تثير دراسة الفكر التنموي وعلاقته بالولاء والهوية الوطنية بعض التساؤلات، منها هل يوجد علاقة وثيقة بين تجديد الفكر التنموى والولاء والهوية الوطنية؟ أم هنالك علاقة بين الإنسان والفكر التنموي كصانع للتنمية؟ فى الواقع أن دراسة الفكر التنموى تشمل الاثنين معًا، وفى إطار ذلك فإننا نبدأ فى التعرف على بعض المصطلحات التى يخلط البعض فيها والتى أرى من وجهة نظرى أنها أحد المقومات الأساسية لنجاح العملية التنموية؛ لذا وجب أن نركز على أهم الفروق الجوهرية بين كل من (الانتماء) و(الولاء) و(الهوية الوطنية) و(الاندماج الوطني) كصفات محورية لصانع التنمية والفكر التنموى وهو (الإنسان)، حيث يعتبر هو العامل والمشترك الرئيسى للتنمية والذى يتمثل فى شقين رئيسيين هما (الغاية والوسيلة للتنمية) بمعنى آخر (أن الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها) فى ذات الوقت كونه العملة ذات الوجهين للتنمية، ويعتبر الولاء والهوية الوطنية هى (ذات العملة) للفرد داخل المجتمع، وإن كان الإنسان هو (صانع التنمية) فإن أهم مقومات نجاح التنمية هى الولاء والهوية الوطنية كأحد أهم الصفات التى تميز المواطن داخل المجتمعات وصولاَ لفكر تنموي نابع من سواعد وطنية. 1 - (الانتماء) الانتماء يعنى فى معجم اللغة بالانْضمام والانتِساب إلى مجموعة والانْخِراط في فصيل أو حزب أو عائلة أو نادى رياضى.... إلخ بمعنى الانتِساب لعناصر البيئة المحيطة بالأفراد، حيث يشعر الفرد دائما بأنه بحاجة إلى الارتباط مع مجموعة يلتمس منها المساعدة فالطفل كعضو في أسرة يبدأ بالشعور بأنه ينتمي إليها، وهذه الحاجة تنمو مع الطفل منذ شهوره الأولى، وبعد ذلك قد تتاح لديه فرصة التعرف والاحتكاك بأطفال آخرين في المجتمع الذي يعيش فيه أو في مدرسته وشيئا فشيء تتوسع دائرة انتماءاته وتزداد حاجته للانتماء إلى مجموعات أخرى أوسع فى حياته، حيث إن الانتماء ليس مصطلحا يستخدم في الأغراض السياسية فقط ولكنه مفهوم فلسفي متحرك يمكن إدراكه في ضوء العديد من العمليات والمتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية فى المجتمع والمراحل المختلفة للفرد في الإطار الاجتماعي بذاته فيكون الفرد جزءا من المجموعات التي يشترك فيها حيث إن الفرد لا يمكن أن يكون منعزلا وبعيدا عن الانتماءات الشخصية كالحزبية أو الفكرية أو الدينية أو الإجتماعية فأنا اعتبر الانتماء حرية بالفطره وسلوك فردي. 2 - (الولاء) الولاء كلمة جامعة، حيث يعتبر الولاء جزءا من الهوية الوطنية، وفى معجم اللغة هو الوفاء والإخلاص والمُناصرة والالتزام، وهو أشمل وأعم من الانتماء حيث يعتبر الولاء المدخل الصحيح للهوية الوطنية نظرًا لأنها وحدة من المشاعر الداخلية التي تتمثل في الشعور بالاستمرارية والتمايز، والتكاملية وهذا يعني أن الهوية هي وحدة من العناصر المادية والنفسية المتكاملة التي تجعل الشخص يتمايز عما سواه ويشعر بوحدته فعندما تتعارض الانتماءات مع الولاء فلا مجال للانتماءات بمعنى (ألا يعلو ولاء فوق ولاء الوطن)، حيث يعتبر الولاء من أهم مؤشرات تكامل المجتمعات. 3 - (الهوية الوطنية) الهوية هى دليل على الوجود ففى المعنى الفلسفى الأرسطى تعني (الوجود)، وجوهر الإلتزام وفى معجم الوجيز تعنى (الذات)، حيث يقوم مصطلح الهوية على التشابه ووحدة وديمومة واستمرار الخصائص الأساسية للفرد أو مجموعة أفراد حيث أنها تتضمن وعيًا بالذات والمصير الواحد كما تعبر عن الشعور بالولاء الجماعى وتعبيرا عن المحدد الرئيسى فى التمييز بين (نحن) و(أنا) بل هى الأداء الرئيسية للتصنيف الوطنى فهوية الشيء تعنى (ماهيته وحقيقته المعبرة). فالهوية الوطنية هي مجموعة من القيم والأخلاق التي تنعكس أفعالها فى تعزيز استقرار الوطن والهوية الوطنية (لا تتجزأ ) بمعنى أن الهوية لن تكون انعكاسًا لتصور فئة ما دون غيرها وهذا يجعلها هوية وطنية بحق وليست تعبيرًا عن موقف سياسي أو إيديولوجي ضيق وليست تعبيرًا عن هوية فرعية كتلك ذات الأصول الإثنية أو الدينية أو الاجتماعية الفئوية أو غيرها فالهويات الجزئية في تركيب الشعب الواحد أو الأمة الواحدة قد تنازع الهوية الوطنية ولكن حتى وإن سادت لفترة لا ترقى إلى مستوى الهوية الوطنية. حيث يبدأ طريق الهوية الوطنية السليم ( بتربية النَشْء ) تربية قويمة أساسها قيم الولاء والوفاء والإخلاص والمُناصرة والالتزام حيث إن لكل أمّة خصائص وسمات تتميز بها وتترجم روح الولاء لدى أبنائها ولها أهميتها في رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها وبدونها تفقد الأمم كل معاني وجودها واستقرارها بل يستوى وجودها من عدمه وهناك عناصر للهوية الوطنيّة لا بد من توفرها وقد يختلف بعضها من أمّة لأخرى هى الموقع الجغرافي والأرض الواحدة والتاريخ المشترك الذي يربط من يشتركون في الهوية الوطنية الواحدة الذى يمثل الأحداث التي مرت بآبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم وكذلك الإقتصاد والعلم الواحد وهو الرمز المعنويّ الذي يجمع كل أبناء الشعب الواحد والقضيّة الواحدة والولاء للوطن والحقوق المشتركة والواجبات. 4 - ( الاندماج الوطني) يعرف على أنه تلك العملية التى يتم من خلالها تعزيز الولاء الوطنى للدولة سواء بالإغراء أو بالإكراه ليعلو على كافة الانتماءات والولاءات الفرعية دون الوطنية فى المجتمع بمعنى أنها العملية التى يتم من خلالها (التوافق المجتمعى بين جميع أطياف المجتمع)، وذلك لعدم الوصول إلى تلاشى مفهوم الولاء الوطنى داخل المجتمع ومن ثم الوصول إلى مشكلة عدم الاندماج الوطنى وهى تلك المشكلة التى تعبر عن أزمة علاقة أفقية داخل المجتمع من خلال التعددية الثقافية والدينية والإثنية حيث نجد أفراد المجتمع وجماعاته ليسوا على استعداد للتعامل (سويًا كشركاء متساويين) ومن ثم قد يتلاشى مفهوم الولاء الوطنى. وأخيرًا: كملخص على أهمية المفاهيم السابقة ذات الأثر المباشر والإيجابى فى تجديد الفكر التنموي تتلخص فى أن تحقيق التنمية الحقيقية لجميع المستويات التنموية لا تأتى إلا من خلال الفكر التنموى النابع من وحي المجتمعات والمرتكزة على ركائز محورية هى (الولاء والهوية الوطنية) لجميع أطياف المجتمع من خلال الاعتماد على (سواعد وطنية) ذات كفاءة وخبرة، وذلك لخلق نماذج تنموية وطنية صالحة لتلبية الاحتياجات وقادرة على الاستمرارية.