ذات الطابع البرجماتي- فى أغلب الأحيان- غض الطرف عنه أثناء تكوينه للظهير الاجتماعي، فثمة سبيل مواز حرص البنّا على السعى به لدعم هذا الظهير، وهو خلق نشاط اقتصادى يمثل الممول للأنشطة الاجتماعية. القيادى الإخوانى مصطفى مشهور الإخوان ما بعد البنّا استمرت جماعة الإخوان على قناعتها فيما يخص ضرورة الظهير الاجتماعي، حتى بعد موت البنّا فى 1949، إلا أن اصطدام الجماعة بالسلطة الجديدة عقب ثورة 1952، أوقف هذه المشاريع وكاد أن يقضى على أى ظهير اجتماعى عمل المؤسس على تكوينه؛ حيث أقرت قيادات إخوانية بأن جماعتهم كانت على وشك الانقراض بفعل سياسات الحقبة الناصرية؛ لكن السادات جاء ليمنحهم قبلة الحياة بفرصة جديدة للبقاء. ويستندون فى ذلك إلى القيادى الإخوانى مصطفى مشهور، الذى صار مرشدًا للجماعة فيما بعد، إذ وجد أزمة فى أعداد الكوادر الإخوانية عندما طالبته الدولة الساداتية بإحياء جماعته من جديد. ويُقال إن مشهور عاد وقتها إلى كراسة قديمة كان قد سجل فيها أسماء هؤلاء وعناوينهم وخبأها، ولم يجد من يتواصل معه سوى خمسمائة شخص فقط. وبفضل المساحة- السياسية والاجتماعية أيضًا- التى تركها السادات للجماعة تمكنت من استعادة تغلغلها الاجتماعى عبر خطابها الدعوى والخدمي، مستغلة غياب الدولة عن بعض المناطق المهمشة. محمد حسنى مبارك وهو ما استمر خلال فترة حكم الرئيس الأسبق، محمد حسنى مبارك، الذى فُتحت النقابات فى عهده أمام الجماعة، رغم خطاب الكراهية الذي كان يروجه رموز النظام تجاه الإخوان، واعتبرت الجماعة نفسها بديلًا للدولة فى بعض المناطق التى أهملتها الدولة- تحت حكم مبارك- لظروف اقتصادية واجتماعية لا مجال لذكرها، وساعد ذلك الجماعة فى زيادة مصادر دخل الجماعة التى تضخمت للغاية فى هذا الوقت. ويحدد الخبير الاقتصادي، عبد الخالق فاروق، فى دراسة بعنوان «اقتصاديات جماعة الإخوان المسلمين فى مصر والعالم.. محاولة أولية للتقدير»، هذه المصادر فى اشتراكات الأعضاء، التبرعات، معونات تتحصل عليها من دول عربية وجمعيات بأوروبا وأمريكا، لاسيما مشاريع تجارية داخلية وأخرى خارجية، وتدفقات تحصل عليها من برامج الإغاثة الدولية، إلى جانب تدفقات وتمويل ما كان يسمى حركة «الجهاد الأفغانى»، والتى انتقلت فيما بعد إلى بلدان أخرى، آخرها التبرعات التى يتم جمعها ل«الجهاد فى سوريا». ويتطرق عبد الخالق إلى الجمعيات الإخوانية التى تستند إليها الجماعة فى تغلغلها الاجتماعي، قائلًا إنها تُدار عبر 1055 جمعية أهلية تتبع الجماعة بشكل مباشر أو غير مباشر، وفقًا لإحصاء الحكومة المصرية لجمعيات الإخوان عقب سقوطهم. ويؤكد هذا الحديث الحكم الصادر عن محكمة الأمور المستعجلة فى 23 سبتمبر 2013، بالتحفظ على أموال 737 قيادة إخوانية داخل مصر وخارجها، وكذلك أموال 1107 جمعيات أهلية ثبت علاقتها بالجماعة و527 قياديًّا إخوانيًّا بمن فيهم الرئيس المعزول محمد مرسى، علاوة على 81 مدرسة إخوانية، لعدم التزامها بمناهج وقواعد وزارة التربية والتعليم. ويحدد عبد الخالق إجمالى ما ربحته جماعة الإخوان خلال عام واحد فقط (عام حكمهم لمصر) فى مليار دولار. الجماعة الأم.. دليل أبنائها فى البراجماتية على غرار تجربة الاختراق المجتمعى التى استهدفها الإخوان بمصر، سار نظراؤهم فى البلدان العربية، مستغلين تقصير الحكومات. وربما تمثل تجربة امتدادهم فى تونس، أحدث هذه التجارب، إذ يقول الكاتب التونسي، مختار الدبالي: إن حركة النهضة تمكنت فى الفترة ما بعد الثورة التونسية من مضاعفة عدد جمعياتها الخيرية فى المجتمع التونسي، لشغل فراغ الحكومة، لا سيما دورها الاجتماعى المتضخم الذى مارسته فى فترة حكم الترويكا (2013:2012). وأكثر ما أثار المجتمع التونسى على خلفية هذا الدور التعاون الذى تقيمه بعض الشركات التابعة للنهضة مع وزارات تونسية، ما فتح النار على هذه الوزارات التى اُتهمت بتسهيل الدور الإخوانى فى استغلال فقر التونسيين.