هووووووووي هوووووي هوووووي نباح حزين استطاع أن يقلقه من منامه، الأمر الذي فشلت فيه أسراب البق التي كانت تنهش في جسمه المنهك باستمتاع؛ فقام وجلس على حافة الكنبة المتهالكة، وبغيظ شديد “,”فعص“,” بقة شرهة كانت تقف فوق ثقب كبير في صدر فنالته الكالحة، وشعر بالغثيان والدم يلوث أصبعه، خاصة عندما تذكر أن الماء قد فرغ، ولم يملأ الجركن الأخضر الكبير الذي يحتل ركنًا بارزًا في غرفته الحقيرة، والتي يجاوره فيها “,”عنتر“,”، كلب صاحب المنزل، والذي فقد وليفته مساء أمس، ومن وقتها لا يكف عن النباح بصوت شجي يوجع الأحشاء، جعله يظن أن هذا الكلب الضخم مسكون بالجن، بل إن نباحه كان ترجمة للعديد الذي كان يستمع له في جنازات قريته البعيدة في قلب الصعيد، وعاد الكلب ينبح وينوح ويتردد صدى النباح في قلبه إلى كلمات -هوووي وي وي محلى العروسة دي نازلة من فوق نسمة هوا بين الحلق والطوق محلى العروسة دي نازلة تجري وووي ووي نسمة هوا بين الحنا تضوي ووي هووي اااي ايي اي يا من عمل لي رأس على رأسي وأبكى على جور الزمان قاسي يا من عمل لي رأس وجوز عيون أبكي على جور الزمان وأقول واغرورقت عينيه بالدموع، وتعجب أن يفعل به نباح جاره الذي لم يكن له أي مودة، منذ أن سكن فوق هذه السطوح، كل هذه المواجع، فاندفع ناحية الباب الخشبي الضعيف.. وشد الترباس وخرج باحثا عن نسمة هواء، وأي طريقة لإسكات الكلب الحزين، فاصطدم بالمعلم خليل، صاحب البيت الذي أمامه، يحمل في يده سندوتشات كفتة ذات رائحة نفاذة، وقد أخرجها من الكيس المميز لوجبات التيك أواي، والعلامة المعروفة لسلسلة محلات الدسم، وقال المعلم خليل: لم يذوق الذات منذ أن فقد وليفته ورد عليه بتأثر كان الله في عونه بينبح زي اللي له ميت وفتح المعلم خليل باب الحجرة وفوجئ بكلبه المدلل هزيلًا مكسورًا، تلمع في عينيه دموع سوداء؛ فاقترب منه وربت على ظهره، وقدَّم له الكفتة الساخنة الشهية، وشمها الكلب وهاج هياجًا عظيمًا، وأخذ يدق الأرض بقدميه ويتلوى كالمسموم.. ثم رفس الكفتة فلقفها جاره بيقظة وحنو، وقدمها للمعلم خليل الذي رفض أخذها قائلاً: بالهناء والشفاء.. خد بالك دي من محلات الدسم شكرًا يا معلم أنا لا أقرف فرح كثيرًا بالعشاء الشهي، وكان الكلب ما زال هائجًا لم ينقطع صوت نباحه لحظة واحدة، وعاد إلى حجرته وارتمى على الأرض، وأخذ يلتهم الكفتة الساخنة بنهم شديد، وكان يأكل بيده اليسرى، ويضع يده اليمنى خلف ظهره حتى لا يرى دم البق الذي يلوث أصبعه. الكلب لم يهدأ لحظة، نباحه يهز البيت، الأمر الذي توقف بسببه عن مواصلة الأكل، ورن في داخله يقين ملتهب بأن هذه الكفتة مصنوعة من لحم الكلبة الغائبة، ونزلت دموعه حتى اصطدمت بشظايا الدسم المتجلط فوق شفتيه، وذابت فوق لسانه فتافيت الخلطة السرية التي تشتهر بها سلسلة محلات الدسم، ذات المذاق اللذيذ؛ فانتصرت شهوة الأكل بداخله، وأكل بكلتا يديه، وأخذ قرارًا أن تكون الكفتة هي طبقه الرئيسي الأسبوع المقبل.