ان الإنسان كما يقول الكثير من العلماء بدأ التطور حينما اخترع الآلات التي يستخدمها، وبهذه الآلات استطاع ان ينتقل من عصر لعصر في أطوار تمدنه ورقيه، وربما أشيع عن العرب والمسلمين اهتمامهم فقط بالعلوم الانسانية وأنهم كانوا رواد فيها، إلا أن التاريخ يؤكد لنا أن العرب والمسلمين لهم اسهامات عديدة ومهمة في كل باب علمي نعرفه اليوم. وقد عرف المسلمون علم الميكانيكا بعلم الحيل، واشتهر عندهم ما بين القرنين الثالث والرابع الهجريين، حيث بدأ المسلمون بترجمة كتب اليونان في فروع العلوم الطبيعية، فأثارت رغبتهم للبحث والتجربة والتطوير، وأذكت فيهم روح العلم ومحبته، وأنشعت عندهم دقة الملاحظة، فأنشأوا المخابر ليحققوا نظرياتهم ويتأكدوا من صحتها. ومن الكتب التي ترجمها العرب في الميكانيكا، كتاب الفيزكس لأرسطو، وكتاب الآلات المصوتة على بعد ستين ميلا لمورطس، وكتاب هيرون الصغير في الآلات الحربية، وكتب قطيزينوس وهيرون السكندري في الآلات المفرغة للهواء والرافعة للماء. وقد درس المسلمون هذه الكتب دراسة معمقة وزادوا في تفاصيلها وأضافوا الجديد لها مما ثبت اسهامهم في تطوير هذا العلم. ورافق تطور علم الميكانيكا عند المسلمين، تقدم علوم الحساب والرياضيات والفلك، وازدياد الاقبال على صنع آلات التنجيم البسيطة والمعقدة، فضلا عن اهتمام ولاة الأمر ومهندسيهم بالمباني المشيدة وبالجنات المطلوب ريها بجر المياه إليها عبر أقنية، أو حمل هذه المياه إليها، أو رفعها، وبتوزيع مناسب لنوع الأرض وأجناس المزروعات. ودون المهندسون المسلمون وصفا دقيقا للآلات الميكانيكية وللطرق الهيدروليكية المعقدة في كتبهم، إلا أنهم لم يلتفتوا دائما إلى آلات أخرى بسيطة كانت متداولة لضعف شأنها، وهناك كتب الرحالة، والكتب الجامعة، آشارت أيضا إلى آلات ميكانيكية متنوعة خلال فصولها، من مطاحن تدار بالماء، وساعات لحساب الزمن، ورافعات مائية تعمل بالمد والجزر، ونواعير تعمل بقوة الماء، أو بواسطة الحيوان، ومعاصر لقصب السكر، أو لعصر الزيوت، فضلا عن آلات الحرب على اختلافها، وآلات أخرى متنوعة في مختلف الأغراض. وما وصلنا من كتب الحيل مفصلا هو كتابان، أحدهما لأبناء موسى، والثاني لابن الجزري، وقد أثير أن الكتابين يرسمان من الآلات ما يرغبه الملوك للتسلية في قصورهم، إلا أن هذه "المعرفة الميكانيكية" استغلها أصحابها أيضا في الحياة العملية، في أغراض مفيدة للمجتمع، غير أن المجتمع آنذاك لم يكن يمر بمرحلة شبيهة بمرحلة الثورة الصناعية في أوروبا لذلك تمثل هذه النقلة النوعية في علم الميكانيكا تلك القفزة المرغوبة للعلم التطبيقي. ونجد في آلات أبناء موسى والجزري ما يصف الأقفال والأبواب وآلات رفع الماء وساعات مائية وآلية، وألعاب ميكانيكية وأخرى مبنية على اندفاع السوائل وتحريكها لدواب وسلاسل.. ومن المؤسف أن هذين الكتابين لم يلفت إليهما التفاتا علميا يليق بهما ويعطيهما الحق الذي يستوجبانه.