داخل صالات الجيم.. الكُل يحلم بأجساد رياضية، قوية وعضلات مفتولة، بارزة. غير أن الكوابيس لا تضل طريقها أمام رواد الصالات الرياضية فى مصر بعدما أضحى يعتقد الكثيرون من الشباب أن «فورمة الساحل» تتطلب منشطات وكبسولات ومُكملات للوصول إليها، وتحولت أغلب تلك الصالات إلى «بيزنس» لبيع المُنشطات مجهولة المصدر والمُهربة. غير مُدركين لخطورة آثارها السلبية على الصحة، والتى يأتى فى مقدمتها؛ أمراض الضغط وتليف الكبد وتنشيط الخلايا السرطانية وصولًا بالصفات الأنثوية والعقم، ليكتشفوا مؤخرًا أنهم ضحوا بصحتهم مُقابل؛ «النفخة الكدابة». «الستيرويد وجروث هرمون وبيتايد وجى إتش وآر بى 6 وآر بى 2 وبيكا» أشهر الأنواع.. وأسعار؛ كورس الهرمون تبدأ من 600 جنيه.. وأمريكا تعاقب بالحبس والغرامة 250 ألف دولار لكل من يسمح بتداولها داخل الصالات الرياضية. «بيزنس» النوادى الصحية .. 6 شهور فقط.. وتصبح فورمة داخل إحدى الصالات الرياضية ببولاق الدكرور، ووسط ضجيج وأصوات الشباب أثناء أداء التدريبات، التقت «البوابة» أحد المدربين، الذى اشترط ستر هويته الحقيقة خلف اسم أحمد ديزل. يقول إنه فى فترة الثمانينيات والتسعينيات كان المُتاح فى السوق وأقصى ما يتعاطاه بعض اللاعبين والمتدربين من مُنشطات، هرمون «ديكا» وهو مسئول عن ملء الجسم بالمياه وإزالة الدهون. ويُتابع ديزل، أن السوق حاليًا بها ما يُقارب من 100 نوع مُختلف من المُنشطات والهرمونات والمُكملات الغذائية، وفى مُقدمتها؛ الستيرويد وجروث هرمون وبيتايد وجى إتش وأر بى 6 وآر بى 2، وغيرها من هرمونات النمو التى تتعدد باختلاف ما يحتاجة الرياضة أو المتدرب، فبعضها مسئول عن التنشيف وآخر عن التضخيم وثالث عن الشفط وهكذا. ويؤكد ديزل، أن أى شخص يهدُف إلى عمل فورمة خلال 3 إلى 6 شهور فقط، يلجأ بالتأكيد لاستخدام مُنشطات وهرمونات نمو داخل صالات الجيم، لأن الفورمة الطبيعية للجسم الرياضى تستغرق من سنة إلى 3 سنوات. مُشيرًا إلى أن استخدام الهرمونات يتم وفق جدول زمنى مُحدد فيما يُسمي؛ «كورس هرمون»، والذى تبدأ أسعاره من 600 جنيه إلى 22 ألفًا، وأحيانًا 40 ألف جنيه واستخدامه بالسنتيمتر. «مفيش حد عايز يعمل فورمة ما بياخدش منشطات وهرمون».. بتلك الكلمات أنهى «ديزل» حديثة ل«البوابة» مُتحججًا بضرورة متابعة عمله مع المتدربين، ورافضًا طلبنا بالحديث مع الشباب الموجود داخل «الجيم». ليس فقط فى صالة الجيم الموجودة بناصية أحد شوارع بولاق الدكرور يتم استخدام المنشطات، حيث تفاقمت مؤخرًا ظاهرة استخدام وتناول هرمونات النمو داخل الصالات والنوادى الصحية، خاصة بين النشء والشباب المُغرمين بالظهور أمام الآخرين بأجساد مفتولة العضلات، دون اكتراث لآثارها المدمرة للصحة، خاصة فى ظل غياب الرقابة الصارمة والمتابعة المستمرة عليها. ومُنذ عام 1976 نَصَت لائحة اللجنة الأوليمبية على خطورة المنشطات وكبسولات الهرمونات وطالبت بتحريمها، لاحتوائها على مواد مُثيرة للجهاز العصبى المركزى تُساعد على عدم الإحساس بالألم فى الجسم أثناء التمارين الشاقة أو السباقات والبطولات. وتُعتبر فترة الصيف، حيث الإجازات، هى الأكثر ازدحامًا داخل صالات الجيم. ويعود السبب الرئيسى إلى رغبة كثير من الشباب الهواة برياضات رفع الأثقال وكمال الأجسام الحصول على؛ فورمة الساحل وأجسام رياضية خلال أقل وقت ممكن. حسبما يقول أحمد عابدين، طالب بكلية الزراعة جامعة القاهرة وأحد المرتادين على الصالات الرياضية. ويُضيف عابدين، أنه بسبب الاستعجال يلجأ أغلب هؤلاء الشباب إلى المنشطات والمكملات الغذائية والكبسولات لشد أجسامهم، ولكى يصبحوا أبطالًا فى وقت قصير بدلًا من اتباع برنامج غذائى متكامل والاستمرار فى ممارسة رياضاتهم لفترات طويلة. ويُتابع عابدين، أن بعض صالات الجيم تغرر بالشباب فى البداية عن طريق إعطائهم نصائح باستخدام مكملات غذائية أقل ضررًا وتأثيرًا فى البداية، باعتبارها فيتامينات وبروتينات فقط، لكن بعد فترة قصيرة يبدأ بعض المدربين بعرض منتجاتهم من كبسولات ومنشطات على المتدربين، مُشيرًا إلى أن تلك الكبسولات تتسبب على فترات طويلة فى تدمير الجسم، خاصة فى حالة التعود على تناولها، حيث تتسبب فى الفشل الكلوى والكبدى وحدوث العقم أيضًا. بينما قال محمود عبادى، محاسب وأحد رواد صالات الجيم، إن من يُريد الحصول على جسم رياضى يجب عليه عدم الاستعجال والاعتماد فقط على ممارسة وأداء التدريبات الرياضية باستمرار مع الحفاظ على نظام عذائى ثابت والابتعاد نهائيًا عن الكبسولات والحقن. من جانبه، قال الكابتن مُصطفى كمال، مدرب كمال أجسام، إن تعاطى المنشطات وهرمونات النمو داخل صالات الجيم تحول إلى «هوس» بين الشباب، كما أن 50٪ من النساء التى ترتاد تلك الصالات تقع ضحية لاستخدام تلك الهرمونات. « بؤرة فساد » لبيع وتداول المنشطات الرياضية تدخل مُعظم المنشطات الرياضية وهرمونات النمو مصر عن طريق التهريب، لتجد لها سوقًا كبيرة داخل صالات الجيم ومحال بيع المكملات الغذائية وصيدلات أخرى مشبوهة، فضلًا عن أن شريحة كبيرة يحصلون عليها من خلال الشبكة العنكبوتية وصفحات التواصل الاجتماعى التى تحمل مسميات من عينة؛ مكملات الأبطال. الأمر بسيط، خاصة أن الطلب يصلك إلى باب المنزل. ورغم أن مئات الشحنات تصل مصر وتُباع ويتم تعاطيها، غير أن بعض تلك الشحنات تجد طريقها إلى الجهات الرقابية. وقبل عدة شهور أحبطت جمارك مطار بُرج العرب دخول كمية كبيرة من المُكملات العذائية والمنشطات الرياضية إلى البلاد، بعدما اشتبه رجال الجمارك فى أمتعة ركب مصرى، وبعد تفتيشها بجهاز الفحص بأشعة إكس تبين وجود 1200 عبوة مكملات غذائية، مأكولات وأقراص متنوعة موضوعة داخل إحدى الحقائب، بقيمة تتخطى مليونًا و200 ألف جنيه. ويؤكد الدكتور أسامة غنيم، المدير التنفيذى للمنظمة المصرية لمكافحة المنشطات، أن جميع النوادى الصحية «الجيم» فى مصر تُعد «بؤرة فساد» لبيع وتداول المنشطات داخلها لعدم وجود قوانين رادعة، فقط قرار وزارى مُشترك، صدر سنة 2014، بين وزارتى الصحة والشباب والرياضة، خاص بإشهار وترخيص تلك النوادى، نص فى أحد مواده على عدم بيع المواد المنشطة داخل الأندية الصحية. ويوضح غنيم أنه من المفترض أن يقتصر دور الجيم بالنسبة لغير الرياضيين على أداء تمارين رياضية على أجهزة وأوزان ذات مقاومة بهدف الحفاظ على اللياقة البدنية، أما للرياضيين فيُعد النادى الصحى بمثابة جزء استكمال للبرنامج الرياضى الذى يلتزم به اللاعب، وأنه فى كلتا الحالتين يكون التدريب بدنيًا وبعيدًا تمامًا عن تناول المكملات الغذائية والهرمونات والمنشطات. ويُتابع غنيم: «الأمر مختلف الآن، تدخل النادى الصحى لتجد المدرب يسألك، عايز فورمة الساحل ولا فورمة عمرو دياب وغيرهما؟ وكل فورمة لها سعرها، ثم يبدأ فى بيع مُنشطات وأدوية مجهولة المصدر للمُتدرب، بعض هذه الأدوية بها مواد لا يمتصها الجسم كالستيرويد والتستوستيرون، فقط مُقابل؛ النفخة الكدابة». ويُشير رئيس المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات، إلى أن بعض الصيدليات تتواطأ مع صالات الجيم فى بيع هرمونات النمو والمنشطات المُهربة ومجهولة المصدر، حيث إنها لا تحمل بيانات التصريح والترخيص التشغيل والتحليل على أغلفتها، فى حين أنها تتسبب فى الإصابة بالسرطان والعقم، خاصة أنه تم الإعلان فى 2013، على لسان وزير الصحة السابق، أن 30٪ من الشباب المصرى يُعانى من العقم. ويُضيف، أنه لا بد أن تشارك «مكافحة المنشطات» فى الرقابة على النوادى الصحية فى مصر من خلال منحها الضبطية القضائية. موت مبكر بسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية تتعدد مخاطر تناول هرمونات النمو والمنشطات الرياضية. ووفقًا لتقرير نشره موقع «dailymedicalinfo»، فإن الأطباء حذروا من أن إساءة استخدام المنشطات فى كمال الأجسام، مؤكدين أن المنشطات قد تؤدى إلى الموت المبكر بسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية. وتشير الأبحاث العلمية إلى أن إدمان الرياضيين للمنشطات تتسبب بمشكلات عدة كالتعرض للإصابات الناتجة من زيادة حمل التدريب وضعف جهاز المناعة. وحذرت الجمعية البريطانية للقلب والأوعية الدموية، من استخدام الآلاف للمنشطات الرياضية، خاصة الشباب فى سن المراهقة، كونها سببًا رئيسًا وراء النوبات القلبية والسكتات الدماغية، ومشكلات صحية أخرى كالعقم وتقلب المزاج فضلًا عن تسببها فى اختلال التوازن والهرمونات. وتُفرق الدكتورة زينب بكرى، أستاذ التغذية وطب الأطفال ومدير المعهد القومى للتغذية الأسبق، بين خطورة تناول المنشطات الرياضية حسب كل نوع، حيث إن البروتين والهاى بروتين والكرياتين يؤثر تأثيرًا مباشرًا على الكلى يصل حد الفشل الكلوى، فى حين أن هرمونات الستيرويد والديكا والكورتيزون ينتُج عنها العُقم وتؤثر على الهرمون الذكرى، وتصل حد الوفاة أحيانًا. وبحسب النشرات الطبية، فإن استعمال «الستيرويدات البنائية» يتسبب فى ظهور مجموعة من الآثار الجانبية التى يأتى فى مقدمتها؛ المعاناة من بعض المشاكل والاضطرابات النفسية، مثل الشك وتقلبات المزاج بشكل خطير، وتلف الكبد وتضخم القلب وارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى بعض الاضطرابات فى الذكور مثل تقلص الخصيتين ونقصان عدد الحيوانات المنوية، والإصابة بالصلع وظهور الأثداء وارتفاع احتمالية المعاناة من سرطان البروستاتا. وتُضيف: أن تناول أى نوع من الهرمونات لا بد أن يكون تحت إشراف طبيب تغذية مُتخصص، وليس إخصائى تغذية أو مدربًا داخل صالة جيم وبناء على تحاليل طبية، للتأكد من عدم وجود أى عيوب خلقية أو قصور فى وظائف بعض أجهزة الجسم بالنسبة للمُتدرب، حتى لا يصل الأمر لكوارث صحية لا يمكن معالجتها. وتُشير أستاذ التغذية إلى أن بعض الرياضيين يلجأون إلى تناول البودر بروتين، لأن تناول كميات كبيرة من البروتين الطبيعى مُكلف ماديًا ويحتوى على تركيبات أخرى فى الأنسجة. منوهةً بدخول أغلب تلك الأدوية بطرق غير شرعية، كما يلجأ البعض إلى إضافة منشطات وهرمونات بيطرية إليها تتسبب فى السكتة القلبية، لذا لا بد من إحكام الرقابة على المنافذ والأسواق، كما أن أى نادٍ صحى يتورط فى بيع وتداول منشطات وهرمونات يُغلق فورًا، ويُغرم صاحبه. بينما قال الدكتور أشرف عبدالعزيز، أستاذ التغذية وعلوم الأطعمة وعميد كلية الاقتصاد المنزلى بجامعة حلوان، إن استخدام الأحماض الأمينية متمثلًا فى الأماينو أسيد، يؤثر على الكلى ووظائف عملها. موضحًا: «استخلاص الأماينو أسيد وبيعه للشباب الباحث عن العضلات أزمة كبيرة لما له من تأثيرات سلبية على الكلى ونواتج الهضم تصل للفشل الكلوى فى حالة عدم الوعى فى استخدامه». وفيما يخُص تورط بعض الصيدليات فى بيع المنشطات وهرمونات النمو، أوضح الدكتور محمد سعودى، وكيل النقابة العامة للصيادلة الأسبق، أن الصيدليات مسموح لها بيع أى أدوية من تلك الأنواع طالما مُسجلة ومُسعرة. وأضاف: «لكن حاليًا معظم الصيدليات لا تبيع تلك الأنواع من الأدوية سواء مسجلة وغير مسجلة، بعدما وجدت سوقها مباشرة فى صالات الجيم ومحال المكملات الغذائية». دعوات لوضع قوانين صارمة تمنع استعمال المنشطات شدد المستشار هيثم الجندى، الخبير القانونى، على ضرورة وضع قوانين صارمة تمنع استعمال المنشطات الرياضية داخل الصالات والنوادى الصحية، مع تشديد الرقابة على لاعبى كمال الأجسام وتفعيل دور وزارة الصحة الرقابى على تلك الأنواع من الأدوية. ويُشير الجندى إلى أن وزارة الصحة أصدرت قرارًا وزاريًا، حمل رقم 377 لعام 2009، إبان تولى الدكتور حاتم الجبلى وزارة الصحة، لتنظيم الرقابة على النوادى الصحية الموجودة داخل الفنادق والقرى السياحية والأندية الأخرى، لكنه لم يشمل الأندية الصحية وصالات الجيم الموجودة فى كل منطقة وشارع، ما يتوجب على «الصحة» وضع حلول لمشكلة تداول وتناول المنشطات وهرمونات النمو داخل صالات الجيم بعدما أضحت ظاهرة.